أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2016
1604
التاريخ: 31-8-2016
3370
التاريخ: 31-8-2016
1826
التاريخ: 8-8-2016
1710
|
فهل هو ظاهر في الرجوع إلى الجميع، أو إلى خصوص الأخيرة، أو لا ظهور له أصلا بل يصير الكلام مجملا ولابدّ في التعيين من قرينة، مثل قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4، 5] فهل الاستثناء بقوله «إلاّ الذين تابوا» يرجع إلى جميع الأحكام الثلاثة، أي الجلد بثمانين جلدة، وعدم قبول الشهادة أبداً، والفسق، فتكون النتيجة حينئذ رفع جميعها بالتوبة، أو يرجع إلى خصوص الأخير فيرفع به خصوص الفسق، أو الكلام مجمل؟ أقوال، فقيل بظهوره في الرجوع إلى الكلّ، وقيل بظهوره في الرجوع إلى خصوص الأخيرة، وقيل بالإجمال مع كون القدر المتيقّن هو الأخير، وقيل بما يأتي من التفصيل.
ولنقدّم قبل الورود في بيان الأقوال أمرين:
الأمر الأوّل: قال بعضهم باستحالة الرجوع إلى الجميع ثبوتاً فلا تصل النوبة إلى البحث عن الوقوع في مقام الإثبات واستدلّ له بوجهين:
أحدهما: أنّ كلمة «إلاّ» من الحروف، وقد قرّر في محلّه أنّ الموضوع فيها جزئي حقيقي، وهو يلزم دلالة كلمة «إلاّ» على إخراج واحد لا إخراجات عديدة، ولازمه الرجوع إلى الأخيرة.
ثانيهما: سلّمنا عدم كون الموضوع له في الحروف جزئياً حقيقياً لكنّه لا إشكال في أنّ المعنى الحرفي آليّ وفان في غيره، فلا يلحظ مستقلا بل لابدّ من لحاظه فانياً في غيره، وحينئذ يتعيّن رجوع كلمة الاستثناء إلى الأخيرة لأنّه لا يتصوّر فناء شيء واحد في شيئين.
وكلا الأمرين غير تامّ، أمّا الأوّل فلما مرّ من أنّ الموضوع له في الحروف كلّي دائماً أو غالباً، ولو سلّمنا كونه جزئياً لكن الإخراج في ما نحن فيه ليس متعدّداً بل هو واحد وإنّما المخرج متعدّد، وهذا نظير إنشاء المعاني المتعدّدة بصيغة واحدة نحو «بعت هذا الدار بألف تومان وذاك بالفين وذاك بآلاف».
وأمّا الثاني: فلأنّه أوّلا: يمكن لحاظ معان متعدّدة بصورة وحدانية وتصوّرها بنحو جمعي ثمّ إفناء معنى الحرف في جميعها، كما إذا قيل: «سِرْ من البصرة أو الكوفة وإلى بغداد وإلى عبّادان» فيلحظ معنى الابتدائيّة لكلمة «من» فانياً في جميع الأمكنة المذكورة في المثال بلحاظ واحد.
ثانياً: يمكن كون اللحاظات متعدّدة واستعمال اللفظ في أكثر من معنى، لما مرّ كراراً من عدم اعتبار آن حقيقي في اللحاظ، ولا دليل على أنّ اللحاظات آنات حقيقيّة، بل يمكن احضار معان متعدّدة كسبعين معنى للفظ «عين» مثلا في الذهن متواليّة واحداً بعد واحد ثمّ استعمال لفظ العين في الجميع، ولذلك ذهبنا إلى جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى، هذا كلّه في الأمر الأوّل.
الأمر الثاني: أنّه لو قلنا بالإجمال وأنّ الاستثناء المتعقّب لجمل متعدّدة لا يكون ظاهراً في الرجوع إلى الجميع ولا في الرجوع إلى خصوص الأخيرة بعد صلوحه لكلّ منهما وإن كان الرجوع إلى الأخيرة متيقّناً معلوماً فهل يسقط العمومات غير الأخيرة عن الحجّية أو لا؟
قال المحقّق الخراساني (رحمه الله): إنّها ساقطة عن الحجّية، فلا يكون ما سوى الأخيرة ظاهراً في العموم لاكتنافه بما يصلح للرجوع إليه، فلا بدّ في محلّ الشكّ من الرجوع إلى الأصل العملي. ففي مثال «أكرم العلماء إلاّ الفسّاق والمخالفين منهم» نرجع في مشكوك الفسق والمخالفة إلى أصل البراءة.
وقال المحقّق النائيني (رحمه الله): بعدم سقوطها عن الحجّيه بل «يحتاج تخصيص الجمل السابقة على الجملة الأخيرة إلى دليل آخر مفقود على الفرض، وأمّا توهّم كون المقام من قبيل اكتناف الكلام بما يصلح للقرينية فهو غير صحيح، لأنّ المولى لو أراد تخصيص الجميع ومع ذلك اكتفى في مقام البيان بذكر استثناء واحد مع تكرار عقد الوضع في الجملة الأخيرة لكان مخلا ببيانه»(1).
أقول: الظاهر أنّ الحقّ مع المحقّق الخراساني (رحمه الله)، لأنّ عدم صحّة اكتفاء المولى في بيان مقصوده بالاستثناء المجمل لكونه مخلا ببيانه يختصّ بما إذا لم يكن نفس الإجمال مقصوداً، وإلاّ فلا إشكال في الصحّة، وهذا نظير الاستثناء بكلمة «بعض»، فإذا قال: «أكرم العلماء إلاّ بعضهم» مع عدم كون الإجمال مقصوداً فقد أخلّ بمقصوده وأمّا إذا كان المقصود هو نفس بيان الحكم مجملا فلا إشكال حينئذ في صحّة الاكتفاء بكلمة «بعض»، ولا يخفى أنّ للشارع المقدّس أحكاماً يكون المقام فيها مقام الإجمال والإبهام، وذلك لمصالح تقتضيه، منها عدم انسداد أبواب بيوت أهل البيت (عليهم السلام) كما صرّح به المحقّق القمي (رحمه الله) في كتابه جامع الشتات في جواب من سأل عن وجه ورود المتشابه في القرآن الكريم.
إذا عرفت هذا فلنشرع في أصل البحث والأقوال الواردة فيه...
فنقول: أمّا التفصيل الذي وعدنا نقله فهو ما ذهب إليه المحقّق النائيني (رحمه الله)وإليك نصّ كلامه: «والتحقيق في ذلك هو التفصيل بأن يقال إنّ من الواضح أنّه لابدّ من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع لا محالة، وعليه فإمّا أن يكون عقد الوضع مكرّراً في الجملة الأخيرة كما في مثل الآية المباركة، أو لا يكون كذلك، بل يختصّ ذكر عقد الوضع بصدر الكلام كما إذا قيل أكرم العلماء وأضفهم وأطعمهم إلاّ فسّاقهم، أمّا القسم الثاني أعني به ما لا يكون عقد الوضع مذكوراً فيه إلاّ في صدر الكلام فلا مناصّ فيه عن الالتزام برجوعه إلى الجميع، لأنّ المفروض أنّ عقد الوضع فيه لم يذكر إلاّ في صدر الكلام، وقد عرفت أنّه لابدّ من رجوع الاستثناء إلى عقد الوضع فلا بدّ من رجوعه إلى الجميع، وأمّا كون العطف في قوّة التكرار فهو وإن كان صحيحاً إلاّ أنّه لا يوجب وجود عقد وضع آخر في الكلام ليكون صالحاً لرجوع الاستثناء إليه، وأمّا القسم الأوّل أعني به ما يكون عقد الوضع فيه مكرّراً فالظاهر فيه هو رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة لأنّ تكرار عقد الوضع في الجملة الأخيرة مستقلا يوجب أخذ الاستثناء محلّه من الكلام فيحتاج تخصيص الجمل السابقة على الجملة الأخيرة إلى دليل آخر مفقود على الفرض»(2).
وقال في حاشية الأجود: «الصحيح في تقريب التفصيل في المقام أن يقال: إنّ تعدّد الجمل المتعقّبة بالاستثناء إمّا أن يكون بتعدّد خصوص موضوعاتها أو بتعدّد خصوص محمولاتها أو بتعدّد كليهما، وعلى الأوّلين فإمّا أن يتكرّر ما بتعدّده تعدّد القضيّة في الكلام أو لا يتكرّر فيه ذلك، فالأقسام خمسة، أمّا القسم الأوّل، أعني به ما تعدّدت فيه القضيّة بتعدّد موضوعاتها ولم يتكرّر فيه عقد الحمل كما إذا قيل: «أكرم العلماء والأشراف والشيوخ إلاّ الفسّاق منهم» فالظاهر فيه رجوع الاستثناء إلى الجميع، لأنّ القضيّة في مثل ذلك وإن كانت متعدّدة صورة إلاّ أنّها في حكم قضية واحدة قد حكم فيها بوجوب إكرام كلّ فرد من الطوائف الثلاث إلاّ الفسّاق منهم، فكأنّه قيل: أكرم كلّ واحد من هذه الطوائف إلاّ من كان منهم فاسقاً، وأمّا القسم الثاني، أعني به ما تعدّدت فيه القضيّة بتعدّد موضوعاتها مع تكرّر عقد الحمل فيه كما إذا قيل: «أكرم العلماء والأشراف وأكرم الشيوخ إلاّ الفسّاق منهم» فالظاهر فيه رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة المتكرّر فيها عقد الحمل وما بعدها من الجمل لو كانت لأنّ تكرار عقد الحمل في الكلام قرينة على قطع الكلام عمّا قبله، وبذلك يأخذ الاستثناء محلّه من الكلام، فيحتاج تخصيص الجمل السابقة على الجملة المتكرّر فيه عقد الحمل إلى دليل آخر مفقود على الفرض، وأمّا القسم الثالث والرابع، أعني بهما ما تعدّدت فيه القضيّة بخصوص تعدّد محمولاتها مع تكرّر عقد الوضع في أحدهما وعدم تكرّره في الآخر فيظهر الحال فيهما ممّا اُفيد في المتن، وأمّا القسم الخامس، أعني به ما تعدّدت القضيّة فيه بكلّ من الموضوع والمحمول كما إذا قيل: «أكرم العلماء وجالس الأشراف إلاّ الفسّاق منهم» فالظاهر فيه رجوع الاستثناء إلى خصوص الأخيرة ويظهر الوجه فيه ممّا تقدّم»(3).
أقول: يرد عليه:
أوّلا: أنّ المتّبع في باب الألفاظ هو الظهور العرفي، وهو يختلف باختلاف المقامات ولا يقبل الاستدلال المنطقي، وحينئذ لو قامت قرينة أوجبت ظهور الكلام في الرجوع إلى الجميع أو إلى الأخيرة فهو (سواء تكرّر عقد الحمل أو لم يتكرّر) وإلاّ فيصير الكلام مجملا مبهماً يؤخذ بالقدر المتيقّن وهو الرجوع إلى الأخيرة.
وثانياً: أنّ المحقّق النائيني (رحمه الله) وتلميذه المحقّق المقرّر له كلاهما اتّفقا على ظهور العمومات غير الأخيرة في عمومها فيما إذا رجع الاستثناء إلى الأخيرة وأنّها ليست مكتنفة بما يصلح للقرينية حتّى تصير مجملة، وذلك لتوهّم أنّ الإجمال يستلزم الإخلال بالمقصود، مع أنّه (كما مرّ) قد يكون المقصود نفس الإجمال والإهمال، وكلمة الاستثناء في الأمثلة المذكورة إن لم تكن كافيّة لبيان تمام المقصود تكفي للإجمال.
وقد يقال: إنّ هذا (التفصيل المزبور) خلط حقيقة بين أداة الاستثناء التوصيفي وأداة الاستثناء غير التوصيفي ففي القسم الأوّل فحيث أنّه لا يجوز التوصيف للضمير المتّصل يرجع الوصف في مثل «أكرم العلماء وأضفهم إلاّ الفسّاق منهم» أي الشقّ الثاني من التفصيل إلى الجملة الاُولى، أي يصير الوصف وصفاً للعلماء في المثال، فيخصّص به حكم الإكرام وبتبعه يخصّص أيضاً ما بعده وهو حكم الضيافة في المثال، وأمّا في القسم الثاني أي الاستثناء غير التوصيفي فيمكن رجوعه إلى الأخيرة كما يمكن رجوعه إلى الجميع ونسبته بالنسبة إلى كلّ واحد منهما سواء وليس ظاهراً في خصوص أحدهما حتّى يصير الكلام مجملا، هذا كلّه في الشقّ الثاني من التفصيل، وأمّا الشقّ الأوّل، أي ما إذا تكرّر عقد الوضع فادّعاء الظهور في الرجوع إلى الأخيرة مصادرة ودعوى بلا دليل.
أقول: كلامه في كلا شقّي التفصيل صحيح ومقبول، ولكن الإشكال إنّما هو في أنّ الأمثلة المذكورة في ما نحن فيه ظاهر جميعها الاستثناء غير التوصيفي لأنّ ظاهرها الاستثناء عن الحكم لا الموضوع، فلا معنى لكونه وصفاً حينئذ، بل الاستثناء التوصيفي لا يأتي إلاّ في موارد خاصّة كباب الأعداد نحو {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] ، وبالجملة المتبادر من الاستثناء (إلاّ في بعض الموارد) هو الاستثناء عن الحكم، وظاهره حينئذ عدم الوصف نحو «أكرم العلماء إلاّ الفسّاق» فليس الظاهر منه «أكرم العلماء المتّصفين بأنّهم غير الفسّاق».
ثمّ إنّه ينبغي هنا أن نشير إلى نكتة وهي أنّ محلّ النزاع في ما نحن فيه ما إذا لم ـ توجد في البين قرينة مع أنّ المثال المعروف وهو آية القذف المذكورة في صدر المسألة ليس خالياً عنها، وهي أنّ المشهور على قبول شهادة القاذف إذا تاب بل لعلّه إجماعي كما ذكره الفاضل المقداد حيث قال: «وإن تاب قبلت شهادته عندنا وعند الشافعي، وهو قول أكثر التابعين، وقال أبو حنيفة لا يقبل شهادته أبداً»(4) ويدلّ عليه أيضاً روايات: منها ما جاء في خبر قاسم بن سليمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «... وبئس ما قالوا كان أبي يقول إذا تاب ولم يعلم منه إلاّ خير جازت شهادته»(5), فهذه قرينة خارجيّة تقتضي رجوع الاستثناء إلى الجميع، وفي الآية قرينة اُخرى داخلية تقتضي الرجوع إلى الجميع أيضاً حيث إن مقتضى الرجوع إلى الأخيرة عدالة القاذف إذا تاب ومقتضى المناسبة بين الحكم والموضوع والفهم العرفي قبول شهادته حينئذ.
إن قلت: إنّه ينافي ذيل الآية، أي قوله: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4].
قلت: إنّ كلمة «أبداً» بمنزلة عام يكون ظاهراً في الدوام وليس نصّاً فيه، ولذا لا إشكال في تخصيصه كما ورد في آيات من القرآن الكريم نحو قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]
________________
(1) (2) (3). أجود التقريرات: ج1، ص497.
(4). كنز العرفان: ج2، كتاب الحدود حدّ القذف.
(5). الوسائل: ج18، الباب36، من أبواب الشهادات، ح2.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|