أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
1209
التاريخ: 3-8-2016
990
التاريخ: 25-8-2016
804
التاريخ: 3-8-2016
627
|
قد اختلفوا في ان الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده ام لا ؟
وقبل الخوض في المرام ينبغي بيان امرين:
الاول: الظاهر ان المسألة انما هي من المسائل الاصولية من جهة رجوعها إلى البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء وحرمة ضده فتكون كالبحث عن سائر الملازمات فكان ذكرها حينئذ في مباحث الالفاظ مع كونها من المسائل العقلية لمحض المناسبة، ويمكن ايضا ان تكون من المبادي الاحكامية الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء وانه هل من لوازمه هو حرمة ضده ام لا، فانه بعد الفراغ عن دلالة الصيغة على الوجوب اقتضت المناسبة البحث عن لوازمه بانه هل من لوازم وجوب الشيء هو حرمة ضده ام لا أو وجوب مقدمته ام لا كما تقدم.
واما احتمال كونها من المسائل الفرعية نظير ما قيل في مقدمة الواجب فبعيد جدا، حيث انه لا يكاد يناسب ذلك عنوان البحث المزبور، بخلاف مسألة وجوب المقدمة فانه يتطرق فيها احتمال كونها مسألة فرعية بمقتضي عنوان البحث، مضافا إلى ما عرفت في المسألة السابقة من عدم انطباق ميزان المسألة الفرعية عليها وحينئذ فيدور الامر بين كونها من المبادي الاحكامية أو من المسائل الاصولية العقلية ولكل منهما وجه، وان كان الا وجه هو الثاني .
الامر الثاني : في تحرير مفردات عنوان البحث من الامر والنهي والشيء والاقتضاء والضد، فنقول: اما الامر والنهي فالظاهر ان المراد بهما يعم النفسي والغيري والاصلي والتبعي، كم ان المراد بالشيء ايضا هو ما يعم الفعل والترك كما في تروك الصوم لا انه عبارة عن خصوص الفعل كما ربما يتوهم.
واما الثالث فالمراد به هو الاقتضاء في مرحلة اصل الثبوت لا الاقتضاء في مقام الكشف والدلالة والاثبات، ولذلك يجري هذا النزاع في الاوامر المستكشفة من الاجماع والعقل ايضا.
واما الرابع وهو الضد فالظاهر ان المراد به هو مطلق المعاند الشامل للنقيض ايضا فانه تارة يطلق ويراد به معناه الاخص وهو المعاندة بين الشيئين على نحو لا يمكن اجتماعهما في محل واحد مع جواز ارتفاعهم كالسواد والبياض، واخرى يطلق ويراد به مطلق المعاند الشامل للنقيض ايضا بنحو لا يجوز ارتفاعهما ايضا، فكان اطلاقه في المقام بمعناه الاعم الشامل للنقيض لا بمعناه الاخص، نعم ذلك بمعناه الاخص ايضا لا يختص بالوجوديين كما توهم بل يعمه وما لو كان احدهما امرا عدميا كالترك الخاص بالنسبة إلى الفعل المطلق بل واما إذا كانا مع عدميين كما في صوم يومين مع فرض عدم قدرة المكلف خارجا الا على احد الصومين واذ عرفت ذلك فاعلم بان الكلام يقع في مقامين: تارة في الضد الخاص، واخرى في الضد العام بمعنى الترك اما المقام الثاني فسيجئ انه لا اشكال فيه في اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده بمعنى الترك والنقيض، وانما الكلام فيه بانه أي الاقتضاء بنحو العينية أو التضمن أو الالتزام، وسيجئ تحقيق الكلام فيه ان شاء الله تعالى ، واما المقام الاول ففي اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص اشكال بين الاعلام، والبحث فيه في الاقتضاء وعدمه يقع من جهتين:
الاولى: من جهة مقدمية ترك احد الضدين لوجود الآخر كما عليه مبنى كثير منهم حيث اعلى حرمة الضد المأمور به بمناط مقدمية تركه لفعل الضد الواجب.
الثانية: من جهة مجرد التلازم بين وجود احد الضدين وترك الآخر بدعوى اقتضاء هذا التلازم للتلازم بين حكميهما وصيرورة ترك الضد واجبا ايضا واقتضاء وجوب الترك بمقتضى النهي عن النقيض لحرمة فعله.
ولا يخفى عليك حينئذ ان النزاع من الجهة الاولى يكون صغرويا محضا، فانه بعد الفراغ عن الكبرى وهى التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته كان الكلام في اثبات الصغرى وهى مقدمية ترك احد الضدين لوجود الاخر، بخلافه في النزاع من الجهة الثانية فانه يكون في اصل كبرى لزوم اتحاد المتلازمين في الحكم، والا فاصل الصغرى وهو التلازم بين وجود احد الضدين وترك الآخر مما لا كلام فيه، فهاتان الجهتان حينئذ متعاكستان في الجهة المبحوث عنها، وبعد ذلك نقول: اما الجهة الاولى فتقريب الاقتضاء انما هو من جهة قضية المنافرة والمعاندة بين الوجودين وعدم اجتماعهما في التحقق، بدعوى اقتضاء تلك المنافرة والمعاندة لمقدمية عدم الضد لوجود الضد الآخر نظرا إلى وضوح كون عدم المانع من المقدمات ومن اجزاء العلة التامة للشيء، فإذا ثبت حينئذ مقدمية عدمه لوجود الضد الواجب فلا جرم يجب بوجوب مقدمي غيرى بمقتضى كبرى التلازم بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته ومع وجوبه يقع فعله لا محالة بمقتضى النهي عن النقيض حراما ومنهيا عنه، هذا وقد اورد عليه بمنع المقدمية نظرا إلى انتفاء السنخية بين الوجود والعدم واستحالة كون العدم من مقدمات وجود الشيء ومن اجزاء علته، ولكن فيه ما تقدم سابقا من ابتناء هذا الاشكال على اتحاد المقدمات طر في كيفية الدخل في وجود المعلول ورجوع دخل الجميع إلى المؤثرية والمتأثرية كما في المقتضى، فانه على هذا المبني لا محيص من اخراج عدم المانع بقول مطلق عن المقدمات وعن كونه من اجزاء العلة التامة نظرا إلى انتفاء السنخية بين الوجود والعدم وامتناع تأثير العدم في الوجود، والا فبناء على اختلاف المقدمات في كيفية الدخل في المعلول ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الوجود كما في المقتضي ورجوع بعضها الاخر إلى كونه معطيات الحدود للوجود والقابلية كما في الشرط وعدم المانع على ما شرحناه سابقا فلا مجال للمنع عن مقدمية عدم الضد بالبيان المزبور.
وحينئذ فالأولى هو المنع عن المقدمية بما في الكفاية: من دعوى عدم اقتضاء مجرد المعاندة والمنافرة بين الضدين وعدم الاجتماع في الوجود لمقدمية عدم احدهما لوجود الاخر وللتوقف الموجب لتخلل الفاء بينهما الكاشف عن اختلافهما بحسب الرتبة بل وان غاية ما يقتضيه ذلك انما هو التلازم بين وجود احدهما مع عدم الآخر، كما هو الشأن ايضا في النقيضين، حيث لا يكاد اقتضاء بينهما لمقدمية ارتفاع احدهما لثبوت الآخر، كيف وانه لو اقتضى مجرد هذه المنافرة والمعاندة التوقف الموجب لمقدمية عدم احد الضدين لوجود الضد الاخر لاقتضى مقدمية عدم الضد الاخر ايضا لوجود هذا الضد، من جهة ان المعاندة والمنافرة كانت من الطرفين، فكما ان هذا الضد لا يكاد يتحقق الا في ظرف عدم ضده كذلك ذلك ايضا لا يتحقق الا في ظرف عدم ذلك، وهو واضح الاستحالة، من جهة استلزامه لكون الشيء في رتبتين، وبيان ذلك انا لو فرضنا في مثل الصلاة والازالة مثلا توقف الازالة على عدم الصلاة توقف الشيء على عدم مانعه، فلازم التوقف والمقدمية هو تقدم العدم المزبور على وجود الازالة، ولازم ذلك بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم وجود الصلاة ايضا على الازالة، نظرا إلى كونها في رتبة عدمه الذي هو مقدم رتبة على وجود الازالة، فإذا فرضنا حينئذ بمقتضي المعاندة المزبورة توقف الصلاة ايضا على عدم الازالة توقف الشيء على عدم مانعه يلزمه لا محالة بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين تقدم الازالة ايضا وجودا وعدما على وجود الصلاة، ولازمه حينئذ صيرورة كل من الصلاة والازالة في رتبة متأخرة عن الاخر الملازمة لكون كل منهما في رتبتين، وهو كما ترى مقطوع استحالته، وحينئذ فكان ذلك برهانا قطعيا على استحالة ما ادعى من المقدمية بين الضدين كما هو واضح، هذا. وقد اورد على المقدمية ايضا من جهة محذور الدور، بتقريب انه كما يتوقف وجود احد الضدين على عدم الضد الاخر توقف الشيء على عدم مانعه كذلك يتوقف العدم المزبور ايضا على وجود هذا الضد توقف عدم الشيء على وجود مانعه، لبداهة ثبوت المعاندة من الطرفين والمطاردة من الجانبين، وهو دور واضح، من جهة توقف كل منهما حينئذ على الاخر. واجيب عن الدور المزبور بان فعلية التوقف انما كانت من طرف الوجود خاصة لا من طرف العدم، بدعوى ان عدم الشيء انما يستند إلى وجود المانع في ظرف ثبوت المقتضي له مع شراشر شرائطه، والا ففي ظرف عدم وجود المقتضي لا يكاد استناده الا إلى عدم ثبوت المقتضي له لا إلى وجود المانع، ومن ذلك ترى عدم صحة استناد عدم الاحراق إلى وجود الرطوبة مع عدم وجود النار أو عدم تحقق شرطه الذي هو المماسة والمحاذاة الخاصة، بخلافه في ظرف وجود أصل النار وتحقق المحاذاة الخاصة ومماسة الجسم مع النار إذ صح حينئذ استناد عدم الاحراق إلى وجود المانع والرطوبة، وعلى ذلك فحيث أنه تحقق الصارف في المقام عن الوجود فلا جرم في مثله يكون عدم الضد مستندا إلى عدم الارادة والصارف الذي هو أسبق رتبة من المانع لا إلى وجود الضد حتى يلزم الدور، كما هو واضح، هذا وقد أورد عليه الاستاذ في الدورة السابقة بأنه بعد ان كان المعلول استناده في طرف الوجود إلى مجموع اجزاء العلة من المقتضي والشرط وعدم المانع في عرض واحد بتخلل فاء واحد بينهما في قولك: (وجدت العلة بأجزائه فوجد المعلول) لا بتخلل فائين بقولك : (وجد فوجد فوجد المعلول) والا يلزمه خروج مثل عدم المانع عن كونه من أجزاء العلة التامة في التأثير في تحقق المعلول، فلا جرم بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين لابد وان يكون عدمه ايضا عند انتفاء العلة بأجزائها مستندا إلى انتفاء الجميع في عرض واحد بنحو تخلل فاء واحد على نحو استناد وجوده إلى مجموع اجزاء العلة لا إلى خصوص بعض اجزائها وهو عدم المقتضي، فيبطل حينئذ ما ادعى من الترتب والطولية بين اجزاء العلة التامة من المقتضي والشرط والمانع في مقام التأثير الفعلي في وجود المعلول، وان ما يرى من عدم صحة استناد عدم الاحراق في المثال المزبور عند عدم وجود النار وتحقق المحاذاة الخاصة إلى الرطوبة ووجود المانع فإنما هو فيما إذا اريد استناده إلى خصوص المانع، والا فصحة استناده حينئذ إلى عدم المجموع مما لا ريب فيه، كما هو واضح. واما صحة استناده إلى خصوص عدم المقتضي مع انتفاء الشرط ووجود المانع ايض فلعله من جهة أقوائية المقتضي حينئذ من بين اجزاء العلة عند العرف في استناد العدم إليه، والا فبحسب الدقة لا يكون العدم الا مستندا إلى عدم وجود علته التامة التي من اجزائها الشرط والمانع، ومن ذلك ربما يكون الامر بالعكس في استناد العدم عرفا إلى شيء كما في الخشبة التي تحت البحر، حيث صح استناد عدم احراقه إلى وجود الماء عند كونه تحت البحر عرفا، ولا يصح استناده إلى عدم وجود النار، بل ولئن علل عدم احراقه إلى عدم وجود النار والحال هذه ترى بانه يضحك عليه العرف. وحينئذ فإذا لا يكون اجزاء العلة التامة في عالم التأثير في المعلول الا في عرض واحد ومرتبة واحدة بنحو لا يتخلل بينه وبين المجموع الا فاء واحد نقول في المقام ايضا بان العلة التامة لوجود الصلاة إذا كانت هي الارادة وترك ضدها الذي هو الازالة حسب ما هو المفروض من مقدمية الترك للوجود ولم يكن بينهما في مقام التأثير في الاثر ترتب وطولية، بل كان استناده إلى مجموع الامرين في عرض واحد بتخلل فاء واحد كقولك: (وجدت الارادة وترك الازالة فوجدت الصلاة) فلا جرم في طرف العدم ايضا بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين لا يكونان الا في رتبة واحدة، فإذا قلب حينئذ كل من الارادة و الترك إلى النقيض بقلب الارادة إلى عدمها والترك إلى الفعل فقهرا يكون العدم مستند إلى مجموع الامرين من وجود الصارف وفعل الضد الذي هو المانع، لا انه مستند إلى خصوص الصارف وعدم الارادة، وعليه يتوجه محذور الدور المزبور نظرا إلى فعلية التوقف حينئذ من الطرفين، كما هو واضح، هذا. ولكن الاستاذ (دام ظله) اجاب عن ذلك اخيرا، وبنى على الترتب والطولية بين اجزاء العلة التامة من المقتضي والشرط والمانع، والتزم بتقدم المقتضي على الشرط والمانع رتبة بمقتضي ما بنى عليه من اختلاف اجزاء العلة في كيفية الدخل في وجود المعلول برجوع بعضها كالمقتضي إلى كونها مؤثرات ومعطيات الوجود، ورجوع بعضها إلى كونها معطيات الحدود للوجود كالشرط وعدم المانع، فانه عليه يكون المقتضي باعتبار كونه مؤثرا ومعطيا لأصل الوجود مقدما رتبة على ما يكون دخله في حدود ولو بنحو دخل منشأ الاعتبار في الامر الاعتباري، كتقدم ذات الوجود على حده العارض عليه رتبة، وحينئذ فعند انتفاء المقتضي ووجود المانع لا جرم يكون العدم مستندا إلى عدم ثبوت المقتضي، ولا مجال لاستناده إلى وجود المانع أو عدم شرطه الا في ظرف ثبوت اصل المقتضي للوجود، وحينئذ ففي المقام ايضا حيثما كان عدم الارادة والصارف اسبق رتبة من الشرط والمانع بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين فقهرا يكون العدم عند عدم الارادة مستندا إلى الصارف لا إلى وجود المانع وهو الضد حتى يتوجه محذور الدور المزبور، وهو واضح. وحينئذ فالعمدة في الاشكال على المقدمية هو ما ذكرنا من لزوم كون الشيء في رتبتين نظرا إلى مقدمية ترك كل واحد من الضدين بعد كون المطاردة من الطرفين لوجود الضد الاخر، بل ذلك ايضا لازم للأشكال الثاني ايضا نظر إلى بقاء غائلة الدور وهو لزوم كون لشيء في رتبتين بعد على حاله وان اندفع فعلية التوقف بالبيان المزبور، كما هو واضح. وحينئذ فبعد ان ظهر بطلان مقدمية ترك الضد الاخر فلا جرم لا يبقى في البين الا مجرد التلازم بين وجود أحد الضدين وترك الاخر، وفي مثله نقول بان من الواضح ايضا عدم اقتضاء مجرد التلازم بين الشيئين التلازم بين حكميهما ايضا بحيث لابد وان يكون محكوما بحكم ملازمه كي بعد اثبات وجوب الترك بالمناط المزبور يحكم بحرمة نقيضه وهو الفعل بمقتضي النهي عن النقيض، وذلك لان غاية ما يقتضيه الملازمة المزبورة انما هو عدم كون احدهما محكوما بما يضاد حكم الاخر لا وجوب كونه محكوم بحكمه، كيف وان دعوى سراية الحكم من احد المتلازمين إلى الاخر مما يحكم بخلافه بداهة الوجدان والارتكاز عند طلب شيء والامر به، من حيث وضوح وقوف الطلب والامر والحب والبغض على نفس متعلقه وعدم سرايتها منه إلى ما يلازمه من الامور الاخر بوجه اصلا. وعليه فلا مجال لأثبات حرمة فعل الضد حتى يترتب عليه فساده إذا كان عبادة، لا بمناط التلازم ولا بمناط المقدمية، خصوصا على ما تقدم منافي المبحث المتقدم من تخصيص الوجوب بالمقدمة الموصلة، فانه على المقدمية ايضا حينئذ لا يكاد اتصاف فعل الضد المقرون بوجود الصارف بالحرمة الفعلية من جهة خروجه حينئذ عن دائرة ما هو نقيض الواجب، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الضدان مما لهما ثالث بحيث امكن تركهما مع ام لا كما هو واضح. وحينئذ فبعد ان ظهر عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص لا بمناط الملازمة وجدانا ولا بمناط المقدمية برهانا نقول: فاعلم ان الضدين اما ان يكونا متساويين بحسب الملاك والمصلحة واما لا، بل يكون احدهما مزية على الاخر بحسب الملاك وعلى التقديرين لا يخلوان من كونهما مضيقين أو موسعين أو مختلفين فهذه صور عديدة وينبغي التعرض لكل واحدة من الصور بما يخصها من الحكم فنقول: اما إذا كان متساويين في الملاك والمصلحة وكانا ايضا مضيقين، فان لم يكن لهما ثالث كما في الحركة والسكون والنوم واليقظة فلا اشكال في ان الحكم فيهما هو التخيير عملا بمعنى اللاحرجية نظير التخيير بين الفعل والترك في النقيضين، لا التخيير الشرعي بمعنى الالزام بأحد الفعلين فانه بعد عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما ولا من تركهما مع فقهرا في مثله بعد تساوى الملاكين يحكم العقل فيهما بالتخيير وعدم الحرج في الفعل والترك، ومعه لا يكاد مجال لإلزام شرعي في البين ولو تخييري بوجه اصلا لانه في ظرف ترك احد الضدين يكون الضد الاخر قهري الحصول ومعه لا يبقى مجال اعمال الجهة المولوية بالأمر بهما تخييرا، كما هو واضح. ولئن شئت قلت بان الامر التخييري بشيئين بعد أن كان مرجعه إلى المنع عن ترك المجموع فلا جرم يختص بما إذا تمكن المكلف من ترك كلا الامرين كما في ضدين لهما ثالث، والا ففي مثل المقام المفروض عدم تمكن المكلف من ترك كلا الامرين لا يكاد مجال للأمر التخييري واعمال الجهة المولوية لا بالنسبة إلى ترك المجموع ولا بالنسبة إلى احد الفعلين نظرا إلى امتناع الاول في نفسه وقهرية حصول احد الفعلين، كما هو واضح. هذا إذا كان الضدان مما ليس لهم ثالث.
واما إذا كان الضدان مما لهما ثالث بحيث يتمكن المكلف من ترك كلا الامرين مع ماك في الامر بإنقاذ الغريقين وكما في مثل الصلاة والازالة ففي مثله لا اشكال في انه ليس له ترك كلا الامرين معا وانه يجب عليه الاتيان بأحد الامرين مخيرا بينهم لا مجرد التخيير بينهما عملا كما في الصورة الاولى بلا الزام شرعي أو عقلي في البين، وذلك من جهة ان الممنوع حينئذ انما هو وجوب كل واحد منهما عليه بالزام تعييني على الاطلاق بنحو يقتضي المنع عن جميع انحاء تروكه حتى الترك في حال وجود الاخر، واما وجوب كل واحد منهما عليه تخييرا فلا مانع يمنع عنه بعد فرض تمكن المكلف من اتيان احد الامرين وتمكنه ايضا من ترك الجميع، فانه حينئذ يكون كمال المجال لاعمال الجهة المولوية بالأمر بهما تخييرا، وهذا بخلافه في الصورة الاولى فانه فيه من جهة عدم تمكن المكلف من ترك كلا الامرين وقهرية حصول احد الامرين عند ترك الاخر الا جرم لا يبقى في مثله مجال الامر المولوي بأحد الامرين ولو بنحو التخيير بوجه اصلا فهذا مما لا اشكال فيه ولا كلام، وانما الكلام فيها ينتهي إليه مرجع هذ التخيير وانه هل هو راجع إلى تقييد الطلب في كل من الامرين بعدم الاخر وعصيانه؟ أو راجع إلى غير ذلك؟ بل مثل هذا الكلام لا يختص بالمقام فيجري في كلية التخييرات الشرعية.
فنقول: ان المتصور في ذلك هو امور:
احدها: رجوعه إلى تقييد الطلب في كل من الواجبين بعدم الاخر اما بعدمه المحفوظ قبل الامر واما بعدمه المتأخر عن الامر المنتزع عنه عنوان العصيان الذي هو نقيض الاطاعة.
وثانيها: رجوعه إلى تقييد الواجب في كل منهما بعدم الاخر مع اطلاق الطلب فيهما، وذلك ايضا اما بأخذ القيد في كل منهما مطلق عدم الاخر بنحو يقتضي وجوب تحصيله واما بأخذه عبارة عن العدم الناشي من قبل سائر الدواعي غير دعوة الامر والطلب بحيث لا يقتضي الطلب وجوب تحصيله.
وثالثها: رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين ولكنه لا بإيجاب تام بنحو يقتضي المنع عن جميع انحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجوده ضده بل بإيجاب ناقص مقتضاه عدم المنع الا عن بعض انحاء تروكه وهو الترك في حال ترك الاخر الراجع إلى ايجاب حفظ الوجود في كل منهما من قبل سائر الجهات في ظرف انحفاظ وجوده من قبل بديله وعدم ضده من باب الاتفاق، إذ الشيء بعد ان كان له انحاء من العدم بالاضافة إلى فوت كل مقدمة من مقدماته ووجود كل ضد من اضداده تبعا لحدود وجوده الحاصلة بالقياس إلى وجود مقدماته وعدم اضداده، فلا جرم بعد خروج احد تلك الاعدام من حيز التكليف اما لعدم القدرة أو لغير ذلك كما في المقام من فرض عدم تمكن المكلف من الجمع بين الوجودين لا يكون قضية التكليف بالإيجاد حينئذ الا وجوب سد بقية الاعدام في ظرف انسداد عدمه من باب الاتفاق من قبل بديله وضده، ومرجعه إلى كونه امرا بمتمم الوجود لا بالوجود على الاطلاق بنحو يقتضي وجوب سد جميع الاعدام حتى العدم الملازم مع وجود ضده، ومرجع ذلك بالأخرة إلى تخصيص الواجب في كل منهم بما يكون ملازما مع عدم الآخر من دون ان يكون ذلك من جهة تقييد في الواجب ولا في الوجوب، بل من جهة قصور الوجوب في نفسه حينئذ عن الشمول لغير ذلك، هذا كله بحسب مقام التصور.
واما بحسب مقام التصديق فلا ينبغي الاشكال في ان المتعين منها هو الوجه الاخير، وذلك لما في غيره من عدم خلوه عن المحذور وذلك:
اما الوجه الاول من فرض تقييد الطلب في كل منهما بعصيان الاخر أو بعدمه من باب الاتفاق المحفوظ قبل الامر فواضح، إذ الشق الثاني منه غير دافع لمحذور المطاردة بين الامرين، من جهة بقاء المطاردة بينهما بعد على حاله، بملاحظة تحقق ما هو الشرط فيهما قبل الاتيان بواحد منهما، واما الشق الاول فهو وان اندفع به محذور المطاردة، نظرا إلى وقوع تأثير كل منهما في رتبة الآخر الا انه يتوجه عليه حينئذ محذور طولية الامرين وتأخر كل منهما عن الاخر برتبتين حسب اناطة كل منهما بعصيان الاخر.
واما الوجه الثاني من فرض تقييد الواجب في كل منهما بعدم الاخر فهو ايضا بشقيه كذلك، لان مقتضي الاناطة حينئذ هو تأخر كل من الواجبين رتبة عن عدم الاخر، ولازمه بمقتضي حفظ الرتبة بين النقيضين هو تأخر كل من الوجودين عن الاخر وهو ملازم لكون كل منهما في رتبتين، وهو كما ترى من المستحيل، خصوصا مع ما يرد على الشق الاول منه من لزوم وقوع المطاردة بين الامرين، بلحاظ اقتضاء اطلاق الامر في كل منهما لزوم ترك الضد الاخر من باب المقدمة واقتضاء الامر به عدم تركه ولزوم ايجاده، إذ حينئذ يصير كل واحد منهما وجودا وعدما موردا للتكليف الالزامي وهو محال. وعليه فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين الوجه الاخير الذي عرفت رجوعه إلى وجوب كل واحد منهما على التعيين، لكنه لا بإيجاب تام كي يقتضي النهي عن جميع انحاء تروكه حتى الترك الملازم مع وجود الاخر بل بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضي الا المنع عن بعض انحاء تروكه وهو الترك في حال الترك الراجع في الحقيقة إلى ايجاب متمم الوجود لا ايجاب الوجود على الاطلاق، وفي مثله يرتفع المطاردة بين الامرين، حيث لا تنافي بين هذين الامرين بالضدين بعد كونهما من قبيل متمم الوجود وعدم اقتضائهما لوجوب الحفظ على الاطلاق كما في الامر التامين كما هو واضح. وعليه ايضا لا داعى إلى رفع اليد عن الامرين على الاطلاق والمصير إلى الزام عقلي تخييري فيهما بل يؤخذ حينئذ بوجوب كل منهما على التعيين غايته انه من جهة محذور المطاردة والوقوع في ما لا يطاق يرفع اليد عن اطلاق الامرين واقتضائهما للحفظ على الاطلاق ويصار إلى وجوب كل منها بإيجاب ناقص راجع إلى ايجاب حفظ المرام من سائر الجهات في ظرف انحفاظه من قبل ضده من باب الاتفاق، من دون ان يكون ذلك من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بوجه اصلا كما لا يخفى.
ومن ذلك البيان ظهر الحال في كلية التخييرات الشرعية ايضا إذ نقول برجوع الامر التخييري في جميع الموارد إلى ايجاب كل واحد من الفردين أو الافراد لكن بإيجاب ناقص بنحو لا يقتضي الا المنع عن بعض انحاء تروكه وهو الترك في حال ترك الاخر مع كون الترك في حال وجود الاخر تحت الترخيص كما صنعه صاحب الحاشية (قدس سره) في تعريف الواجب التخييري حيث عرفة بانه طلب الشيء مع المنع عن بعض انحاء تروكه في قبال الواجب التعييني الذي مرجعه إلى ايجابه وطلبه مع المنع عن جميع انحاء تروكه الراجع في الحقيقة إلى كون الواجب في كل واحد من الفردين التخييريين هي الحصة الملازمة مع عدم الاخر لا مطلق وجودهما على الاطلاق، لا إلى وجوب الجامع بين الفردين كما افاده بعضهم، ولا إلى وجوب احد الفردين بلا عنوان أو احدهما المعين عند الله وهو الذي يختاره المكلف لعلمه سبحانه ازلا بما يختاره في مقام الايجاد، وذلك لان الاول مع انه غير متصور في كثير من الموارد كما في فرض الدوران بين فعل شيء وترك الاخر وفي الضدين كالصلاة والازالة مثلا مخالف لظواهر الادلة الآمرة بكل واحد من الفردين، من جهة وضوح ظهورها في وجوب كل واحد من الفردين بخصوصيتهما لا بما ان الوجودين كل منهما مصداق لما هو الواجب وهو الجامع كما هو واضح.
واما الثاني فلم فيه ايضا بان عنوان احد الفردين بلا عنوان امر عرضي انتزاعي لا يكون له ما بأزاء في الخارج ولا كان قابلا لقيام المصلحة به فلا يمكن ان يكون موردا للإلزام واما مصداق احد الفردين وصيتين والخص على نحو النكرة فهو وان كان قابلا لان يقوم به المصلحة ويصير موردا للإلزام ولكنه ايضا مناف لما يقتضيه ظواهر الادلة الآمرة بكل واحد من الوجودين.
واما الثالث فهو ايضا كذلك إذ يكون منافيا لما اقتضه الادلة الآمرة بكل واحد من الوجودين من جهة ظهورها في وجوبها كل واحد من الوجودين بخصوصيته، نعم لا يرد عليه حينئذ محذور لزوم عدم اتصاف الوجودين بالوجوب في ظرف عصيان المكلف وعدم اختياره لواحد منهما، وذلك من جهة وضوح ان اختيار المكلف حينئذ طريق إلى ما هو الواجب عند الله لا انه يكون له موضوعية وهو واضح. وحينئذ فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين قهرا ما ذكرنا، إذ عليه تبقى الادلة على ظاهرها في وجوب كل واحد من الفردين بخصوصيته غايته انه رفع لليد عما يقتضيه ظهور الوجوب في كل منهما في الوجوب التام وايجاب حفظ الوجود على الاطلاق بإرجاع الوجوب فيهما إلى ايجابين ناقصين على نحو لا يقتضي كل منهما بمقتضي النهي عن النقيض الا المنع عن تركه في حال ترك الآخر وذلك ايضا لا من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بل من جهة قصور في نفس الوجوبين حينئذ في اقتضاء حفظ الوجودين على الاطلاق حتى في حال وجود الاخر وهذا القصور ايض ناش من جهة ما بين ملاكهما من التضاد الموجب لخروج احد الوجودين عن كونه ذا مصلحة عند تحقق الاخر، ونتيجة ذلك كما عرفت هو حرمة ترك كلا الوجودين ووجوب الاتيان بأحدهما كما هو واضح.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في الضدين المتساويين ظهر ايضا حال ما ذا كان احدهما اهم والاخر مهما فانه فيهما ايضا امكن بالتقريب المزبور الجمع بين الامرين في رتبة واحدة، امر تام بالاهم وأمر ناقص بالمهم على نحو كان مقتضاه لزوم حفظ المهم من سائر الجهات في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل ضده الاهم، إذ نقول بان عمدة المحذور في عدم جواز الامر بالضدين كما عرفت انما هو محذور لزوم ايقاع المكلف فيما لا يطاق بلحاظ اقتضاء كل واحد من الامرين ولو بتوسيط حكم العقل بل بدية الاطاعة والامتثال لصرف القدرة نحو متعلقه، إذ حينئذ بعد ان لا يكون للمكلف الا قدرة واحدة ولا يتمكن من الجمع بين الاطاعتين ربما يقع المكلف من ناحية اقتضاء الامرين في محذور ما لا يطاق وحيث ان ذلك ينتهى بالآخرة إلى الشارع والمولى ربما يصدق ان المولى هو الذي اوقع المكلف في ما لا يطاق، ولكن نقول بانه من المعلوم ان هذا المحذور انما يكون إذا كان الامر ان كل واحد منهما تاما بنحو يقتضي حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده، والا فإذا لم يكونا كذلك بل كانا ناقصين كما تصورناه في المتساويين أو كان احدهما تاما والاخر ناقصا غير تام بنحو لا يقتضي الا حفظ متعلقه من قبل مقدماته وسائر اضداده غير هذا الضد فلا محذور اصلا، حيث لا يكون مطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما حتى يكون منشأ لتحير العقل ويصدق ان المولى من جهة امره اوقع المكلف في ما لا يطاق، وذلك لان الامر بالاهم حسب كونه تاما وان اقتضى حفظ متعلقه على الاطلاق حتى من ناحية ضده فيقتضي حينئذ افناء المهم ايضا، ولكن اقتضائه لإفناء المهم انما هو بالقياس إلى حده الذي يضاف عدمه إليه لا مطلق حتى بالقياس إلى بقية حدوده الاخر التي لا تضاد وجود الاهم وحينئذ فإذا لا يكون الامر بالمهم حسب نقصه مقتضيا لحفظ متعلقه على الاطلاق حتى من الجهة المضافة إلى الاهم بل كان اقتضائه للحفظ مختصا بسائر الجهات والحدود الاخر غير المنافية مع الاهم في ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل الاهم. وبعبارة اخرى كان قضية الامر بالمهم من قبيل متمم الوجود الراجع إلى ايجاب حفظ المهم من قبل مقدماته وسائر اضداده في ظرف انحفاظه من قبل الضد الاهم من باب الاتفاق فلا جرم يرتفع المطاردة بينهما، حيث ان الذي يقتضيه الامر بالاهم من افناء المهم بالقياس إلى الحد المضاف عدمه إليه لا يقتضي الامر بالمهم خلافه، وما اقتضاه الامر بالمهم من ايجاب حفظ متعلقه من سائر الجهات الاخر لا يقتضي الامر بالاهم افنائه من تلك الجهات فامكن حينئذ الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة من دون احتياج إلى الترتب المعروف، كما هو واضح.
ولئن شئت فاستوضح ذلك بما إذا الم يكن في البين الا امر واحد بشيء لكن في ظرف تحقق بعض مقدماته أو انعدام بعض اضداده من باب الاتفاق، كما لو امر بإيجاد شيء كذائي في ظرف تحقق المقدمة الكذائية، فانه لا شبهة حينئذ في ان ما اقتضاه مثل هذا الامر انما هو لزوم حفظ الشيء من قبل سائر المقدمات والاضداد غير تلك المقدمة الكذائية، لا لزوم حفظه على الاطلاق، ومن ذلك لا يكاد يكون مثل هذا الامر الا امرا بمتمم الوجود ولازمه قهرا هو خروج الواجب ببعض حدود وجوده عن حيز الالزام وصيرورته بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية تحت الترخيص الفعلي بحيث يجوز له تفويت المأمور به من قبل تلك المقدمة كما لو انيط وجوبه بتحقق تلك المقدمة، وعليه نقول: بانه كم لا منافاة بين هذا الالزام وبين الترخيص في الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى المقدمة الكذائية مثلا وامكن ان يكون الشيء ببعض حدود وجوده تحت الالزام وببعض حدود وجوده تحت الترخيص كذلك لا منافاة بين هذا الالزام وبين الالزام على الترك بالقياس إلى الحد المضاف إلى ضده بتبديل الجواز هنا بالإلزام فامكن حينئد ان يكون المهم بالقياس إلى حده الملازم مع عدم الاهم تحت الالزام بالترك، وبالقياس إلى سائر حدود وجوده الحاصلة بقياسه إلى سائر المقدمات وعدم بقية الاضداد تحت الالزام، بالفعل في ظرف انحفاظ وجوده من قبل عدم الاهم من باب الاتفاق، إذ في مثل ذلك لا يكاد مجال المطاردة بين الامرين في مرحلة اقتضائهما في صرف القدرة نحو متعلقه، بل ولا المطاردة ايضا بين الاطاعتين، بلحاظ انه في ظرف اطاعة الاهم لا موضوع لإطاعة الامر بالمهم إذ كان اطاعته خارجا رافعة لعنوان الاطاعة عن المهم لا لوجودها فارغا عن الاتصاف، وفي ظرف اطاعة المهم كان اطاعة الامر بالاهم منطردا لمانع سابق كالشهوة مثلا لا ان اطاعة المهم كانت طاردة لإطاعة الامر بالاهم، ومعه لا وجه لدعوى سقوط الامر عن المهم بقول مطلق في ظرف ثبوته للأهم بمحض اقتضاء الامر بالاهم افناء المهم، بصرف القدرة نحو متعلقه، كي نحتاج في اثبات الامر بالمهم إلى الترتب المعروف والطولية بين الامرين، بل لنا حينئذ بمقتضى البيان المزبور اثبات الامر بالمهم في عرض ثبوت الامر بالاهم وفي رتبته. نعم لو كان قضية الامر بالاهم حينئذ هو لزوم افناء المهم بقول مطلق حتى من قبل حدوده المضافة إلى سائر المقدمات وعدم سائر الاضداد كان اللازم هو المصير إلى سقوط الامر عن المهم على الاطلاق وعدم الامر به ولو ناقصا، ولكنه ليس كذلك قطعا لما عرفت بان القدر الذي يقتضيه الامر بالاهم من طرد المهم وافنائه انما هو طرده بالقياس إلى الحد الذي يضاف عدمه إليه لا مطلقا حتى بالنظر إلى بقية الحدود المضافة إلى مقدماته وعدم سائر أضداده، لانه بالقياس إلى بقية حدوده الاخر لا يكون مزاحما مع الاهم حتى يقتضي طرده وافنائه، وحينئذ فإذا فرضنا خروج المهم بحده المضاف إلى عدم الاهم عن حيز التكليف بالحفظ ولا يقتضي أمره الناقص الا حفظه وسد باب عدمه بالقياس إلى بقية حدوده الاخر غير المزاحمة للأهم فلا جرم لا يبقى مجال المطاردة بين مقتضي الامرين كي بالجمع بينهما يصدق بأن المولى اوقع المكلف بأمره في ما لا يطاق، فصح حينئذ الالتزام بثبوت الامر بالمهم في رتبة الامر بالاهم. لا يقال بانه كذلك إذا كان قضية الامر بالمهم هو مجرد سد باب عدمه المضاف إلى مقدماته وسائر أضداده ولو لم ينضم إلى تلك السدود السد من قبل الضد الاهم، وليس كذلك قطعا من جهة وضوح عدم انتاج هذ المقدار لوجود المهم فان المهم لابد في تحققه ووجوده وان ينسد جميع ابواب عدمه حتى عدمه الملازم مع وجود ضده والا فبدونه لا يكاد انتهاء مجرد السد من بقية الجهات إلى وجوده بوجه اصلا، وعليه فلابد وان يكون مقتضى الامر بالمهم على نحو يوجب وصل بقية السدود بالسد المضاف إلى الاهم كي بذلك يتحقق الوجود، وحيث أن ذلك يلازم قهرا الحفظ من قبل الحد المضاف إلى الاهم، فقهرا يعود محذور المطاردة بين الامرين إذ يكون قضية الامر بالمهم حسب اقتضائه لتحقق صفة الوصل المزبور هو حفظه من ناحية حده الملازم للأهم، وقصية الامر بالاهم حينئذ هو عدم حفظه بالقياس إلى ذلك الحد بل وجوب افنائه فيقع بينهما المطاردة.
فانه يقال نعم ان المطلوب بالمهم وان كان هو الحفظ من بقية الحدود الملازم مع الحفظ من جهة الاهم، ولكنه بعد خروج الحفظ من تلك الجهة عن حيز أمر المهم لرجوع امره إلى الامر بمتمم الوجود الراجع إلى ايجاب الحفظ من تلك الحفظ من بقية الجهات في ظرف انحفاظه من الجهة المزبورة من باب الاتفاق فقهرا يرتفع بينهما المطاردة والمزاحمة إذ حينئذ يصير المطلوب بالمهم هو الذات الواجدة للملازمة مع عدم الاهم من باب الاتفاق، وفي مثله ايضا ربما يكون وصف الوصل بالملزم به من قبل المهم قهري الحصول في ظرف فعلية الامر، من جهة كونه حينئذ من اللوازم القهرية للحفظ من قبل بقية الحدود كما هو واضح وعليه فلا بأس بالجمع بين الامرين في الضدين على نحو ما عرفت أمر ناقص بالمهم وأمر تام بالاهم، حيث نقول بأن القدر الذي يقتضيه الاهم من عدم الامر بالمهم بمقتضى المطاردة انما هو عدم الامر به مطلقا على نحو يقتضي حفظ المهم على الاطلاق ومن جميع الحدود لا عدم الامر به بقول مطلق ولو ناقصا كما هو واضح. ومن ذلك البيان ظهر ايض عدم الحاجة إلى التشبث بالترتب والطولية في اثبات الامر التام بالمهم بإناطة امره بعصيان الاهم، وذلك لانه وان كان هذا التقريب ايضا بنفسه تقريبا تاما نفيسا ويرتفع به محذور المطاردة بين الامرين بلحاظ صيرورة الامر بالمهم حسب اناطته بعصيان الاهم في رتبة متأخرة عن سقوط امر الاهم الا أنه غير محتاج إليه بعد امكان الجمع بين الامرين في مرتبة واحدة واندفاع محذور المطاردة بينهما بجعل الامر بالمهم أمر ناقصا غير تام، بل ولئن تدبرت ترى كون مثل هذا التقريب في طول التقريب الذي ذكرناه وعدم وصول النوبة إلى الامر التام بمقتضى الترتب الا في فرض عدم امكان تأثير مصلحة المهم في الامر الناقص في رتبة الامر بالاهم، وذلك من جهة أنه بعد تأثير المصلحة في الامر الناقص وصيرورة امره في رتبة الامر بالاهم قهرا يلزمه كون سقوطه ايضا في رتبة سقوط الاهم، وحينئذ فإذا سقط الاهم بالعصيان يلزمه سقوطه عن المهم ايضا ومع سقوطه لا يبقى مجال للأمر التام بالمهم من جهة عدم المقتضى له في هذه الرتبة، فمن ذلك لابد اما من تأثير المصلحة في رتبة سابقة في الامر الناقص فقط أو بقائه بلا تأثير في الرتبة السابقة وتأثيره في الامر التام في رتبة متأخرة عن العصيان، وفي مثله من المعلوم أنه عند الدوران يكون المتعين هو الاول، فان عدم تأثير المصلحة في الامر الناقص في رتبة الاهم وبقائها إلى المرتبة المتأخرة مما لا وجه يقتضيه بعد قابلية المحل وعدم المانع عن التأثير، بخلافه في تأثيره في الامر التام فان عدم تأثيره فيه اما في مرتبة الاهم فمن جهة المحذور العقلي واما في مرتبة عصيانه فمن جهة عدم المقتضى له مع فرض تأثيره سابقا في الامر الناقص الساقط في مرتبة سقوط الاهم، ففي الحقيقة يكون مرجع الدوران بينهما من قبيل الدوران بين التخصيص والتخصص، إذ كان عدم تأثير المصلحة في الامر الناقص من باب التخصيص وفى الامر التام في الرتبة المتأخرة بعد تأثيره اولا في الامر الناقص من باب التخصص، وفي مثله من المعلوم ان المتعين هو الثاني من جهة أولوية التخصص من التخصيص.
الكلام في الترتب :
نعم لو اغمض عن ذلك كان هذا التقريب في نفسه تقريبا نفسيا تاما في اثبات الامر التام بالمهم وفي رفع محذور المطاردة بين الامرين، وتوضيح ذلك يحتاج إلى ذكر امور:
الاول : ان النسبة الواقعة في القضايا على ما مر منا غير مرة على ضربين، فانه تارة تلاحظ النسبة من حيث خروجها من كتم العدم إلى الوجود واخرى تلاحظ من حيث ثبوتها ووقوعها فارغا عن اصل ايقاعها، فهى بالاعتبار الاول تعبر عنه بالنسبة الايقاعية وبالاعتبار الثاني بالنسبة الوقوعية، كما ان القضية باعتبار اشتمالها على النسبة الاولى تكون من القضايا التامة الملحوظ فيها ايقاع النسبة بين الموضوع والمحمول أو بين المبدء والفاعل، كقولك زيد قائم وزيد ضرب، وباعتبار اشتمالها على النسبة بالمعنى الثاني تكون من القضايا التقييدية والمركبات الناقصة، وحيث ان النسبة بالمعنى الاول تكون مقدمة على النسبة بالمعنى الثاني بملاحظة تفرع الثبوت والوقوع دائما على الايقاع كانت القضايا التقييدية التوصيفية باعتبار اشتمالها على النسبة الثابتة الوقوعية في رتبة متأخرة عن القضايا التامة ونتيجة لها.
الامر الثاني : لا اشكال في أن مقام عروض الارادة وتأثيرها، انما هو مرحلة النسبة الايقاعية، حيث انه كان طلب الشيء بعثا نحو الشيء وارسالا للفاعل نحو المبدء بإيجاده واخراجه من كتم العدم إلى الوجود لا مرحلة النسبة الثابتة الوقوعية، لوضوح ان مثل هذه المرحلة مرحلة وجود المراد الذي هو مرحلة سقوطه فلا يمكن ان يكون ذلك ظرفا لعروض طلبه وثبوته، كيف وانه مضافا إلى كونه حينئذ من طلب الحاصل يلزمه كون طلبه في مرتبة وجود مراده، وهو كما ترى من المستحيل، من جهة استحالة أن يكون للشيء سعة واطلاق يشمل مرتبة وجود معلوله وبالعكس، بل بعد ان يكون نسبة الارادة إلى المراد نسبة العلية والمعلولية فقهرا مقتضى تخلل الفاء بينهما هو محدودية كل منهم بحد خاص غير متجاوز عن ذلك الحد، فيكون مرتبة الارادة في رتبة قبل الفاء والمراد في رتبة بعد الفاء، وفي مثله لا يكاد يكون اقتضاء الارادة وتأثيرها إلا في مرتبة ذاته التي هي رتبة قبل الفاء دون مرتبة بعد الفاء التي هي رتبة وجود المراد بل كان مثل هذه الرتبة رتبة سقوطها عن التأثير كما هو واضح.
الامر الثالث : لا اشكال في أن عنوان الاطاعة انما كان منتزعا عن مرتبة وجود المراد والمقتضى بالفتح المتأخر عن رتبة الامر والارادة، ومثله ايضا عنوان العصيان حيث ان انتزاعه ايضا انما كان عن مرتبة وجود المقتضى بالفتح لانه نقيض للإطاعة فيكون ذلك ايضا في رتبة متأخرة عن الامر والارادة، ولازم ذلك كما عرفت هو عدم شمول الامر والارادة لمرتبة اطاعته التي هي مرتبة وجود المراد ولا لمرتبة عصيانه، من جهة تأخر رتبتيهما عن رتبته، ومن ذلك يكون اقتضائه للتأثير دائما في مرتبة قبل العصيان، نعم قضية تقارن العلة زمانا مع المعلول انما هو وجود الامر في زمان الاطاعة والعصيان، ولكن مع ذلك كل في رتبة نفسه، كما في حركة اليد وحركة المفتاح، حيث أنهما مع تقارنهما زمانا يكون كل منهما في رتبة نفسه احديهما قبل الفاء والاخرى بعده، وهو واضح. واذ عرفت ذلك نقول: بان مقتضى اناطة امر المهم بعصيان الاهم قهرا وقوع امره حسب الاناطة المزبورة في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر بالاهم، ومعه يرتفع لا محالة محذور المطاردة بين الامرين حيث انه في مرتبة اقتضاء امر الاهم لا امر بالمهم حتى يزاحم مع الاهم في اقتضائه، من جهة أن أمره انما كان في رتبة متأخرة عن العصيان الذي هو متأخر عن الامر بالاهم، وفي مرتبة ثبوت الامر للمهم واقتضائه في التأثير لا وجود للأمر ولا اقتضاء له في التأثير حيث كان مثل هذه المرتبة مرتبة سقوطه عن التأثير دون ثبوته، وعليه فما اجتمع الامران في مرتبة واحدة حتى يقع بينهما المطاردة والمزاحمة في مرحلة اقتضائهما في التأثير.
واما ما قيل كما في الكفاية بأن طلب المهم وان لم يكن في مرتبة طلب الاهم فلا يلزم في تلك المرتبة اجتماع طلبهما الا أنه في مرتبة طلب المهم كان اجتماع لطلبهما من جهة فعلية الامر بالاهم ايضا في تلك المرتبة بملاحظة عدم سقوطه بعد ما لم يتحقق المعصية، ومعه يتوجه محذور المطاردة والمزاحمة في تلك المرتبة، فمدفوع بما عرفت في المقدمة الثالثة من استحالة أن يكون لكل امر اطلاق وسعة يشمل مرتبة اطاعة نفسه وعصيانه، كيف وأنه إذ فرض انه لا يكون الامر بالمهم في مرتبة الامر بالاهم لكونه في رتبة متأخرة عن العصيان المتأخر عن الامر بالاهم فكيف يمكن ان يكون الامر بالاهم في مرتبة الامر بالمهم، ومجرد وجود أمر الاهم وفعليته في زمان العصيان ايضا لا يقتضى وجوده وفعليته في مرتبته، فضلا عن كونه في المرتبة المتأخرة عن العصيان التي هي رتبة الامر بالمهم، كما عرفت نظيره في مثل حركة اليد والمفتاح، حيث أنهما مع كونهما متقارنتين زمانا متفاوتتان بحسب المرتبة بنحو يتخلل بينهما الفاء في قولك وجدت فوجدت، وعليه فلا يبقى في البين الا مجرد مقارنة الامرين زمانا واجتماعهما في زمان واحد، ولكنه بعد اختلافهما بحسب الرتبة وكون المدار في التأثير على الرتبة لا الزمان كما في كلية العلل والمعلولات لا يكاد يضر حيث اجتماع طلبهما بحسب الزمان، إذ كان اقتضاء كل واحد من الامرين وتأثيره حينئذ في مرتبة نفسه، فكان تأثير الامر الاهم في رتبة قبل العصيان وتأثير المهم في رتبة بعد العصيان، فتدبر.
ثم إنه مما ذكرنا ظهر لك حال بقية الشقوق والصور من فرض كونهما موسعين أو مختلفين ايضا، فعلى ما ذكرنا من امكان الجمع بين الامرين بالضدين إما بنحو ما ذكرنا أو بنحو الترتب لا بأس بإتيان ما هو الموسع منهما بداعي أمره، فإذا كان الموسع عبادة كان للمكلف التقرب بها بإتيانها بداعي أمرها بلا احتياج في تصحيحها إلى حيث رجحانها الذاتي، نعم لو بنينا على مسلك من يقول باستحالة الجمع بين الامر بهما ولو في رتبتين ايض لكان المتعين حينئذ في تصحيحها هو حيث رجحانها الذاتي، من جهة انه بمزاحمة هذ الفرد مع المضيق فقهرا بحكم العقل يخرج عن دائرة الطبيعة المأمور بها، ومع خروجه عنها لا جرم يختص الامر ايضا بغيره من الافراد الاخر، فلا يبقى مجال تصحيحها حينئذ بإتيانها بداعي أمرها. واما توهم أن الفرد المزاحم مع المضيق بعد كونه كالأفراد الباقية في الوفاء بالغرض وعدم كون خروجه من باب التخصيص الكاشف عن خلوه عن المصلحة والوفاء بالغرض رأسا فأمكن التقرب به بإتيانه بقصد الامر بالمتعلق بالطبيعة والجامع، فمدفوع بأن داعوية الامر في التكاليف بعد ان كانت عبارة عن كون الامر علة فاعلية للإيجاد فلا جرم بخروج هذا الفرد عن دائرة الطبيعة المأمور بها يتضيق دائرة الطبيعي المأمور به بما عدا هذا الفرد، ومعه لا يكاد اقتضاء للأمر المتعلق بالطبيعة بالنسبة إليه في الداعوية حتى يصح جعله داعيا ومحركا نحوه بالإيجاد، وهذا هو الذي اشتهر بينهم بأن الامر لا يدعو الا إلى متعلقه من جهة أن داعوية الامر انما هي باقتضائه للإيجاد فمع عدم اقتضاء فيه بالنسبة إلى هذا الفرد يستحيل داعويته نحوه كما هو واضح.
ثم ان هذا كله فيما يتعلق بالضد الخاص.
واما الضد العام بمعنى الترك فلا إشكال فيه في اقتضاء الامر بالشيء للنهي عنه كما تقدم، وانما الكلام والاشكال في أنه هل هو بنحو العينية أو التضمن أو من جهة الالتزام حيث إن فيه وجوها، وفي مثله كان المتعين هو الاخير من كونه على نحو الالتزام دون العينية والتضمن.
وذلك اما عدم كونه بنحو العينية فواضح، فانه لا وجه له الا توهم ان حقيقة النهي عبارة عن طلب الترك قبال الامر الذي هو عبارة عن طلب الوجود وان ترك الترك في المقام بعد ان كان عبارة اخرى عن الوجود الذى هو طارد العدم قهر كان طلب الوجود ايضا عبارة اخرى عن النهي عن النقيض الذي هو عبارة عن طلب ترك الترك ومقتضاه حينئذ هو عينية الامر بالشيء مع النهي عن النقيض بحسب المنشأ وان لم يكن كذلك بحسب المفهوم، ولكنه فاسد جدا، وذلك لما سيجئ من ان حقيقة النهي عن الشيء ليس الا عبارة عن الزجر عن الوجود في قبال الامر الذي هو الارسال والبعث نحو الوجود لا أنه عبارة عن طلب الترك كي يلزمه اشتراكه مع الامر في جزء المدلول وهو الطلب فيلزمه عينيتهما في المقام بحسب المنشأ، وعليه فمن الواضح المغايرة التامة بين مدلوليهم علاوة عما كان بين مفهوميهما من المغايرة، كما هو واضح.
واما عدم كونه بنحو التضمن والجزئية فظاهر ايضا، من جهة ابتناء القول بالجزئية على تركب الوجوب من طلب الفعل مع المنع عن الترك، والا فعلى التحقيق من بساطة حقيقة الوجوب وعدم تركبه لا يبقى مجال دعوى كون الاقتضاء المزبور من جهة التضمن. وحينئذ يتعين الامر بكونه على نحو الالتزام ، نظرا إلى ما هو الواضح من الملازمة التامة بين ارادة الشيء وكراهة تركه بحسب الارتكاز بحيث لو التفت إلى الترك ليبغضه ويمنع عنه، نعم لا بأس بدعوى العينية بينهما بحسب الانشاء بلحاظ كونه مبرزا عن مبغوضية الترك كإبرازه عن محبوبية الوجود ومطلوبيته ، فتدبر.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|