المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

الطريقة الإنسانية في تفسير التاريخ
24-1-2018
نظرية تفسير نمو قطيرات الماء الصغيرة وتكون الأمطار- نظرية التحام قطيرات الماء
19-3-2022
قياس دائري Radian Measure
26-11-2015
وظائف كلام الصورة
21/11/2022
الباجادا
13/9/2022
Currents through parallel resistances
12-4-2021


موضوع علم الأصول  
  
2222   08:07 صباحاً   التاريخ: 5-9-2016
المؤلف : محاضرات السيد علي الحسيني السيستاني بقلم السيد منير السيد عدنان القطيفي
الكتاب أو المصدر : الـرافـــد فـي عــلـم الاصـول
الجزء والصفحة : ص 116- 137.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

بحث الأصوليون حول تحديد موضوع علم الأصول وكونه واحداً أم متعدداً وعلاقته بموضوعات مسائله . وهذا البحث مهم جداً ، لأنه يتبين به المعيار في أصولية المسألة ، فإن الفارق الجذري بين المسألة الأصولية وغيرها من المسائل المساهمة في عملية الاستنباط يتوقف معرفته على معرفة موضوع علم الأصول .

وهنا مسالك أربعة :

الأول :

ما طرحه صاحب الكفاية بقوله : « موضوع علم الأصول وهو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله انطباق الكلي على أفراده »(1) .

وبيانه : أن موضوع علم الأصول ليس هو الأدلة الأربعة لا بما هي هي ولا بما هي أدلة كما وقع البحث في ذلك عند القدماء ، بل هو جامع واقعي واحد منطبق على مسائله انطباق الكلي على أفراده ، وكون هذا الجامع الذاتي مجهول العنوان لا ضير فيه ، فإن العنونة لا مدخلية لها في موضوعية الموضوع أصلاً.

ونورد هنا ملاحظتين :

الأولى : إذا كان مقصود صاحب الكفاية تعريف موضوع علم الأصول وبيان خصائصه الدخيلة في موضوعيته فيلاحظ عليه : أن غاية ما يدركه العقل النظري ضرورة وجود موضوع بمعنى المحور والمركز لأبحاث العلم كما مر  سابقاً الحديث فيه ، ومن الواضح أنه لا مدخلية للوحدة ولا للكثرة ولا للجامعية الذاتية ولا للجامعية العرضية في المحورية والمركزية كما لا دخالة للعنوان في ذلك كما صرح به صاحب الكفاية نفسه .

فلا وجه حينئذٍ لاعتبار كون موضوع علم الأصول واحداً وجامعاً ذاتياً بين موضوعات مسائله . وإذا كان مقصوده الاشارة الى أن موضوع علم الأصول متصف بهذه الصفات من الوحدة والجامعية الذاتية وإن لم تكن هذه الصفات دخيلة في موضوعيته فيرد عليه كلمات المسالك الثلاثة الآتية .

الثانية : إن الجمع بين كون محور أبحاث الأصول وموضوعها جامعاً ذاتياً لموضوعات المسائل وبين وجود موضوع لكل مسألة باستقلالها لا وجه له ، وذلك لأن مركز البحوث الأصولية إذا كان هو الكلي الجامع بين موضوعات المسائل فلا خصوصية في موضوع المسألة في جهة المحورية بل المفروض إلغاؤه ، مع أننا نرى أن صناعة تصنيف العلوم ومنها علم الأصول قائمة على جعل موضوع ومحمول لكل مسالة، مما يكشف عن عدم كون الموضوع والمحور للأبحاث العلمية جامعاً ذاتياً بين موضوعات المسائل .

المسلك الثاني :

ما طرحه المحقق الاصفهاني في كتابه الأصول على النهج الحديث ، من كون موضوع علم الأصول عبارة عن أمور متكثرة بالذات متحدة بالعرض بلحاظ إضافتها للغاية والغرض (2) ، وبيان ذلك في ثلاثة أمور:

أ - إن موضوع علم الأصول عبارة عن موضوعات متعددة بالذات ، فمثلاً موضوع البحث في الأوامر نفس الصيغة والمحمول هو الظهور في الوجوب التعييني العيني ، بينما الموضوع في بحث حجية الظواهر نفس الظهور والمحمول هو الحجية، والموضوع في بحث مقدمة الواجب الملازمة الشرعية بين الوجوبين ومحمولها الوجود على نحو الهلية البسيطة، والموضوع في بحث خبر الواحد الحكاية عن السنة والمحمول هو الحجية، والموضوع في بحث الاستصحاب نفس اليقين السابق مع الشك اللاحق والمحمول هو إثبات البقاء به تعبداً ، ومن الواضح وجود التباين الذاتي بين هذه الموضوعات فهي متعددة لا واحدة بالذات .

ب - إن التباين الذاتي بين هذه الموضوعات لا يمنع وجود جامع عرضي بينها، فعلى القول بلزوم وجود جامع بين موضوعات المسائل يكفي وجود هذا الجامع العرضي بينها.

ج - إن الجامع العرضي المتصور في المقام هو حيثية الاضافة للغرض ، فإن الغرض من علم الأصول إقامة الحجة على حكم عمل الإنسان ، فالجامع حينئذٍ بين الموضوعات هو إيصالها لإقامة الحجة على حكم العمل ، وهو جامع عرضي يصلح لأن يكون موضوعاً لعلم الأصول .

وهنا عدة ملاحظات تتجه على هذا المسلك.

الأولى : إنه مبني على تفسير الموضوع في قولهم « موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية » بموضوع القضية مقابل المحمول ، لذلك استدل على تعدد موضوعات علم الأصول بعدم وجود جامع بين موضوعات المسائل ، مع أن الصحيح في تفسير الموضوع هو ما كان محور الكلام والبحث سواءاً كان موضوعاً في المسائل أم محمولاً أم كان هو حيثية الاضافة للغرض والغاية، وبناءاً على هذا فعدم اتحاد موضوعات المسائل بالذات لا يدل على تعدد موضوع علم الأصول بمعنى المحور للبحث .

الثانية : إن الذهاب لتعدد موضوع علم الأصول بالذات ووحدته بالعرض فرع عدم تصور موضوع واحد بالذات جامع بين محاور البحوث في علم الأصول ، وسيأتي تصويره في المسلك الرابع فلا حاجة لهذا المسلك حينئذٍ .

الثالثة : إذا كان موضوع علم الأصول مطلق القواعد الموصلة لإقامة الحجة على حكم العمل فلازمه دخول ما ليس من المسائل الأصولية في علم الأصول ، لمشاركة بعض العلوم الأدبية في تشخيص أصل الظهور الموصل لإقامة الحجة على حكم العمل ، ومساهمة البحوث الرجالية في ذلك أيضاً ، فلا يكون التعريف مانعاً .

الرابعة : ذكر المحقق الإصفهاني نفسه في بعض كلماته خروج مباحث البراءة والاشتغال عن حريم المسألة الأصولية ودخولها في خاتمة علم الأصول ، مع أن عليها مدار البحث الأصولي وركائز الاستنباط في الفروع(3) .

والسر في إخراجها أمران :

أ - إن المسألة الأصولية هي ما كانت نتيجتها تحقق الحجة على حكم العمل ، والمراد بالحجة البيان الكاشف عن حكم الشارع ، ومن المعلوم أن الأصول العملية لا كاشفية لها عن الحكم الشرعي فلا تسمى بحجة ولا يكون البحث فيها أصولياً .

ولكن الملاحظ على هذا التعليل أن الحجية عرفاً واصطلاحاً هي المنجزية والمعذرية فالحجة ما كان مفيداً لهما، ومن الواضح صحة إطلاق الحجة بهذا المعنى على الأصول العملية، حيث أن مفاد البراءة المعذرية عن الحكم المجهول ، ومفاد الاشتغال مثلاً منجزية الواقع ، ومفاد التخيير منجزية أحد الاحتمالين أو المحتملين ، وليست الحجة خصوص البيان الكاشف عن المراد الشرعي فإنه بلا مخصص ، بل هي كل ما يحتج به من المولى على العبد وبالعكس .

ب - ما ذكره في الأصول على النهج الحديث من كون أصل البراءة  الشرعية حكماً شرعياً بنفسه لا أنه دليل يستنبط منه الحكم (4)، وذلك لأن مفاد حديث الرفع وأمثاله جعل الشارع لعدم الحكم والاباحة في موارد احتمال التكليف الغير المنجز، فإذا كان مفاد أدلة البراءة حكماً شرعياً لم تكن البراءة حجة موصلة لحكم العمل ، بل هي نفسها حكم كلي يقوم الفقيه بتطبيقه على الموارد الجزئية كبقية القواعد الفقهية ، كقاعدة اليد والتجاوز والفراغ ولا ضرر التي تكون علاقتها بالحكم الجزئي علاقة الانطباق لا علاقة التوسيط الاثباتي كالقواعد الأصولية .

وتعليقنا على هذه النظرة أن المستفاد من أدلة البراءة الشرعية كما سيأتي في محله عدم تنجز احتمال التكليف وتنزيل وجود التكليف واقعاً بمنزلة عدمه ، لا أن مفادها إنشاء رفع الحكم أو جعل الترخيص واطلاق العنان حتى يكون مؤداها حكماً شرعياً ، والا لكان عدم كل من الأحكام الخمسة حكماً شرعياً أيضاً فتصبح الأحكام عشرة لا خمسة ولا قائل بذلك ، فإذا لم تكن البراءة الشرعية حكماً شرعياً فأعمالها في مورد احتمال التكليف واسطة لإثبات المعذرية عن التكليف المحتمل ، وهذا بنفسه كاف لعدها من لب المسائل الأصولية .

فإن قلت : إذا كان مفاد البراءة الشرعية عدم تنجز احتمال التكليف فهو متحد مع مفاد البراءة العقلية وهي قبح العقاب بلا بيان ، فلا فائدة في البحث عنها والغور في أدلتها، للاستغناء عنها بحكم العقل العملي بان العقاب بلا بيان ظلم قبيح .

قلت : هناك فرق واضح بين مفادي البراءتين بحيث لا يستغنى بالبحث في البراءة العقلية عنه في البراءة الشرعية وبالعكس ، لأن البراءة الشرعية أقوى ضماناً وأشد تأميناً للمكلف من العقوبة المحتملة عند احتمال التكليف من البراءة العقلية، وذلك لوجهين .

أ - إن مفاد البراءة العقلية قبح العقاب بلا بيان ومفاد البراءة الشرعية بيان عدم العقوبة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « رفع عن أمتي ما لا يعلمون » (5) ، ومن الواضح أن قبح العقاب مع البيان على عدمه أشد من قبحه مع عدم البيان .

ب - إن حيثية الامتنان في البراءة الشرعية أظهر منها في البراءة العقلية، لحصول الامتنان في الشرعية من وجهين :

1 - رفع تنجز احتمال التكليف .

2 - ورود هذا على لسان الشارع نفسه الذي بيده التكليف والعقوبة .

كما أن البحث في البراءة الشرعية لا يلغي الكلام في البراءة العقلية لعدم جريان الشرعية في بعض الموارد مع جريان العقلية فيها وبالعكس ، كما في مورد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين لشبهة الغرض أو الأصل المثبت على بعض المباني ، كما أن هناك من انكر البراءة العقلية مطلقاً عند احتمال التكاليف الشرعية مع قوله بجريان البراءة الشرعية فيها، فالبحث في إحدى البراءتين لا يلغي البحث في الاخرى.

المسلك الثالث :

ما يستفاد من كلام المحقق النائيني والاستاذ السيد الخوئي (قده)، من كون موضوع علم الأصول هو القانون الممهد لاستنباط الحكم الشرعي بدون ضم قانون اخر(6)، وبيان ذلك في ثلاث نقاط.

أ - إن العبارة المشهورة « موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية » تدل على وجود موضوع واحد بالوحدة الحقيقية لكل علم ، مع أنه لا دليل من عقل أو اعتبار عقلائي على لزوم وجود أصل الموضوع فضلاً عن وحدته بالوحدة الحقيقية، فلا موضوع لعلم الأصول فضلاً عن كونه واحداً بالذات ولا ضرورة للبحث عن ذلك .

ب - إنهم ذكروا أن الضابط الفاصل بين المسألة الأصولية وغيرها هو استغناؤها عن ضم قانون آخر لها في عملية الاستنباط وإن اختلف تعبير العلمين في ذلك ، حيث قال النائيني (قدس سره ) اصولية المسالة بوقوعها كبرى في دليل الاستنباط التي لو انضمت لها صغراها لأفادت الحكم الشرعي الكلي (7) ، وذلك لإخراج القاعدة الرجالية فانها قانون مساهم في استنباط الحكم الشرعي ، ولكنها لا تقع كبرى في الاستنباط بل هي محققة لصغرى دليل الاستنباط وهي حجية الخبر.

بينما الاستاذ السيد الخوئي قال : « المسألة الأصولية ما كانت كافية في استنباط الحكم بدون ضم قانون أصولي آخر لا صغروياً ولا كبروياً »(8) ، وذلك كاف في إخراج القاعدة الرجالية لأنها لا يكتفى بها في الاستنباط بدون قانون أصولي ، سواءاً وقع كبرى الدليل أم صغراه ، فلا حاجة لقيد الكبروية .

ومن هذا الضابط الفاصل بين المسألة الأصولية وغيرها نتصيد موضوع علم الأصول ومحور بحوثه ، وهو القانون الممهد لاستنباط الحكم الشرعي بدون ضم قانون آخر له وإن لم يصرح العلمان بذلك بل قالا بعدم وجود الموضوع .

ج - إن هذا المسلك متحد مع ما قبله في القول بعدم وجود موضوع واحد بالذات لعلم الأصول ، حيث نفاه المسلك الأول بامتناع الموضوع الواحد بالحقيقة الجامع للموضوعات المتباينة بالذات وهي موضوعات المسائل ، ونفاه المسلك الثاني بعدم الدليل العقلي والعلائي على ضرورة وجود الموضوع لكل علم فضلاً عن وحدته بالحقيقة، ومن ذلك علم الأصول .

وأيضاً المسلكان متحدان في وجود الجامع العرضي ، وهو حيثية الاضافة  للغرض من العلم التي عبر عنها المسلك الأول بإقامة الحجة على حكم العمل ، وعبر عنها الثاني باستنباط الحكم الشرعي الكلي . بل هما متحدان أيضاً في حقيقة هذا الغرض نفسه ، حيث أن إقامة الحجة على حكم العمل هي عملية استنباط الحكم الشرعي ، والمراد بمفهوم الاستنباط في كلمات الاستاذ السيد الخوئي (قدس سره ) ما يشمل إثبات المنجزية والمعذرية تجاه الحكم الواقعي كما في الأصول العملية وإن لم تكن نتيجته تحديد الحكم الشرعي كما في الأدلة الاجتهادية .

نعم يختلف المسلكان في قيد الاستغناء عن ضم قانون آخر في مقام الاستنباط ، حيث لم يقيد به المسلك الأول وقيد به المسلك الثاني .

ويلاحظ على هذا المسلك ملاحظتان :

الأولى : ذكرنا سابقاً أن العبارة المعروفة « موضوع كل علم . . . الخ » لا تدل الا على تفسير الموضوع بعد الفراغ عن وجوده ، ولا تدل على لزوم وجوده ولا على وحدته أصلاً ، وذكرنا سابقاً أن من الملازمات العقلية المدركة بالعقل النظري توقف الفائدة العلمية والعملية لأي علم على وجود موضوع له بمعنى المحور لأبحاثه ومفاهيمه .

الثانية : إن التعريف المطروح لموضوع الأصول لا ينطبق على موضوعات مسائله حتى عرضاً ، وذلك لأن من المسائل الأصولية المهمة بحث صغريات أصالة الظهور، كالبحث في ظهور المشتق في خصوص المتلبس أو الأعم ، والبحث عن ظهور صيغة الأمر في الوجوب وعدمه ، والبحث عن ظهور صيغة الشرط في المفهوم وعدمه وأمثال ذلك ، مع أن مرحلة الاستنباط للحكم لا تعتمد على هذه القوانين فقط بل تتوقف على ضم كبرى حجية الظهور لها أيضاً ، فلا يصدق على هذه المسائل أنها قوانين ممهدة لاستنباط الحكم الشرعي بدون ضم قانون أصولي آخر إليها .

وأجاب الأعلام عن هذه الملاحظة بوجهين :

الأول : ما في فوائد الأصول ، من كون هذه المباحث المتعلقة بصغرى اصالة الظهور مباحث لغوية خارجة عن موضوع الأصول موضوعاً ، وإنما بحث عنها علماء الأصول لمدخليتها في مقام الاستنباط من جهة وعدم تنقيح علماء اللغة والأدب لها من جهة أخرى، والا فلا فرق بين البحث عن ظهور صيغة الأمر في الوجوب وبين البحث عن ظهور لفظ الصعيد في مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب ، الا أن المثال الثاني منقح في كتب اللغة دون الأول(9) .

الثاني : ما في تعليقة أجود التقريرات (10)، وبيانه يتضح في ثلاثة أمور:

أ - إن الضابط المذكور للمسألة الأصولية أو موضوع الأصول ، وهو استغناؤه في مقام الاستنباط عن قانون أصولي آخر يشاركه في عملية الاستنباط لا يراد به الموجبة الكلية بمعنى الاستغناء في جميع الموارد، بل أخذ هذا الضابط على نحو القضية المهملة ولو في بعض الموارد، فالحاجة لقانون أصولي مشارك في بعض نماذج الاستنباط لا يسلخ المسألة الأصولية عن أصوليتها ما دامت تستغني في بعض النماذج الاخرى، والا فكما أن مباحث صغريات أصالة الظهور تفتقر في مرحلة الاستنباط لضم كبرى حجية الظهور لها ، فكذلك نفس كبرى حجية الظهور تفتقر أحياناً لكبرى أصولية أخرى مشاركة لها في عملية الاستنباط ككبرى حجية خبر الثقة ، ومع ذلك فهذا لا يخرجها عن كونها مسألة أصولية عند من يراها كذلك .

ب - إن قانون حجية الظهور ميثاق عقلائي لا ريب فيه ولذلك لم يقل فيه أحد بالسالبة الكلية ، فحينئذٍ من اللغو إدخاله في المباحث الأصولية وجعله من موضوعات علم الأصول للفراغ عن حجيته عند المجتمع العقلائي ، إذن فافتقار مباحث صغريات أصالة الظهور لهذه الكبرى دائماً في مقام الاستنباط لا يخرج هذه المباحث عن كونها أصولية ، لكونها لم تفتقر لقانون أصولي آخر بل احتاجت لقانون عقلائي مسلم به عند العقلاء.

ج - كما ذكرنا في الأمر السابق أنه لا نزاع كبروي في أصالة الظهور بل النزاع صغروي في ثلاثة جوانب :

1 - في دخول ظواهر الكتاب تحت كبرى حجية الظهور وعدمه .

2 - في دخول الظاهر بالنسبة لغير المقصود بالإفهام تحت الكبرى المذكورة وعدمه .

3 - في دخول الظهور مطلقاً حتى مع الظن بالخلاف أو عدم الظن بالوفاق تحت الكبرى المذكورة وعدمه .

وبعد وضوح كون الخلاف صغروياً فلو ارتفع في مورد لصح الاعتماد عليه في مقام الاستنباط بدون حاجة لضم قانون أصولي مشارك له ، فمثلاً لو وردت صيغة أمر في خبر مقطوع الصدور، بحيث لا يشمله النزاع في ظواهر الكتاب ، ولا يحتاج الاعتماد عليه لكبرى حجية خبر الثقة لكونه قطعياً ، وكان سامع الخبر من أمثال زرارة وجميل بحيث لا نحتاج لمسألة حجية الظهور بالنسبة لغير المقصود بالإفهام وعدمها، وقد حصل لهذا السامع الظن على وفق الظهور الذي يكون لازمه عدم الظن بالخلاف ، فلا يشمله النزاع الصغروي الثالث أيضاً.

فحينئذٍ يتم استنباط الحكم في مثل هذا المورد اعتماداً على قانون أصولي واحد وهو ظهور صيغة الأمر في الوجوب مثلاً بدون ضم قانون أصولي آخر، إذ المفروض انتفاء النزاع الصغروي في هذا المورد، والحاجة لكبرى حجية الظهور لا تخل بأصولية المسألة كما ذكرنا في الأمر الثاني ، لعدم كونها من قوانين علم الاصول .

فيكون قانون ظهور صيغة الأمر في الوجوب أصولياً مندرجاً تحت ضابط المسألة الأصولية وموضوع علم الأصول ، واحتياجه في الجوانب الثلاثة من النزاع الصغروي لقانون أصولي آخر لا يخرجه عن أصوليته ، لما ذكرنا من أن ضابط الاستغناء عن القانون الاخر لم يؤخذ على نحو الموجبة الكلية .

ويمكن المناقشة في ذلك بثلاثة وجوه :

أ - إن عدم وجود قائل بالسالبة الكلية في حجية الظهور لا يخرجها عن كونها أصولية ما دام مناط الأصولية موجوداً فيها، وهو وقوعها كبرى في مقام الاستنباط بدون حاجة لضم كبرى أصولية إليها، كما أن عدم القول بالسلب الكلي لا يجعل البحث عن كبرى حجية الظهور في علم الأصول لغواً، فإن موضوع هذه الكبرى غير محدد سعة وضيقاً ، فيصح البحث عنه من حيث سعته وشموله للظاهر بالنسبة لغير المقصود بالإفهام أم لا، وللظهور مع عدم الظن بوفاقه أو مع الظن بخلافه أم لا، وأمثال تلك البحوث ، وهذا المقدار من البحث كاف في أصولية الكبرى وعدم لغوية عدها في ضمن علم الأصول .

ب - إن اعتبار المسائل الباحثة عن صغريات أصالة الظهور من علم الأصول ، بناءاً على اعتماد مقام الاستنباط عليها من دون ضم كبرى أصولية أخرى في أمثال المورد السابق الجامع بين كون الخبر مقطوع الصدور وكون سامعه مقصوداً بالإفهام وواجداً للظن بالوفاق ، إنما هو اعتماد على مورد نادر بل معدوم في العصور المتأخرة التي هي عصور تدوين علم الأصول وتطوره وبروز معالمه ، وليس من الحسن في الاعتبار العقلائي لمقام التصنيف ، والتدوين الاعتماد على موارد نادرة لإدخال بحث في ضمن علم معين أو إخراج عنه .

ج - كما أمكن إدخال بحوث صغريات أصالة الظهور في علم الأصول لاستناد الاستنباط لها أحياناً - كما في المورد السابق - بدون ضم كبريات أصولية أخرى، كذلك يمكن إدخال كثير من البحوث اللغوية في علم الأصول بنفس الملاك المذكور، فمثلاً ظهور كلمة الصعيد وظهور كلمة لا ينبغي أو لا يصلح وما شاكل قد تعد من المسائل الأصولية أيضا، لأنها قد ترد في خبر مقطوع الصدور مع كون سامعه مقصوداً بالإفهام وواجداً للظن بالوفاق فلا يحتاج مقام الاستنباط بعد الاعتماد عليها الا لكبرى حجية الظهور، والمفروض كونها قانوناً عقلائياً مسلماً لا مسألة أصولية فينطبق الضابط للمسألة الأصولية ولموضوع علم الأصول عليها، مع أنه لم يقل بذلك أحد من الأصوليين .

الا أن يقال في جواب ذلك بوجود الفارق بين الظهورات المبحوث عنها في علم الأصول وبين الظهورات التي يتعرض لها الفقيه في مقام استنباط الحكم الشرعي ، وهو ما أشار له صاحب الكفاية - في مبحث البراءة عند حصر الأصول العملية في الأصول الأربعة المعروفة وعدم شمولها لمثل قاعدة الطهارة - من كون الأصول الأربعة عنصراً مشتركاً في عمليات الاستنباط للحكم الشرعي بخلاف قاعدة الطهارة فهي عنصر خاص بباب الطهارة دون غيره ، فكذلك في محل كلامنا فإن الظهورات المبحوث عنها في الأصول كظهور صيغة الأمر وظهور المشتق عناصر مشتركة بين عمليات الاستنباط بخلاف ظهور لفظ الصعيد مثلاً فهو خاص بباب التيمم دون غيره (11)، فلا وجه لقياس الظهورات اللغوية على بحوث صغريات أصالة الظهور.

ولكن مع ذلك يمكن الملاحظة على ذلك من زاويتين :

الأولى : إنه ينبغي أن يقال في تحديد المسألة الأصولية وموضوع علم الأصول أن أصولية القانون متقومة بقيدين ، عدم اختصاصه بباب دون اخر  واستغنائه في مقام الاستنباط عن إضافة قانون آخر إليه ، فراراً من الإشكال على ذلك بان بعض القوانين الدخيلة في مقام الاستنباط مشتركة بين الأبواب الفقهية ولكنها لا تستغني عن إضافة كبرى أصولية إليها كقواعد علم الرجال ، وبعض القوانين المستغنية عن إضافة قانون أصولي لها في مقام الاستنباط قوانين لغوية كظهور لفظ الصعيد في مطلق وجه الأرض مثلاً وهي غير مشتركة بين أبواب الفقه ، الا أنهم اكتفوا في تعريف المسألة الأصولية بقيد الاستغناء دون الاشتراك .

الثانية : إن عنصر الاشتراك المأخوذ مائزاً بين القانون الأصولي وغيره إن أريد به الدخول في جميع الأبواب الفقهية فهولا ينطبق على قانون من القوانين الأصولية أصلاً ، وإن أريد به الدخول في كثير من الأبواب الفقهية اندرج في ذلك بعض الظهورات اللغوية المتكررة في عدة أبواب فقهية كظهور كلمة - يحرم - أو لا بأس وأمثال ذلك ، مع أنها ليست من صميم المسائل الأصولية .

المسلك الرابع :

ما طرحه السيد البروجردي (قدس سره )، وهو أن موضوع علم الأصول هو « القانون الذي يعد حجة في الفقه » ، وهذا هو مختارنا أيضاً وسنطرحه بما يوافق مبانينا وأفكارنا، فنقول قبل توضيح المسلك المذكور هناك عدة تنبيهات :

أ - إن كثيراً من الأعلام تجشم إضافة قيود وحذف قيود أخرى من تعريف علم الأصول وتعريف موضوعه بهدف المحافظة على التصنيف الموجود لعلم الأصول فعلاً، بحيث لا تخرج منه مسألة فيه حسب التصنيف الحاضر ولا تدخل له مسألة لم تدون فيه حسب التصنيف المذكور، مع أن هذا التصنيف والتدوين خصوصاً على أيدي المتأخرين لم يخضع لضوابط مسلمة عند الجميع ، بحيث يكون ملزماً لنا أن لا نعرف المسألة الأصولية تعريفاً لا يتفق معه طرداً أو عكساً ، مع وضوح استطرادية كثير من البحوث فيه كمبحث لا ضرر وقاعدة اليد وأصالة الصحة وأشباهها .

ب - قد ذكرنا فيما سبق أن وحدة العلم وحدة اعتبارية متقومة بالاعتبار الناشىء عن مراعاة تمام المصالح والجهات الدخيلة في جعل الوحدة المذكورة ، وحينئذٍ فلا معنى للتخطئة والاختلاف في الوحدة الاعتبارية بل يكون الخلاف راجعاً لمنشأ الاعتبار، وهو انحفاظ المصالح والأهداف المنشودة في الوحدة الاعتبارية نفسها، ولا مانع حينئذٍ من اختلاف الانظار في حدود المسألة الأصولية نتيجة للاختلاف في أقرب الاعتبارات لحفظ المصالح والأهداف المطلوبة .

ج - المسلك المذكور وهو كون موضوع علم الأصول عبارة عن القانون المتخذ حجة في الفقه يرشدنا لأمور:

أولاً : إن التعريف جامع ذاتي بين جميع المسائل الأصولية إذ لا تخلو مسألة كما سياتي الا وموضوع البحث فيها - بمعنى محور البحث فيها - هو الحجة في الفقه ، سواءاً كان هذا المحور موضوعاً في المسألة أو محمولاً فيها، إذن لا مانع من كون موضوع علم الأصول جامعاً ذاتياً بين المسائل .

وثانياً : بما أن موضوع علم الأصول هو القانون المتخذ حجة في الفقه فتعريف علم الأصول هو العلم الباحث عن القانون المعتبر حجة في الفقه .

وثالثاً : يتبين من خلال تعريف موضوع علم الأصول الفارق بين المسألة الأصولية وغيرها من المسائل المساهمة في عملية الاستنباط ، فالمسألة الأصولية هي القانون الذي قد يعد حجة في الفقه .

توضيح التعريف : ويتضمن ذكر ثلاثة أمور:

1 - إن المقصود بالحجة في التعريف هو المصطلح اللغوي ، وهو ما يصح الاحتجاج به من المولى على العبد وهو المعبر عنه بالمنجزية ومن العبد على المولى وهو المعبر عنه بالمعذرية، لا المصطلح المنطقي وهو الحد الأوسط الذي يكون واسطة في إثبات النتيجة ، ولذلك يشمل المفهوم المذكور حتى الأصول العملية فانها وإن لم تكن واسطة في إثبات نتائج معينة لكنها تفيد المنجزية كقاعدة الاشتغال وتفيد المعذرية كقاعدة البراءة، فهي مندرجة تحت عنوان الحجة .

2 - إن تعريف موضوع علم الأصول بـ « القانون المعد حجة في الفقه » هو الظاهر من كلمات المتقدمين ، فقد قال الشافعي في رسالته : « بان الموضوع هو البيان » (12)، عبر عنه السيد المرتضى في الذريعة بدليل الفقه ، قال : « اعلم أن الكلام في أصول الفقه إنما هو في الحقيقة كلام في أدلة الفقه » (13) ، والقدماء هم الأقرب لبداية بذرة علم الأصول ومعرفة واقع هذا العلم .

3 - لقد سبق منا في أول الكتاب أن قدمنا أطروحتنا في تصنيف علم الأصول على أساس الاعتبار وألوانه وتفاصيله ، والأن نقدم أطروحة أخرى في تصنيف علم الأصول وتبويبه على أساس الحجية لارتباطها بمبحثنا، وهو تحديد موضوع علم الأصول .

فنقول إن للحجية ثلاث مجالات :

أ - مجال الاحتمال .

ب - مجال الكشف .

ج - مجال الميثاق العقلائي .

ومحور الحجية في كل مجال يختلف عنه في المجال الأخر، فمحور الحجية في مجال الاحتمال نفس الاحتمال بقطع النظر عن حيثية الكشف فيه ، بمعنى أن الاحتمال في حد ذاته هل يملك الباعثية والزاجرية ولو لأهمية المحتمل وخطورته وان كان الاحتمال موهوماً أم لا، ومحور الحجية في مجال الكشف هو درجة الحكاية والكشف عن الواقع ، فخبر الثقة مثلاً عندما نبحث عنه نقول بانه متى يعتمد العقلاء والشرع المقدس على هذه الوسيلة من حيث درجة كاشفيتها عن الواقع ، فالمدار فيه على مستوى الحكاية والكشف .

كما ان الكشف على نوعين : كشف عقلي وكشف حسي ، ومقصودنا بالأول : ادراك العقل النظري للواقع عبر وسيلة معينة ، فإن الإنسان إذا سمع خبر الثقة مع معرفته بحكم الاستقراء المبني على حساب الاحتمالات ان خبر الثقة غالب المطابقة للواقع حصل له في ذهنه إدراك راجح بصدق الخبر، وهذا ما نعبر عنه بالكشف العقلي .

ومقصودنا بالكشف الحسي : الشعور الوجداني بالشيء ، فمثلاً إذا مارس الإنسان عمل الكتابة فإن له توجهاً وجدانياً حال الكتابة وشعوراً باستمرارية العمل وتواصله ، والشعور الوجداني بالشيء غير التوجه العقلي له ، كذلك لو نظر الإنسان لصورة حديقة معينة ثم أطبق عينيه فإنه يشعر وجداناً كأن الصورة ما زالت أمام بصره ، ولو كان الإنسان في مكان صاخب بالأصوات والأضواء ثم انتقل لمكان هادئ فإنه يشعر وجداناً كأنه ما زال في موجة الصخب والضجيج ، وهذا ما نعبر عنه بالكشف الحسي الوجداني الذي ربطنا به قاعدة الاستصحاب ، حيث أن الإنسان إذا تيقن بوجود شيء عن أي طريق فإنه يبقى له شعور وجداني ببقاء ذلك الشيء بعد فترة طويلة .

وكذلك قاعدة الفراغ والتجاوز، حيث أن الإنسان إذا مارس عملاً من الأعمال فكما يلتفت للعمل بعقله وفكره فكذلك يكون له شعور وجداني ارتكازي بمسيرة العمل ، بحيث لو غاب الالتفات العقلي عن العمل فالشعور النفسي يبقى موجوداً ، فهل مثل هذا الكشف الوجداني الحسي حجة أم لا ؟ وأما محور الحجية في مجال الميثاق العقلائي فهي نفس بناء العقلاء سلوكاً وارتكازاً ، فإن العقلاء قد يعتمدون على الظواهر مثلاً لا من باب الكشف ودرجته ولا من باب المقارنة بين درجة الاحتمال وأهمية المحتمل لتحصيل الوثوق النفسي ، بل من باب انسجام هذا الاعتماد والبناء مع مصالحهم ونظامهم ، إذن فهذه المجالات تختلف في محور الحجية فيها.

المجال الأول في الاحتمال :

ان العقلاء في معاملاتهم العامة والخاصة يمارسون عملية المقارنة بين درجة الاحتمال ودرجة المحتمل ، والشرع الشريف قد اعتبر أحكامه بمنزلة مقاصد الإنسان ، فكما يتعامل الإنسان ، مع مقاصده الخاصة والعامة بالتأمل في درجة الاحتمال والمحتمل فكذلك يتعامل مع الأحكام الشرعية المحتملة بمقتضى اقرار الشرع وإمضانه .

والاحتمال ينقسم لخمسة أقسام :

أ - الاحتمال بدرجة لا تحتمل الخلاف أصلا وهو المعبر عنه بالقطع الذي ذهب معظم علماء الأصول للقول بحجيته الذاتية، ونحن نقول بالحجية العقلائية كما سيأتي بحثه في محله .

ب - الاحتمال الواصل لدرجة يكون احتمال الخلاف احتمالاً وهمياً لا يعتنى به ، وهذا هو المعبر عنه بالاطمئنان والوثوق الشخصي ، وهو حجة بنظرنا إذا كان ناشئأ عن دليل حساب الاحتمالات وتراكمها حول محور واحد ، وهو الذي نصطلح عليه باليقين الموضوعي في مقابل اليقين الذاتي الناشىء عن العوامل المزاجية والشخصية .

ج - الاحتمال المستند للعلم الاجمالي ، فإن العلم الاجمالي المتعلق بالجامع يعطي للاحتمال الموجود في الاطراف المحصورة قوة نفسية تكون باعثة وزاجرة للإرادة عند العقلاء ، وهذا ما يعبر عنه بمباحث العلم الاجمالي .

د - الاحتمال المعتمد على أهمية المحتمل ، فقد يكون الاحتمال في ذاته ضعيفاً لكنه يعد رادعاً وباعثاً عقلائياً نظراً لأهمية المحتمل نفسه ، سواءاً علمت أهمية المحتمل ببيان الشرع نفسه أم علمت من خلال ثقافة المجتمع نفسه ، كما في موارد الدماء والأعراض والأموال ، وهذا هو المعبر عنه بأصالة الاحتياط .

هـ - الاحتمال الساذج وهو على لونين :

1 - احتمال لا يعتمد على قوة في نفسه ولا قوة في محتمله ، لعدم بيان الشارع لأهميته وهو المسمى بالبراءة العقلية، او لبيان الشارع عدم اهميته وهو المسمى بالبراءة الشرعية، فنحن نعتقد عدم حجية هذا الاحتمال خلافاً للمدرسة الأخبارية التي تعتقد بحجيته ، بلحاظ ان النزاع بين المدرستين ليس نزاعا كبروياً بل الجميع متفق على كبرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وإنما النزاع صغروي وهو هل أن احتمال التكليف بيان أم لا، فذهبت المدرسة الأخبارية الى كونه بياناً نظراً لاعتضاد هذا الاحتمال بأهمية المحتمل ، حيث أن المحتمل هو التكليف المولوي الصادر عن المولوية الذاتية لا عن المولوية الاعتبارية ، وهذا بنظرهم كاف لإعطاء الاحتمال درجة من المحركية والباعثية ، وهوما لا نوافق عليه .

2 - الاحتمال المصطدم باحتمال اخر معاكس له بنفس الدرجة من القوة في الاحتمال ، لوجود يقين بأصل الحكم على نحو مانعة الخلو، وهذا مورد أصالة التخيير التي وقع البحث فيها حول حجية أحد الاحتمالين لقوة محتمله اعتماداً على قانون أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، أو عدم حجية شيء لعدم صدق البيان على شيء منهما . إذن ظهر لنا من خلال هذا العرض أن البحث ني مجال الاحتمال كله يدور حول الحجية وعدمها .

مجال الكشف : والكشف على قسمين :

1 - الكشف العقلي :

2 - الكشف الحسي .

الكشف العقلي : إن المجتمع العقلائي في اعتماده على الكشف يتخذ تصرفين ، فتارة يقوم بتتميم الكشف ، وتارة يقوم بتطبيق المكشوف .

الأول : تتميم الكشف : وهو في موارد حجية الحجج كالشهرة والاجماع

المنقول والظن الإنسدادي وقول اللغوي وخبر الثقة في الأحكام والبينة في الموضوعات ، ففي هذه الموارد يوجد مسلكان :

1 - المسلك التجزيئي ، وهو الذي يرى أن هذه العناوين يعبر كل واحد منها عن حجة مستقلة، فخبر الثقة مثلاً له درجة من الكشف والعقلاء من أجل تنظيم مصالحهم العامة يتممون هذه الدرجة ويعتبرونه كاشفاً تاماً بمستوى العلم اعتماداً على وثاقة المخبر، بغض النظر عن قوانين المقارنة بين الاحتمال والمحتمل التي سبق عرضها في المجال الأول ، وهذا هو المسلك المشهور.

2 - المسلك الموضوعي وهو مختارنا، وفحواه أن أغلب هذه العناوين ما هي الا مقدمات تكوينية لحصول الاطمئنان والوثوق ، والحجية لهذا الاطمئنان لا لمقدماته ، فمثلاً خبر الثقة بعد دراسة وثاقة رواته ودراسة مقارنة مضمونه مع القواعد العامة وقد ينضم لذلك الشهرة الفتوائية أو الاجماع المنقول يحصل للفقيه الوثوق بالحكم المستفاد منه ، والحجية لهذا الوثوق الموضوعي المستند لدليل حساب الاحتمالات وجمع القرائن حول محور واحد لا لخبر الثقة أو الشهرة أو الاجماع بل هذه مجرد قرائن تولد قوة الاحتمال وتأكده . وبناءاً على هذا المسلك الثاني يدخل البحث في باب الحجج والامارات في مجال الاحتمال لا مجال الكشف .

ومما يرتبط ببحث خبر الثقة بحث تعارض الأدلة الشرعية، فإنه بحث عن حجية احد المتعارضين إما بنحو تتميم الكشف وإما بنحو حجية الوثوق .

الثاني : تطبيق المكشوف : لا إشكال في كاشفية العلم الاجمالي عن الجامع بين الأطراف ، ولكن الذي أصبح مثار البحث عند الأصوليين هو هل أن كشف العلم الاجمالي عن الجامع يعد بنظر المجتمع العقلائي كشفاً عن الفرد بحيث يعتبرون التكليف المحتمل في الفرد متنجزاً ، أم لا وهذا ما يسمى بالكشف العقلائي للعلم الاجمالي في مقابل الكشف الذاتي ، وعلى هذا الأساس يتم البحث في العلم الاجمالي أيضاً فإذن مباحث العلم الاجمالي يصح تناولها من زاويتين :

 1 - زاوية الاحتمال .

 2 - زاوية الكشف حسب اختلاف المباني .

الكشف الحسي : إن الخلاف في حجية الاستصحاب وعدمها راجع للخلاف في اعتبار الكشف الاحساسي وعدمه ، بيان ذلك : أن الانسان - كما يقول علماء النفس - مخلوق إحساسي يعتمد على إحساسه كثيراً ، فهو يتأثر بالشخص الذي يراه منذ النظرة الأولى ويتعامل معه على ضوء تلك النظرة، وقد يرى طفلاً صغيراً بدرجة معينة من التفكير فيتعامل معه بمستوى درجته حتى بعد كبره وصيرورته من العلماء مثلاً ، فهذا الاعتماد على النظرة الأولى اعتماد على كشف إحساسي لا على كشف عقلي ، أي انه اعتماد على شعور وجداني باستمرار النظرة الأولى .

فهل العقلاء يعتمدون على الكشف الاحساسي السابق ويرونه ممتداً في عمود الزمن أم لا؟

هذه هي اطروحتنا في بحث الاستصحاب . وربما يرتبط بذلك أيضاً بحث قاعدة الفراغ والتجاوز، فإن الانسان إذا مارس عملاً معيناً فالتفاته الحسي للعمل أثناء أدائه قد يكون اقوى من تركيزه العقلي عليه أو ذهوله العقلي عنه ، ولعل هذا فحوى ما في النصوص من قوله عليه السلام : « هو حين وضوئه أذكر منه حين يشك» (14). بمعنى أن شعوره الوجداني بأداء العمل أثناء أدائه حجة يعتمد عليها.

مجال الميثاق العقلائي : وهو البحث عن كل إمارة تبانى عليها العقلاء لأجل مصالحهم لا بملاك الكشف النوعي ، وقد يمثل له ببحث الظهور، فإن البحث عن الظهور راجع إلى أن المجتمع العقلائي . هل يرى الإنسان ملزماً بما يظهر من كلامه أو فعله أو سكوته أم لا، فالقول بان صيغة الأمر مثلاً ظاهرة في الوجوب العيني التعيني معناه أن الميثاق العقلائي قائم على الالزام والالتزام بذلك عند صدور صيغة الأمر.

فهم يتعاملون مع الظواهر على نحو الموضوعية لا على نحو الطريقية، فلا يركزون على حصول الوثوق الشخصي وعدمه ، وانما تركيزهم على درجة تفاعل العرف مع النص وأنها هل تبلغ مستوى انقياد المجتمع العقلائي لها أم لا ، سواءاً وقع البحث في المدلول المطابقي للظاهر كالبحث في طهور صيغة الأمر في الوجوب وعدمه ، أم في المدلول التضمني كالبحث في أن العام المخصص حجة في الباقي أم لا، أم في المدلول الالتزامي كالبحث في أن الأمر بالشيء هل يدل على حرمة ضده ووجوب مقدمته أم لا .

وأما الربط بين هذه البحوث وموضوع علم الأصول - وهو القانون المعتبر حجة في الفقه - فتوضيحه أن البحث في الظواهر على نوعين :

أ - ما يكون محور البحث فيه هو الحجية وعدمها.

ب - ما يكون راجعاً لذلك مع الواسطة ، فمن النوع الأول البحث عن حجية العام قبل الفحص ، وحجية العام المخصص في الباقي ، وحجية الاطلاق الاثباتي في كاشفيته عن الاطلاق الثبوتي، أو كاشفيته عن إرادة الحصة كإطلاق صيغة الأمر الدال على الحصة التعينية من الوجوب ، ومن النوع الثاني مباحث ظهور الجملة الشرطية في المفهوم ، وظهور صيغة الأمر في الوجوب .

وهذه البحوث وإن كانت صغروية في النظر الظاهر لكنها راجعة للبحث عن الحجية أيضاً ، فالجملة الشرطية مثلاً لا إشكال عند الأصوليين في أصل دلالتها على المفهوم ولكن الكلام عندهم بان تلك الدلالة هل هي بدرجة الاشعار أم أنها بدرجة الظهور المعتبر حجة عند العقلاء بحيث يرتبون عليه الاثار، فالبحث بالنتيجة راجع للحجية .

كما ان الكلام في صيغة الأمر ايضاً يمكن ارجاعه لتلك النكتة ، وذلك لأن أصل ظهور صيغة الأمر في الالزام لا نزاع فيه عند العرف ، ومما يكشف عن ذلك اننا نلاحظ أن الشارع المقدس يتوصل لبيان المفردات القانونية الأخرى كالوجوب الشرطي والحرمة الشرطية مثلاً بصيغة الأمر والنهي مما يكشف عن الفراغ عن دلالتها على أصل الالزام بالفعل أو الترك ، باعتبار أن المفردات القانونية كالوجوب المولوي والشرطي لم تكن متداولة في اللغة العربية في زمان الجاهلية وصدر الاسلام ، ولم توضع جهة تشريعية للقيام بوضع هذه المفردات كالمجاميع اللغوية في العصر الحاضر.

فكان الشارع إذا أراد بيان الشرطية استخدم نفس صيغة الأمر التي يستخدمها في البعث المولوي ، فيقول : {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] ، ويقول . {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]) وإذا اراد بيان المانعية استخدم صيغة النهي أو مادته نحو: « نهي النبي عن بيع الغرر»(15) و « لا تبع ما ليس عندك » وذلك مما يكشف عن تسليم اصل الدلالة في الأمر والنهي على الالزام ، ولذلك تستخدمان في بيان الالزام الشرطي أيضاً ، فيعود البحث عن ظهور الأمر والنهي في الوجوب والحرمة للبحث عن كون هذا الظهور بمستوى الحجية أم لا ؟ ولكن قد يقال بانه بعد تسليم كبرى حجية الظهور فالبحث في درجة الظهور وكونها بمقدار الحجية ام لا بحث صغروي يدور حول الظهور نفسه لا أنه بحث كبروي دائر حول الحجية وعدمها فإما أن يلتزم بما ذكره المحقق النائيني (قدس سره ) من كون هذه البحوث بحوثاً لغوية بحثها الأصوليون لعدم تنقيح أهل اللغة لها وإما ان يلتزم بما ذكره صاحب الكفاية من اعتبار كون المسألة الأصولية عنصراً عاماً لكثير من موارد الاستنباط وهو الذي عبرنا عنه بالقانون فإن عنوان القانون والقاعدة لا يصدق على ظهور لفظ الصعيد مثلاً فهو مسألة لغوية ولكنه يصدق على ظهور صيغة الأمر لعمومها لكثير من موارد الاستنباط فتعد مسألة أصولية . والحاصل أنه ظهر من خلال استعراضنا للبحوث الأصولية بحسب التصنيف الذي طرحناه أن موضوع علم الأصول ومحور أبحاثه هو القانون الذي يستخدم حجة في مجال الاستنباط .

ويمكن أن يقال أيضاً بأن موضوع علم الأصول ومحور أبحاثه هو الاعتبار القانوني وعوارضه وأحكامه لما ذكرناه في بحث منهج علم الأصول بأن المنهج المقترح هو دوران البحث في علم الأصول مدار الاعتبار القانوني بالتفصيل السابق .

_________________
(1) الكفاية : 8 .

(2) بحوث في علم الاصول للمحقق الاصفهاني : 21

(3) بحوث في علم الاصول للمحقق الاصفهاني : 22

(4) بحوث في علم الاصول للمحقق الاصفهاني : 22

(5) الوسائل 15 :369| 20769.

(6) اجود التقريرات ا : 3 ، محاضرات في اصول الفقه ا : 80 .

(7) أجود التقريرات 301 .

(8) محاضرات في اصول الفقه ا : 8.

(9) فوائد الاصول 1 : 26 .

(10 ) أجود التقريرات 1 : 3

(11) الكفاية : 337 .

(12) الرسالة : 21 .

(13)الذريعة 1 : 7 .

(14) الوسائل 1 : 471 | 1249.

 (15) عوالي اللآلي 2 : 248 | 17، سنن البيهقي 5: 338.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.