المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7560 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


كيفية وجوب المقدّمة  
  
516   09:59 صباحاً   التاريخ: 26-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1 ص 397.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 773
التاريخ: 3-8-2016 3131
التاريخ: 25-8-2016 489
التاريخ: 25-8-2016 547

إذا قلنا بوجوب المقدّمة، فهل هي واجبة مطلقاً أو مشروطة بشرط؟ وعلى الثاني، ما هو ذلك الشرط؟

فيه أقوال عديدة وتفاصيل مختلفة:

القول الأوّل: ما اختاره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في الكفاية من أنّ وجوب المقدّمة بناءً على الملازمة يتبع في الإطلاق والاشتراط وجوب ذي المقدّمة، فإن كان وجوب ذي المقدّمة مطلقاً كان وجوب المقدّمة أيضاً مطلقاً، ولا يعتبر فيه أيّة خصوصيّة، وإن كان مشروطاً كان وجوب المقدّمة أيضاً مشروطاً.

القول الثاني: ما يلوح من كلام صاحب المعالم من اشتراط وجوب المقدّمة على القول به بإرادة ذي المقدّمة، فإن أراد المكلّف الإتيان بذي المقدّمة وجبت المقدّمة وإلاّ فلا، وإليك نصّ كلامه في مبحث الضدّ: «وأيضاً فحجّة القول بوجوب المقدّمة على تقدير تسليمها إنّما ينهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلّف مريداً للفعل المتوقّف عليها كما لا يخفى على من أعطاها حقّ النظر».

نعم، قد يقال بأنّ «هذه العبارة ظاهرة بل نصّ في أنّ القضيّة حينية لا شرطيّة وأنّ وجوبها في حال إرادة الفعل المتوقّف عليها لا مشروطة بإرادته»(1) وسيأتي في القول الخامس إشارة إليه.

القول الثالث: ما نسب إلى شيخنا العلاّمة الأنصاري (رحمه الله) من أنّ الواجب هو المقدّمة المقصود بها التوصّل إلى ذيها، فإن أتى بها ولم يقصد بها التوصّل فلا تقع على صفة الوجوب أصلا.

والفرق بين هذا وسابقه أنّ إرادة الإتيان بذي المقدّمة بناءً على القول الأوّل شرط للوجوب فلا تجب المقدّمة إلاّ بعد تحقّق إرادة إتيان ذي المقدّمة سواء قصد بإتيان المقدّمة التوصّل إلى ذيها أو أمر آخر كالكون على الطهارة في الوضوء مثلا، بينما هي بناءً على القول الثاني قيّد للواجب، فالمقدّمة واجبة على أيّ حال سواء أراد إتيان ذي المقدّمة أو لم يرده، ولكن يجب عليه حين إتيان المقدّمة قصد التوصّل إلى ذي المقدّمة فتأمّل.

القول الرابع: مختار صاحب الفصول والذي اختاره في تهذيب الاُصول أيضاً من أنّ الواجب إنّما هو خصوص المقدّمة الموصلة، أي أنّ الواجب خصوص المقدّمة التي يترتّب عليها ذو المقدّمة، وأمّا إذا لم يترتّب عليها ذو المقدّمة فلا تقع على صفة الوجوب سواء قصد بها التوصّل إلى ذي المقدّمة أو لم يقصد.

القول الخامس: ما اختاره المحقّق العراقي والمحقّق النائيني وشيخنا الحائري(رحمهم الله)وهو نفس ما حمل عليه كلام صاحب المعالم آنفاً من أنّ الواجب هو المقدّمة حال إرادة الإتيان بذي المقدّمة على نهج القضيّة الحينية لا مقيّداً بها على نهج القضيّة الشرطيّة.

هذا كلّه هو الموقف القولي في المسألة، وقبل الورود في أدلّة الأقوال ينبغي التنبيه على أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ المنهج الصحيح في البحث يقتضي تأخّر هذا النزاع عن النزاع في أصل وجوب المقدّمة لأنّه من فروعه، فكان ينبغي أن يتكلّم أوّلا عن أصل وجوب المقدّمة، وبعد إثباته يتكلّم ثانياً عن كيفية وجوبها وأنّه هل هو مطلق أو مقيّد بخصوصيّة، ولكن حيث إنّ القوم قدّموه عليه فنحن أيضاً تبعاً لهم وتأسّياً بهم في منهج البحث نقدّمه عليه وننتظر تصحيح هذه المواقف في المستقبل إن شاء الله.

الأمر الثاني: أنّ كثرة الأقوال المزبورة وشدّة النزاع في المسألة ترشدنا إلى وجود معضلة هامّة فيها، وهي معضلة المقدّمة المحرّمة كالدخول في الأرض المغصوبة الذي هو مقدّمة لإنقاذ الغريق، حيث إنّ لازم القول بوجوب المقدّمة مطلقاً من دون أي قيد وخصوصيّة (كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(رحمه الله)) هو جواز الورود في الأرض المغصوبة ولو لم يقصد به انقاذ الغريق، وسواء تحقّق بعد ذلك انقاذ الغريق أو لم يتحقّق مع أنّه مخالف للوجدان الفقهي والارتكاز المتشرّعي.

فلحلّ هذه المعضلة والتخلّص عنها تمسّك كلّ واحد من المحقّقين بذيل قيد كما لاحظت في بيان الأقوال المزبورة.

هذا ـ مضافاً إلى أنّ هيهنا مشكلة اُخرى، وهي ما اُشير إليه في كلام صاحب الفصول من مسألة الضدّ الخاصّ، حيث إنّ القول بوجوب المقدّمة مطلقاً لازمه بطلان الضدّ الخاصّ الذي يكون تركه مقدّمة لإتيان واجب أهمّ فيما إذا كان الضدّ أمراً عباديّاً كالصّلاة بالنسبة إلى إزالة النجاسة عن المسجد، فحيث إنّ ترك الصّلاة مقدّمة لفعل الإزالة فبناءً على وجوب المقدّمة مطلقاً يجوز ترك الصّلاة (بل يجب) فيما إذا وجب عليه إزالة النجاسة سواءً قصد به التوصّل إليها أو لم يقصد، وسواء تحقّق بعد ذلك الإزالة أو لم تتحقّق، وسواء أراد الإزالة أو لم يردها مع أنّه أيضاً مخالف للوجدان والارتكاز الديني.

إذا عرفت هذا فنقول: استدلّ المحقّق الخراساني(رحمه الله) على القول الأوّل (أي أنّ وجوب المقدّمة مطلق إن كان ذو المقدّمة واجباً مطلقاً ومشروط إن كان ذو المقدّمة واجباً مشروطاً) بالبداهة والضرورة وقال: «إنّ نهوض حجّة القول بوجوب المقدّمة (على تقدير تسليمها) على التبعيّة واضح لا يكاد يخفى وإن كان نهوضها على أصل الملازمة لم يكن بهذه المثابة».

ويبدو كلامه هذا جيّداً في بادىء النظر ولكن سيأتي عند التعرّض لأدلّة سائر الأقوال عدم مقاومته لها فانتظر.

وأمّا القول الثاني: وهو ما ذهب إليه صاحب المعالم من أنّ وجوب المقدّمة مشروط بإرادة ذي المقدّمة، فهو لم يستدلّ له بشيء، وإنّما قال بأنّ حجّة القول بوجوب المقدّمة لا تنهض على أكثر من ذلك، ولذلك فجوابه واضح لأنّ حجّة القول بوجوب المقدّمة تدلّ على وجود الملازمة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب المقدّمة، والملازمة تقتضي تبعيّة أحدهما عن الآخر في الإطلاق والاشتراط وأن يكون أحدهما مثل الآخر في القيود والخصوصيّات إلاّ ما قام الدليل على خلافه، هذا ـ مضافاً إلى أنّ لازمه كون وجوب المقدّمة تابعاً لإرادة المكلّف ودائراً مدار اختياره وعزمه وهو باطل قطعاً، بداهة أنّ لازمه عدم الوجوب عند عدم الإرادة.

هذا كلّه مع قطع النظر عمّا مرّ من بعض الأعاظم من أنّ المستفاد من كلمات صاحب المعالم في مبحث الضدّ أنّ مراده إنّما هو القول الخامس وأنّه ليس شيئاً مستقلا عنه.

وأمّا القول الثالث: (وهو ما نسب إلى الشّيخ الأعظم(رحمه الله) من أنّ الواجب هو المقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى ذي المقدّمة) فقد اختلف في صحّة انتسابه إلى الشّيخ الأعظم(رحمه الله)أيضاً، فقال بعض بأنّ مراده اشتراط قصد التوصّل إلى الواجب في مقام الامتثال والطاعة وترتّب المثوبة، أي لا بدّ في مقام الإتيان بالمقدّمة والتقرّب بها إلى الله تعالى من قصد التوصّل بها إلى ذي المقدّمة حتّى يترتّب عليها الثواب، ولكن على فرض صحّة الانتساب يستدلّ لهذا القول بأنّ الواجب إنّما هو الفعل بعنوان المقدّمة لا ذات الفعل فحسب، وعليه فلابدّ في الإتيان بها من لحاظ هذا العنوان وإلاّ لم يأت بالواجب، ولحاظ العنوان يساوق قصد التوصّل بها إلى ذي المقدّمة، فثبت المطلوب.

إن قلت: لازم ذلك عدم حصول الغرض فيما إذا أتى المكلّف بالمقدّمة من دون التوصّل مع أنّه لا شبهة في حصوله فيما إذا كانت المقدّمة من التوصّليات.

قلنا: ربّما يسقط الغرض من المأمور به بما ليس بمأمور به، فينتفي الواجب بانتفاء موضوعه، وهذا ممّا يتّفق كثيراً ما في الواجبات التوصيلية كما إذا حصل تطهير المسجد بنزول المطر أو بماء مغصوب لم يكن التطهير به مأموراً به قطعاً، ولكنّه لا ينافي اختصاص الوجوب بحصّة خاصّة من المقدّمة وهي الحصّة المقيّدة بقصد التوصّل.

وقد أورد عليه بما حاصله: إنّ الواجب إنّما هو ذات المقدّمة التي هي مقدّمة بالحمل الشائع، وأمّا عنوانها فهو من الجهات الباعثة على وجوبها كالمصالح والمفاسد الكامنة في متعلّقات الأحكام (فهو في الواقع من الجهات التعليلية لوجوب المقدّمة لا من الجهات التقييديّة له) فلو أتى بالمقدّمة بدون قصد التوصّل فقد أتى بالواجب، وإلاّ لو لم يكن الواجب مطلق المقدّمة لم يجتز بما لم يقصد به التوصّل ولم يسقط به الوجوب قطعاً، فلابدّ من نصب السلّم مرّة اُخرى مثلا بقصد التوصّل مع أنّه ممّا لم يقل به أحد ويخالفه حكم العقل القطعي، ولا يقاس ذلك بمثل تطهير المسجد بمقدّمة محرمة كماء مغصوب أو بنزول المطر لأنّ عدم اتّصاف المقدّمة فيهما بالوجوب ليس إلاّ لأجل المانع عنه، وهو الاتّصاف بالحرمة في المثال الأوّل، والخروج عن القدرة في المثال الثاني لا لفقد المقتضي فيه، أي الملاك من التوقّف والمقدّميّة، فلولا المانع لأتّصفا أيضاً بالوجوب قطعاً كغيرهما من الفرد المباح والفرد الداخل في القدرة.

ثمّ إنّ المحقّق الإصفهاني(رحمه الله) في حاشية الكفاية تصدّى إلى توجيه مراد الشّيخ(رحمه الله) بما حاصله: أنّه فرق بين الواجبات العقليّة والواجبات الشرعيّة، فإنّ الجهات التعليلية في الثانيّة غير الجهات التقييديّة فيها، فإن الصّلاة مثلا تكون الجهة التعليلية فيها النهي عن الفحشاء مثلا، وهو ليس قيداً لها حتّى يكون الواجب الصّلاة الناهية عن الفحشاء، بخلاف الأحكام العقليّة فتكون الجهة التعليلية فيها بعينها هي الموضوع لحكم العقل، فحكم العقل بحسن ضرب اليتيم للتأديب مثلا حكم بحسب الواقع والحقيقة بحسن التأديب، كما أنّ حكمه بقبح الضرب للإيذاء حكم في الواقع بقبح الايذاء، فتكون الجهة التعليلية فيها بعينها هي الجهة التقييديّة والموضوع للحكم، وعلى هذا الضوء فبما أنّ مطلوبيّة المقدّمة ليست لذاتها بل لحيثية مقدّميتها والتوصّل بها، فالمطلوب الجدّي والموضوع الحقيقي للحكم العقلي إنّما هو نفس التوصّل(2).

وقد ناقش فيه بعض الأعلام «بأنّ رجوع الجهات التعليلية في الأحكام العقليّة إلى الجهات التقييديّة وإن كان في نهاية الصحّة والمتانة إلاّ أنّه أجنبي عن محلّ الكلام في المقام، وذلك لما تقدّم في أوّل البحث من أنّ وجوب المقدّمة عقلا بمعنى اللابدّيّة خارج عن مورد النزاع وغير قابل للإنكار، وإنّما النزاع في وجوبها شرعاً الكاشف عنه العقل، وكم فرق بين الحكم الشرعي الذي كشف عنه العقل وحكم العقل، وقد عرفت أنّ الجهات التعليلية في الأحكام الشرعيّة لا ترجع إلى الجهات التقييديّة، فما أفاده (رحمه الله) لا ينطبق على محلّ للنزاع»(3).

أقول: الأولى في مقام الدفاع عن مقالة الشّيخ (رحمه الله) أن نقول: أنّه قد وقع الخلط في المقام بين العناوين القصديّة التي لا تتحقّق بدون القصد كعنوان التأديب الذي يحصل بالضرب المقصود منه التأديب (وإلاّ يكون ظلماً وإيذاءً) وبين غيرها من العناوين كعنوان الغصب الذي يحصل بالتصرّف في مال الغير من دون طيب نفسه وإن لم يقصد به الغصب، والمقدّمة في ما نحن فيه إنّما تكون من القسم الأوّل، فلابدّ في تحصيلها إلى قصد المقدّميّة، وهو يساوق قصد التوصّل بها إلى ذيها.

لكن الإنصاف أنّه لا دليل على كونه من القسم الأوّل بل المقامات مختلفة، فلذا ينتقض بمثل نصب السلّم الذي يحصل بلا قصد التوصّل أيضاً، فالإشكال باق على حاله فإنّه لا يجب نصبه مرّة اُخرى بقصد التوصّل قطعاً.

بقي هنا شيء:

وهو ما أشرنا إليه سابقاً من أنّه وقع النزاع في تعيين مراد الشّيخ الأعظم(رحمه الله)، فهل مقصوده اعتبار قصد التوصّل قيداً في المقدّمة كما هو الظاهر من كلماته وكان هو مدار البحث إلى هنا، أو أنّ مقصوده اعتباره في مقام الامتثال وترتّب المثوبة (كما أيّده في تهذيب الاُصول)(4) وأنّ من أراد التقرّب بالمقدّمة إلى الله تعالى وترتّب الثواب عليها فليأت بها بقصد التوصّل بها إلى ذيها، وحينئذ لا إشكال في صحّة ما ادعاه حتّى بناءً على مبنى القائل بوجوب المقدّمة مطلقاً، حيث إنّه لا خلاف في اعتبار قصد التوصّل في مقام الطاعة لترتّب المثوبة، أو أنّ مراده ما ذكره المحقّق النائيني (رحمه الله) بعنوان احتمال ثالث في كلامه، وهو اعتبار قصد التوصّل قيداً في خصوص حال المزاحمة كما إذا كانت المقدّمة محرّمة، وقال أنّه تساعد عليه جملة من عبارات التقرير، وكان الاُستاذ المحقّق السيّد العلاّمة الإصفهاني (رحمه الله)ينسب ذلك إلى الشّيخ (رحمه الله) ولا نعلم أنّ نسبته هذه هل كانت مستندة إلى استظهار نفسه أو إلى سماعه ذلك من المحقّق سيّد أساتيذنا العلاّمة الشيرازي (رحمه الله) عن اُستاذه المحقّق العلاّمة الأنصاري (رحمه الله)»(5)؟ ولكن يرد عليه ما ذكره المحقّق النائيني (رحمه الله)فأنّه بعد تقريبه وتوجيهه بأنّ «المقدّمة إذا كانت محرّمة وتوقّف عليها واجب فعلي فغاية ما يقتضيه التوقّف المزبور في مقام المزاحمة هو ارتفاع الحرمة عن المقدّمة فيما إذا أتى بها بقصد التوصّل، وأمّا مع عدم قصده فلا مقتضى لارتفاع حرمتها».

أورد عليه: بأنّ المزاحمة إنّما هي بين حرمة المقدّمة ووجوب ما يتوقّف عليه ولو لم نقل بوجوب المقدّمة أصلا، فالتزاحم إنّما هو بين وجوب إنقاذ المؤمن وحرمة التصرّف في الأرض المغصوبة مثلا، فلا مناصّ عن الالتزام بارتفاع الحرمة لفرض كون الواجب أهمّ سواء في ذلك القول بوجوب المقدّمة والقول بعدمه فاعتبار قصد التوصّل في متعلّق الوجوب المقدّمي أجنبي عمّا به يرتفع التزاحم المذكور بالكلّية»(6).

أقول: وما أفاده متين.

وجوب المقدّمة الموصلة:

أمّا القول الرابع: هو ما ذهب إليه صاحب الفصول من وجوب المقدّمة الموصلة، أي وجوب خصوص المقدّمة التي تنتهي إلى ذي المقدّمة (وقد كان يعتقد بأنّه ممّا لم يتفطّن له غيره) واستدلّ له بثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: أنّ العقل لا يدرك أزيد من الملازمة بين طلب شيء وطلب مقدّماته التي في سلسلة علّة وجود ذلك الشيء في الخارج بحيث يكون وجودها فيه توأماً وملازماً لوجود الواجب، وأمّا ما لا يقع في سلسلة علّته ويكون وجوده خارجاً مفارقاً عن وجود الواجب فالعقل لا يدرك الملازمة بين إيجابه وإيجاب ذلك أبداً، ونتيجته وجوب خصوص المقدّمة الموصلة.

الوجه الثاني: إمكان تقييد المقدّمة بقيد الإيصال من جانب المولى وجداناً لأنّه بنفسه دليل على انحصار حكم العقل في المقدّمة الموصلة، وإلاّ لو كانت دائرة حكم العقل أوسع منها لم يمكن تقييد ما حكم به العقل.

الوجه الثالث: أنّ الواجب على المكلّف إنّما هو تحصيل غرض المولى فحسب، ولا إشكال في أنّ غرضه من إيجاب المقدّمة هو الوصول إلى ذي المقدّمة، فيكون الواجب خصوص ما يوصله إلى ذي المقدّمة.

ولكن قد أورد عليه أيضاً بأمور:

الأمر الأوّل: أنّ العقل لا يفرّق بين الموصل وغيره لأنّ ما يتوقّف عليه الواجب خارجاً إنّما هو ذات المقدّمة، والملازمة ثابتة في الخارج بين وجود ذاتها ووجود ذي المقدّمة.

الأمر الثاني: أنّ الغرض من إيجاب المقدّمة ليس هو الوصول إلى ذي المقدّمة بل إنّما هو التمكّن من الوصول، ومن المعلوم أنّ التمكّن من الوصول يترتّب على المقدّمة مطلقاً لا خصوص الموصلة منها.

وبعبارة اُخرى: إنّ المتوقّع من كلّ شيء ما يكون صدوره منه ممكناً، فالمتوقّع من نصب السلّم مثلا ليس هو الوصول إلى السطح لأنّه بمجرّده لا يوجب الوصول إليه بل يتوقّع منه إمكان الوصول إلى السطح، كما أنّ المتوقّع من الوضوء إنّما هو التمكّن من الإتيان بالصّلاة، ولا إشكال في أنّ هذا التمكّن يوجد في جميع المقدّمات فإنّ المكلّف بالوضوء يصير قادراً على الصّلاة، سواء أتى به بنيّة الصّلاة أو لا؟

نعم، إنّه كذلك في المقدّمات التوليديّة حيث إنّ ما يترتّب عليها إنّما هو الوصول إلى ذي المقدّمة لا مجرّد التمكّن منه، لكن ليست المقدّمة في محلّ النزاع منحصرة في العلل التامّة والأسباب التوليديّة.

الأمر الثالث: إذا أتى المكلّف بالمقدّمة ولم يأت بذي المقدّمة بعد فإمّا أن يسقط الأمر الغيري المتعلّق بها أو لا يسقط، لا مجال للثاني لأنّ بقاء الأمر الغيري على حاله مع حصول المقدّمة في الخارج تحصيل للحاصل، وعلى الأوّل فإمّا أن يكون السقوط لأجل العصيان أو لفقد الموضوع أو لموافقة الخطاب وحصول الامتثال، والأول غير حاصل لفرض الإتيان بالمقدّمة، وكذا الثاني لبقاء وجوب ذي المقدّمة، فيتعيّن الثالث وهذا هو المطلوب، إذ لو كان الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة لم يسقط الأمر الغيري، فالسقوط كاشف عن أنّ الواجب هو مطلق المقدّمة ولو لم توصل إلى ذيها.

أقول: يمكن الدفاع عن صاحب الفصول:

أوّلا: بأنّ للمولى نوعين من الغرض: غرض ابتدائي وهو التمكّن من الوصول إلى ذي المقدّمة، وغرض نهائي وهو الوصول إلى نفس ذي المقدّمة، فليس الغرض منحصراً في إمكان الوصول، فإذا تحقّق الأوّل بقي الثاني.

ثانياً: صحيح أنّ المتوقّع من كلّ شيء لا بدّ أن يكون خصوص ما يترتّب عليه من الأثر وما يمكن صدوره منه، وأنّ المترتّب على إيجاد المقدّمة إنّما هو التمكّن من الوصول لا نفس الوصول، ولكن لا إشكال في أنّ الوصول به إلى ذي المقدّمة يكون مقدوراً للمكلّف، فللمولى أن يطلب من المكلّف خصوص الوصول إلى ذي المقدّمة، وأنّ يكلّفه بخصوص مقدّمة توصّله إلى ذي المقدّمة، لأنّ ملاك صحّة التكليف بشيء إنّما هو كونه مقدوراً للمكلّف وهو حاصل في المقام.

ثالثاً: نحن لا نوافق سقوط الأمر بإيجاد مطلق المقدّمة مع عدم ترتّب ذي المقدّمة عليه بل إنّه باق على فعليّته وداعويّته ما لم يأت بذي المقدّمة، أي أنّ بقاء داعويته مشروط بعدم الإتيان بذي المقدّمة على نحو الشرط المتأخّر، فإن أتى بذي المقدّمة يسقط الأمر بالمقدّمة عن داعويته، وما دام لم يأت بذي المقدّمة تكون الداعويّة باقية على حالها، كما أنّه كذلك في إجزاء الواجب النفسي بالنسبة إلى الأمر النفسي الضمني المتعلّق بكلّ جزء جزء، فسقوطه عن الفعليّة والداعويّة مشروطة بنحو الشرط المتأخّر بإتيان سائر الأجزاء وإن كان لا يجب تحصيل الحاصل، فما نحن فيه من هذه الجهة أشبه شيء بأجزاء الواجب النفسي.

ثمّ إنّه مضافاً إلى ما اُورد على صاحب الفصول من الإشكالات الثلاثة المزبورة ذكر بعضهم لمقالته ثلاثة توال فاسدة:

الأوّل: أنّ لازم مقالته كون ذي المقدّمة تابعاً في وجوبه وعدمه لإرادة المكلّف في المقدّمات المحرّمة، وهو واضح البطلان لأنّ لازمه عدم الوجوب عند عدم الإرادة.

وبيان الملازمة: إنّ انقاذ الغريق مثلا المتوقّف على الدخول في الأرض المغصوبة إنّما يكون واجباً فيما إذا كان الدخول في الأرض المغصوبة ممكناً، والدخول في الأرض المغصوبة إنّما يصير ممكناً فيما إذا كان مباحاً، وإباحته تتوقّف على كونه موصلا إلى ذي المقدّمة بناءً على وجوب خصوص المقدّمة الموصلة، والإيصال إلى ذي المقدّمة متوقّف على إرادة المكلّف الوصول إليه، ونتيجته توقّف وجوب الانقاذ على إرادة المكلّف.

وبعبارة اُخرى: لو لم يرد المكلّف الوصول إلى ذي المقدّمة لم تكن المقدّمة موصلة قطعاً ومع عدم إيصالها تكون باقية على حرمتها، ومع بقاء حرمتها تكون غير ممكنة شرعاً، وإذا كانت المقدّمة غير ممكنة يسقط ذو المقدّمة عن وجوبه، فوجوب ذي المقدّمة تابع لإرادة المكلّف.

 

ولكن يمكن الجواب عنه بأنّه مغالطة واضحة، لأنّ كلا من إيجاد ذي المقدّمة وإمكان المقدّمة معلول لعلّة واحدة، وهي إرادة المكلّف، أي إذا أراد المكلّف الوصول إلى ذي المقدّمة صارت المقدّمة مباحة ممكنة قطعاً فإباحتها وبالمآل الوصول إلى ذي المقدّمة متوقّف على إرادة المكلّف، ولا إشكال في أنّ إرادته اختياريّة ومقدورة له، ونتيجته أن يكون كلّ من المقدّمة وذي المقدّمة مقدوراً له بالواسطة، فيصحّ تكليفه بإتيانهما.

الثاني: لزوم الدور، لأنّ مردّ هذا القول كون الواجب النفسي مقدّمة للمقدّمة لفرض أنّ ترتّب وجوده عليها قد اعتبر قيداً لها، فيلزم كون وجوب الواجب النفسي ناشئاً من وجوب المقدّمة وهو يستلزم الدور، فإنّ وجوب المقدّمة على الفرض إنّما نشأ من وجوب ذي المقدّمة فلو نشأ وجوبه من وجوبها لدار.

والجواب عنه أوّلا: إنّه من قبيل الدور المعي الذي ليس محالا عقلا حيث إنّ كلّ واحد من المقدّمة وذي المقدّمة يتوقّف على أمر ثالث وهو إرادة المكلّف فهما معلولان لعلّة واحدة.

وثانياً: يمكن أن يقال: إنّ وجوب ذي المقدّمة لا يتوقّف على وجوب مقدّمته قطعاً، لأنّ المفروض أنّه واجب نفسي، نعم يلزم من وجوب المقدّمة الموصلة وجوب غيري آخر لذي المقدّمة زائداً على وجوبه النفسي ولا مانع منه، وهو جيّد.

الثالث: أنّه يستلزم محذور التسلسل، لأنّ الواجب إذا كان هو خصوص المقدّمة الموصلة، فبطبيعة الحال تكون المقدّمة مركّبة من جزئين: ذات المقدّمة وقيد الإيصال، وكلّ من هذين

يكون مقدّمة لوجود المركّب منهما، فننقل الكلام إلى هذين الجزئين، فهل هما واجبان مطلقاً، أو مع قيد الإيصال؟ والأوّل خلاف الفرض، والثاني يوجب تركّب كلّ من الجزئين من ذات وقيد وهكذا إلى أن يتسلسل.

ويمكن الجواب عنه: بأنّ هذا مبني على كون الأجزاء الداخليّة مقدّمة للمركّب مع أنّه قد أنكرناه سابقاً وقلنا أنّها عبارة عن نفس المركّب لا مقدّمة له.

هذا ـ مضافاً إلى أنّ التسلسل ممتنع في الاُمور التكوينيّة لا الاعتباريّة، فإنّها تدور مدار الاعتبار كلّما أمسك المعتبر من اعتبارها انتهت.

ولقد أجاد بعض الأعلام حيث قال: «والتحقيق في المقام أن يقال: إنّ الالتزام بوجوب المقدّمة الموصلة لا يستدعي اعتبار الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري أصلا، والسبب في ذلك هو أنّ الغرض من التقييد بالإيصال إنّما هو الإشارة إلى أنّ الواجب إنّما هو حصّة خاصّة من المقدّمة، وهي الحصّة الواقعة في سلسلة العلّة التامّة لوجود الواجب النفسي دون مطلق المقدّمة، وبكلمة اُخرى: أنّ المقدّمات الواقعة في الخارج على نحوين:

أحدهما: ما كان وجوده في الخارج ملازماً لوجود الواجب فيه وهو ما يقع في سلسلة علّة وجوده.

وثانيهما: ما كان وجوده مفارقاً لوجوده فيه وهو ما لا يقع في سلسلتها، فالقائل بوجوب المقدّمة الموصلة إنّما يدّعي وجوب خصوص القسم الأوّل منهما دون القسم الثاني، وعليه فلا يلزم من الالتزام بهذا القول كون الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري، فإذن لا موضوع لإشكال الدور أو التسلسل أصلا»(7).

هذا كلّه في القول الرابع.

امّا القول الخامس: وهو وجوب المقدّمة حال الإيصال، ذهب إليه شيخنا الحائري والمحقّق النائيني والمحقّق العراقي(قدس سرهم) (كما مرّ) فإنّهم بعد أن لاحظوا حكم الوجدان بوجوب المقدّمة الموصلة ومن جانب آخر استلزام هذا الحكم محاذير عقليّة كالدور والتسلسل التجأوا إلى هذا القول تخلّصاً عن تلك المحاذير مع اتّحاده بذلك القول في الأثر، وهذا بنفسه أحد الوجهين اللّذين يمكن الاستدلال بهما لمقالتهم.

والوجه الثاني: ما أفاده المحقّق الحائري (رحمه الله) في درره وهو أنّ الآمر بعد تصوّر المقدّمات بأجمعها يريدها بذواتها لأنّ تلك الذوات بهذه الملاحظة لا تنفك عن المطلوب الأصلي، ولو لاحظ مقدّمة منفكّة عمّا عداها لا يريدها جزماً، فإنّ ذاتها وإن كانت مورداً للإرادة لكن لمّا كانت المطلوبيّة في ظرف ملاحظة باقي المقدّمات معها لم تكن كلّ واحدة مرادة بنحو الإطلاق بحيث تسري الإرادة إلى حال انفكاكها عن باقي المقدّمات»(8).

والحاصل: أنّ الواجب هو المقدّمة حين ملاحظة سائر المقدّمات أي حين لحاظ الإيصال إلى ذي المقدّمة لأنّ ملاحظة سائر المقدّمات تساوق ملاحظة الإيصال إلى ذي المقدّمة كما لا يخفى.

وقد ورد هذا المعنى ببيان آخر في كلمات المحقّق النائيني(رحمه الله) أيضاً فإنّه بعد أن ناقش في المقدّمة الموصلة على نحو يكون التوصّل قيداً للواجب قال: «لكن مع ذلك لا تكون الذات مطلقاً واجبة بل الذات من حيث الإيصال والمراد بالذات من حيث الإيصال هو الذات في حال الإيصال، على وجه يلاحظ المقدّمة وذا المقدّمة توأمين، من دون أن يكون أحدهما قيداً للآخر، بل يلاحظ المقدّمة على ما هي عليها من وقوعها في سلسلة العلّة، فإنّه لو كانت سلسلة العلّة مركّبة من إجزاء فكلّ جزء إنّما يكون جزء العلّة إذا كان واقعاً في سلسلة العلّة لا واقعاً منفرداً، فإنّ لحاظ حال إنفراده ينافي لحاظه جزءً للعلّة بل إنّما يكون جزء العلّة إذا لوحظ على ما هو عليه من الحالة، أي حالة وقوعه في سلسلة العلّة من دون أن تؤخذ سائر الأجزاء قيداً له، ففي المقام يكون معروض الوجوب المقدّمي هي الذات لكن لا بلحاظ

إنفرادها ولا بلحاظ التوصّل بها بأن يؤخذ التوصّل قيداً بل بلحاظها في حال كونها ممّا يتوصّل بها، أي لحاظها ولحاظ ذيها على وجه التوأميّة»(9).

ولكن يمكن النقاش فيه أيضاً بأنّ الأحكام في مقام الثبوت لا تخلو من أحد الأمرين، فإمّا أن تنشأ على نحو القضيّة المطلقة، أو على نحو القضيّة المشروطة المقيّدة، ولا شيء ثالث في البين

يسمّى بالحصّة التوأمة على بعض التعابير، وبالقضيّة الحينية على تعبير آخر، لأنّه لا إهمال في مقام الثبوت، فإنّ المولى إمّا أن يطلب الوضوء مثلا مع تقيّده بقيد الإيصال فيكون من قبيل القضيّة المشروطة، أو لا يطلبه في الواقع كذلك فيكون من قبيل القضيّة المطلقة، ولا نعقل شيئاً ثالثاً في مقام الثبوت والواقع.

وقد يجاب عن هذه المناقشة بأنّه يمكن تصوير شقّ ثالث في مقام الثبوت وهو ما قد يعبّر عنه بالتضيّق الذاتي في المعلول بالنسبة إلى علّته، فإنّ كلّ نار مثلا لا توجد مطلق الحرارة بل إنّما توجد الحرارة المضيّقة بها نفسها، فالحرارة بالنسبة إليها لا مطلقة وهو واضح، ولا مقيّدة لأنّ في التقييد يكون القيد والمقيّد في رتبة واحدة، والحرارة معلولة للنار، والمعلول ليس في رتبة علّته فلابدّ من القول أنّ الحرارة مضيّقة بالنار في مرتبة الذات، وهكذا في ما نحن فيه، فالوضوء لا مطلق بالنسبة إلى الصّلاة ولا مقيّد بها، لكونهما في رتبتين، فيكون مضيّقاً بها بتضيّق ذاتي، ولعلّ هذا هو المراد من الحصّة التوأمة.

ولكن يمكن الجواب عنه أيضاً: بأنّ التضيّق الذاتي أمر مقبول في باب العلّة والمعلول، وقد مرّ كراراً أنّ مثل المقام ليس من ذلك الباب، فإنّ العلّة لوجوب الوضوء إنّما هي إرادة المولى لا وجوب الصّلاة، بل وجوب الصّلاة من قبيل الداعي للمولى إلى إيجاب الوضوء فقياس الوضوء، بالنسبة إلى الصّلاة بالحرارة بالنسبة إلى النار مع الفارق، ولا يمكن تصوير شقّ ثالث باسم التضيّق الذاتي فيه، بل يدور الأمر فيه بين الإطلاق والاشتراط كما عرفت، وحيث إنّه ليس من باب العلّة والمعلول فلا مانع من التقييد والاشتراط فيه، أي يقول المولى: إنّما اُريد هذا الوضوء مقيّداً بإيصاله إلى الصّلاة، فرجع الكلام بالمآل إلى المقدّمة الموصلة.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ جميع الأقوال غير تامّة إلاّ القول الرابع وهو مقالة صاحب الفصول.

فنقول: الحقّ في المسألة هو هذا القول، أي وجوب المقدّمة الموصلة ويمكن أن يستدلّ له بأمور ثلاثة:

الأمر الأوّل: الوجدان، وهو العمدة، فإنّ الوجدان الفقهي في المقدّمات المحرّمة حاكم بأنّ تبديل حكم حرمة المقدّمة إلى جوازها بل وجوبها منحصر فيما إذا أوصل المكلّف إلى ذي المقدّمة، فمن دخل الدار المغصوبة ولم ينقذ الغريق فقد عصى، ومن دخلها وأنقذ الغريق فقد أطاع وامتثل حتّى في ما إذا لم يكن من قصده الانقاذ، نعم إنّه تجري حينئذ على المولى فيعاقب على التجرّي بناءً على ترتّب العقاب عليه، كما أنّه إذا قصد الانقاذ ولم ينقذ لعذر فقد عصى ولم يمتثل أمر المولى في الواقع ولكن لا يعاقب عليه لكونه معذوراً بحسب قصده واعتقاده، وبعبارة اُخرى: يترتّب على فعله مفسدة من دون المصلحة الراجحة ولكنّه معذور لعدم علمه بذلك.

الأمر الثاني: أنّ العقل لا يأبى عن النهي عن المقدّمة غير الموصلة بأن يقول الآمر الحكيم مثلا، إنّي اُريد الحجّ واُريد المسير الذي يتوصّل به إليه ولا اُريد المسير الذي لا يتوصّل به إليه، فإنّ جواز هذا النهي عند العقل شاهد على أنّ الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة لأنّه لا تخصيص في حكم العقل.

الأمر الثالث: تقيّد الغرض بالمقدّمة الموصلة، حيث إنّ الغرض وهو الوصول إلى ذي المقدّمة يترتّب على خصوص الموصلة كما مرّ، وأمّا قول المحقّق الخراساني(رحمه الله) من أنّ الغرض هو التمكّن من الوصول وهو يترتّب على مطلق المقدّمة فقد مرّ الجواب عنه بأنّه غرض ابتدائي، والغرض النهائي إنّما هو الوصول إلى ذي المقدّمة.

_____________________
1. راجع تهذيب الاُصول: ج1، ص201، طبع مهر.

2. حكاه عنه في المحاضرات: ج2، ص406.

3. المحاضرات: ج2، ص407.

4. راجع تهذيب الاُصول: ج1، طبع مهر، ص202.

5. راجع أجود التقريرات: ج1، ص235.

6. أجود التقريرات: ج1 ص239.

7. المحاضرات: ج2، ص414 ـ 415.

8. درر الفوائد: ج1، ص119، طبع جماعة المدرّسين.

9. فوائد الاُصول: ج1، ص293 طبع جماعة المدرّسين.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.