أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-9-2016
2320
التاريخ: 11-9-2016
1552
التاريخ: 12-9-2016
2875
التاريخ: 12-9-2016
4292
|
العمارة الدينية "والزقورات":
توسع السومريون في البناء باللبن، وأزادوا استخدام الآجر الذي استخدمه أسلافهم على نطاق ضيق في بواكير العصر الكتابي(1). واستعاضوا به إلى حد ما عن قلة الأحجار في بيئتهم. وشكل المعماريون بعض قوالب اللبن في بداية عصرهم بوجه مسطح وآخر محدب " Plano-Convex"، واستخدموها في المداميك الرأسية في مبانيهم، وفي عمل العقود فوق الأبواب(2)، وإن ظلوا يستخدمون معها القوالب العادية الشائعة مسطحة الوجهين(3). واستخدموا الدبش والأحجار الغفل لتدعيم أساسات المباني الكبيرة(4).
وكالعادة ظلت أطلال المعابد الكبيرة والقصور الكبيرة أكثر بقاء من غيرها، وجرى السومريون على بناء هياكلهم الرئيسية فوق مسطحات عالية، إلى جانب بناء المعابد الأرضية العادية. واشتهرت معابد المسطحات "بعد تطويرها" باسم "زقورة" وبمعنى القمة المرتفعة أو المدببة، وأطلق السومريون اسم "شاخورو" بمعنى "قاعة الانتظار" على كل من الهيكل العلوي الذي يعلو الزقورة وعلى القاعة التي تسبق قدس الأقداس في المعابد الأرضية، ويبدو أنهم عنوا به في الحالة الأولى قاعة انتظار تجلي المعبود في مناسبات خاصة، ثم عرفوها بهذه الصفة باسم "جيجونو". وليس ما يعرف عن هذه المناسبات الخاصة غير إشارات تضمنتها نصوص متأخرة وتحدثت فيها عن أعياد رأس السنة "الزراعية" والزواج المقدس لبعض الأرباب ومنهم دوموزي رب الخصب، الذي يظل حبيسًا في العالم الآخر خلال فصل الجفاف، فتأسى عليه زوجته أو أمه ويشاركها الناس أساها بالعويل والرثاء والدعاء قبيل بداية كل رأس سنة جديدة، وتستمر طقوسهم حينذاك عدة أيام يعتقدون أن دوموزي قد تخلص بعدها من عالم الفناء وبعث من جديد، وحينئذ يعلن الكهنة بداية الزواج المقدس في هيكله، كناية عن عودة الخصب وبداية موسم زراعي جديد، وهكذا وصف دوموزي في بعض نصوصه "المتأخرة أيضًا" بأنه "زوج إشتار العروس ...(5) خالف بذرة الكباش رءوس القطعان"، وقيل عن رب مدينة لجش في مناسبة مماثلة إنه حين يهبط للزواج المقدس بقرينته يكون "كالعاصفة الهادرة والطير الجارح". ولا زال الباحثون يرتبون على هذه الأعياد، صورًا وتخريجات يستوحونها من النصوص ولكن دون أن يصلوا بها إلى حد اليقين، فيرى بعضه أنه ليس المعبود وحده هو الذي يتزوج زواجًا رمزيًّا في عيد رأس السنة، وإنما اقتضت التقاليد كذلك بأن يدخل الملك الحاكم بمناسة كل عيد بكاهنة ممن نذرن أنفسهن للمعبودة إنانا ربة الحب والتوالد "وصفات أخرى" ضمانًا لخصب التربة وخصب الأرحام، ويستشهد أصحاب هذا التخريج بأغنية سومرية متأخرة تعتبر العروس المقدسة فيها الملك "شوسين آخر ملوك أمور" عريسها وتذكر أنه أسر قلبها وأنها تواجهه واجفة، ثم تخاطبه بلقب الأسد وتطلب إليه أن يحتبيها لنفسه، وتعرض عليه أن تُدلِّله بتدليل أشهى من الشهد، وأن يدللها بدوره ويضاجعها حتى مطلع الفجر ... (6).
ويبدو أن أعياد الزواج هذه كانت تأخذ طابع المرح "بعد أيام النواح والدعاء"، ويجري فيها ما يجري في الأفراح من ولائم ورقص وعزف وقصف، ويدخل المحتفلون ومعهم الأغصان الخضراء وكؤوس الشراب على تمثال معبودهم الذي يمثل أحيانًا يمسك كأس شرابه بين يديه هو الآخر. "وعثر في معبد بمدينة خفاجى من أوائل العصر السومري على أكثر من 600 كأس مهشمة يبدو أنها كانت من مخلفات أمثال هذه الأعياد"(7).
ولا زال اسم دوموزي باقيًا في تسمية شهر تموز، ويقرن الاعتقاد في بعثه المتجدد بالاعتقاد في بعث أوزير رب الخصب وخلوده في المجتمع الزراعي المماثل في مصر القديمة.
واحتفظت مدن العراق بأطلال بسيطة لمعابد سومرية قديمة منها معبد بلدة خفاجى، وقد بُني وسط مساكن بلدته، وشيد بالتخطيط المستطيل المعتاد فوق مسطح بلغ ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار ونصف المتر، وتقدمه "في مرحلة تجديده الحادية عشرة" فناء صغير، وأحاطب به حجرات جانبية ضمه معها سور بيضي. وتقدمت هذه المجموعة ساحة كبيرة أخرى تضمنت فيما يبدو مباني الإدارة ومساكن الكهنة وأتباع المعبد، وأحاط بهذه الساحة وبمجموعة المعبد معًا سور بيضي آخر كبير يحف بمدخله صرحان مرتفعان(8).
ومن نماذج أطلال المعابد الأخرى الباقية، معبد في العقير "جنوبي بغداد بنحو خمسين ميلًا"(9)، تألف من دكة "مرتفع ممهد" على هيئة نصف الدائرة العلوي، شكلت جدرانها الخارجية بمشكاوات رأسية، ولها درجان متقابلان في نهايتي واجهتها، ويعلوها مسطح يؤدي إليه درج، ويعلو هذا المسطح بناء المعبد العلوي وهو مستطيل شكلت جدرانه الخارجية بمشكاوات رأسية لونت بجص أبيض. وتألف المعبد في داخله من مقصورة رئيسية تتضمن المذبح ومائدة القرابين ويحيط بها صفان من أربع حجرات، وكسيت جدران المقصورة الداخلية بملاط أبيض رسمت عليه أفاريز ملونة من أشكال هندسية وأشكال بشرية وحيوانية، ومنها أشكال نمور أو لبوات مرقطة رائعة التصوير بالنسبة لفنون عصرها.
واحتفظت بلدة العبيد بأطلال ثلاثة معابد متعاقبة بُني بعضها فوق أطلال بعض، ويحتمل أن أولها هو معبد "آ - آني - بادا" أحد ملوك أسرة أور الأولى في عصر بداية الأسرات السومري. وتضمنت أطلاله الباقية أجزاء بسيطة من قاعدته وجدرانه واجهته اللبنية ذات المشكاوات الرأسية، ودرجًا حجريًا كان يؤدي إلى ربوته، وعدة آثار فنية أخرى صغيرة، وذلك مما سمح للأثري الأستاذ C.L.Woolley بتخيل صورة تقريبية لما كان عليه هذا المعبد حين إنشائه، ولو أنها صورة مغالية بعض الشيء بالنسبة لعصرها، فهو يتخيله فوق مرتفع "مكسو" بالآجر يؤدي إليه درج عريض من الحجر المستورد، ويقوم على رأس الدرج مدخل ذو أعمدة، يربض على جانبيه أسدان نحاسيان في حجمهما الطبيعي "؟ " طعمت عيونهما وأسنانهما باليشب والصدف، ورفعت أسكفة الباب على أسطوانتين من جذوع النخيل طعم مسطحاهما بصفوف من الفسيفساء مثبتة بالقار ومشكلة على هيئة مثلثات ومعينات تتعاقب فيها ألوان الأحمر والأسود ولون الصدف، وبعلو الأسكفة لوحة مستطيلة صفحت بالنحاس وشكلت واجهتها بشعار إله المعبد، هذا بينما زخرفت الجدران الداخلية الرئيسية لمقصورة المعبد بنقوش بارزة تمثل أنعامًا وعقدًا من أزهار مختلفة ألوانها، تعلوها أفاريز من لوحات خشبية محوطة بأطر نحاسية أرضيتها عجينة سوداء طعمت بقطع دقيقة من المحار والحجر الجيري تمثل صفوفًا من الطير وصفوفًا من الثيران يعلو بعضها بعضًا، وتألفت صورة كل ثور من ست أو سبع قطع من الصدف صنعت ورتبت بحيث تعبر عن تدرج مسطح جسم الحيوان. ثم صفوف لبقرات حلوب وعجول صغار كممت أفواهها حتى لا تزيح الحالبين عن ضروع أمهاتها. ومناظر تعبئة اللبن وصبه بأقماع في قدور كبيرة. ويضيف وولي إلى ذلك أنه كانت تلتصق بجدران المعبد تماثيل نحاسية، وتتضمن داخليته تماثيل حجرية ومزاهر سجل عليها مهدوها الأتقياء أسماءهم. ولو أن هذا كله فيما يبدو لا زال يحتمل الشك من حيث الصورة وربما من حيث الزمن أيضًا.
وعلى أية حال فقد صورت نقوش العصر وآثاره القليلة الباقية ما تضمنته معابده من كنوز فنية تناسب عهودها، فصورت عروش الأرباب تحملها تماثيل الأسود والفحول الباركة، وصورت موائد الطيوب والدهون تحملها تماثيل معدنية على هيئات حيوانية لطيفة(10). وذلك بطبيعة الحال فضلًا عما كانت تتضمنه من تماثيل أربابها وحكام مدنها وربما كبار كهنتها أيضًا.
واعتاد بناة المعابد السومرية على أن يضعوا في أساساتها ودائع من تماثيل ولوحات وأوانٍ تتناسب مع أهمية المعبد ورخاء عهد، وثراء الحاكم في بلدة. وعادة ما كانت هذ الودائع توضع في صناديق من الآجر الممزوج القار، ويكون من تماثيل الحاكم الصغيرة فيها ما يمثله يحمل قصعة ملاط على رأسه باعتباره باني المعبد ورمزًا على اشتراكه الفعلي في وضع أساسه(11). ويعتقد بعض الباحثين أن كلمة "هيكل" التي لا تزال تستعمل بين رجال الدين العبرانيين والمسيحيين، كانت سومرية الأصل وكانت تكتب إكللو أو " E-Gallu" بمعنى البيت الجليل، ثم انتقلت إلى العبرية وأضيفت إليها هاء التعريف وتناولها بعض التصحيف. وإذا صح ذلك انضاف إلى بقية تأثيرات العهود السومرية على ما أتى بعدها، على الرغم من قدم زمنها.
__________
(1) Cf. Frankfort, Op. Cit., 9.
(2) P. Delougaz, Planoconvex Bricks and the Methods of Their Employment, Chicago, 1933.
(3) Frankfort, Iraq Expedition…, 1932-1933, Figs. 5-7, 10-12.
(4) Frankfort, The Art And Architecture…, 21.
(5) Op. Cit., 30.
(6) S. Kramer, Tablets…, Ch. Xxiii; Turk. Belleten, Xvi, 345 F.
(7) Frankfort, Op. Cit., Pl. 13, P. 24, N. 25; Sculpture Of the Third Millennium…, 1939, 45, F.
(8) P. Delougaz, the Temple Oval at Khafaje, Chicago, 1940.
(9) كرامر: المرجع السابق: لوحات 35 - 37.
(10) Frankfort, The Art And Architecture…, Fig. 12
(11) جون هامرتون: تاريخ العالم - معرب بالقاهرة، جـ2 - شكل ص554.
E. De Sarzec & Heuzey, Decouverts En Chaldee, Pl. 2 Ter, 5 Bis.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|