أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-27
416
التاريخ: 6-12-2015
2679
التاريخ: 6-12-2015
2312
التاريخ: 2024-09-10
372
|
من الخير أن يقف الانسان دون ولوج هذا الباب ، وأن يتصاغر أمام هذه لعظمة ، وقد يكون الاعتراف بالعجز خيرا من المضي في البيان. ماذا يقول الواصف في عظمة القرآن ، وعلو كعبه ؟ وماذا يقول في بيان فضله ، وسمو مقامه ؟ وكيف يستطيع الممكن أن يدرك مدى كلام الواجب ؟ وماذا يكتب لكاتب في هذا الباب ؟ وماذا يتفؤه به الخطيب ؟ وهل يصف المحدود إلا محدودا ؟.
وحسب القرآن عظمة ، وكفاه منزلة وفخرا أنه كلام الله العظيم ، ومعجزة نبيه الكريم ، وأن آياته هي المتكفلة بهداية البشر في جميع شؤونهم وأطوارهم في أجيالهم وأدوارهم ، وهي الضمينة لهم بنيل الغاية القصوى والسعادة الكبرى في العاجل والآجل :
{ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء : 9] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم : 1] {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران : 138] .
وقد ورد في الاثر عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) : فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه (1).
نعم من الخير أن يقف الانسان دون ولوج هذا الباب ، وأن يكل بيان فضل القرآن إلى نظراء القرآن ، فإنهم أعرف الناس بمنزلته ، وأدلهم على سمو قدره ، وهم قرناؤه في الفضل ، وشركاؤه في الهداية ، أما جدهم الاعظم فهو الصادع بالقرآن ، والهادي إلى أحكامه ، والناشر لتعاليمه.
وقد قال (صلى الله عليه واله وسلم ) : « إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » (2).
فالعترة هم الادلاء على القرآن ، والعالمون بفضله. فمن الواجب أن نقتصر على أقوالهم ، ونستضئ بإرشاداتهم. ولهم في فضل القرآن أحاديث كثيرة جمعها شيخنا المجلسي في ( البحار ) الجزء التاسع عشر منه. ونحن نكتفي بذكر بعض ما ورد :
روى الحارث الهمداني (3) قال : « دخلت المسجد فإذا أناس يخوضون في أحاديث فدخلت على علي فقلت : ألا ترى أن أناسا يخوضون في الاحاديث في المسجد ؟ فقال : قد فعلوها ؟ قلت : نعم ، قال : أما إني قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) يقول :
ستكون فتن ، قلت : وما المخرج منها ؟ قال : كتاب الله ، كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم. هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، فهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الاهواء ، ولا تلتبس به الالسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه. وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، هو الذي من قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل به اجر ، ومن دعا إليه هدى إلى صراط مستقيم ، خذها اليك يا أعور » (4).
وفي الحديث مغاز جليلة يحسن أن نتعرض لبيان أهمها. يقول (صلى الله عليه واله وسلم ) : فيه نبأ ما كان قبلكم. وخبر ما بعدكم والذي يحتمل في هذه الجملة وجوه :
الاول : أن تكون إشارة إلى اخبار النشأة الاخرى من عالمي البرزخ والحساب والجزاء على الاعمال. ولعل هذا الاحتمال هو الاقرب ، ويدل على ذلك قول أمير المؤمنين (عليه السلام ) في خطبته : فيه نبأ من كان قبلكم والحكم فيما بينكم وخبر معادكم (5).
الثاني : أن تكون إشارة إلى المغيبات التي أنبأ عنها القرآن ، مما يقع في الاجيال المقبلة.
الثالث : أن يكون معناها أن حوادث الامم السابقة تجري بعينها في هذه الامة ، فهي بمعنى قوله تعالى : {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } [الانشقاق : 19] ، وبمعنى الحديث المأثور عن النبي 9 لتركبن سنن من قبلكم (صلى الله عليه واله وسلم ).
أما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من تركه من جبار قصمه الله فلعل فيه ضمانا بحفظ القرآن عن تلاعب الجبارين ، بحيث يؤدي ذلك إلى ترك تلاوته وترك العمل به ، والى جمعه من أيدي الناس كما صنع بالكتب الالهية السابقة (عليه السلام ) فتكون إشارة إلى حفظ القرآن من التحريف. وسنبحث عنه مفصلا. وهذا أيضا هو معنى قوله في الحديث : لا تزيغ به الاهواء بمعنى لا تغيره عما هو عليه ، لان معاني القرآن قد زاغت بها الاهواء فغيرتها. وسنبين ذلك مفصلا عند تفسير الآيات إن شاء الله تعالى.
وأشار الحديث إلى أن الامة لو رجعوا إلى القرآن في خصوماتهم ، وما يلتبس عليهم في عقائدهم وأعمالهم لأوضح لهم السبيل. ولوجدوه الحكم العدل ، والفاصل بين الحق والباطل.
نعم ، لو أقامت الامة حدود القرآن ، واتبعت مواقع إشاراته وإرشاداته ، لعرفت لحق وأهله ، وعرفت حق العترة الطاهرة الذين جعلهم النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) قرناء الكتاب ، وأنهم الخليفة الثانية على الامة من بعده (8) ولو استضاءت الامة بأنوار معارف القرآن ، لأمنت العذاب الواصب ، ولما تردت في العمى ، ولا غشيتهم حنادس الضلال ، ولا عال سهم من فرائض الله ، ولا زلت قدم عن الصراط السوي ، ولكنها أبت إلا الانقلاب على الاعقاب ، واتباع الاهواء ، والانضواء
إلى راية الباطل حق آل الامر إلى أن يكفر بعض المسلمين بعضا ، ويتقرب إلى الله بقتله ، وهتك حرمته ، وإباحة ماله ، وأي دليل على إهمال الامة للقرآن أكبر من هذا التشتت العظيم ؟!!
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام ) في صفة القرآن : « ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه ، وسراجا لا يخبو توقده ، وبحرا لا يدرك قعره ، ومنهاجا لا يضل نهجه ، وشعاعا لا يظلم ضوءه ، وفرقانا لا يخمد برهانه ، وتبيانا (9) لا تهدم أركانه ، وشفاء لا تخشى أسقامه ، وعزا لا تهزم أنصاره ، وحقا لا تخذل أعوانه ، فهو معدن الايمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الاسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لا ينزفه المنتزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون ، وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لا يجوز عنها القاصدون ، جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاج لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونورا ليس معه ظلمة ، وحبلا وثيقا عروته ، ومعقلا منيعا ذروته ، وعزا لمن تولاه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن ائتم به ، وعذرا لمن انتحله ، وبرهانا لمن تكلم به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاج به ، وحاملا لمن حمله ، ومطية لمن أعمله ، وآية لمن توسم ، وجنة لمن استلام ، وعلما لمن وعى ، وحديث لمن روى وحكما لمن قضى » (10).
وقد استعرضت هذه الخطبة الشريفة كثيرا من الامور المهمة التي يجب الوقوف عليها ، والتدبر في معانيها.
فقوله : لا يخبو توقده (11) يريد بقوله هذا وبكثير من جمل هذه الخطبة أن القرآن لا تنتهي معانيه ، وأنه غض جديد إلى يوم القيامة. فقد تنزل الآية في مورد أو في شخص أو في قوم ، ولكنها لا تختص بذلك المورد أو ذلك الشخص أو أولئك القوم ، فهي عامة المعنى.
وقد روى العياشي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام ) في قوله تعالى ، « ولكل قوم هاد 12 : 8 ».
أنه قال : « علي : الهادي ، ومنا الهادي ، فقلت : فأنت جعلت فداك الهادي. قال : صدقت إن القرآن حي لا يموت ، والآية حية لا تموت ، فلو كانت الآية إذا نزلت في الاقوام وماتوا ماتت الآية لمات القرآن ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين ».
وعن أبي عبد الله (عليه السلام ) : « إن القرآن حي لم يمت ، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار ، وكما تجري الشمس والقمر ، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا ».
وفي الكافي عن الصادق (عليه السلام ) أنه قال لعمر بن يزيد لما سأله عن قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } [الرعد : 21]« هذه نزلت في رحم آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وقد تكون في قرابتك ، فلا تكونن ممن يقول للشئ : إنه في شيء واحد ».
وفي تفسير الفرات : « ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات اولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن يجري أوله على آخره مادامت السماوات والارض ، ولكل قوم آية يتلوها هم منها من خير أو شر ».
إلى غير هذه من الروايات الواردة في المقام (12).
ومنها جالا يضل نهجه يريد به : أن القرآن طريق لا يضل سالكه ، فقد أنزله الله تعالى هداية لخلقه ، فهو حافظ لمن اتبعه عن الضلال.
وتبيانا لا تهدم أركانه المحتمل في المراد من هذه الجملة أحد وجهين : ( الاول ) أن أركان القرآن في معارفه وتعاليمه ، وجميع ما فيه من الحقائق محكمة لا تقبل التضعضع والانهدام. ( الثاني ) أن القرآن بألفاظه لا يتسرب إليه الخلل والنقصان ، فيكون فيها إيماء إلى حفظ القرآن عن التحريف.
ورياض العدل وغدرانه (13) معنى هذه الجملة : أن العدل بجميع نواحيه من الاستقامة في العقيدة والعمل والاخلاق قد اجتمع في الكتاب العزيز ، فهو مجمع العدالة وملتقى متفرقاتها.
« وأثافي الاسلام » (14) ومعنى ذلك : أن استقامة الاسلام وثباته بالقرآن كما أن استقامة القدر على وضعه الخاص تكون بسبب الاثافي.
وأودية الحق وغيطانه يريد بذلك : أن القرآن منابت الحق ، وفى الجملة تشبيه القرآن بالأرض الواسعة المطمئنة ، وتشبيه الحق بالنبات النابت فيها. وفي ذلك دلالة على أن المتمسك بغير القرآن لا يمكن أن يصيب الحق ، لان القرآن هو منبت الحق ، ولا حق في غيره.
« وبحر لا ينزفه المنتزفون » (15) ومعنى هذه الجملة والجمل التي بعدها : أن المتصدين لفهم معاني القرآن لا يصلون إلى منتهاه ، لأنه غير متناهي المعاني ، بل وفيها دلالة على أن معاني القرآن لا تنقص أصلا ، كما لا تنضب العيون الجارية بالسقاية منها.
« وآكام لا يجوز عنها القاصدون » (16) ((صلى الله عليه واله وسلم )) والمراد أن القاصدين لا يصلون إلى أعالي الكتاب ليتجاوزوها. وفي هذا القول إشارة إلى أن للقرآن بواطن لا تصل إليها أفهام اولي الافهام. وسنبين هذا في ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد يكون المراد أن القاصدين إذا وصلوا إلى أعاليه وقفوا عندها ولم يطلبوا غيرها ، لانهم يجدون مقاصدهم عندها على الوجه الاتم.
_______________________
1 ـ بحار الانوار ج 19 ص (صلى الله عليه واله وسلم ) ، صحيح الترمذي بشرح ابن العربي ج 11 ص 4(عليه السلام ) ، أبواب فضائل القرآن.
2 ـ رواه الترمذي ج 13 ص 200 ، 201 مناقب أهل البيت. راجع بقية المصادر في قسم التعليقات رقم (1).
3 ـ انظر ترجمة الحارث وافتراء الشعبي عليه في قسم التعليقات رقم (2).
4 ـ هكذا في سنن الدارمي ج 2 ص 435 ، كتاب فضائل القرآن ومع اختلاف يسير في ألفاظه في صحيح الترمذي ج 11 ص 30 أبواب فضائل القرآن. وفي بحار الانوار ج 9 ص (عليه السلام ) عن تفسير العياشي.
5 ـ بحار الانوار ج 19 ص (صلى الله عليه واله وسلم ).
(صلى الله عليه واله وسلم ) ـ ورد هذا اللفظ في كنز العمال ج (صلى الله عليه واله وسلم ) ص 40 ، من حديث سهل بن سعد. انظر بقية المصادر في قسم التعليقات رقم (3).
(عليه السلام ) ـ راجع الهدى إلى دين المصطفى ج 1 ص 34 ، لآية الله الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي.
8 ـ تقدم مصادر حديث الثقلين في ص2 (صلى الله عليه واله وسلم ) رقم (2) ، وفي بعض نصوصه تصريح بأن القرآن والعترة خليفتا الرسول ص.
9 ـ في بحار الانوار بنيانا بدل تبيانا.
10 ـ نهج البلاغة من خطبة أولها : يعلم عجيج الوحوش.
11 ـ خبت النار : خمد لهبها.
12 ـ مرآة الانوار ص 3 ، 4.
13 ـ الرياض جمع روضة ، وهي الارض الخضرة بحسن النبات. والغدران جمع غدير وهو الماء الذي تغدره السيول. والعدل الاستقامة .
14 ـ الاثافي كأماني جمع اثفية ـ بالضم والكسر ـ وهي الحجارة التي يوضع عليها القدر.
15 ـ نزف ماء البئر : نزح كله.
16ـ والآكام جمع اكم ، كقصب ، وهو جمع أكمة ، كقصبة ، وهي التل.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|