أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
908
التاريخ: 2-07-2015
772
التاريخ: 5-08-2015
1365
التاريخ: 24-10-2014
725
|
لمّا أثبت كونه تعالى عالما بذاته وبما سواه ، أراد أن يجيب عن أدلّة المنكرين لعلمه تعالى وهم فرقتان من الأوائل :
الأولى : من ينفي علمه تعالى مطلقا ، متمسّكا بأنّ العلم إمّا إضافة ، أو صفة ذات إضافة ، على ما مرّ في مسألة العلم.
وعلى التقديرين يستدعي نسبة بين العالم والمعلوم ، والنسبة تستدعي المغايرة بين الطرفين ، فلا يمكن تحقّقها حيث لا مغايرة أصلا ، فلا يمكن أن يعلم ذاته ، وإذا امتنع علمه بذاته ، امتنع علمه تعالى بما سواه ؛ لأنّ علمه بغيره يستلزم (1) علمه بذاته على ما مرّ.
والجواب منع استدعاء النسبة العلميّة المغايرة الحقيقيّة ، بل المغايرة الاعتباريّة كافية فيها كما في علمنا بذواتنا. وإلى هذا أشار بقوله : ( والتغاير اعتباريّ ).
وتحقيق ذلك في الشفاء حيث قال : « واجب الوجود عقل محض ؛ لأنّه ذات مفارقة للمادّة من كلّ وجه ، وقد عرفت أنّ السبب في أن لا يعقل الشيء هو المادّة وعلائقها ، لا وجوده. وأمّا الوجود الصوريّ ، فهو الوجود العقليّ وهو الوجود الذي إذا تقرّر في الشيء صار للشيء به عقل ، والذي يحتمل نيله هو عقل بالقوّة ، والذي ناله العقل بعد القوّة هو العقل بالفعل على سبيل الاستكمال ، والذي هو له ذاته هو عقل بذاته ، ولذلك (2) هو معقول محض ؛ لأنّ المانع للشيء أن يكون معقولا هو أن يكون في مادّة وعلائقها وهو المانع عن أن يكون عقلا ، وقد تبيّن لك هذا ، فالبريء عن المادّة والعلائق ، المتحقّق بالوجود المفارق هو معقول لذاته ، ولأنّه عقل بذاته وهو أيضا معقول بذاته ، فهو معقول ذاته ، فذاته عقل وعاقل ومعقول لا أنّ هناك أشياء متكثّرة ؛ وذلك لأنّه بما هو هويّة مجرّدة عقل ، وبما يعتبر له أنّ هويّته المجرّدة لذاته ، فهو معقول لذاته ، وبما يعتبر له أنّ ذاته له هويّة مجرّدة ، فهو عاقل ذاته ؛ فإنّ المعقول هو الذي ماهيّته المجرّدة لشيء ، والعاقل هو الذي له ماهيّة مجرّدة لشيء ، وليس من شرط هذا الشيء أن يكون هو أو آخر ، بل شيء مطلقا والشيء مطلقا أعمّ من هو أو غيره ، فالأوّل باعتبارك أنّ له ماهيّة مجرّدة لشيء هو عاقل ، وباعتبارك أنّ ماهيّته المجرّدة لشيء هو معقول ، وهذا الشيء هو ذاته ، فهو عاقل بأنّ له ماهيّته المجرّدة التي لشيء هو ذاته ، ومعقول بأنّ ماهيّته المجرّدة هي لشيء هو ذاته ، وكلّ من تفكّر قليلا علم أنّ العاقل يقتضي شيئا معقولا ، وهذا الاقتضاء لا يتضمّن أنّ ذلك الشيء هو أو آخر (3).
ثمّ قال : فقد فهمت أنّ نفس كونه معقولا وعاقلا لا يوجب أن يكون اثنين في الذات ، ولا اثنين في الاعتبار أيضا ؛ فإنّه ليس تحصيل الأمرين إلاّ اعتبار أنّ ماهيّة مجرّدة لذاته ، وأنّ ماهيّته مجرّدة ذاتها لها ، وهاهنا تقديم وتأخير في ترتيب المعاني ، والغرض المحصّل شيء واحد بلا قسمة فقد بان أنّ كونه تعالى عاقلا ومعقولا لا يوجب فيه كثرة البتّة (4). انتهى.
الثانية : من ينفي علمه بغيره مع كونه عالما بذاته ، متمسّكا بأنّ العلم صورة مساوية للمعلوم ومرتسمة في العالم كما مرّ في مسألة العلم ، فصور الأشياء المختلفة مختلفة على ما مرّ هناك أيضا ، فيلزم بحسب كثرة المعلومات كثرة الصور في الذات الأحديّة [ وكونها فاعلة قابلة ] (5) وكونها قابلة لتلك الصور وفاعلة لها ؛ لوجوب استنادها إليها ؛ لامتناع أن يكون تعالى محتاجا فيما هو كمال له إلى غيره.
قال المصنّف في شرح رسالة العلم : إنّ هذين المذهبين مذكوران في كتب المذاهب والآراء ، منقولان عن القدماء. (6)
والجواب يستدعي تمهيد مقدّمة ، هي أنّ العلم على قسمين : حصوليّ وحضوريّ ؛ لأنّ العلم عبارة عن حصول المعلوم لما من شأنه أن يكون عالما ، وهو المجرّد القائم بذاته ، وذلك الحصول قد يكون بارتسام صورة المعلوم في العالم حيث لا حضور لذاته لديه ، كما في علمنا بما سوى ذواتنا وقوانا والصور المرتسمة فينا.
وقد يكون بحضوره بنفس ذاته عند العالم من غير حاجة إلى ارتسام صورته فيه وقيامها به ، وذلك كما للمعلول عند العلّة ؛ فإنّ حصوله عندها لا يتوقّف على ارتسام صورته فيها ، بل يكفي فيه حضوره بنفس ذاته لديها ؛ إذ لا انفكاك بين ذات العلّة وذات المعلول في الوجود ، فحيثما وجدت العلّة وجد المعلول معها غير منفكّ عنها.
وهذا معنى حصوله لها ، فإذا كانت العلّة مجرّدة قائمة بذاتها ، فهي لا محالة عالمة بمعلولها ، كما أنّها عالمة بذاتها ؛ لكونها غير فاقدة إيّاه كما أنّها غير فاقدة لذاتها.
و... في مسألة العلم كان من أحكام العلم الحصوليّ ؛ لكونه من الكيفيّات النفسانيّة ( و ) البحث هنالك كان منها دون العلم الحضوريّ ، فإذا ثبت ذلك ثبت أنّه ( لا يستدعي العلم صورا مغايرة للمعلومات عنده تعالى ) مرتسمة فيه ؛ لكونه علّة لذوات المعلومات غير فاقدة إيّاها ، فيكفي في علمه تعالى بها حضور ذواتها لديه وحصولها عنده ( لأنّ نسبة الحصول ) أي حصول المعلومات المعلولة له تعالى في كونه حصولا ( إليه تعالى أشدّ من نسبة حصول الصور المعقولة لنا ) الحاصلة في أنفسنا إلينا ؛ لكون تلك المعلومات معلولة له تعالى وصادرة عنه بدون مشاركة من غيره ، وكون هذه الصور صادرة عنّا ومعلولة لنا بمشاركة من غيرنا ؛ لكون أنفسنا قابلة لها فقط.
وأمّا العلّة الفاعلة لها المفيضة إيّاها ، فهي خارجة عن أنفسنا لا محالة ، فحصول الصور لنا حصول للقابل وهو بالإمكان ، وحصول المعلومات له حصول للفاعل المستقلّ وذلك بالوجوب ، ولا شكّ في كون الوجوب أشدّ من الإمكان ، فإذا كان الحصول هو حقيقة العلم ، وكان حصول المعقولات لنا علما ، كان حصول المعلومات له تعالى علما بالطريق الأولى.
فثبت أنّ علمه تعالى بالأشياء لا يتوقّف على ارتسام صورها فيه ليلزم التكثّر في ذاته الأحديّة ، وكونها فاعلة وقابلة.
واعلم أنّ هذا الكلام من المصنّف ـ مع كونه جوابا عن الدليل المذكور ـ إشارة إلى ما هو مختاره في كيفيّة علمه تعالى بالأشياء... .
_________________
(1) لعلّ المراد هنا الاستلزام في مقام الإثبات دون الثبوت.
(2) في « الشفاء » : « وكذلك » بدل « ولذلك ».
(3) « الشفاء » الإلهيّات : 356 ـ 357 ، الفصل السادس من المقالة الثامنة.
(4) نفس المصدر : 358.
(5) العبارة غير موجودة في « شوارق الإلهام » الطبعة الحجريّة.
(6) « شرح رسالة العلم » : 27.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|