أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2016
![]()
التاريخ: 1-12-2016
![]()
التاريخ: 4-1-2021
![]()
التاريخ: 1-12-2016
![]() |
كانت بابل من حيث تاريخها وجنس أهلها نتيجة امتزاج الأكديين والسومريين. فقد نشأ الجنس البابلي من تزاوج هاتين السلالتين؛ وكانت الغلبة في السلالة الجديدة للأصل السامي الأكدي، فقد انتهت الحروب التي شبت بينهما بانتصار أكد وتأسيس مدينة بابل لتكون حاضرة أرض الجزيرة السفلى بأجمعها. وتطل علينا من بداية هذا التاريخ شخصية قوية هي شخصية حمورابي (2123- 2081 ق.م) الفاتح المشرع الذي دام حكمه ثلاثاً و أربعين سنة. وتصوره الأختام والنقوش البدائية بعض التصوير، فنستطيع في ضوئها أن نتخيله شاباً يفيض حماسة وعبقرية، ذو عاصفة هوجاء في الحرب، يقلم أظافر الفتن ويقطع أوصال الأعداء، ويسير في شعاب الجبال الوعرة، ولا يخسر في حياته واقعة؛ وحد الدويلات المتحاربة المنتشرة في الوادي الأدنى، ونشر لواء السلام على ربوعها وأقام فيها منار الأمن والنظام بفضل كتاب قوانينه التاريخي العظيم.
وقد كُشف قانون حمورابي في أنقاض مدينة السوس في عام 1902م. ووجد هنا القانون منقوشاً نقشاً جميلاً على اسطوانة من حجر الديوريت نقلت من بابل إلى عيلام (حوالي عام 1100 ق.م) فيما نقل من مغانم الحرب{تعليق}وهي الآن في متحف اللوفر.{انتهى} ، وقيل عن هذه الشرائع أنها منزلة من السماء. فترى الملك على أحد أوجه الأسطوانة يتلقى القوانين من شمش إله الشمس نفسه. وتقول مقدمة القوانين:
(ولما أن عهد أنو الأعلى ملك الأنونا كي وبِلْ رب السماء والأرض الذي يقرر مصير العالم، لما أن عهد حكم بني الإنسان كلهم إلى مردوك؛... ولما أن نطقا باسم بابل الأعلى، وأذاعا شهرتها في جميع أنحاء العالم، وأقاما في وسطه مملكة خالدة أبد الدهر قواعدها ثابتة ثبات السماء والأرض - وفي ذلك الوقت ناداني أنو وبِل، أنا حمورابي الأمير الأعلى، عابد الآلهة، لكي أنشر العدالة في العالم، وأقضي على الأشرار والآثمين؛ وأمنع الأقوياء أن يظلموا الضعفاء... وأنشر النور في الأرض وأرعى مصالح الخلق. أنا حمورابي، أنا الذي اختاره ِبل حاكماً، والذي جاء بالخير والوفرة، والذي أتم كل شيء لنبور ودُريلو،... والذي وهب الحياة لمدينة أرك؛ والذي أمد سكانها بالماء الكثير؛... والذي جمل مدينة بارسيا؛... والذي خزن الحب لأوراش العظيم؛... والذي أعان شعبه في وقت المحنة، وأمن الناس على أملاكهم في بابل؛ حاكم الشعب، الخادم الذي تسر أعماله أنونيت).
إن الألفاظ التي أكدناها نحن في هذه العبارة لذات نغمة حديثة؛ وإن المرء ليتردد قبل أن يصدق أن قائلها حاكم شرقي "مستبد" عاش في عام 2100 ق.م، أو أن يتوهم أن القوانين التي تمهد لها استمدت أصولها من قوانين سومرية مضى عليها ستة آلاف عام. وهذا الأصل القديم مضافاً إلى الظروف التي كانت تسود بابل وقتئذ هي التي جعلت قانون حمورابي شريعة مركبة غير متجانسة. فهي تفتتح بتحية الآلهة، ولكنها لا تحفل بها بعدئذ في ذلك التشريع الدستوري البعيد كل البعد عن الصبغة الدينية. وهي تمزج أرقى القوانين وأعظمها استنارة بأقسى العقوبات وأشدها وحشية، وتضع قانون النفس بالنفس والتحكيم الإلهي{تعليق}قانون النفس بالنفس معروف، وقد ورد مفصلا في التوراة، وأشارت إليه الآية القرآنية الكريمة: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس" الخ، أما التحكيم الإلهي فقد كان من العادات الشائعة عند بعض الأمم وهو إثبات الجريمة على المتهم أو نفيها عنه بإلقائه في الماء أو النار لينجو منهما إن كان بريئا فإن لم ينج فهو مذنب. (المترجم){انتهى} إلى جانب الإجراءات القضائية المحكمة والعمل الحصيف على الحد من استبداد الأزواج بزوجاتهم. على أن هذه القوانين البالغة عدتها 285 قانوناً، والتي رتبت ترتيباً يكاد يكون هو الترتيب العلمي الحديث، فقسمت إلى قوانين خاصة بالأملاك المنقولة، وبالأملاك العقارية، وبالتجارة، والصناعة، وبالأسرة، وبالأضرار الجسمية، وبالعمل؛ نقول إن هذه القوانين تكون في مجموعها شريعة أكثر رقياً وأكثر تمديناً من شرعية أشور التي وضعت بعد أكثر من ألف عام من ذلك الوقت، وهي من وجوه عدة " لا تقل رقياً عن شريعة أية دولة أوربية حديثة " ؛ وقلّ أن يجد الإنسان في تاريخ الشرائع كلها ألفاظاً أرق وأجمل من الألفاظ التي يختتم بها البابلي العظيم شريعته:
"إن الشرائع العادلة التي رفع منارها الملك الحكيم حمورابي والتي أقام بها في الأرض دعائم ثابتة وحكومة طاهرة صالحة... أنا الحاكم الحفيظ الأمين عليها، في قلبي حملت أهل أرض سومر وأكد... وبحكمتي قيدتهم، حتى لا يظلم الأقوياء الضعفاء، وحتى ينال العدالة اليتيم والأرملة... فليأت أي إنسان مظلوم له قضية أمام صورتي أنا ملك العدالة، ليقرأ النقش الذي على أثري، وليلق باله إلى كلماتي الخطيرة! ولعل أثرى هذا يكون هادياً له في قضيته، ولعله يفهم منه حالته! ولعله يريح قلبه (فينادي): "حقا إن حمورابي حاكم كالوالد الحق لشعبه... لقد جاء بالرخاء إلى شعبه مدى الدهر كله، وأقام في الأرض حكومة طاهرة صالحة{تعليق}يبدو أن "شرائع موسى" تستمد من هذه الشرائع أو تستمد هذه وتلك من مصدر مشترك. وترجع عادة بصم العقد القانوني بخاتم رسمي إلى زمن حمورابي.{انتهى} ...
ولعل الملك الذي يكون في الأرض فيما بعد وفي المستقبل يرعى ألفاظ العدالة التي نقشتها على أثرى"!.
ولم يكن هذا التشريع الجامع إلا عملاً واحداً من أعمال حمورابي الكثيرة. فلقد أمر بحفر قناة كبيرة بين كش والخليج الفارسي أروَت مساحات واسعة من الأراضي، ووَقَتْ المدن الجنوبية ما كان ينتابها بسبب فيضانات نهر دجلة المخربة. ولقد وصل إلينا من عهده نقش آخر يفخر فيه بأنه أجرى في البلاد الماء (تلك المادة القيمة التي لا نقدرها اليوم والتي كانت في الأيام الماضية إحدى مواد الترف)، ونشر الأمن والحكم الصالح بين كثير من القبائل. وأنا لنستمع من ثنايا هذا النقش ومن بين عبارات الفخر (وهو خلة شريفة من خلال الشرقيين) صوت الحاكم الماهر والسياسي القدير.
"لما وهب لي أنو ونليل (إلها أرك ونبور) بلاد سومر وأكد لأحكمها، ووضعا في يدي هذا الصولجان، حفرت قناة حمورابي- نخوش- ميشى (حمورابي المفيض- على- الشعب) التي تحمل الماء الغزير لأرض سومر وأكد. وحولت شاطئيها الممتدين على كلا الجانبين إلى أراضي زراعية؛ وجمعت أكداسا من الحب، وسيرت الماء الذي لا ينضب إلى الأرضين، وجمعت الأهلين المشتتين، وهيأت لهم المرعى والماء وأمددتهم بالمراعي الموفورة وأسكنتهم مساكن آمنة.
وبلغ من حذق حمورابي أن خلع على سلطانه خلعة من رضاء الآلهة بالرغم من أن قوانينها كانت تمتاز بصبغتها الدنيوية غير الدينية. من ذلك أنه شاد المعابد كما شاد القلاع، واسترضى الكهنة بأن أقام لمردوك وزوجته ( إلهي البلد القوميين) في مدينة بابل هيكلاً ضخماً ومخزناً واسعاً ليخزن فيه القمح للإلهين وللكهنة. وكانت هاتان الهديتان وأمثالهما في واقع الأمر بمثابة مال يستثمر أبرع استثمار، جنى منه ربحاً وفيراً هو الطاعة الممتزجة بالرهبة التي يقدمها إليه الشعب. واستخدم ما حصل عليه من الضرائب في تدعيم سلطان القانون والنظام، واستخدم ما تبقى بعد ذلك في تجميل عاصمة ملكه، فأنشأت القصور والهياكل في جميع نواحيها، وأقيم جسر على نهر الفرات حتى تمتد المدينة على كلتا ضفتيه، وأخذت السفن التي لا يقل بحارتها عن تسعين رجلاً تمخر عباب النهر صاعدة فيه ونازلة.
|
|
دخلت غرفة فنسيت ماذا تريد من داخلها.. خبير يفسر الحالة
|
|
|
|
|
ثورة طبية.. ابتكار أصغر جهاز لتنظيم ضربات القلب في العالم
|
|
|
|
|
سماحة السيد الصافي يؤكد ضرورة تعريف المجتمعات بأهمية مبادئ أهل البيت (عليهم السلام) في إيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية
|
|
|