أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-10-2016
2286
التاريخ:
4540
التاريخ: 15-10-2016
1971
التاريخ: 15-10-2016
1342
|
في الدهر الحجري القديم الأسفل:
بدأت بواكير النشاط الحضاري البدائي لإنسان الشرق الأدنى، وما عداه من المناطق الصالحة للإقامة في العالم القديم، في دهر يسمى اصطلاحًا باسم الدهر الحجري القديم الأسفل(1)، وهو دهر مديد للغاية، لن نطيل في مناقشة امتداده وخصائصه، ولكن يكفي أن نذكر أن الفوارق الزمنية بين النظريات المختلفة في توقيته تبلغ وحدها عشرات الآلاف من السنين، وأنه تعاقبت فيه على مناطق العروض الوسطى والمدارية التي يقع الشرق الأدنى فيها، حقب مطيرة طويلة جدا، وحقب أخرى جافة طويلة جدا(2).
وكانت خطوات بواكير الحضارة في هذا الدهر بطيئة للغاية بحيث تشابهت مظاهرها المتواضعة حيثما وجدت آثار البشر في دهرها. واستخدم الإنسان فيها أدواته اليدوية البدائية في الدفاع عن نفسه ضد الحيوان وضد أخيه الإنسان. وكان يستعين بها في تحصيل معاشه، وذلك كأن يستخدمها في صيد الحيوانات الصغيرة وتهشيم عظامها وتقطيع لحومها وسلخ جلودها، ويستخدمها في اقتلاع ما يستسيغ أكله من جذور النباتات، وما يود إسقاطه من ثمار الشجر. واتخذ الإنسان أدواته تلك من الأحجار وفروع الأشجار ومن العظام والمحار، ولكنه حرص حيثما استطاع على أن يتخذ أكثرها استعمالًا في حياته اليومية مما يتوفر في بيئته من قطع الأحجار الصلبة، وقد هدته التجارب إلى أن أصلح الأحجار لأغراضه قطع الظران، فكانت أداته المفضلة عبارة عن زلطة غليظة من الظران(3) كان يحرص حين يتخيرها على أن تكون قاعدتها مناسبة لقبضة يده، ويترك هذه القاعدة بشكلها الطبيعي وبقشرتها الطبيعية ما دامت ملساء نوعًا لا تؤذي كفه، ثم يشكل قمتها وجوانبها بما يسمح له بأن يستخدمها في أغراضه المحدودة التي أسلفناها. ويمكن تسمية الواحدة من مثل هذه الأدوات باسم الفهر.
ومرة أخرى لن نتعرض لتفاصيل خصائص الفهر وتطوراته ونحيل من شاء الاستزادة من المعلومات عنه إلى كتابنا عن "حاضرة مصر القديمة وآثارها". وكل ما يعنينا هنا أن فريقًا من الباحثين يفترضون منطقة قديمة واسعة منبسطة متوسطة الموقع معتدلة المناخ مفتوحة المداخل والمخارج تمرس الإنسان الأول فيها على صناعة الفهر الحجري وتطويره، ثم انتشر به منها إلى بقية المناطق الصالحة للسكنى في العالم القديم. ويعتقد بعضهم أن هذه المنطقة ذات الميزات الخاصة كانت ضمن مناطق الشرق الأدنى، وربما في شمال إفريقيا وغرب آسيا بخاصة، وكان منها هضاب مصر وما يحيط بها شرقًا وغربًا(4)، وهي هضاب كانت تتلقى نصيبًا كافيًا من الأمطار، وتنمو عليها نباتات تشبه نباتات السفانا الحالية ولا زالت شواهد صلاحيتها المناخية القديمة ماثلة في بقاء عدد من الوديان والأخاديد والينابيع شقتها المياه الغزيرة وجرت فيها، ثم جفت أو تحجرت. ولا زالت شواهد سكناها القديمة ماثلة كذلك في وجود أعداد من الأدوات الحجرية البدائية التي خلفها إنسانها الأول في مواضع متفرقة على سطحها.
وقسم الباحثون الحضارات البدائية في الدهر الحجري القديم الأسفل إلى قسمين متعاقبين، وهما: الحضارة الشيلية، أو الأبيفيلية، نسبة إلى قريتين في فرنسا وجدت فيهما نماذج كثيرة لأقدم أدوات الإنسان الأول. ثم الحضارة الأشيلية نسبة إلى قرية أخرى في فرنسا أيضًا عثر الباحثون فيها على نماذج عدة لأدوات حجرية امتازت بتطور نسبي عن الأدوات الشيلية التي سبقتها. ويتلخص هذا التطور بين الحضارتين في بداية اهتمام الإنسان بتصغير سمك وحجوم أدواته الحجرية بعض الشيء ربما ليسهل عليه استعمال أكبر عدد منها، ثم اهتمامه بتحديد حوافها وبتهذيب سطوحها بحيث تصبح مستوية بقدر الإمكان وبحيث ترضي ذوقه بعد أن أرضت مطالبه.
واهتدى الإنسان في خواتيم هذا الدهر، وفي بقعة أو بقاع ما من العام القديم، إلى طريقة إيقاد النار اهتداء عفويًّا في الأغلب، وكان اهتداؤه إليها مبشرًا بأول انقلاب مادي فعال في تاريخ الحضارة البشرية، انقلاب تميز به طعام الإنسان بعد طهيه بالنار عن طعام الحيوان، وأصبح الإنسان بفضله أكثر اطمئنانًا على نفسه وعلى عياله حين يستعين بدفء النار على مقاومة البرد والصقيع، وحين يستعين بنورها على مخاوف ظلام الليل عدوه المخيف، وحين يستعين بأثرها في حفظ لحم الصيد وعدم فساده سريعا. وليس من المستبعد أنه حين لم يعد فكه وأسنانه يتطلبان المجهود الذي كان يبذله في أكل اللحم النيئ كان لذلك بعض الأثر في أن تهذبت خلقته وخفت وحشيته.
__________
(1) O. Menghin, Welt Geschichte Der Steinzeit, Wien, 1931, 88 F.
(2) See, K. S. Sandford And W.J. Arkell, Palaeolithic Man…, Ii, 83 F.; S. A Huzayyin, The Place Of Egypt In Prehistory, Cairo, 1941, 94 F., 112, 329 F.
(3) انظر عن صناعتها: إبراهيم رزقانة: الآلات الحجرية - القاهرة - ص50.
(4) Huzayyin, Op. Cit., 302 F.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|