المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7560 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تأسيس الاصل في مسألة (مقدمة الواجب )  
  
401   12:41 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.181
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

(اعلم) ان نفس الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته مما لا تجرى فيها الاصول لعدم كونها حكما شرعيا حتى تجرى فيها البراءة، وعدم وجود حالة سابقة معلومة لوجودها أو عدمها حتى يجرى فيه الاستصحاب. (واما نفس وجوب المقدمة) فقد يتوهم جريان الاستصحاب فيه من جهة ان المقدمة قبل وجوب ذيها لم تكن واجبة وبعده يشك في وجوبها فينفي باستصحاب العدم. (وفيه اما اولا) فلان جريان الاصول العملية (التي منها الاستصحاب) يتوقف على ترتب اثر عملي عليها فانها اصول وضعت لتعيين وظيفة من شك فيما يتعلق بعمله، ومفاد ادلته هو وجوب البناء عملا على وفقها كما ربما يأتي في محله، ووجوب المقدمة اولا وجوبه لا يترتب عليه اثر عملي إذ العقل يحكم جزما بوجوب اتيان المقدمة وان ثبت عدم وجوبها شرعا فبوجوبها لا يتحقق تكليف زائد حتى ينفى بالأصل.

 فان قلت : الملاك في جريان الاستصحاب هو كون المستصحب بنفسه اثرا شرعيا أو كونه ذا اثر شرعي، وما نحن فيه من قبيل الاول، فان وجوب المقدمة بنفسه اثر شرعي لكونه حكما من الاحكام الشرعية فيجرى فيه الاستصحاب وان لم يترتب على هذا الاثر الشرعي اثر آخر. (قلت): هذا ممنوع لما عرفت من ان المجعول في باب الاصول هو وجوب العمل على طبق مؤدياتها والجري على وفقها، وتعيين الوظيفة فيما لا يرتبط بالعمل امر لغو لا يصدر عن الشارع، فصرف كون المستصحب حكما من الاحكام الشرعية لا يكفى في جريان الاستصحاب ما لم يترتب على جريانه اثر عملي. واما ثاني فلان وجوب المقدمة بناء على الملازمة امر لا يعقل انفكاكه من وجوب ذيها، فان القائل بالملازمة يدعى ان المولى إذا بعث بعثا مولوي نحو شيء فلا محالة يترشح منه وجوبات تبعية ظلية بعدد المقدمات بحيث يستحيل صدور البعث عنه من دون ترشح هذه الوجوبات والتحريكات التبعية فالأمر المتعلق بذي المقدمة مستتبع لهذه الاوامر الغيرية من دون ان يكون لإرادة المولى دخل في ذلك، وهذا من غير تفاوت في مراتب الحكم من الانشائية والفعلية والتنجز فان هذا القائل يدعى ان وجوب المقدمة كالفيء لوجوب ذيها، والفيء من لوازم الشيء لا ينفك منه ابدا. (وبعبارة اخرى) وجوب المقدمة على فرض ثبوته ليس وجوبا مستقلا بملاك مستقل حتى يكون تابعا لملاك نفسه، بل هو من اللوازم الغير المنفكة لوجوب ذيها، وعلي هذا فتفكيكهما غير ممكن ل في الفعلية ولا في غيرها من المراتب فإذا كان وجوب ذي المقدمة فعليا منجزا فل محالة كان وجوبها ايضا فعليا منجزا بناء على الملازمة، غاية الامر ان الشاك في اصل الملازمة شاك في فعلية وجوبها من جهة الشك في اصل الملازمة ولكن هذا الشك لا يضر بفعليته على فرض ثبوت الملازمة واقعا، فالشاك في الملازمة ايضا عالم بكون المقدمة واجبا فعليا على فرض، وغير واجب على فرض آخر، وعلي هذا فلا مجال لجريان استصحاب العدم في وجوب المقدمة التي علم بوجوب ذيها، فان الاستصحاب بعد جريانه يوجب القطع بفعلية مؤداه وعدم فعلية الحكم الواقعي المشكوك فيه على فرض ثبوته فلا يجرى في الموارد التي لا ينفك الحكم الواقعي على فرض ثبوته من الفعلية بل اللازم على الشارع حينئذ ايجاب الاحتياط كما في باب الاموال والاعراض والنفوس، فان نعلم ان الحكم الواقعي في هذه الموارد (على فرض ثبوته) فعلى لا يأبى فعليته شيء لأهمية ملاكه فنستكشف ايجاب الاحتياط من قبل الشارع في تلك الموارد ففيما نحن فيه بعد العلم بوجوب ذي المقدمة نعلم بفعلية وجوب مقدمته على فرض ثبوت الملازمة واقع فكيف يحكم بجريان استصحاب العدم بالنسبة إليه! مع استلزام جريانه للقطع بعدم فعلية وجوبها على فرض ثبوت الملازمة ايضا. (وبالجملة) المرفوع بالاستصحاب اما نفس الحكم الواقعي أو فعليته، والاول غير ممكن والثاني غير جائز فيما نحن فيه من جهة كونه فعليا على فرض ثبوته واقعا وليس رفع فعليته باختيار المولى فتأمل. إذا عرفت المقدمات فلنشرع في تحقيق اصل المسألة.

 وقبل الشروع في ذكر الادلة ينبغى ان ينبه على امور:

(الاول) قد ذكروا لوجوب المقدمة ثمرات فقهية ولكنها لا تخلو عن مناقشة، ومن الثمرات ايضا ما ذكروه في مبحث الضد وسيأتي تحقيقه.

(الثاني) ليس النزاع في المسألة في وجوب المقدمة عقلا بمعنى اللابدية العقلية، وذلك لبداهة ان العقل يحكم بلزوم الاتيان بالمقدمة للتمكن بها من ذيها، وليس هذا المعنى امرا قابلا للنزاع، بل المتنازع فيه في المسألة هو الوجوب الشرعي بمعنى ان المولى إذا امر بشيء له مقدمات وجودية فهل يترشح من هذا البعث النفسي اوامر عديدة متعلقة بكل واحدة من مقدماته بحيث يكون كل منها مطلوبة وواجبة شرعا بتبع وجوب ذي المقدمة أو لا تترشح؟

(الثالث) المراد بالوجوب التبعي هيهنا ليس ما ذكره المحقق القمي (قدس سره)، إذ مراده بالتبعية هو التبعية في مقام الاثبات والدلالة حيث قال ما حاصله: ان الوجوب التبعي هو الذي يستفاد من خطاب المولى الذي سيق لأجل افادة شيء آخر، من دون ان يكون افادة هذا الوجوب ايضا مرادة من هذا الخطاب، بل يكون من قبيل لوازم الخطاب كاستفادة اقل الحمل من الايتين الواردتين في تعيين مدة الارضاع ومدة مجموع الحمل والفصال. بل المراد من التبعية هنا هو التبعية في مقام الارادة بمعنى ان الآمر لا يلزم ان يكون ملتفتا إلى مقدمات المأمور به ولكنها بحيث لو التفت إليها الآمر ورأى انها مما يتوقف عليها الواجب لأرادها ووجد في نفسه حالة بعثية بالنسبة إليه.

(الرابع) المشهور بين المتأخرين وان كان وجوب المقدمة ولكن المسألة ليست من المسائل المتلقاة من المعصومين (عليهم السلام) يدا بيد حتى تكون الشهرة حجة فيها بل هي مسألة استنباطية فلا يكون الاجماع ايضا حجة فيها فضلا عن الشهرة.

(الخامس) الاقوال في المسألة كثيرة فالمشهور كثيرة فالمشهور بين المتأخرين هو الوجوب مطلقا وقال بعضهم بعدم الوجوب مطلقا وهو نادر، وفصل بعضهم بين السبب وغيره فاختار الوجوب في السبب فقط، وآخر بين الشرط الشرعي وغيره فاختار الوجوب في الاول. (واعلم) ان كلا من التفصيلين لعله نشأ من شبهة سنحت للقائل به، (اما القائل بالتفصيل الاول) فلعل نظره فيه إلى ان الافعال التوليدية كحركة المفتاح المتولدة من حركة اليد (مثلا) لما لم يكن ايجادها بإرادة مستقلة متعلقة بأنفسها بل كانت توجد بنفس الارادة المتعلقة بأسبابها، فلا محالة يجب كون الاسباب مأمورا بها لانها الصادرة عن المكلف بتوسيط الارادة دون المسببات، (وبعبارة اخرى) وجود المسبب في الافعال التوليدية وان كان مغايرا لوجود السبب بل الايجاد فيها ايضا متعدد بعدد الوجودات لما مر من ان الوجود عين الايجاد حقيقة، ولكن لما كان صدور جميع هذه الوجودات عن المكلف بإرادة واحدة متعلقة بالسبب فلا محاله يجب تعلق الامر بالسبب لانه المقدور للمكلف والصادر عنه بتوسيط الارادة، حتى انه لو كان بحسب ظاهر الدليل متعلقا بالمسبب فهو بحسب الحقيقة امر بالسبب.

(اقول): وفي هذا البيان نظر (اما اولا) فلكونه خارجا من محل النزاع، فان المتنازع فيه هو ان تعلق الامر بشيء هل يوجب ترشح امر ظلي منه متعلقا بمقدمته أو لا؟ وهذا القائل انما يدعى تعلق الامر النفسي بالسبب حقيقة (واما ثانيا) فلم عرفت من ان المسبب ايضا مقدور بواسطة القدرة على سببه، إذ المقدور بالواسطة مقدور ايضا، فالأمر المتعلق بالمسبب متعلق بنفسه حقيقة غاية الامر انه يترشح منه امر غيرى ايضا متعلقا بالسبب بناء على الملازمة. (واما التفصيل) بين الشروط الشرعية وغيره فغاية ما يمكن ان يقال في توجيهه:

ان الشرط الشرعي لما لم تكن مقدميته معلومة الا ببيان الشارع فلا محالة يجب عليه بيان ذلك بان يجعله قيدا للمأمور به عند تعلق الامر به بنحو يكون التقيد داخل والقيد خارجا، ولازم ذلك كون التقيد جزء للمأمور به وواجبا بالوجوب النفسي الضمني، ومن الواضحات ان الامر لا يتعلق بمفهوم التقيد بل المطلوب انما هو وجوده، وليس التقيد موجودا مستقلا بحياله في قبال وجود القيد بل يكون موجودا بعين وجود القيد، وعلي هذا فاللازم كون نفس القيد واجبا بالوجوب الضمني الانبساطي، والا يلزم تعلق الوجوب بالمطلق دون قيده.

 (اقول: وفيه اما اولا) فلان هذا ايضا يوجب الخروج من محل النزاع، إذ الكلام انما هو في وجوب المقدمة بالوجوب التبعي الغيرى، وهذا التقريب يقتضى كون الشرط الشرعي واجبا بالوجوب النفسي الضمني. (واما ثانيا) فلإمكان ارجاع الشروط الشرعية ايضا إلى الشروط العقلية بان يقال: ان المأمور به كالصلاة مثل عنوان بسيط ينطبق على مجموع الافعال الخارجية من التكبير إلى التسليم، ولكن يكون انطباق هذا العنوان على هذه الافعال والاقوال (بحسب الواقع) مشروطا بالطهارة ونحوه فهى شروط واقعية المأمور به، غاية الامر ان الشارع قد كشف عنها من دون احتياج إلى تعلق الامر بها فتدبر.

(إذا عرفت هذه الامور فنقول): قد صار وجوب المقدمة من المسلمات بين المتأخرين واستدلوا عليه بوجوه كثيرة (الاول) ما اشتهر نقله عن ابى الحسين البصري وهو كالأصل لا كثر الادلة (وحاصله) انه لو لم يجب المقدمة لجاز تركها، (وح) فان بقى الواجب على وجوبه لزم التكليف بما لا يطاق، والاخرج الواجب المطلق من كونه واجبا مطلقا. (اقول): هذا الدليل يتألف من قياسين: احدهما اقتراني شرطي، والاخر استثنائي (اما الاول) فصورته هكذا لو لم تجب المقدمة لجاز تركها وحين جاز تركها لزم احد المحذورين: اما التكليف بما لا يطاق أو خروج الواجب المطلق من كونه كذلك، ينتج لو لم تجب المقدمة لزم احد المحذورين من التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب المطلق من كونه كذلك، فقوله  حينئذ بمنزلة تكرار الاوسط اعني ما هو الجزاء للشرطية الاولى (واما الثاني) اعني القياس الاستثنائي فبان يجعل النتيجة جزء اول ويجعل جزئه الثاني قضية حملية مشتملة على رفع التالي لينتج رفع المقدم، وصورته ان يقال: لو لم تجب المقدمة لزم احد المحذورين من التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب المطلق من اطلاقه المساوق لاجتماع النقيضين لكن التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب المطلق من اطلاقه باطلان، ينتج ان عدم وجوب المقدمة باطل، فيثبت وجوبه، هذا تقريب الاستدلال. (وفيه) ان المراد من قوله  حينئذ ان كان حين إذ جاز تركها، فالأوسط وان تكرر لكن الملازمة في الشرطية الثانية (التي هي كبرى القياس) ممنوعة، إذ جواز ترك المقدمة شرعا لا يستلزم تركها حتى يلزم احد المحذورين بل هي باقية على وجوبها العقلي بمعنى اللابدية التي يحكم بها العقل، وان كان المراد من قوله  حينئذ حين إذ تركت فالشرطية الثانية وان صحت ولكن الاوسط لم يتكرر. (الثاني) مما استدل به لوجوب المقدمة انه يشاهد في بعض الموارد ان بعض الموالى يأمر بالمقدمة كقول المولى لعبده مثلا: ادخل السوق واشتر اللحم، فيستفاد من ذلك ان جميع المقدمات في جميع الواجبات مأمور بها ولو تبعا، (بيان ذلك) ان الامر المتعلق بالمقدمة في هذا المثال امر وتحريك حقيقة مثل الامر المتعلق بذيها من غير فرق بينهما من جهة البعث والتحريك، ولا ملاك لهذا الامر المتعلق بالمقدمة الا مقدميتها لذيها الواجب ووقوعها في طريقه من دون ان يكون له ملاك آخر، فيستفاد من ذلك ان المقدمية للواجب ايضا من الملاكات المقتضية للأمر والايجاب ومن العلل الموجبة لهما، ونتيجة ذلك وجوب كل ما وجد فيه هذا الملاك ولو بالوجوب التبعي بمعنى ان المولى لو التفت إليه لأراده ولا نقدح في نفسه ارادة البعث نحوه (انتهى).

(وفيه) ان الامر المتعلق بدخول السوق في هذا المثال ليس بحسب الحقيقة متعلقا بدخول السوق بان يكون هو المبعوث إليه في قبال اشتراء اللحم، بل هو ايضا في الحقيقة امر باشتراء اللحم (توضيح ذلك) ان دخول السوق (بما هو طريق إلى اشتراء اللحم) مأمور به ومبعوث إليه لا بما هو هو، فهذا البعث بالنظر الدقيق تأكيد للبعث المتعلق باشتراء اللحم وليس بعثا مستقلا في قباله، بداهة أن المبعوث إليه في قول المولى: (ادخل السوق واشتر اللحم) عند العقلاء امر واحد وهو اشتراء اللحم لا امران.

(الثالث) من الادلة ما ذكره بعض اعاظم العصر (وحاصله) ان الارادة التشريعية وزانه وزان الارادة التكوينية، فكما ان الارادة التكوينية إذا تعلقت بفعل تتولد منه ارادات اخر متعلقة بمقدماته كما إذا اراد الانسان الكون في مكان مخصوص فانه يتولد من هذه الارادة ارادات متعددة متعلقة بمقدماته: من وضع الاقدام ورفعها ونحو ذلك مما له دخل في وصوله إلى المقصد، فكذلك الارادة التشريعية المتعلقة بصدور الفعل عن الغير يتولد منها ارادات اخر تشريعية متعلقة بمقدماته ومباديه (انتهى).

(وفيه) ان الارادة التشريعية ليست عبارة عن ارادة صدور الفعل عن الغير بلا توسط ارادة منه، فان هذا عين الارادة التكوينية، بل هي عبارة عن ارادة بعث المكلف نحو الفعل المطلوب حتى يحدث في نفسه الداعي فيوجده بإرادته، ولما كان نفس البعث نحو ذي المقدمة كافيا في حصول الداعي بالنسبة إلى ايجاد المقدمات فلا يبقى احتياج إلى ارادة البعث نحو المقدمات. (توضيح ذلك) ان المولى إذا اراد صدور فعل عن عبده فأما ان يريد صدوره عنه بلا توسط ارادة من العبد متعلقة بالفعل، واما ان يريد صدوره عنه بإرادته واختياره، (اما الاول) فمرجعها الارادة التكوينية، (واما الثاني) فلابد فيه من ان يتولد من ارادة المولى صدور الفعل عن عبده على النحو المزبور ارادة اخرى منه متعلقة ببعث المكلف وتحريكه حتى يحدث له الداعي نحو الفعل بعد العلم به ويوجد في نفسه مبادى الاختيار فيوجده امتثالا أو طلبا لجنانه أو فرارا من عقابه أو لنحو ذلك من الدواعي الالهية، فإرادة صدور الفعل عن العبد بتوسط ارادته علة لان يصير المولى في مقام احداث الداعي في نفس المكلف وان يريد بعثه وتحريكه نحو العمل ليمتثله المكلف بعد العلم به، ولا يكفى نفس ارادة الفعل منه على النحو المزبور (1) في صدوره عن العبد بإرادته، ما لم يتولد منها الارادة الثانية متعلقة بأنشاء البعث والتحريك، فاللازم على المولى بعد ارادة الفعل ارادة البعث ثم انشائه حتى يصير داعيا للمكلف، والارادة التشريعية ليست عبارة عن ارادة صدور الفعل عن المكلف بل هي عبارة عن الارادة الثانية المتولدة منها اعني ارادة البعث والتحريك لإيجاد الداعي في نفس المكلف، وما يكون وزانها وزان الارادة التكوينية انما هي الارادة الاولى (اعني ارادة الفعل) لا الارادة الثانية (اعني ارادة البعث)، فان البعث ليس الا لإيجاد الداعي في نفس المكلف وهذا الغرض يحصل بإنشاء بعث واحد متعلق بالفعل المطلوب من دون احتياج إلى تحريكات متعددة بعدد المقدمات لما عرفت سابقا من ان نفس الامر المتعلق بذي المقدمة كاف في ايجاد الداعي بالنسبة إلى المقدمات ايض فتأمل. (الرابع) من الادلة الوجدان، وتقريبه انا إذا راجعنا وجداننا نرى ان المولى إذا أمر بشيء له مقدمات، تكون هذه المقدمات ايضا مطلوبة له بمعنى ان له حالة بعثية بالنسبة إليها بحيث لو التفت إليها لأرادها وامر بها فهي واجبة ومرادة بوجوب تبعي وارادة تبعية وان لم تكن ملتفتا إليها فعلا، ولذلك قد تراه يجعلها في قالب الطلب مستقلا فيقول مثلا: ادخل السوق واشتر اللحم، (وفيه) انا لا نسلم شهادة الوجدان على وجوب المقدمة بل هو من أقوى الشواهد على عدمه، بداهة أنه بعد مراجعة الوجدان لا نرى فيما ذكرت من المثال الا بعثا واحدا، ولو سئل المولى (بعد ما امر بشيء له مقدمات) هل لك في هذا الموضوع امر واحد أو اوامر متعددة؟ فهل تراه يقول ان لي اوامر متعددة؟! لا بل يجيب بأن لي بعثا واحدا وطلبا فاردا متعلقا بالفعل المطلوب. (نعم) لا ننكر ان العقل يحكم بوجوب اتيان المقدمات حفظا لغرض المولى وتمكنا من اتيانه، ولكن أين هذا من الوجوب الشرعي والطلب المولوي.

(وبالجملة) الوجدان من اقوى الشواهد على عدم تعدد البعث من قبل المولى بتعدد المقدمات، ولذا لو التزم المولى بان يعطى بأزاء كل امر امتثله العبد دينارا فامتثل العبد امرا صادرا عنه متعلقا بفعل له الف مقدمة مثلا، فهل ترى للعبد ان يطالب المولى بأكثر من دينار واحد؟ ولو طالبه فهل يجب على المولى اعطائه؟ لا، ولا يرى العبد نفسه مستحقا الا لدينار واحد، وليس ذلك الا لعدم وجود البعث بالنسبة إلى المقدمات، بل الموجود بعث واحد متعلق بالفعل المطلوب حتى في صورة جعل المقدمة في قالب الطلب ايضا، لما عرفت من ان البعث نحو المقدمة بما هي مقدمة عين البعث نحو ذيها بالنظر الدقيق (هذا)، مضافا إلى ان الوجوب الذي لا امتثال له ولا عقاب على مخالفته ول يحصل بموافقته ومخالفته قرب ولا بعد يكون كالعدم ولا يستحق لان يطلق عليه اسم الامر والبعث ونحوهما.

 (فتحصل مما ذكرنا) ان الصادر عن المولى بعث واحد وطلب فارد متعلق بالمطلوب بالأصالة وبمقدماته بالعرض. ونظير البعث الإنشائي البعث العملي، فان المولى إذا أخذ بيد العبد وجره نحو المطلوب فلا يعد هذا البعث الا بعثا واحدا متعلق بالمطلوب النفسي ولا يكون هذا البعث متعددا عند العقلاء بعدد المقدمات بحيث يرى كل واحدة منها مبعوثا إليها بالاستقلال، هذا كله فيما يتعلق بمقدمة الواجب.

 (واما مقدمة المستحب) فيعرف الكلام فيه مما سبق في مقدمة الواجب وقد عرفت ان مقدمة الواجب ليست مبعوثا إليها بنحو يستحق ان يطلق عليه اسم البعث والامر، فقس عليها مقدمة المستحب فلا تستحق ان يقال: انها من المستحبات الشرعية في قبال سائر المستحبات. (واما مقدمة الحرام) فالتحقيق فيها ان يقال: انه قد اختلف في معنى النهى (فقد يقال) انه عبارة عن طلب الترك بمعنى انه يشترك مع الامر في كون كليهما من مقولة الطلب والبعث، غاية الامر ان المتعلق في النهي هو الترك، وفي الامر هو الفعل. (وقد يقال): ان النهي ليس من مقولة الطلب والبعث بل هو عبارة عن الزجر عن الفعل، فالمتعلق في كل من الامر والنهى واحد وهو الفعل، والفرق بينهما انما هو في اصل الحقيقة، فالأمر عبارة عن البعث، والنهى عبارة عن الزجر، فان قلنا: ان النهى عبارة عن طلب الترك فالترك فيه مبعوث إليه فيصير واجبا من الواجبات الشرعية ويكون مقدماته (اعني التروك المتوقف عليها هذا الترك) ايضا واجبة بناء على الملازمة، وبعبارة اخرى يصير الكلام فيه عين الكلام في مقدمة الواجب، واما إذا قلنا بكونه عبارة عن الزجر عن الفعل فلو كان وجود هذا الفعل في الخارج متوقفا على وجودات اخر فلا يستلزم الزجر عنه الزجر عن هذه الوجودات نعم ان كانت المقدمة مقدمة سببية للحرام بان كان وجودها علة تامة لوجوده، كانت محرمة ايضا، اما على القول بان المسببات في الافعال التوليدية غير مقدورة فظاهر إذ النهى يتعلق حقيقة بالسبب وان تعلق بحسب الظاهر بالمسبب، واما على القول المرضى من ان النهى يمكن تعلقه بالمسبب لكونه مقدورا بالواسطة، فالنهى يتعلق بالسبب ايضا ولكن بالعرض والمجاز بحيث يكون الزجر عن المسبب عين الزجر عن السبب ايضا كما عرفت بيان ذلك في البعث والطلب.

___________
(1) اقول: لا يخفى ان تسمية اشتياق المولى صدور الفعل عن عبده بتوسيط ارادته بالإرادة لا تخلو عن مسامحة، لما هو المحقق في محله من الفرق البين بين الشوق وان كان مؤكد وبين الارادة، فان الارادة حالة اجماعية للنفس لا تنفك من الفعل ابدا، بخلاف الشوق المؤكد فانه مع كمال تأكده قد ينفك منه الفعل لوجود بعض الموانع. وما ينقدح في نفس المولى بالنسبة إلى فعل العبد هو الشوق المؤكد ثم ارادة البعث دون ارادة الفعل، وانما تنقدح ارادة الفعل في نفس الفاعل وهى العلة لصدور الفعل عنه دون الشوق المؤكد المنقدح في نفسه أو نفس المولى فانه قد ينفك منه الفعل، وانفكاك المعلول من العله محال. وما قد يتعلق بأمر استقبالي فيظن كونه ارادة فانما هو مصداق للشوق المؤكد والمحبة، لا الارادة، إذ الارادة انما هي الحالة المستعقبة للفعل بلا فصل بينهما، وعليك بالتأمل التام حتى لا يختلط عليك الامر وتميز بين المحبة والشوق وبين الارادة. وليعلم ايضا انه من الاشتباهات الجارية على الالسنة جعل الكراهة في قبال الارادة مع انها في قبال الشوق والمحبة.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.