المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7923 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
عدة الطلاق
2024-09-28
{وان عزموا الطلاق فان الله سميع عليم}
2024-09-28
الايمان في القلوب
2024-09-28
{نساؤكم حرث لكم}
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون اللبناني
2024-09-28
عقوبة جريمة الاختلاس في القانون العراقي
2024-09-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


النهي عن الشيء يقتضي فساده أم لا  
  
399   12:09 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.253
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

اختلفوا في ان النهي  المتعلق بالعبادات أو المعاملات يدل على فسادها (كم عبر به بعض)، أو يقتضى فسادها (كما عبر به بعض آخر) اولا؟ وقد اطنب المتأخرون في المسألة بتكثير مقدماتها من دون ان ينقحوا محط النظر فيها ونحن نكتفي بذكر مقدمة واحدة ثم نشرع في تحقيق اصل المقصود.

(اما المقدمة) ففي بيان معنى الصحة والفساد ، (فنقول):

الصحة (كما عرفت في مبحث الصحيح والاعم) عبارة عن كون الموجود بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب منه، والفساد عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك، فهم وصفان للموجودات لا للعناوين، ولكن اتصاف الموجودات بهما انما هو بإضافتها إلى العناوين التي اوجدت هذه الموجودات بترقب انطباقها عليه.

 بيان ذلك انه يظهر باستقراء موارد اطلاق هذين اللفظين ان بعض الموجودات يتصف عرفا بالصحة، وبعضها يتصف بالفساد، كما ان بعضها لا يتصف بشيء منهما، سواء في ذلك الموجودات الخارجية الحقيقية والموجودات المتحققة في وعاء الاعتبار، فالأدوية المستعملة لعلاج الامراض مثلا، وكذا العقود المسببية الموجدة في عالم الاعتبار قد تتصف عرفا بالصحة وقد تتصف بالفساد، وكذلك العمل الخارجي الصادر عن المكلف بترقب كونه مصداقا للصلاة أو الحج أو نحوهما، قد يتصف بهذا وقد يتصف بذاك، فإذا تأملنا في احراز ما هو الموصوف بهم وجدنا ان الموصوف بهما نفس الموجود والمصداق، لا للعنوان المنطبق عليه، فنفس العمل الخارجي الصادر عن المكلف بترقب كونه منطبقا لعنوان الصلاة المأمور بها قد يتصف بالصحة وقد يتصف بمقابلها، وكذلك نفس ما يوجده الانسان في عالم الاعتبار بترقب كونه بيعا ذا اثر، وذات الفرد الخارجي من الفاكهة أو الدواء تتصف بهما، غاية الامران اتصاف الموجود والفرد بهذين الوصفين ليس بلحاظه في نفسه، بل بإضافته إلى العنوان الذى يترقب انطباقه عليه ليترتب عليه آثار هذ العنوان، فان وجد بنحو ينطبق عليه اتصف بالصحة، وان وجد بنحو لا ينطبق عليه اتصف بالفساد بعد اشتراكهما في كون الايجاد بترقب هذا الانطباق.

(وقد اتضح) بما ذكرناه في معناهما وما يتصف بهما امور نشير إليها:

(الاول) ان توصيف العناوين بهما فاسد، فأنها لا تتصف (بما هي عناوين) بالفساد إذ كل عنوان هو هو، ويحمل على نفسه (بالحمل الاولى)، واتصافه في عالم المفهومية بالفساد وعدم التمامية انما هو بان لا يكون هذ العنوان هذا العنوان، وهو مساوق لسلب الشيء عن نفسه، فالموصوف بهما انما هو نفس الذوات والوجودات، ولكن بإضافتها إلى العناوين.

(الثاني) ان الصحة والفساد وصفان اضافيان، فرب موجود يتصف بالصحة بالإضافة إلى عنوان ويتصف بالفساد بالإضافة إلى عنوان آخر، فالأقوال والحركات والسكنات الخارجية التي يوجدها المكلف بترقب كونه منطبقة لعنوان الصلاة حتى يترتب عليها آثارها:

 من المقربية واسقاط الامر والاعادة والقضاء ونحو ذلك، ان وجدت بحيث ينطبق عليها هذا العنوان اتصفت بالصحة بالإضافة إلى هذا العنوان، وان وجدت بحيث لا ينطبق عليها اتصفت بالفساد كذلك، وان كانت حاله بالإضافة إلى العناوين الاخر بالعكس فالحركة الخارجية مثلا (بما هي حركة أو موجود) امر تام ينطبق عليها عنوان الحركة والوجود ويترتب عليها آثارهما، ولكنها بما هي ركوع أو صلاة يمكن ان تكون تامة صحيحة بنحو ينطبق عليها عنوان الركوع أو الصلاة، ويمكن ان تكون غير تامة فلا ينطبق عليها عنوانهما ولا يترتب عليها آثارهما، فالموصوف بالفساد نفس الحركة الخارجية، ولكن اتصافها به ليس باعتبار عنوان الحركة، ولا باعتبار ذاتها الخارجية التي هي من سنخ الوجود، بل هو باعتبار اضافتها إلى العنوان الذى يترقب انطباقه عليها كعنوان الركوع مثل.

(الثالث) ان تقسيم عنوان الصلاة وغيرها من عناوين العبادات والمعاملات بالصحيح والفاسد فاسد، فان نفس العنوان لا يتصف بهما، وانما الموصوف بهما هو نفس العمل الخارجي الذى يوجده العبد بترقب انطباق عنوان الصلاة عليه، فان وجد بنحو انطبقت عليه وصار من مصاديقها اتصفت بالصحة، وان وجد بنحو لا تنطبق عليه ولم يصر من مصاديقه وافرادها اتصف بالفساد ويكون اطلاق الصلاة عليه من باب المسامحة، من جهة ان ايجاده كان بترقب صيرورته فردا لها.

(الرابع) ان توصيف الشيء بالصحة والتمامية انما هو بإضافته إلى العناوين المترقبة (التى يترتب عليها آثارها قهرا بعد تحققها)، لا بإضافته (اولا) إلى نفس هذه الاثار، إذ الاثر اثر للعنوان وهو موضوع له فهو يتوسط بحسب القصد بين الفعل الخارجي وبين الاثر، فالحركات والسكنات الخارجية تتصف بالصحة باعتبار انطباق عنوان الصلاة عليها وكونها مصداقا لها فإذا انطبقت عليها ترتب عليه آثارها (من موافقة الامر واسقاط الاعادة والقضاء) قهرا، فما في الكفاية من اضافة الشيء في اتصافه بالصحة إلى نفس الآثار لا يخلو عن مسامحة.

(الخامس) قد ظهر بم ذكرنا في تعريفهما ان بعض الاشياء لا يتصف بالصحة ولا بالفساد، فان اتصاف الشيء بهما انما هو بإضافته إلى العناوين المترقبة التي يمكن ان تنطبق عليه ويمكن ان لا تنطبق وتكون موضوعات لأثار مخصوصة، فلو فرض انه لم يكن لشيء اثر اصلا أو كان له آثار ربما تترتب عليه وربما لا تترتب ولكن لم يكن ايجاده بترقب ترتبها عليه لم يتصف بالصحة ولا بالفساد، فمثل الاتلاف والجناية وملاقاة النجاسة ونحوها لا تتصف بهما مع ان لها آثارا شرعية :

(من الضمان وجواز القصاص ونجاسة الملاقي) ربما تترتب عليه وربما تتخلف، فلو تحقق الاتلاف بنحو لم يترتب عليه الضمان، أو الجناية بنحو لم توجب القصاص كما إذا اتلف أو جنى بحق، أو وجد الملاقاة بنحو لم يترتب عليها نجاسة الملاقى لم يتصف الاتلاف والجناية والملاقاة حينئذ بالفساد، والسر في ذلك عدم كون ايجادها بترقب ترتب هذه الاثار عليها، فالموصوف بالصحة والفساد عبارة عن الاشياء التي توجد بترقب ان ينطبق عليها عناوين ذوات آثار شرعية أو عقلائية أو خارجية، بحيث يكون ايجادها غالبا بترقب ترتب هذه الاثار عليها ولو بتوسيط العناوين في القصد، سواء كان النظر إلى العنوان المتوسط نظرا آليا دائما كما في عناوين العقود المسببية التي لا تعتبر الا لترتب الاثار عليها، أو كان له بنفسه نحو استقلال ولكن يوجد غالبا بترقب الاثار المترتبة عليه، وذلك كالصلاة مثلا فأنها وان كانت بنظر الاوحدي معراجا للمؤمن ومحبوبة بذاتها، ولكن اكثر الناس لا يعقلون فيأتون بها لأسقاط الاعادة والقضاء أو الفرار من النار والدخول في الجنة أو نحو ذلك.

(وقد ظهر بما ذكرنا) ان الاتلاف والجنايات ونحوها لا تتصف بالصحة ولا بالفساد، (نعم) يتصف بهما العبادات بالمعنى الاخص وبالمعنى الاعم والمعاملات.

(السادس) ان التقابل بينهما يشبه تقابل العدم والملكة، فان الصحة كما عرفت عبارة عن كون الموجود الخارجي بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب، والفساد عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك، وانطباق العنوان المترقب وان لم يكن من الشئون الواقعية للموجود الخارجي ولكن لما كان وجوده بترقب هذا الانطباق صار هذ الترقب منه بمنزلة كونه من شئونه، فالفساد عبارة عن عدم الانطباق فيما يكون من شأنه الانطباق.

(إذا عرفت هذه المقدمة فنقول): قد ذكروا لدلالة النهي على الفساد وجهين:

الاول : ان النهي  يقتضي الحرمة والمبغوضية ، وهما تنافيان الصحة.

الثاني : ان علماء الامصار في جميع الاعصار كانوا يستدلون بالنهي الوارد في العبادات والمعاملات على الفساد.

(والظاهر) تباين هذين المسلكين وعدم الجامع بين مقتضى الدليلين ، (وتوضيح ذلك) يتوقف على بيان نكتة، وهى ان صحة الشيء (كما عرفت) عبارة عن كونه بحيث ينطبق عليه العنوان المترقب منه، وفساده عبارة عن كونه بحيث لا ينطبق عليه ذلك.

(ثم ان) العناوين مختلفة، فبعضها بحيث يكون انطباقها وعدم انطباقها واضحا عند الجميع ولا يختص علمه ببعض دون بعض، ولكن كثيرا منها مما يجهلها الاكثر ويختص العلم بانطباقها ومنطبقاتها وما يشترط في انطباقها عليها ببعض الناس (وذلك) كالمعاجين التي يختص العلم بأجزائها وشرائطها وموانعها بالأطباء فقد يكون معجون خاص مركبا من امور ويكون لشروط وجودية وعدمية دخل في انطباق عنوانه على هذه الامور ولكن العلم بذلك يختص بطائفة خاصة، (ومن هذا القبيل) اكثر العبادات والمعاملات الواردة في الشريعة فانا امور مركبة من اجزاء خاصة، ويكون لشروط وجودية وعدمية دخل في انطباق عناوينها على هذه الاجزاء، ولكن العلم بذلك يختص بمخترعها وهو الشارع، وبناء العرف والعقلاء في هذا السنخ من الامور على الرجوع إلى اهل فنها فإذا رجعوا إليهم وورد منهم في ذلك امرا ونهي  يكون هذا الامر أو النهي  عندهم ظاهرا في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، فإذا قال الطبيب مثلا للمريض اجعل السقمونيا بمقدار خاص في المعجون الذى عالجتك به لا يكون هذا الامر ظاهرا في الوجوب المولوي، بل يكون ظاهر في الارشاد إلى الجزئية، وكذا لو قال: (لا تجعل فيه السقمونيا) لا يتبادر من هذ النهي  التحريم المولوي بل يكون ظاهرا في الارشاد إلى مانعية السقمونيا عن تحققه بنحو ينطبق عليه العنوان المترقب، وان قال الامام (عليه السلام) أو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أو نائبهما : لا تصل في جلد ما لا يؤكل لحمه مثلا ، كان نهيه هذا ظاهر في الارشاد إلى مانعية جلد ما لا يؤكل لحمه ودخالة عدمه في انطباق عنوان الصلاة على الاجزاء التي يؤتى بها بترقب انطباقه عليها، وإذا قال:

صل مع الطهارة كان امره هذا ظاهرا في الارشاد إلى الشرطية، (والسر في ذلك) ان عنوان الصلاة مثلا من العناوين التي لا يعلم اجزائها وشرائطها وموانعها الا من قبل الشارع نظير المعجون الذى يختص العلم بخصوصياته بالطبيب، والاوامر والنواهي الواردة في خصوصيات هذا السنخ من العناوين من قبل اهل فنها ظاهرة في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وهذا ظهور عرفي عقلائي يشهد به كل من راجع سيرة العقلاء، واحتمال المولوية في هذه الموارد احتمال مرجوح لا يقبله الاذهان السليمة.

(إذا عرفت ما ذكرنا فنقول): قد ظهر بذلك سر استدلال علماء الامصار في جميع الاعصار بالنواهي (الواردة في ابواب العبادات والمعاملات بأنواعها من البيوع والأنكحة وغيرها) على الفساد، فان استدلالهم بها لم يكن بتوسيط الحرمة المولوية بان يستفيدوا منها الحرمة المولوية ويستدلون بالحرمة على الفساد، بل كان ذلك من جهة ظهور النواهي الواردة في هذه الابواب في الارشاد إلى المانعية المستلزمة للفساد قهرا، (نعم) لو فرض ظهور النهي  في التحريم المولوي أو احرز الحرمة والمبغوضية بطريق آخر يجرى نزاع آخر في ان الحرمة تقتضي الفساد أو لا؟ ولكن هذا غير النزاع الاول، فان النزاع على الاول في الدلالة والبحث لفظي، وعلى الثاني في الاقتضاء والملازمة، والبحث عقلي.

(وبما ذكرنا ظهر) اختلاف اساس الاستدلالين، فان بناء الاستدلال الاول على ادعاء الملازمة بين الحرمة المولوية والفساد من دون نظر إلى ظهور النهي  حتى لو فرض استفادة الحرمة والمبغوضية من غير اللفظ ايضا جرى النزاع، وبناء الاستدلال الثاني على ادعاء ظهور قسم خاص من النواهي (وهى الواردة في باب المركبات المخترعات) في الارشاد إلى المانعية المقتضية للفساد قهرا، كظهور الاوامر الواردة فيها في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية. (وبالجملة) هنا مسلكان مختلفان لا جامع بينهما، والبحث على الاول بحث عقلي وعلى الثاني بحث لفظي، فلاحد أن يلتزم بالفساد على الثاني دون الاول، واللازم (على المسلك الاول) ان يعبر في عنوان المسألة بالاقتضاء، (وعلى المسلك الثاني) بالدلالة.

(وإذا ظهر لك ما ذكرنا فنقول): بناء على ظهور هذا السنخ من النواهي في الارشاد (كما هو الظاهر) فدلالتها على الفساد واضحة سواء في ذلك العبادات والمعاملات، واما بناء على انكار ذلك وادعاء ظهورها في الحرمة المولوية فهل تلازم الحرمة للفساد أو لا تلازم أو يفصل بين العبادات والمعاملات؟ الظاهر هو التفصيل ففي العبادات تلازم الحرمة للفساد لاحتياجها إلى قصد القربة، والحرمة تلازم المبغوضية فيكون اتيان المحرم مصداقا للتمرد والعصيان ومبعدا عن ساحة المولى، والمبعد لا يكون مقربا وقد فصلنا ذلك في مبحث الاجتماع.

(واما في المعاملات) فلا تلازم الحرمة الفساد لعدم اشتراطها بالقربة وعدم التنافي بين المبغوضية وبين ان يتحقق مضامينها، والفرض عدم كون النهي  ايضا ظاهرا في الارشاد إلى مانعية شيء لتحققها، فلا وجه لفسادها من غير فرق بين المعاملات بالمعنى الاخص وبين غيره كالغسل والتطهير ونحو ذلك من الموضوعات الشرعية التي يترتب عليها آثارها قهرا وان صدرت مبغوضة.

(تذنيبان) :

(الاول) قد قسم الشيخ (قدس سره) (على ما في تقريرات بحثه) النهي  المتعلق بالعبادة إلى قسمين: الارشادي ، والتحريمي المولوي ،

فقال : بدلالة الاول على الفساد قطعا، ودلالة الثاني ايضا في الجملة.

وقسم النهي  المتعلق بالمعاملة إلى أربعة اقسام:

(احدها) الارشادي، والثلاثة الاخر مولوية تحريمية،

(فأولها) ان يتعلق النهي  بالمعاملة بما هي فعل مباشري (وبعبارة اخرى) بالسبب اعني نفس الايجاب والقبول كالنهي المتعلق بالبيع وقت النداء.

(الثاني) ان يتعلق بها بما هي فعل تسبيبي (وبعبارة اخرى) بنفس المسبب، وذلك كالنهي عن بيع المصحف أو العبد المسلم للكافر، فان المبغوض انما هو مالكية الكافر لهما التي هي نوع من السلطنة والسبيل.

(الثالث) ان يتعلق بالأثر الذى لا ينفك من المعاملة بحيث لو لم تكن المعاملة فاسدة لم يمكن تحريم هذا الاثر، من جهة انه لا معنى لصحتها عرفا وشرعا الا ترتب هذا السنخ من الاثر كالنهي عن أكل ثمن الكلب أو العذرة، فان صحة المعاملة وحصول الملكية يستلزمان حلية الثمن للبائع (انتهى).

(وزاد في الكفاية قسما آخر) وهو ان يكون المتعلق للنهي  التسبب بهذا السبب إلى هذا المسبب من دون ان يتعلق النهي  بنفس السبب أو المسبب (1) (ثم قال): ان النهي  عنها بما هو فعل مباشري أو تسبيبي لا يقتضي الفساد، ومثله ما إذا وقع النهي  عن التسبب، واما النهي  عن الاثر الغير المنفك فيقتضى الفساد (انتهى).

(اقول): قد مثلوا لصورة تعلق النهي  بنفس السبب بالنهي عن البيع وقت النداء، والظاهر فساد ذلك، فان معنى حرمة السبب كون نفس الايجاب والقبول بما هما لفظان محرمين، وليس في المثال نفس التلفظ بالإيجاب والقبول محرما لعدم اشتماله على المفسدة، وانما المحرم في وقت النداء هو الاشتغال بالاشتغال الدنيوية المانعة عن الصلاة، ومنها الاشتغال بالتجارات التي اهمها البيع، ولا خصوصية لنفس البيع، وانما ذكر من باب المثال أو الكناية، فالمنهي  عنه هو الاعمال المزاحمة للصلاة، والبيع ايضا محرم بهذا العنوان لا بما هو لفظ خاص، ثم ان هذا النهي  ليس نهيا نفسيا ناشئا من مفسدة في متعلقه، بل هو من باب تعلق النهي  بضد المأمور به الذى لا ملاك له سوى نفس مصلحة المأمور به، وقد عرفت في مبحث الضد ان الامر بالشيء والنهي  عن ضده ليسا بتكليفين مستقلين واجدين لملاكين، بل الامر والنهي  متحدان بحسب الحقيقة، ففيما نحن فيه النهي  عن البيع وقت النداء تأكيد للأمر بصلاة الجمعة، فان النهي  عنه انما هو من جهة كونه ضدا لها فلا نهي  حقيقي في البين فتدبر.

(التذنيب الثاني) قد عرفت ان للقوم في المسألة مسلكين:

(الاول) ان الحرمة تلازم الفساد ام لا، وعلي هذا فالمسألة عقلية.

(الثاني) ان علماء الامصار في جميع الاعصار كانوا يستدلون بالنواهي الواردة في خصوصيات العبادات والمعاملات على الفساد، وقد عرفت ايضا ان استدلالهم لم يكن بتوسيط الحرمة من جهة ظهور النهي  عندهم في الارشاد.

(ونزيدك هنا ايضاحا فنقول): ان استدلالهم بهذا السنخ من النواهي على الفساد وارسالهم ذلك ارسال المسلمات ليس من جهة كون النهي  موضوعا للفساد شرعا بعد عدم كونه كذلك لغة، للقطع بعدم وضع من الشارع في هذا المقام وانه ليس وظيفته الا بيان الاحكام بلسان قومه، بل ما يحتمل ان يكون وجها لذلك امور:

(الاول) ما سبق من انه إذا امر من له مزيد اختصاص في العلم بشيء بهذا الشيء ثم أمر ببعض الخصوصيات المتعلقة به أو نهي  عنه يتبادر من هذا السنخ من الاوامر والنواهي الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية، وليس للنهي حينئذ ظهور في المولوية حتى نحتاج في اثبات الفساد إلى توسيط الحرمة وادعاء الملازمة بينها وبين الفساد وقد فصلنا ذلك فراجع.

(الثاني) ما ذكره الشيخ (قدس سره) وحاصله ان الظاهر من النهي المتعلق بعبادة خاصة أو معاملة خاصة كونه ناظرا إلى العمومات المشرعة لها تأسيسا أو امضاء، فيكون بمنزلة المقيد أو المخصص لها فإذا قال الله (تعالى): { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } [النساء: 22] أو ورد في الخبر النهي  عن بيع الغرر أو نحو ذلك علم منه ارادة التخصيص للعمومات الدالة على صحة النكاح والبيع ونحوهما من المعاملات، وهكذا الامر في العبادات، (هذا) ولكن يجب ان يعلم ان ما ذكره (قدس سره) ليس وجها في قبال ساير الوجوه، فان النهي  ان كان تحريميا مولويا فلا وجه لاستفادة الفساد منه في المعاملات كما عرفت، وان كان ارشاديا رجع إلى ما ذكرناه في الوجه الاول.

(الثالث) ان يقال في خصوص المعاملات: ان حصول المسببات عقيب الاسباب انما هو بجعل الشارع اياها عقيبها واعتباره لها، أو بجعل السببية للأسباب بداهة ان السببية فيها ليست تكوينية فهى قابلة للجعل التشريعي، وحينئذ فمن المستبعد اعتبار الشارع وامضائه لما هو مبغوض له، فبالنهي  الدال على الحرمة والمبغوضية يستكشف عدم اعتبار الشارع للمسبب الذى يكون تحققه بيده.

(الرابع) ما ذكره بعض المعاصرين من ان النهي  يدل على المحجورية الشرعية، ومن شرائط الصحة في المعاملات عدم الحجر.

(والخامس) ان يقال: ان الظاهر من النواهي المتعلقة بالمعاملات هو المنع عن ترتيب آثارها عليها، فيرجع جميع النواهي المتعلقة بالمعاملات إلى القسم الثالث الذى نقلناه عن الشيخ وهو صورة تعلق النهي  بالأثار التي لا تنفك من المعاملة بحيث لو صحت المعاملة لم يعقل حرمة هذه الاثار، وقد توافق الشيخ وشيخنا الاستاذ المحقق الخراساني على كون النهي في هذه الصورة دالا على الفساد، ووجهه واضح، ووجه ارجاع جميع النواهي الواردة في المعاملات إلى هذه الصورة هو ان يقال: ان للمعاملات ثلاث مراتب:

(الاولى) مرتبة الاسباب اعني نفس الايجاب والقبول .

(الثانية) مرتبة المسببات التي توجد بها في عالم الاعتبار من الملكية والزوجية ونحوهما.

(الثالثة) مرتبة الاثار الشرعية والعقلائية المترتبة على المسببات من جواز التصرف في الثمن مثلا للبائع وفي المثمن للمشترى، وجواز الوطيء ونحوه في النكاح، ونحو ذلك، ولا يخفى ان نفس الاسباب لا نفسية لها عند العرف والعقلاء وليست مقصودة بالذات بل هي آلات لإيجاد مسبباتها ومندكات فيه بنظرهم، وكذلك المسببات بأنفسها امور اعتبارية محضة وليست مقصودة بالأصالة، فان نفس الملكية مجردة من جميع آثارها لا تغنى عن جوع احد فهي ايضا فانية في الاثار، فالمطلوب بالذات وما هو المقصود عند العقلاء في المعاملات انما هو ترتيب الاثار من التصرف في الثمن والمثمن وقضاء الحوائج بهما ونحو ذلك.

 فإذا كان نظر العرف والعقلاء إلى الاسباب والمسببات نظرا آليا وكانتا عندهم في الحسن والقبح تابعيتين للأثار المطلوبة فلا محالة لا يتبادر إلى اذهانهم من النواهي المتعلقة بهما الا النهي  عن ترتيب الاثار، إذ لا نفسية لهما عندهم ولا يتصفان في أنفسهما بحسن ولا قبح، ونظير ذلك ما ذكرناه في مبحث المقدمة من ان الامر بالمقدمة عين الامر بذيه.

(وبالجملة) الامر والنهي  في الامور الآلية يتعلقان حقيقة بما هي فانية فيه فل يتبادر إلى الاذهان من النهي  عن نكاح الام مثلا الا حرمة ترتيب آثار الزوجية فانه المقصودة بالذات من النكاح لا نفس الايجاب والقبول ولا الزوجية المجردة منها، وعلي هذا فيدل النهي  على الفساد - فتدبر.

_____________
(1) يمكن ان يمثل له بالنهي عن تملك الزيادة بالبيع الربوي فان نفس الانشاء وكذا تملك الزيادة بمثل الهبة ونحوها لا محذور فيه، وانما المحرم هو التسبب بالبيع لتملك الزيادة.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.