أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-10-2014
1966
التاريخ: 13-4-2017
1250
التاريخ: 3-07-2015
2454
التاريخ: 3-07-2015
1215
|
_________________________________
وهو المذهب الحقّ المنصور. وبيانه : إنّ ذاته ـ تعالى ـ مصدر جميع الصفات ومحض ذاته بذاته منشأ الجميع ومناطه ومصحّحه ، بل هو فرد لكلّ واحد من الصفات قائم بذاته ، وليس له صفة زائدة على ذاته ـ كما فينا ـ ؛ فانّه ـ سبحانه ـ وان وصف بالحياة والعلم والجود والقدرة والإرادة وامثالها لكن ليس ذلك لأجل اتصافه بها من حيث انّها معان متميّزة فيه ، بل من حيث انّه ـ تعالى ـ بمحض ذاته البسيطة الواحدة الحقّة الّتي هي صرف الوجود الخالص البحت منشأ
لجميعها بحيث لا يلزم منه تركّب وتكثّر ، فهو أحدي فرد ذاتا وصفة ـ كما قال الشيخ في التعليقات : « إنّ الأوّل لا يتكثّر لأجل تكثّر صفاته ، لأنّ كلّ واحد من صفاته إذا حقّقت تكون عين الصفة الأخرى بالقياس إليه ، فتكون قدرته حياته وحياته قدرته وتكونان واحدة ، فهو حيّ من حيث هو قادر وقادر من حيث هو حيّ ، ـ وكذلك الحال في سائر صفاته » ـ (1). قال بعض العرفاء : ومشيته ـ تعالى ـ قدرته وما يدركه بصفة يدركه بجميع الصفات ، إذ لا اختلاف هناك.
ثمّ صفاته ـ تعالى ـ منها حقيقية كمالية ـ كالجود والقدرة والعلم ـ ، وهي لا تزيد على ذاته ، بل عين ذاته بمعنى انّ ذاته من حيث حقيقته مبدأ لانتزاعها عنه ومصداق لحملها عليه ، ويطابق الحكم بها عليه بلا ملاحظة أمر آخر زائد عليه قائم به أو منتزع عنه ، بل حيثية ذاته ـ تعالى ـ هي بعينها حيثية جميع صفاته الكمالية ، فليس الواجب ـ سبحانه ـ بسبب اطلاق تلك الصفات على ذاته ذا معان متميزة يسمّى بهذه الأسماء المختلفة ، بل هو ـ سبحانه ـ يستحقّ لإطلاق هذه الأسماء لا بحيثية أخرى وراء احدية ذاته.
ومنها اضافية محضة ـ كالمبدئية والمبدعية والخالقية والرازقية وأمثالها ـ. وهذه الصفات زائدة على ذاته متأخّرة عنه وعن ما اضيف بها إليه ، لأنّ الاضافات لا يمكن أن يكون عين الحقائق المتأصّلة ، فكيف يكون عين ما هو أصل الحقائق ومنبع الذوات؟!. ولا يخلّ بوحدانيته كونها زائدة عليه ، فانّ الواجب ـ تعالى ـ ليس كماله ومجده بنفس هذه الصفات الاضافية ، بل بكونه في ذاته بحيث ينشأ منه هذه الصفات. وهو إنّما هو كذلك بنفس ذاته ، فانّ كماله ليس إلاّ بذاته لا غير.
ومنها سلبية محضة ـ كالقدوسية والفردية والازلية وغيرها ـ والاتصاف بها يرجع إلى سلب الاتصاف بصفات النقص. وصفاته الحقيقية لا يتكثّر ولا يتعدّد ولا اختلاف فيها إلاّ بحسب التسمية ، بل يكون كلّها معنى واحدا وحيثية واحدة هي بعينها حيثية الذات ، فانّ ذاته بذاته ـ تعالى ـ مع كمال فردانيته يستحقّ هذه الاسماء لا بحيثية أخرى وراء حيثية ذاته ، كما قال المعلم الثاني : وجود كلّه وجوب كلّه علم كلّه قدرة كلّه حياة كلّه ، لا أنّ شيئا منه أو جهة منه علم وشيئا آخر أو جهة منه قدرة ليلزم التركيب في ذاته المقتضي للاحتياج إلى الاجزاء المنافي لوجوب الوجود ، ولا أنّ شيئا فيه علم وشيئا آخر فيه قدرة ليلزم التكثّر في صفاته الحقيقية ويكون محلاّ للأعراض ممكن الاتصاف بها ، بل حيثية ذاته وهويته البسيطة الّتي لا تكثّر ولا امكان فيه أصلا هي بعينها حيثية صفاته الحقيقية. نعم! ، في التعبير عنها تغاير وترتّب بمحض اعتبار الذهن وملاحظة العقل لا بحسب الخارج. فكما انّه من حيث هو منشئا للآثار وجود كلّه كذلك من حيث هو منشئا لانكشاف الأشياء علم كلّه ومن حيث هو منشئا لصحّة الفعل والترك قدرة كلّه ومن حيث هو مبدأ لرجحان فعل القائم ـ أعني : النظام الأكمل والأصلح بحال العالم بل وجوب صدوره عنه ـ إرادة كلّه ـ وقس عليها غيرها ـ ؛ وجميعها راجعة إلى حيثية وجوده الّتي هي عين حيثية ذاته.
وأمّا صفاته الاضافية فهي أيضا لا يتكثّر معناها وان كانت زائدة على ذاته ؛ وكذا صفاته السلبية ، فانّ اضافاته إلى الأشياء وان تعدّدت اساميها واختلفت لكن كلّها يرجع إلى معنى واحد واضافة واحدة هي قيوميته الايجابية للأشياء يصحّح جميع الاضافات ـ كالرازقية والخالقية والمصورية وغير ذلك ـ ، وتغايرها بتغاير الأشياء المضاف إليها. وترتّبها حسب ترتّبها ؛ كترتب مبدئيته لها ، فمبدئيته بعينها رازقيته وبالعكس ، وهما بعينهما رحمته ولطفه وبالعكس.
وصفاته الاضافية وإن كانت ذات أسام مختلفة لكنّها ليست معانى مختلفة وإلاّ لوجب اختلاف حيثيات في ذاته ـ تعالى ـ ، فيتكثّر ذاته الأحدية بها ـ تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ـ. والتعدّدات والتجدّدات الواقعة فيها إنّما هي بالقياس إلى الأشياء المتعلّقة بها المتعدّدة أو المتجدّدة في أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض لا بقياسها إلى بارئها القيوم ـ جلّ ذكره ـ ؛ كما قيل : « ليس عند ربّك صباح ولا مساء » ، أي : نسبة الواجب ـ تعالى ـ المتعالى عن وصمة التغيّر إلى جميع الامور المتجددة المتعاقبة نسبة واحدة ومعية قيومية غير زمانية.
والحاصل : إنّ اضافته إلى الأشياء اضافة واحدة بحسب المفهوم ، وهي إمّا مترتّبة ترتيبا سببيا أو مسببيا على حسب ترتّب المعلولات الواقعة في سلسلة الايجاد المنتهية إلى الواجب ـ سبحانه ـ الّتي يقال لها « السلسلة الطولية » ، فلا يوجب تعدّدها تكثّرا في ذاته كما لا يوجب صدور معلولاته الكثيرة المترتّبة اختلافا في وحدته الحقّة. وهذا معنى قولهم : « إنّ نسبة الأوّل إلى الثاني أمّ جميع النسب » ؛ وإمّا متجدّدة حسب تجدّد الأشياء الواقعة في سلسلة الاعداد الّتي يقال لها « السلسلة العرضية » ، فلا يوجب تغيّرا في ذاته كما لا يوجب صدور الزمانيات عنه ـ تعالى ـ تحوّلا له عمّا هو عليه في ثباته وبقائه.
وأمّا صفاته السلبية فهي أيضا مع تكثّرها وتعدّدها يرجع إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه. ومناطه وجوب الوجود ، فوجوب الوجود له ـ تعالى ـ يوجب سلب جميع النقائص عنه ـ تعالى ـ ، لا أن يكون سلب بعضها لأجل تحقّق معنى آخر فيه ليلزم التركيب إمّا في ذاته أو في صفاته الحقيقية الكمالية كسلب العرضية والجمادية والشجرية والفرسية من الانسان ، فانّ صدق كلّ منهما لأجل تحقّق معنى واحد من المعاني المتحقّقة فيه ؛ كالجوهرية والنموّ والحياة والنطق ، بخلاف سلب الجمادية عنه المندرجة تحته سلب الحجرية والمدرية وغير ذلك ، إذ جميعها تابعة له. فلا يكون صدقها بإزاء معانى مختلفة في الانسان ، بل بإزاء معنى واحد وهو النموّ. والحاصل : إنّ ذاته بذاته منشئا لجميع صفاته الحقيقية متحقّقة له في مرتبة ذاته وصفاته الاضافية متأخرة ، إلاّ أنّ تأخّرها لا يوجب نقصا ، لأنّ الصفات الإضافية ليست كمالات حقيقية له ـ تعالى ـ.
ثمّ إنّ اتصافه ـ تعالى ـ بتلك الصفات ـ سواء كانت حقيقية أو اضافية ـ لا يوجب تكثّرا وتركّبا واختلاف جهات وحيثيات فيه ـ سبحانه ـ ، لأنّ الصفات الإضافية ـ كلّها ـ راجعة إلى اضافة واحدة مصحّحة لجميع الإضافات المختلفة وهي اضافة المبدئية والقيومية ؛ فإنّ معنى القيومية يلزمها الخالقية والرازقية والمصوّرية وغير ذلك ، وكذا السلوب ـ كلّها ـ راجعة إلى سلب واحد مصحّح لجميع السلوب وهو سلب الامكان ، فانّه يلزمه سلب الجسمية والعرضية وغير ذلك من السلوب ، فكون ذاته ـ سبحانه ـ مبدأ وموجدا للأشياء يلزمه جميع الصفات الاضافية
والسلبية متأخرة عن ذاته ، فلا يلزم من هذه الجهة اختلاف حيثيات وتكثّر جهات فيه ـ سبحانه ـ.
وأمّا صفاته الحقيقية وإن كانت موجودة في مرتبة ذاته ومتغايرة بحسب المفهوم إلاّ أنّها ليست معانى متميزة موجودة فيه ـ تعالى ـ حتّى يلزم التركب ، فانّ الانكشاف والحياة والقدرة وغير ذلك من الصفات الحقيقية وإن كانت أمورا نفس أمرية إلاّ أنّها ليست موجودة فيه ـ سبحانه ـ بوجودات متميزة متغايرة حتّى يلزم التركّب في ذاته.
فان قلت : لا ريب في أنّ ذات الواجب ـ تعالى ـ شيء بسيط واحد من جميع الجهات وهذه الصفات أمور متغايرة مقتضية للآثار المختلفة ، فانّ حقيقة العلم الّذي هو الانكشاف غير حقيقة القدرة بأيّ معنى أخذ ـ لأنّ القدرة ببعض معانيها هي ايجاد الأشياء في الخارج وببعض معانيها الآخر هي التمكّن من الفعل والترك ، والانكشاف هو ظهور الأشياء عنده ، ولا ريب في أنّ ايجاد حقيقة الشيء في الأعيان غير ظهوره عنده ، ولذا قد يكون شيء ظاهرا عندنا ولا نتمكّن من ايجاده ـ. وإذا كان الأمر كذلك فنقول : كيف يمكن أن يكون بسيط من جميع الجهات علّة ومنشئا لأمور متعدّدة مع أنّ المناسبة بين العلّة والمعلول لازمة؟! ، والواحد من حيث هو واحد لا يناسب الكثير من حيث هو كثير؟!.
قلت : الواجب الحقّ ليس إلاّ صرف الوجود المجرّد ، ومعلوم انّ التجرّد ليس صفة يوجب التركيب والتكثّر ، بل يوجب البساطة والوحدة ؛ فالوجود الصرف ليس إلاّ واحدا حقّا. ولا ريب في أنّ هذا الواحد لكونه وجودا صرفا يلزمه القيومية الّتي هي بمعنى القيام بذاته ؛ والمقوّمية للغير ، لأنّ القيوم هو القائم بذاته المقيم لغيره. ووجه الاستلزام ظاهر ، لأنّ بحت الوجود وصرفه يجب أن يكون موجودا بذاته وموجدا لغيره ، ولولاه لما شمّ ماهية من المهيات رائحة الوجود. ولا ريب في أنّ القيومية المطلقة مع التجرّد صفة واحدة يلزمها سائر الصفات الكمالية والاضافية ، لأنّ المجرّد القائم بذاته يلزمه انكشاف الأشياء عنده والقائم بذاته يلزمه كونه قديما أزليا ، والمقوّم للأشياء يلزمه كونه قادرا ـ ببعض المعاني ـ وموجودا وجوادا ورازقا ومصوّرا ـ إلى غير ذلك من الصفات الاضافية ـ ، والمقيم للأشياء العالم بها يلزمه كونه حيا ـ لأنّ الحيّ هو الفعّال الدرّاك ، كما علمت ـ ، فاللازم لذاته ـ سبحانه ـ ليس إلاّ صفة واحدة هي القيومية المطلقة. ولزومها له ـ سبحانه ـ من حيث انّها صفة واحدة بسيطة ولها جهة وحدة لا من حيث انّها كلّية ولها جهة كثرة يندرج لأجلها جميع الصفات تحتها ، فمن حيث إنّ لزومها له ـ تعالى ـ من جهة وحدتها وبساطتها لا من جهة كثرتها ومن حيث انّ كلّ الصفات مندرجة تحتها يتحقّق ما يشترط تحقّقه بين العلّة والمعلول ـ من التكافؤ والمناسبة ـ. واشتمالها على جهة الكثرة من حيث اندراج كلّ الصفات تحتها لا يوجب رفع المناسبة بين العلّة والمعلول وصدور الكثير من الواحد لأنّ ما يرفع المناسبة بين العلّة والمعلول إنّما هو إذا كان المعلول كثيرا غير مشتمل على جهة وحدة وصدر من حيث انّه كثير من الواحد من حيث هو واحد ، وأمّا إذا كان للكثير جهة وحدة ومن هذه الجهة صدر عن الواحد أو كان صدور الكثرة في مراتب فلا منع فيه ، فانّه لو كان للكثير اشتراك في جهة واحدة يكون التعلّل بينه وبين علّته الواحدة البسيطة بهذا الاعتبار ، أو كان صدور الكثير عن الواحد في مراتب لكان الصادر عن الواحد بالحقيقة واحدا ؛ فلا يلزم ارتفاع المناسبة بين العلّة والمعلول. فقد ثبت انّ الوجود الصرف يلزمه جميع الصفات الكمالية من دون لزوم اختلاف جهات وتغاير حيثيات فيه.
وقد تلخّص ممّا ذكرناه إنّ صفاته ـ تعالى ـ سواء كانت حقيقية غير ذات اضافة ـ كالحياة والأزلية ـ أو حقيقية ذات اضافة ـ كالعلم والقدرة ـ أو اضافة محضة ـ كالخالقية والمصوّرية وغيرهما ـ ليس لها مبدأ زائد في ذاته كما هو فينا ، فانّ لكلّ واحد من هذه الصفات إذا أخذ بالقياس إلينا يكون له مبدأ عرضي قائم بنفوسنا ، فانّ الانكشاف الحاصل لنا يتوقّف على صورة علمية قائمة بأنفسنا والقدرة بمعنى التمكّن من الفعل والترك يتوقّف على قوّة قائمة بانفسنا ـ إلى غير ذلك ـ ؛ والمبدأ لجميع هذه الصفات ـ الّتي هي معان ومفهومات ـ بعضها متحقّق في مرتبة ذاته ـ تعالى ـ وبعضها متحقّق بعد ذاته ليس إلاّ ذاته ـ سبحانه ـ من دون افتقار إلى صورة وملكة وقوّة زائدة قائمة بذاته ـ سبحانه ـ ، واستناد علمه بمعنى الانكشاف الشهودي إلى تجرّده المقتضي لزيادة البساطة والوحدة. واستناد سائر صفاته ـ تعالى ـ إلى قيوميته المطلقة المستندة إلى ذاته وعدم كون القيومية معنى زائدا على ذاته قائما به لا يلزم تكثّر ولا اختلاف جهات وحيثيات في ذاته ، وهو معنى عينية صفاته.
ثمّ انّه على هذا المذهب ـ كما أشير إليه ـ يصدق هذه الصفات على ذاته بأن يقال : إنّ ذاته علم وإرادة وقدرة. وبيان ذلك : انّ كلّ واحد من تلك الصفات يطلق على ثلاثة معان :
أحدها : المعنى الانتزاعي الاضافي المصدري الّذي يشتقّ منه الفعل ؛
وثانيها : ما يحصل به هذا المعنى الاضافي كائنا ما كان ؛
وثالثها : الملكة الّتي يقتدر بها على استحصال تلك المعاني الاضافية بالفعل.
مثلا العلم بالمعنى الأوّل هو الاضافة الاشراقية الشهودية ؛ وبالمعنى الثاني ما ينكشف به الشيء ـ وهو العلم الحقيقي ـ ؛ وبالثالث هو القوّة والملكة الّتي يقتدر بها على استحصال المنكشفات بالذات.
ولا ريب في صدق كلّ صفة بالمعنى الثاني على ذاته ـ تعالى ـ ، لأنّ ذاته بذاته هو الّذي يتحصّل به كلّ صفة بالمعنى الأوّل ، فانّ ما ينكشف به الأشياء ليس إلاّ بحت ذاته وصرف وجوده ، فذاته هو العلم الحقيقي. وكذا الحال في غير العلم من الصفات.
وأمّا الصفات بالمعنى الأوّل والثالث فلا يجوز صدقها عليه ـ تعالى ـ ، لعدم كون ذاته معنى اضافيا أو ملكة يقتدر بها على استحصال شيء ، وإذا كان ذاته ممّا يصدق عليه الصفة بالمعنى الثاني حتّى يكون محلاّ لانتزاع الصفات الاضافية الاعتبارية فلا منع في أن يكون ذاته المقدّسة فردا من كلّ صفة كمالية قائما بنفسه ؛ وقد تقرّر في محلّه انّه لا يلزم في صدق المشتقّ حقيقة على شيء قيام مبدأ الاشتقاق به حقيقة ، بل لو كان مبدأ الاشتقاق ـ كالعلم مثلا ـ قائما بنفسه بحيث يترتّب عليه آثار المشتقّ كان أحقّ باسم المشتقّ ممّا قام به المبدأ ، فالله ـ سبحانه ـ عالم حقيقة لا بعلم قائم به ، قادر لا بقدرة يقوم
به ، مريد لا بإرادة يعرضه ، بل هو نفس العلم والقدرة والإرادة ؛ وكذلك سائر الصفات الحقيقية.
ولو نازعنا في ذلك بعض أهل اللغة لا نبالي به ، إذ الغرض تحقيق المعاني لا تبيين الالفاظ.
وحينئذ يندفع ما أورد بأنّه يلزم على هذا كون حقيقته المقدّسة مشاركة للأعراض في ماهياتها الداخلة تحت المقولات ، أو القول بالاشتراك اللفظي ؛ لأنّ بناء هذا الايراد على كون كلّ صفة هي مبدأ ومنشئا للمعاني الاضافية قوّة عرضية زائدة قائمة بالموصوف ـ لكون صفة العلم بمعنى ما ينكشف به الشيء صورة علمية قائمة بالعالم ـ ؛ وهذا ليس بلازم ، فانّه كما انّ مفهوم الوجود المطلق معنى واحد أحد أفراده قائم بذاته هو حقيقة الواجب ـ تعالى ـ والباقي عارضة بالماهيات الممكنات ، وهو أمر اعتباري عارض للجميع كذلك يمكن أن يكون لكلّ من هذه المفهومات فرد واحد بسيط هو عين حقيقة الواجب ـ تعالى ـ غير داخلة تحت مقولة ، وسائر أفرادها اعراض داخلة تحت المقولات ولها أجناس وفصول ، وتكون المطلق من كلّ منهما اعتباريا عارضا للجميع. فكما انّ مطلق العلم بمعنى الانكشاف والظهور أمر اعتباري عارضي بالنسبة إلى الصورة الحاصلة بالعالم فكذلك بالنسبة إلى ذاته القائمة بذاته ؛ وكما أنّ الصورة والقوّة العرضية فينا منشئا ومصحّح لانتزاع هذا المطلق ـ لأجل مناسبة بينهما ـ فكذا ذاته ـ سبحانه ـ منشئا له للمناسبة ؛ وكما انّ مطلق العلم بمعنى الانكشاف أمر عرضي وانتزاعه من القوّة القائمة بالمدرك لا يصير موجبا لتركيب القوّة وتكثّرها فكذلك انتزاعها عن ذات الواجب أيضا لا يوجب تركّبه وتكثّره ؛ وكما انّ تلك القوّة فرد من العلم بمعنى انّه يصدق عليها مطلق العلم ويحمل عليهما فكذلك ذاته ـ سبحانه ـ فرد من العلم بهذا المعنى ـ كالوجود المطلق ووجوده الخاصّ من دون تفاوت ـ. وبالجملة على هذا المذهب لا فرق بين ذاته ـ سبحانه ـ والصورة العلمية القائمة بالمدارك في منشئيتهما ومناطيتهما للانكشاف والظهور ، وفي كون كلّ منها فردا للعلم ومصداقا له ، فذاته بذاته منشأ لجميع الصفات الانتزاعية الّتي تكثّرها لا يوجب تركّبا وتكثّرا فيه وفرد ومصداق لجميعها ، وهو معنى العينية. وفي غيره ـ سبحانه ـ منشأ تلك الصفات الاضافية لا بدّ ان يكون قوّة زائدة قائمة به.
وبما ذكرنا ظهر فساد ما قيل : إنّ العينية بهذا المعنى يرجع إلى نفي الصفات عنه ـ تعالى ـ واثبات لوازمها وآثارها له ، فانّ القول بنفي الصفات عنه ـ سبحانه ، كما ذهب إليه بعض العرفاء ـ ليس حقّا عندنا ـ كما يأتى مفصّلة ـ. نعم! ، يرجع العينية بهذا المعنى إلى نفي الصفات الحقيقية الزائدة على ذاته ـ تعالى عنه سبحانه ـ.
__________________________________
(2) قريب منه يوجد في التعليقات ، ص 181.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|