أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-11-2014
14519
التاريخ: 20-09-2014
2109
التاريخ: 5-11-2014
1920
التاريخ: 5-11-2014
3553
|
التشبيه تصوير فنّي يرسم المعنى في الخيال متجسّداً في قالب المثال ، خالعاً عليه ثوب الجمال ، ويزداد بهاءً كلّما كان أوفى بتحقيق الغرض المقصود من الكلام ، وما أن دقّ ولطف في التعبير والإيفاء إلاّ ازداد حسناً وكمالاً ، وهكذا ذهب القرآن في تشبيهاته مذهب الإيفاء وحسن الأداء ، الأمر الذي زلّت فيه أقدام كبار الأُدباء كلّما حاولوا الإكثار منه عاثوا وتعسّرت عليهم الإجادة وحسن الإفادة ، عكس القرآن ، فقد أكثر منه ، واحكم صلبه ، وخاض عبابه واستخرج لبابه ، فأفاد وأجاد ، وأبدع وأعجب ، وأحار ذوي الألباب .
قال ابن الأثير : التشبيه يجمع صفات ثلاثاً : المبالغة ، والبيان ، والإيجاز ، أمّا المقصود من قولنا ( زيد أسد ) أن يتبيّن حال زيد في اتّصافه بشهامة النفس ، وقوة البطش ، وجرأة الإقدام ، وغير ذلك ممّا يجري مجراه ، إلاّ أنّا لم نجد شيئاً ندلّ به عليه سوى أن جعلناه شبيهاً بالأسد حيث كانت هذه الصفات مختصّة به ، فصار ما قصدناه من هذا القول أكشف وأبين مِن أن نقول : زيد شهم ، شجاع ، قويّ البطش ، جريء الجنان ، وأشباه ذلك ؛ لِما قد عُرف وعُهد من اجتماع هذه الصفات في المشبّه به ، فقد أدّى التشبيه كلّ هذه المعاني بأوجز بيان ممكن ، فجمع إلى فضيلة البيان فضيلة الإيجاز والمبالغة والإيفاء .
قال : إلاّ أنّه من بين أنواع علم البيان مُستوعر المذهب ، وهو مقتل من مقاتل البلاغة ؛ لأنّ حمل الشيء على الشيء بالمماثلة ، إمّا صورة أو في خفايا المعنى ، ممّا يعزّ صوابه وتعسر الإجادة فيه ، وقلّما أكثر منه أحد إلاّ عثر ، وخاض في عبابه إلاّ غرق ، فكم من أُدباء وبلغاء أكثروا منه إلاّ زلّوا ، وخاضوا لُججه إلاّ عاثوا وماثوا ، كما فعل ابن المعتزّ من أُدباء العراق ، وابن وكيع من أُدباء مصر ، إنّهما أكثرا من ذلك ، فلا جَرم أنّهما أتيا بالغثّ البارد الذي لا يثبت على محكّ الصواب (1) .
والتشبيه الذي نبحث عنه لا يخصّ ما كان تشبيهاً بالتصريح ، وإنّما يعمّ التشبيه المضمر في أنواع الاستعارة والتمثيل وغيرهما ممّا هو محطّ بلاغة الكلام .
والغرض من التشبيه لا يُحصر في عدّ ، حسبما يأتي في كلام الجرجاني ، وإنّما فائدته العامّة هي : أنّك إذا شبّهت شيئاً بآخر فإنّما تقصد إلى تخييل صورة في النفس تشبه صورة المشبّه به من حظّ الحسن أو القبح في النفوس ، وهذا يوجب رفعة شأن المشبّه أو ضعته ، تحسينه أو تقبيحه ، على درجة قوة أداة التصوير في مقام التشبيه ، الأمر الذي يرتبط وقدرة المتكلّم في حسن الأداء والإجادة في البيان .
قال السكاكي : والغرض من التشبيه يعود في الأغلب إلى المشبّه ؛ إمّا لبيان إمكانه ، كقول أبي الطيّب :
فـإن تفُق الأنامَ وأنت iiمنهم فإنّ المِسكَ بعضُ دمِ الغزالِ
فإنّه لمّا أراد تفضيل الممدوح على سائر الناس ، مع أنّه من جنسهم ، فقد أوهم أنّه من نوع أشرف ، فكان كالممتنع ؛ ومِن ثَمّ حاول بيان إمكانه بالتشبيه المذكور .
وقد يكون لبيان حاله بوصفٍ خاص ، كما وصف تعالى الهلال بعد خروجه من المحاق ، بتشبيهه بالعرجون {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس : 39].
أو لبيان المقدار في شدّته وخفته ، كما جاء في وصف قلوب أهل الغيّ والعناد { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة : 74].
أو لتقرير حالة المشبّه في الفظاعة وفضح الحال ، أو في الكرامة وشرف المآل ، وهذا مِن أهمّ أنواع التشبيه وأفضله ، وهو : أن يعمد المتكلّم إلى ذكر خصوصيات مشهودة في المشبّه به في جميع أبعادها وجزئيّاتها القابلة للتصوير ، ليُقاس عليها حالة المشبّه السيّئة أو الحسنة ، فتبدو كالمحسوس الممسوس باليد والمشاهد بالعيان ، وهذا من أكثر التشبيه في القرآن ، وسنذكر أمثلتها .
فهذه أنواع أربعة من التشبيه البليغ ، ذكرهنّ السكاكي (2) .
قال التفتازاني : يجب في النوع الأوّل أن يكون المشبّه به في وجه الشبه أشهر ، ليصحّ القياس عليه وجعله دليلاً على الإمكان ، وفي النوع الثاني أن يكون وجه الشبه فيه أبين ، وكذا في النوع الثالث ، أمّا النوع الرابع : فيجب أن يكون الوجه فيه أتمّ وهو به أشهر ، لأنّ النفس إلى الأتمّ الأشهر أميل ، فكان التشبيه به لزيادة التقرير وقوّة البيان أجدر (3) .
وقد ذكروا من أغراض التشبيه : تحسين حال المشبّه وتزيينه ، أو تهجينه وتقبيحه ، أو التنفير منه أو الاستعطاف عليه ، أو الاستطراف ، ونحو ذلك ممّا فصّله أئمة البيان .
فمِن التشبيه لغرض التزيين ما وصف به الشاعر عشيقته السوداء ، يشبه سوادها بسواد المسك المستحسن ، كلّما ازداد سواده ازدادت مرغوبيته ، قال :
يـقولون لـيلى سودةٌ iiحبشيةٌ ولولا سوادُ المِسكِ ما كان غاليا
ومن التشبيه للتهجين تشبيه وجه مجدّر بسُلَحة يابسة قد نقرتها الدِيَكة ، وهو غاية في تشويه صورته والتهجين بشأنه .
وهكذا قولهم بشأن عادم الصفات الكريمة وهو يفتخر بمكارم الآباء : ( العنّين يفتخر بذكر أبيه ) وهو من ألذع أنحاء التهجين .
ومن الاستطراف ـ وهو إبداء الشيء طريفاً وبديعاً عديم النظير ـ قول أبي العتاهية يصف ورد البنفسج في زهوه وجماله :
ولا زَوَرديّـة تـزهو بـزُرقَتِها بين الرياضِ على حُمر اليواقيتِ
كـأنّها فـوقَ قامات ضَعفنَ iiبها أوائلُ النارِ في أطرافِ iiكبريتِ
وقول الآخر ـ هو الصنوبري ـ يصف الشقايق الحُمر في تصوّبها وتصعّدها :
وكأنّ محمرَّ الشقيق إذا تصوّب أو iiتصعّد أعلامُ ياقوتٍ نُشرنَ على رماحٍ مِن زَبرجَدِ
وهو من طريف التشبيه الذي يكسو فنّ التصوير حلّةَ الحركة والحياة ، فيزداد بهاءً وجمالاً !
اعترف أهل البيان بأنّ تشبيهات القرآن أمتن التشبيهات الواقعة في فصيح الكلام ، وأجمعهنّ لمحاسن البديع ، وأوفاهنّ بدقائق التصوير .
مثّل ابن الأثير لتشبيه المفرد بالمفرد بقوله تعالى : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ : 10] فإنّه شبّه الليل باللباس ؛ وذاك أنّه يستر الناس بعضهم عن بعض ، مَن أراد هرباً مِن عدوّ ، أو ثباتاً لعدوّ ، أو إخفاء مالا يُحبّ الاطّلاع عليه من أمره .
قال : وهذا من التشبيهات لم يأتِ بها إلاّ القرآن الكريم ، فإنّ تشبيه الليل باللباس ممّا احتفى به دون غيره من الكلام المنثور والمنظوم .
وكذلك قوله تعالى : {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة : 187] فشبّه المرأة باللباس للرجل ، وشبّه الرجل باللباس للمرأة (4) .
وهذا من لطيف التشبيه ، كما أنّ اللباس زينة للمرء وساتر لعورته وحافظ له عن التعرّض للأخطار ، كذلك زوج المرء يزيّنه ويستر عوراته ويقيه من مزالق الأدناس ، فما أجمل هذا التشبيه وأدقّه من تعبير !
قال : ومن محاسن التشبيه قوله تعالى : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } [البقرة : 223] ، وهذا يكاد ينقله تناسبه عن درجة المجاز إلى الحقيقة . والحرث هو الأرض التي تُحرث للزرع ، وكذلك الرحم يُزدرع فيه الولد ازدراعاً كما يُزدرع البذر في الأرض .
ومن هذا الأُسلوب قوله تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس : 37] فشبّه تبرّء الليل من النهار بانسلاخ الجلد عن الجسم المسلوخ ؛ وذلك أنّه لما كانت هوادي الصبح (5) عند طلوعه ملتحمة بأعجاز الليل أجرى عليهما اسم السلخ ، وكان ذلك أولى من أن لو قيل ( يخرج ) ؛ لأنّ السلخ أدلّ على الالتحام من الإخراج ، وهذا تشبيه في غاية المناسبة .
وكذلك ورد قوله تعالى : {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم : 4] فشبّه انتشار الشيب باشتعال النار ، ولمّا كان الشيب يأخذ في الرأس ويسعى فيه شيئاً فشيئاً حتى يُحيله إلى غير لونه الأَوّل كان بمنزلة النار التي تشتعل في الجسم وتسري فيه ، حتى يُحيله إلى غير حاله الأوّلي .
وأحسن من هذا أن يقال : إنّه شبّه انتشار الشيب باشتعال النار في سرعة التهابه ، وتعذّر تلافيه ، وفي عظم الألم في القلب به ، وأنّه لم يبقَ بعده إلاّ الخمود ! فهذه أوصاف أربعة جامعة بين المشبّه والمشبّه به ، وذلك في الغاية القصوى من التناسب والتلاؤم (6) .
وقيل من شرط بلاغة التشبيه أن يُشبّه الشيء بما هو أفخم وأروع منه ؛ ومِن هنا غلط بعض الكتّاب من أهل مصر في ذِكر حصن من حصون الجبال مشبّهاً له ، فقال : ( هامةٌ ، عليها من الغَمَامَة ، وأنملة خضبها الأصيل ، فكان الهلال منها قُلامَة ) .
قال ابن الأثير ، وهذا الكاتب حفظ شيئاً وغابت عنه أشياء !! فإنّه أخطأ في قوله ( أنملة ) وأيّ مقدار للأنملة بالنسبة إلى تشبيه حصن على رأس جبل ؟ وأصاب في المناسبة بين ذكر الأنملة والقُلامَة ، وتشبيهها بالهلال .
فإن قيل : إنّ هذا الكاتب تأسّى فيما ذكر بكلام الله تعالى حيث قال : {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } [النور : 35] ، فمثّل نوره بطاقة فيها ذُبَالة (7) .
وقال الله تعالى : {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس : 39] فمثّل الهلال بأصل عِذق النخلة .
فالجواب عن ذلك أنّي أقول : أمّا تمثيل نور الله تعالى بمشكاة فيها مصباح ، فانّ هذا مثال ضربه للنبي ( صلّى الله عليه وآله ) ، ويدلّ عليه أنّه قال : {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} [النور : 35] ، وإذا نظرت إلى هذا الموضع وجدته تشبيهاً لطيفاً ، عجيباً ، وذاك أنّ قلب النبي ( صلّى الله عليه وآله ) وما اُلقي فيه من النور ، وما هو عليه من الصفة الشفّافة ، كالزجاجة التي كأنّها كوكب بصفائها وإضاءتها .
وأمّا الشجرة المباركة التي لا شرقيةٍ ولا غربية ، فإنّها عبارة عن ذات النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ؛ لأنّه من أرض الحجاز التي لا تميل إلى الشرق ولا إلى الغرب .
وأمّا زيت هذه الزجاجة ، فإنّه مضيء من غير أن تمسه نار ، والمراد بذلك أنّ فطرته فطرة صافية من الأكدار ، منيرة من قبل مصافحة الأنوار .
فهذا هو المراد بالتشبيه الذي ورد في هذه الآية .
وأمّا الآية الأُخرى فإنّه شُبّه الهلال فيها بالعرجون القديم ، وذلك في هيئة نحوله واستدارته ، لا في مقداره ، فإنّ مقدار الهلال عظيم ، ولا نسبة للعرجون إليه ، لكنّه في مرأى النظر كالعرجون هيئةً لا مقداراً .
وأمّا هذا الكاتب فإنّ تشبيهه ليس على هذا النسق ؛ لأنّه شَبّه فيه صورة الحِصن بأنملة في المقدار لا في الهيئة والشكل .
وهذا غير حسن ولا مناسب ، وإنّما ألقاه فيه أنّه قصد الهلال والقُلامة مع ذِكر الأنملة فأخطأ من جهة ، وأصاب من جهة ، لكن خطأه غطّى على صوابه (8) .
___________________
(1) المَثَل السائر : ج2 ص123 .
(2) مفتاح العلوم : ص162 .
(3) المطوّل : ص332 .
(4) المَثل السائر : ج2 ص133 .
(5) الهوادي : المقادم .
(6) المَثل السائر : ج2 ص133 ـ 135 .
(7) الطاقة : سقيفة لها طوق هلالي . والذُّبالة : الفتيلة .
(8) المَثل السائر : ج2 ص126 ـ 128 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|