أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-8-2016
1662
التاريخ: 9-8-2016
1678
التاريخ: 8-8-2016
1465
التاريخ: 9-6-2020
1406
|
..ليس الكلام مقصوراً في تشخيص المعنى الحقيقي من المجازي في موارد الاستعمال مع العلم بمراد المتكلّم والشكّ فيهما حتّى يقال : إنّ اللفظ في المجاز مستعمل في معناه الحقيقي ; فالسامع إذا استقرّ ذهنه في المعنى المراد ، ولم يتجاوز منه إلى غيره حكم بأنّه حقيقة ، وإن تجاوز إلى غيره حكم بأنّ ذلك الغير مجاز ـ كما قيل (1) ـ بل من تلك العلائم أو غالبها تعرف المعنى الحقيقي ; ولو لم يكن استعمال ، أو لم نكن بصدد تشخيص استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي أو المجازي .
فلو شككنا في كون الماء موضوعاً للجسم السيّال المعهود يكون التبادر طريقاً إلى إثباته ـ استعمل أولا ـ بل ربّما يدور أمـر الاستعمال بين الحقيقـة والغلط ، لا المجاز . كما أنّ تعبيرهم بعلائم الوضع ليس بسديد ; إذ الرابطـة الاعتباريـة كما تحصل بالوضع قـد تحصل بكثرة الاستعمال ; حتّى يصير حقيقـة ، وقد عرفت(2) أنّ الوضـع التعيّني ليس بوضع . وتوهّم : قيام جميع الاستعمالات مقام الوضع الواحد ، كما ترى .
فإن قلت : إنّ الوضـع بمعناه المصدري وإن كان مفقوداً هنا إلاّ أ نّـه بمعنى اسم المصدر ونتيجته موجود فيه .
قلت : المصدر واسمه واحدان بالحقيقة مختلفان بالاعتبار بانتسابه إلى الفاعل وعدمه ، فلا يعقل وجود واحد منهما في نفس الأمر مع فقدان الآخر .
منها : التبادر:
ومـن علائـم ذلك الربط المعهود التبادر ، والمراد منـه ظهور المعنى مـن اللفظ بنفسه مـن غير قرينة ، لا سرعـة حصول المعنى في الذهـن بالنسبـة إلى معنى آخر ، أو سبقه عليه .
واُورد عليه : الدور المعروف ; من أنّ التبادر موقوف على العلم بالوضع ، فلو توقّف ذلك عليه لدار(3) .
وأجاب عنـه بعض المحقّقين : بأنّـه يكفي في ارتفاع الـدور تغاير العلمين شخصاً ، والتغايـر بين العلم الشخصي الحاصـل مـن التبادر وبين العلـم الشخصي الـذي يتوقّف التبادر عليه واضح; وإن قلنا بأنّ ما يتوقّف عليه التبادر هـو العلم التفصيلي أيضاً(4) .
ولكنّه من عجائب الكلام ; إذ لا يتصوّر الانكشاف بعد الانكشاف إلاّ بتعدّد متعلّق العلم خارجاً ، أو بتخلّل الذهول والنسيان عند وحدته ، وكلاهما مفقودان في محلّ الكلام .
والحاصل : أنّه لا يعقل الكشف التفصيلي في حال واحد عن شيء مرّتين ، فلو حصل العلم قبل التبادر ـ بكون معنى اللفظ كذا ـ لا يعقل كون التبادر موجباً لحصول مصداق آخر له ، مع توحّد الحال .
نعم ، لا مانع من تكرّر الصورة الذهنية بما هو معلوم بالذات ، ولكن لايعقل الكشف عن المعلوم بالعرض مكرّراً .
هذا ، ولكن الحقّ في دفع الإشكال : ما عن الشيخ الرئيس في نظائر المقام(5) ; من أنّ العلم التفصيلي بأنّ معنى هذا ذاك على نحو القضية الحملية موقوف على التبادر ، وهو ليس موقوفاً على هذا العلم التصديقي المحتاج إلى تصوّر الموضوع والمحمول ، بل يحصل بالعلم الارتكازي من مبادئه وعلله ، كعلم الأطفال بمعاني الألفاظ ومفاد اللغات .
ثمّ إنّه لا إشكال في اشتراط كاشفية التبادر بكونه مستنداً إلى حاقّ اللفظ لا إلى القرينة ، ولكنّه هل لنا طريق مضبوط إلى إثباته ـ من الاطّراد وغيره ـ بأن يقال : إنّ التبادر من اللفظ مطّرداً دليل على كونه مستنداً إلى الوضع ؟ الظاهر عدمه ; لأنّ كون الاطّراد فقط موجباً للعلم بذلك ممنوع ، وخروج عن البحث .
وتوهّم كونه طريقاً عقلائياً ، مع عدم حصول العلم منه واضح الفساد ; إذ لم يثبت لنا من العقلاء التمسّك به ; ولو عند احتمال كون الإنفهام مستنداً إلى قرينة عامّة بين أهل التخاطب ، كما أنّ أصالة عدم القرينة إنّما يحتجّ به العقلاء لإثبات المراد بعد العلم بالحقيقة والمجاز ، لا على تعيين واحد منهما بعد العلم بالمراد .
ومنها : صحّة الحمل والسلب :
والظاهر : أنّ المراد بهما صحّتهما عند نفسه لا عند غيره ; إذ الثاني يرجع إلى تنصيص أهل اللغة واللسان ; لأنّ العلم حينئذ بصحّة الحمل وكونه حملا أوّلياً أو شائعاً بالذات لايحصل إلاّ بتصريح الغير ، فيرجع إلى تنصيصهم .
وأمّا صحّته عند نفسه فالتحقيق : أنّ الاستكشاف واستعلام الحال حاصل من التبادر الحاصل من تصوّر الموضوع السابق على الحمل وسلبه ، فيكون إسناده إلى الحمل أو سلبه في غير محلّه .
توضيح ذلك : أنّ الحاكم المستعلم بحمله لابدّ أن يتصوّر الموضوع أوّلا بما له من المعنى الارتكازي ; حتى يجده متّحداً مع المعنى المشكوك فيه في مفهومه ، ثمّ يحمل المحمول المتصوّر على الموضوع المعلوم ـ حملا أوّلياً ـ ولولا ذلك لما كان لحكمه وزن ولا قيمة .
وعندئذ : إذا وجده في عالم التصوّر متّحداً معه قبل حمله فقد علم بوضع اللفظ للمعنى ، ولم يبق لتأثير صحّة الحمل في رفع الستر مجال .
وأمّا الحمل الشائع فلا يكون علامة إلاّ إذا كان شائعاً ذاتياً ; لكونه كاشفاً عن المصداق الحقيقي، كما في قولنا «البياض أبيض» ، لا عرضياً .
وحينئذ : إن كان المستعلم مردّداً في كون الحمل ذاتياً أو عرضياً لم يمكن له استكشاف الوضع من مجرّد الحمل ، وإن كان عالماً بكونه حملا ذاتياً ، وأ نّه من قبيل حمل الكلّي على بعض مصاديقه الحقيقية فقد علم المعنى قبل الحمل ; إذ العلم بكونه مصداقاً حقيقياً ذاتياً مستلزم للعلم بكونه موضوعاً للطبيعة المطلقة .
والقول بأنّ التبادر مغفول عنه غير مسموع ، كالقول بأنّ صحّة الحمل والسلب الإرتكازيين موجبة للحمل التفصيلي ، كما مرّ نظيره في التبادر ; وذلك لأنّ الباحث المستعلم للوضع لا يتصوّر له الغفلة عن ضالّته المنشودة أبداً ، ولو قبل الوصول إلى الحمل وسلبه .
وممّا ذكرنا يعلم حال صحّة السلب في جعله دليلا على المجازية ; لأنّ العلم بصحّته يتوقّف على العلم بتغاير الطرفين مفهوماً أو مصداقاً في عالم التصوّر، ومعه لا حاجة إلى سلب الحمل.
وهناك تفصيل يتراءى من بعض الكلمات بين الحمل المتداول بين اللغويين ، كما في قولهم «إنّ الغيث هو المطر» فيصحّ فيه ، وبين الحمل الأوّلي الدائر بين أهل الفنّ من حمل الذاتيات على الذات ، كما في قولنا «الإنسان حيوان ناطق» فلا يمكن استكشاف الوضع بصحّته ; لأنّ الحدّ مفهوم مركّب مفصّل ، ويمتنع أن يكون مفهوم الإنسان ; لأنّ مفهوم كلّ مفرد بسيط مجمل(6) .
وفيه : أنّا نقول بأنّ الغرض من الحمل ليس إثبات وضع اللفظ لذلك المفصّل ، بل لماهية بسيطة يكون هذا المفصّل حدّاً لها ; بحيث إذا انحلّت رجعت إليه .
وبالجملة : هذا المبيّن حاك عن الذات البسيط المجمل ، والشكّ في وضع اللفظ لذاك المجمل دون الأوّل المفصّل .
وربّما يعلّل كاشفية صحّة الحمل عن الوضع وصحّة السلب عن عدمه بأنّ الوجود اللفظي نحو وجود للمعنى ومن مراتب وجوده ، واللفظ لمّا كان فانياً فيه صار نحو تحقّق له ; وبذلك تتنافر الطباع عن سلبه عنه ، ويراه بمنزلة سلب الشيء عن نفسه ، وبذلك أيضاً خرج عن مشابهة ما لا تتنافر عن سلبه عنه من اللفظ الذي لم يوضع له(7) .
قلت : الظاهر أنّ ما هو العلامة إنّما هو صحّة سلب اللفظ وعدمها بما له من المعنى لا بما هو لفظ ، وإلاّ فنفس اللفظ ـ بما هو حروف ـ تصحّ سلبها عن معناها . وما ذيّل به كلامه من حديث التنافر أقوى شاهد عليه ; إذ ما تتنافر الطباع عنه هو اللفظ بما هو مرآة المعنى ، لا بما هو صورة وعرض ، فعاد المحذور المتقدّم.
ومنها : الاطّراد وعدمه:
وقد قرّر بوجوه : أمتنها أ نّه إذا اطّرد استعمال لفظ في أفراد كلّي بحيثية خاصّة ـ كرجل باعتبار الرجولية في زيد وعمرو ، مـع القطع بكونه غير موضوع لكلّ واحد على حدة ـ استكشف منه وجود علاقة الوضع بينها وبين ذاك الكلّي ، وعلم : أ نّه موضوع للطبيعي من المعنى . واحتمال كونها مجازاً بالعلاقـة مـدفوع بعدم الاطّـراد في علائـق المجاز ، كما أنّ عـدم الاطّراد يدلّ على عـدم الوضع ; إذ معه يطّرد الاستعمال .
ولكنّه مخدوش : بأنّ استعمال اللفظ الموضوع للكلّي في أفراده ـ بما لها مـن الخصوصيـة والعوارض ـ يكون مجـازاً مـع العلاقة أو حسـن الاستعمال ، وغلطاً بدونهما ; فاحتمال كـون ذلك الاستعمال حقيقـة منتف رأساً ، بل أمـره دائر بين الغلط والمجاز .
كما أنّ تطبيق المعنى الارتكازي عليها مطّرداً بلا إرادة الخصوصية يوجب التخلّف في العلامـة; إذ العلامـة ـ حينئذ ـ هي صحّـة الحمل ، وقـد عرفت إرجاعها إلى التبادر أيضـاً ; لما عرفت مـن أنّ التطبيق فـرع العلم بكون المعنى قابلا للانطباق على الأفراد .
وبذلك يتّضح الجواب عن تقرير آخر له بأن يقال : إنّ الاستعمال في الموضوع لـه لا يتوقّف على غير الوضع فيطّرد ، ولكـن المجاز يتوقّف على مصحّـح الادّعاء ، وحسن الاستعمال بقبول الطباع على المختار في باب المجازات ، وهما لا يطّـردان .
وجـه الفساد : أنّ العلم بصحّـة الاستعمال مطرداً يتوقّف على فهم المعنى الموضوع لـه ، كما أنّ العلم بحسن الادّعاء ومصحّحـه يتوقّف على تشخيص الموضوع له .
فتحصّل ممّا مرّ : أنّ التبادر هو العلامة ، وغيره مسبوق به أو راجع إليه .
____________
1 ـ نهاية الاُصول : 39 .
2 ـ تقدّم في الصفحة 23 .
3 ـ اُنظر هداية المسترشدين 1 : 227 ، الفصول الغروية : 33 / السطر22 ، كفاية الاُصول : 33 .
4 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 97 .
5 ـ الشفاء ، قسم المنطق 3 : 69 .
6 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 99 .
7 ـ اُنظر نهاية الاُصول : 41 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|