المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7452 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
معنى المسيح
2024-04-17
تفويض الامر الى الله
2024-04-17
معنى القنوت
2024-04-17
فاطمة الزهراء شبيهة مريم العذراء
2024-04-17
معنى الحضر
2024-04-17
التحذير من الاستعانة بالكافر
2024-04-17

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الحقيقة الشرعيّة  
  
1605   09:16 صباحاً   التاريخ: 29-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1 ص 93.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-9-2016 1928
التاريخ: 16-10-2016 1164
التاريخ: 9-6-2020 1357
التاريخ: 8-8-2016 1152

ينبغي التنبيه على مقدّمة قبل الشروع في أصل البحث ، وهي أنّ الألفاظ تارةً توضع لفهم عموم الناس وهي أكثر الألفاظ المتداولة بينهم ، وتسمّى بالحقائق اللغويّة أو العرفيّة ، واخرى توضع لصنف خاصّ منهم وتسمّى بالمصطلحات نظير لفظ « الاصول العمليّة » فإنّه وضع في علم الاصول للأصول الأربعة العمليّة المعهودة ، وأمّا في اللّغة فوضع لفظ « الأصل » و «العمل» لما هو أوسع من ذلك كما هو واضح ، والفرق بين القسمين أنّ الحقائق اللغويّة تفيد معانيها اللغويّة كيفما استعملت ، من دون أن تكون مقيّدة بكلام خاصّ ، وأمّا المصطلحات فإفادتها المعاني المصطلحة متوقّفة على استعمالها في مواردها الخاصّة.

إذا عرفت هذا فنقول : إنّ لنا في الشرع ماهيّات مخترعة نحو الصّلاة والحجّ والزّكاة ، واموراً اخرى مشابهة لها ، نحو عنوان « التكبير » الذي في اللّغة بمعنى مطلق التعظيم ، في الشرع وضع لصيغة « الله اكبر » ولكنّه ليس ماهية مخترعة مستقلّة تتركّب من أجزاء وأعمال كماهيّة الصّلاة ، ولا إشكال في أنّ الألفاظ الدالّة على هذه الماهيات المخترعة في زماننا هذا حقيقة في المعاني الشرعيّة ، ولكن لا بدّ من البحث في أنّها هل صارت حقيقة فيها في عصر الشارع حتّى تحمل على تلك المعاني في لسانه ( وتسمّى حينئذٍ بالحقائق الشرعيّة ) أو صارت حقيقة في الأزمنة اللاّحقة بأيدي المتشرّعين ، وحينئذٍ تحمل الألفاظ الواردة في لسان الشارع على معانيها اللغويّة عند فقد القرينة ، وعلى معانيها الشرعيّة عند وجودها ( وتسمّى حينئذٍ بالحقائق المتشرّعيّة ) فيه قولان :

أحدهما : ثبوت الحقيقة الشرعيّة والثاني : عدمه. وتوضيح الحال يستدعي البحث في امور أربع:

الأوّل : في أدلّة القولين.

الثاني : في حدود هذه الماهيّات وعددها ، فهل تكون محدودة بمثل الصّلاة والصّوم والحجّ ، أو أنّ دائرتها أوسع منها.

الثالث : في بيان ثمرة المسألة.

الرابع : في تعيين الوظيفة حين الشكّ في بعض الاستعمالات إذا شكّ في أنّ الألفاظ المستعملة فيها هل استعملت في هذه الموارد قبل صيرورتها حقيقة في المعاني الشرعيّة ، أو بعدها؟

الأمر الأوّل: في أدلّة القولين:

فاستدلّ النافون بأصالة عدم النقل، حيث إنّه أصل من الاُصول العقلائيّة في باب الألفاظ التي تكون بحكم الأمارات وليست من الاُصول التعبّديّة الشرعيّة لأنّ بناء العقلاء استقرّ على حمل الألفاظ على معانيها الأوّليّة إلاّ إذا ثبت نقلها بدليل.

واستدلّ المثبتون بوجوه عمدتها التبادر، والمراد منه تبادر المعاني الخاصّة من تلك الألفاظ إلى أذهان معاصري النبي (صلى الله عليه وآله) عند استعمالها من دون قرينة، والتبادر علامة الحقيقة.

توضيحه: أنّ فهم الأصحاب المعاني الجديدة من هذه الألفاظ المستعملة في كلمات الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) ممّا لا ريب فيه، وذلك لا يخلو من أحد وجوه ثلاثة : فإمّا أن يكون لوجود قرائن لفظيّة في البين، أو لوجود قرائن حاليّة، أو أنّه ناش من ناحية الوضع، ولا إشكال في أنّ لازم الأوّلين القول بأنّ القرائن ضاعت فلم تصل إلينا وهذا أمر مستبعد جدّاً، فيتعيّن الأخير وهو المطلوب.

نعم هاهنا « سؤال » وهو أنّ منشأ هذا التبادر ما هو؟ فهل هو الوضع التعييني أو التعيّني؟

وجوابه: إنّ الوضع التعييني يستلزم الالتزام بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصرّح وينصّ بأنّي وضعت هذا لهذا، وذاك لذاك، وهذا أيضاً أمر مستبعد جدّاً، لأنّه لو كان لبان، ونقل إلينا، لتوفّر الدواعي على نقله، فيتعيّن تكون المنشأ الوضع التعيّني، وحينئذ يقع البحث في زمان تحقّق هذا الوضع، أي زمان صيرورة المعنى المجازي حقيقيّاً لأنّه يحتاج إلى كثرة الاستعمال، فيقع السؤال عن إنّه هل يكفي عصر الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه الكثرة حتّى نلتزم بكونه زمان الوضع، أو لا يكفي حتّى نلتزم بأنّ الوضع والتعيّن حصل في عصر المعصومين (عليهم السلام)؟

هذا إذا كان نوع الوضع منحصراً في القسمين المذكورين (التعيّني والتعييني)، لكن المحقّق

الخراساني(رحمه الله) أبدع هنا قسماً ثالثاً يمكن تسميته بالوضع التعييني العملي فإنّه قال: ربّما يكون الإنسان بصدد الوضع من دون أن يصرّح به فلا يقول: «وضعت هذا لهذا» بل يستعمل اللفظ عملا في معناه فيقول مثلا: «ايتني بالحسن» وهو يريد به وضع لفظ الحسن لهذا المولود، من دون أن ينصب قرينة على المجاز بل إنّما ينصب القرينة على كونه بصدد الوضع (ولعلّه من هذا القبيل قول الرسول (صلى الله عليه وآله) « صلّوا كما رأيتموني اُصلّي » ، ثمّ قال: لا يبعد كون هذا النوع من الوضع هو منشأ التبادر في الحقائق الشرعيّة، لكن أورد عليه جماعة ممّن تأخّر عنه منهم المحقّق النائيني(رحمه الله) «بأنّ حقيقة الاستعمال كما بيّناه إلقاء المعنى في الخارج بحيث يكون الألفاظ مغفولا عنها فالاستعمال يستدعي كون الألفاظ مغفولا عنها وتوجّه النظر إليه بتبع المعنى بخلاف الوضع فإنّه يستدعي كون اللفظ منظوراً إليه باستقلاله، ومن الواضح إنّه لا يمكن الجمع بينهما في آن واحد»(1).

ثمّ وقع الأعاظم بعده في حيص وبيص في مقام دفع هذا الإشكال وأجاب كلٌّ بجواب، فأجاب بعض من تأخّر عنه بما حاصله: إنّ المستحيل هو اجتماع اللحاظين في ملحوظ واحد، وفي ما نحن فيه متعلّق أحد اللحاظين غير متعلّق الآخر، لأنّ اللحاظ الآلي متعلّقه شخص اللفظ، واللحاظ الاستقلالي متعلّقه نوع اللفظ من أي متكلّم كان(2).

ولكن يرد عليه: أنّ المفروض استعمال لفظ الحسن مثلا مرّة واحدة لا مرّتين، فيكون النوع والشخص موجودين بوجود واحد، فيبقى محذور اجتماع اللحاظين على حاله.

وأجاب بعض الأعلام في تعليقته على أجود التقريرات بما حاصله: إنّ هذا الإشكال وارد على مبنى كون حقيقة الوضع إنشاء، لأنّ الوضع حينئذ يتحقّق بنفس التلفّظ والإنشاء، وأمّا بناءً على مختارنا من كونه هو التعهّد والالتزام فيقع الوضع قبل الاستعمال بطبيعة الحال، لأنّ الالتزام يتحقّق قبل التكلّم، فلا يكون في نفس الاستعمال لحاظان(3).

وفيه:

أوّلا: ما مرّ من الإشكال في أصل مبناه في حقيقة الوضع.

وثانياً: سلّمنا ـ إلاّ أنّ التعهّد المحض من دون الإبراز والإظهار لا أثر له لعدم إيجابه التفاهم

في الألفاظ الذي هو الغاية في الوضع، ولا إشكال في أنّ الالتزام مع الإبراز يحتاج إلى اللحاظ الاستقلالي مضافاً إلى اللحاظ الآلي، لأنّ إبراز الالتزام باللفظ يحتاج إلى النظر إليه مستقلا، فيبقى الإشكال على حاله.

وأجاب عنه: في تهذيب الاُصول بأنّه «يمكن أن يكون من باب جعل ملزوم بجعل لازمه ويكون الاستعمال كناية عن الوضع من غير توجّه إلى الجعل حين الاستعمال وإن التفت إليه سابقاً أو سيلتفت إليه بنظرة ثانيّة، وهذا المقدار كاف في الوضع»(4).

أقول: كلامه هنا مناف لما صرّح به في باب حقيقة الوضع، لأنّه قال هناك: إنّ الوضع نوع من الإنشاء، وإليك نصّ كلامه: «الوضع هو جعل اللفظ للمعنى وتعيينه للدلالة عليه»(5).

ووجه التنافي إنّ الإنشاء والجعل يحتاج إلى تصوّر المجعول والمجعول له والنظر الاستقلالي إليهما، فكيف يمكن أن يكون الاستعمال الموجب للوضع كناية بحيث يصير اللفظ الموضوع مغفولا عنه؟

فظهر ممّا ذكرناه عدم تماميّة شيء من هذه الأجوبة الثلاثة، والتحقيق في الجواب أن يقال: إنّ الإشكال في المقام متوقّف على كون اللفظ آلة ومرآة للمعنى وفانياً فيه، وهو ممنوع جدّاً لأنّ كلّ مستعمل للكلمات والألفاظ ينظر أوّلا إلى كلّ واحد من اللفظ والمعنى نظراً استقلالياً، ثمّ يستعمل اللفظ في المعنى كما هو واضح بالنسبة إلى من هو حديث العهد بلغة، فإنّه إذا أراد مثلا استعمال لفظ «الخبز» في معناه باللغة العربيّة يتفحّص ابتداءً في ذاكرته الحافظة، ويختار من بين الألفاظ المخزونة فيها لفظ «الخبز» فينظر إليه بالطبع نظراً استقلاليّاً كما ينظر إلى معناه أيضاً كذلك ثمّ يستعمل اللفظ في معناه بعد ذلك ويقول: «هل عندك خبز؟». نعم يحصل له الغفلة عن اللفظ بعد استعمالات كثيرة وحصول السلطة على الاستعمال ولكن هذه الغفلة المترتّبة على تلك السلطة ليس معناها دخلها واعتبارها في حقيقة الاستعمال وفناء اللفظ في المعنى حين الاستعمال.

أضف إلى ذلك أنّ الاستعمال ليس من الاُمور الآنيّة بالدقّة العقليّة بل يمكن إحضار معان متعدّدة في الذهنّ أوّلا ثمّ ذكر اللفظ لإفادتها كما ذكرناه في مبحث جواز استعمال اللفظ المشترك

في المعاني المتعدّدة، فظهر من جميع ذلك أنّ هذا النوع من الوضع ممّا لا غبار عليه.

بقي هنا شيء:

وهو أنّ هذا الاستعمال هل يكون حقيقة أو مجازاً؟

ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى أنّه نوع ثالث من الاستعمال (لا حقيقة ولا مجاز) والميزان في صحّته استحسان الطبع، وقال: «دلالة اللفظ على المعنى في هذا الاستعمال بنفسه لا بالقرينة وإن كان لا بدّ حينئذ من نصب قرينة إلاّ أنّه للدلالة على ذلك (على كونه في مقام الوضع) لا على إرادة المعنى كما في المجاز»(6).

أقول: الظاهر أنّه لا بدّ في هذا الاستعمال من نصب قرينتين: قرينة على كون المستعمل في مقام الوضع، وهذا ما اعترف به المحقّق الخراساني(رحمه الله) أيضاً، وقرينة على استعمال اللفظ في المعنى الجديد كالإشارة إلى المولود مثلا عند قوله: «ائتني بالحسن» لأنّه مع عدم نصب هذه القرينة لا يفهم المعنى من اللفظ كما هو واضح، وحينئذ إمّا أن لم يكن اللفظ قبل هذا الوضع موضوعاً لمعنى آخر، فيكون الحقّ عندئذ مع المحقّق المذكور من أنّه ليس حقيقة ولا مجازاً، أو كان قبل هذا موضوعاً لمعنى آخر فيكون استعماله في المعنى الجديد استعمالا في غير الموضوع له فيكون مجازاً، فكلام المحقّق بإطلاقه غير مرضيّ.

ثمّ يبقى الكلام في أنّ الألفاظ الدائرة في لسان الشرع للاُمور المستحدثة هل وضعت لها بالوضع التعييني بأحد نوعيه، أو التعيّني؟

ذهب المحقّق الخراساني(رحمه الله) إلى الأوّل وقال: «دعوى الوضع التعييني في الألفاظ المتداولة في لسان الشارع هكذا قريبة جدّاً ومدّعى القطع به غير مجازف قطعاً»(7).

ولكنّه دعوى بلا بيّنة وقول بلا برهان، والصحيح حصوله من طريق خصوص الوضع التعيّني فإنّ هذا هو ما نجده بوجداننا العرفي، فاختبر نفسك في الأوضاع الجديدة في حياتنا الاعتياديّة فإنّك تشاهد عندك ألفاظاً وضعت لمعان جديدة بكثرة الاستعمال كلفظ «الشيطان الأكبر» و«المستضعف» و«المستكبر» و «الطاغوت» إلى غير ذلك من الألفاظ المتداولة اليوم

في معان خاصّة غير معانيها اللغويّة، بل يمكن أن يقال بتحقّق الوضع في المعاني الشرعيّة من هذا الطريق بكثرة الاستعمال حتّى في خصوص عصر النبي(صلى الله عليه وآله) أيضاً، بل في سنة أو أقلّ، وكذا بالنسبة إلى عصر الأئمّة(عليهم السلام) في ألفاظ اُخر، وإصرار المحقّق الخراساني(رحمه الله)على المنع من حصوله في خصوص لسان الشارع ممّا لا وجه له.

وهنا مذهب آخر وهو أنّه يمكن أن يقال: إنّ بعض الألفاظ المعهودة المعروفة بعنوان الحقائق الشرعيّة ليست في الواقع بحقائق شرعيّة بل إنّها حقائق لغويّة لاستعمالها في الشرائع السابقة كما تشهد عليه جملة من الآيات:

منها قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183].

وقوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].

وقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } [الحج: 27].

فإنّ هذه الآيات تشهد على أنّ الصّيام والصّلاة والحجّ كانت موجودة بمعانيها الشرعيّة في الشرائع السابقة أيضاً، كما اعترف به جمع من المحقّقين.

نعم قد يرد على هذا بأنّ غاية ما يستفاد من هذه الآيات أنّ معاني هذه الألفاظ كانت موجودة قبل الإسلام ولا تدلّ على كون هذه الألفاظ أسماء لها فتدلّ آية الحجّ مثلا على أنّ أعمال الحجّ وجملة من مناسكه كانت معمولة من عصر إبراهيم خليل الله(عليه السلام)، ولا تدلّ على أنّه كان يعبّر عنها بلفظ الحجّ في اللّغة العربيّة.

ولكن يمكن دفعه بأنّ العرب في عصر الجاهلية كانوا يتكلّمون فيما بينهم عن عبادات اليهود والنصارى قطعاً خصوصاً إذا لاحظنا وجود طائفة منهم في المدينة وإنّهم يتكلّمون بما يتكلّم به غيرهم من قبائل العرب، ومن البعيد جدّاً كون الألفاظ التي كان العرب يتكلّمون بها عن عبادات اليهود والنصارى وصومهم وصلاتهم غير الألفاظ المستعملة في لسان القرآن، لأنّ لازمه وضع ألفاظ جديدة عربيّة لتلك المعاني مع عدم الحاجة إليها بل هو أشبه شيء بتحصيل الحاصل.

ويؤيّد ذلك أنّ كلمة «الصّلاة» بهذه اللّفظة موجودة في إنجيل برنابا الموجود في زماننا هذا لا بلفظة اُخرى عبرانيّة أو سريانيّة، وهذا يشهد على أنّه كما أنّ المعاني لم تكن مستحدثة، كذلك الألفاظ التي يعبّر عنها (وإن كانت صحّة هذا الانجيل محلّ الكلام).

والذي يسهّل الخطب إنّ إثبات المعاني اللغويّة لهذه الألفاظ بهذا الدليل لا أثر له في الثمرة المعروفة لهذه المسألة بل يؤكّد حملها على المعاني المعروفة الشرعيّة بطريق أولى، فإنّ لازم هذا الكلام كون الصّلاة مثلا حقيقة في الأركان المخصوصة حتّى قبل ظهور الإسلام فلا تحمل على معنى الدعاء إذا وردت في لسان الشارع بلا قرينة.

الأمر الثاني: في دائرة الحقائق الشرعيّة:

وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ دائرتها أوسع من الألفاظ المتداولة في ألسنة الاُصوليين، والدليل عليه أنّ الحقيقة الشرعيّة التي ينبغي البحث عن ثبوتها وعدمه على أقسام:

1ـ ما وضعت للعبادات المخترعة في الشرع مثل «الصّلاة» و«الزّكاة» و«الحجّ» وغيرها.

2 ـ ما وضعت لأقسام هذه العبادات وهو بالنسبة إلى الصّلاة كـ «صلاة الآيات» و«صلاة الليل» و«صلاة الفطر» و«صلاة القضاء» و«صلاة الأداء» و«صلاة الفريضة» و«صلاة النافلة» وهكذا بالنسبة إلى الصّوم والزّكاة والحجّ.

3 ـ ما وضعت لأجزاء هذه العبادات مثل عنوان «الطواف» و«السعي» و«الوقوف» و«التقصير» في الحجّ، و«الركوع» و«السجود» و«التشهّد» و«القنوت» في الصّلاة.

4 ـ ما وضعت في غير العبادات، مثل عنوان «الحدّ» و«التعزير» و«الكرّ» و«الماء القليل» وغيرها.

والظاهر أنّ جميع هذه الألفاظ محلّ الكلام في المقام، فهل الحقيقة الشرعيّة ثابتة في جميعها أو في بعضها؟ والإنصاف أنّه يشكل دعوى ثبوتها في جميع ما ذكرنا، فاللازم الأخذ بالقدر المتيقّن منها.

نعم توجد هنا ألفاظ نعلم بعدم كونها حقائق شرعيّة، أي لم توضع لمعانيها الخاصّة في لسان الشارع بل كانت موجودة في العرف العامّ وإنّما اُضيف إليها من جانب الشارع شرائط وخصوصّيات فحسب بحيث لم تتبدّل إلى معان جديدة غير ما في العرف العامّ، مثل لفظ

النكاح والطلاق والبيع، ولذلك يصحّ التمسّك في الموارد المشكوكة بإطلاق قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وقوله تعالى: { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] مثلا، ومن هذا القسم كلمة «الذبح» وأمثاله، فإنّها باقية على معانيها التي كانت قبل ظهور الإسلام في العرف العامّ وإن أضاف الشارع إليها شرائط وقرّر لها حدوداً، لأنّ هذه قيود حكميّة لا دخل لها في المعنى الموضوع له.

هذا كلّه في سعة دائرة النزاع، وسيأتي دخلها في ترتّب الثمرة العمليّة على البحث في الأمر الآتي.

الأمر الثالث: في ثمرة المسألة:

المعروف في ثمرة المسألة حمل الألفاظ المستعملة في لسان الشارع والرّوايات على معانيها الشرعيّة عند فقدان القرينة إن قلنا بثبوت الحقيقة الشرعيّة، وإلاّ تحمل على معانيها اللغويّة، فإذا قال الشارع المقدّس مثلا: «صلّوا عند رؤية الهلال» ولم ينصب قرينة على مراده، حملت الصّلاة على معناها الشرعيّة وهو الأركان المخصوصة بناءً على ثبوت الحقيقة الشرعيّة، وعلى معناها اللغويّة وهو الدعاء بناءً على عدمه.

لكن قد أورد على هذه الثمرة في تهذيب الاُصول والمحاضرات بأنّه لا طائل تحتها (مع اختلافهما في التعبير).

فقال في المحاضرات: «إنّ الرّوايات التي وصلت عن المعصومين (عليهم السلام) إلينا المشتملة على هذه الألفاظ كان المراد منها معلوماً فلا ثمرة، بل لا داعي لهذا البحث بعد ذلك»(8).

وقال في تهذيب الاُصول: «وعلى كلّ حال الثمرة المعروفة أو الفرضيّة النادرة الفائدة ممّا لا طائل تحتها عند التأمّل حيث إنّا نقطع بأنّ الاستعمالات الواردة في مدارك فقهنا إنّما يراد منها هذه المعاني التي عندنا فراجع وتدبّر»(9).

أقول: إنّما يصحّ الإشكال لو كان النزاع في خصوص لفظ الصّلاة والصّيام وشبهها، أمّا لو كانت دائرته أوسع ممّا ذكر، كما هو المختار وقد مرّ بيانه آنفاً فالثمرة لهذا البحث كثيرة، وما أكثر الألفاظ التي وردت في روايات المعصومين(عليهم السلام) ولا يعلم أنّ المراد منها معانيها الشرعيّة أو اللغويّة.

توضيح ذلك: أنّ هذه الألفاظ على أقسام:

الأوّل: صارت حقيقة في معانيها في زمان الرسول (صلى الله عليه وآله) بلا إشكال.

الثاني: (وهي أسماء أجزاء العبادات وأقسامها) لا دليل على صيرورتها كذلك في زمن الرسول بل لا يبعد أنّها صارت حقيقة في زمان الصادقين (عليهما السلام).

الثالث: لا دليل ولا شاهد أيضاً على صيرورتها حقيقة إلى زمان الصادقين مثل ألفاظ الأحكام الخمسة، فلا نعلم المراد من صيغة «يكره ذلك» مثلا (إذا استعملت في رواية) هل يكون المراد منها الحرمة، أو الكراهة المصطلحة في الفقه.

ولا يخفى أنّ البحث عن ثبوت الحقيقة الشرعيّة وعدمه يكون له ثمرة عمليّة بالنسبة إلى كثير من هذه الألفاظ، والظاهر أنّ الشبهة إنّما نشأت من تحديد البحث في ألفاظ معدودة محدودة.

بقي هنا شيء:

وهو ما يستظهر من بعض الكلمات من أنّ الأحاديث النبويّة ليست من المنابع الفقهيّة عند الإماميّة، حتّى تكون الألفاظ الواردة فيها داخلة في نطاق البحث.

ولكنّه يرد عليه:

أوّلا: بوجود الخبر المتواتر فيها كحديث الغدير (فإنّه وإن لم يكن حديثاً فقهيّاً ولكنّه يشتمل على مسألة اُصوليّة وهي حجّية قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ،فتدبّر.

وثانياً: كم من حديث نبوي اشتهر الاستدلال به في الفقه مثل «الناس مسلّطون على أموالهم» و «المؤمنون عند شروطهم»، وفي الاُصول مثل «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» و «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» سواء قلنا بحجّية هذه المرسلات وأشباهها بسبب اشتهارها بين العلماء كما هو كذلك في الجملة، أو جعلناها مؤيّدة لإثبات بعض المسائل، فإنّ التأييد أيضاً نوع من الأثر.

ثالثاً: قد تجعل الأحاديث النبويّة مؤيّدة لبعض الأدلّة، فهي وإن لم تكن حينئذ أدلّة على إثبات المقاصد ولكنّها كجزء دليل.

الأمر الرابع: فيما إذا شكّكنا في تاريخ الاستعمال وتاريخ النقل:

يعني إذا وردت كلمة مثل الصّلاة في حديث، ولم نعلم أنّ الحديث ورد قبل نقل هذه اللّفظة

إلى المعنى الشرعي أو بعد نقلها إليه، فإن كان الأوّل لا بدّ من حملها على معناها اللغوي، وإن كان الثاني وجب حملها على المعنى الشرعي.

وحاصل الكلام هنا: إنّه تارةً يكون تاريخ الاستعمال وتاريخ النقل كلاهما معلومين واُخرى يكون تاريخ الاستعمال معلوماً وتاريخ النقل مجهولا أو بالعكس، وثالثاً يكون كلاهما مجهولين.

لا كلام في الصورة الاُولى والثالثة فإنّ حكمهما واضح كما لا يخفى، إنّما البحث والإشكال في الصورة الثانيّة، فهل يجري فيها أصل من الاُصول العمليّة أو لا؟

لا شكّ في عدم جريان استصحاب عدم المجهول إلى زمان المعلوم في كلا شقّيها، لأنّ الاستصحاب يجري في الأحكام الشرعيّة وموضوعاتها، فإنّه من الاُصول التعبّديّة التي وضعها الشارع فيها، ولذلك لا بدّ في جريانها من أثر شرعي بلا واسطة، ولا ريب في أنّ عدم الاستعمال أو عدم النقل في ما نحن فيه ليس له أثر شرعي بلا واسطة.

نعم تجري أصالة عدم النقل التي هي من الاُصول اللّفظيّة العقلائيّة، وتكون من الأمارات في صورة الجهل بالنقل والعلم بالاستعمال لا العكس.

لكن يرد عليه: بأنّ أصل عدم النقل يجري فيما إذا شكّكنا في أصل النقل لا ما إذا كان أصل النقل معلوماً وكان تاريخه مجهولا، فإنّ بناء العقلاء ثابت في الأوّل دون الثاني، وعلى هذا فلا أصل عملي يجري في المقام.

____________________________
1. أجود التقريرات: ج1، ص33.

2. راجع مجمع الأفكار: ج1، ص70.

3. راجع أجود التقريرات: ج1، ص33.

4. تهذيب الاُصول: ج1، ص46، طبع مهر.

5. المصدر السابق: ص8، طبع مهر.

6. كفاية الاُصول: ص21، الطبع الجديد.

7. نفس المصدر.

8. المحاضرات: ج1، ص133.

9. تهذيب الاُصول: ج1، ص46، طبع مهر.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


جامعة الكفيل تنظم ورشة عمل حول متطلبات الترقيات العلمية والإجراءات الإدارية
خَدَمة العتبتَينِ المقدّستَينِ يُحيون ذكرى هدم قبور أئمّة البقيع (عليهم السلام)
قسم السياحة: (71) عجلة ستشارك في نقل الطلاب للمشاركة في حفل التخرج المركزي
جمعية العميد تصدر وقائع المؤتمر العلمي الدولي السنوي التاسع لفكر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)