المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7597 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
المستحقون للخمس
2024-07-08
المخول بتقسيم الخمس
2024-07-08
الخمس واحكامه
2024-07-08
قبر رعمسيس بطيبة
2024-07-08
آثار (رعمسيس الأول) في الكرنك.
2024-07-08
أعمال رعمسيس الأول (العرابة المدفونة)
2024-07-08

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


فيما هو الواجب في باب المقدّمة بناءً على الملازمة  
  
670   01:20 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : تقريرا لبحث السيد الخميني بقلم الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : تهذيب الأصول
الجزء والصفحة : ج1. ص.363
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

هل الواجب ـ بناءً على الملازمة ـ هو مطلق المقدّمة ، أو خصوص ما اُريد به إتيان ذيها ، أو المقدّمة التي يقصد بها التوصّل إلى صاحبها ، أو المقدّمة الموصلة ، أو التي في حال الإيصال؟ أقوال :

حول ما نسب إلى صاحب المعالم:

ربّما ينسب(1)  إلى صاحب «المعالم» اشتراط وجوبها بإرادة ذيها . واُورد عليه : بأنّ المقدّمة تابعة لصاحبها في الإطلاق والاشتراط ، فيلزم أن يشترط وجوب الشيء بإرادة وجوده .

قلت : ظاهر كلامه في «المعالم» خلاف ما نسب إليه ; حيث قال : وحجّة القول بوجوب المقدّمة ـ على تقدير تسليمها ـ إنّما تنهض دليلا على الوجوب في حال كون المكلّف مريداً للفعل المتوقّف عليها(2) ، انتهى ، وهو ظاهر بل نصّ في أنّ القضية حينية لا شرطية ، وأنّ وجوبها في حال إرادة الفعل المتوقّف عليها ، لا مشروطة بإرادته .

وهو أيضاً وإن كان لا يخلو عن إشكال ; لأنّ حال إرادة الفعل المتوقّف عليها غير دخيلة في ملاك وجوبها ، على أ نّه لا يتصوّر لإيجابها حين إرادته معنى معقول ; لأنّه إذا أراد فعل المتوقّف عليها يريد المقدّمة لا محالة ، فلا معنى للبعث والإيجاب في هذه الحال ، إلاّ أنّ ذاك ليس بمثابة ما تقدّم في وضوح البطلان .

فيما نسب إلى الشيخ الأعظم:

وأمّا القول الثالث ـ أعني كون الواجب هو المقدّمة بقصد التوصّل إلى ذيها  ـ فقد نسب(3)  إلى الشيخ الأعظم ـ قدس سره ـ ، ولكن عبارة مقرّر بحثه ينادي بالخلاف في عدّة مواضع ; خصوصاً فيما ذكره في هداية مستقلّة لردّ مقالة صاحب «الفصول» ; إذ يظهر من نصّ عبائره هناك أنّ قصد التوصّل ليس قيداً لمتعلّق الوجوب الغيري حتّى يكون الواجب هو المقدّمة بقصد التوصّل ، بل الواجب هو نفس المقدّمة ، إلاّ أنّ قصد التوصّل يعتبر في تحقّق امتثال الأمر المقدّمي حتّى يصدق عليه الإطاعة ; سواء كانت المقدّمة عبادية أم توصّلية .

غاية الأمر : انتفاء الثمرة في الثاني ; حيث قال في خلال الردّ عليه : ونحن بعد ما استقصينا التأمّل لا نرى للحكم بوجوب المقدّمة وجهاً إلاّ من حيث إنّ عدمها يوجب عدم المطلوب ، وهذه الحيثية هي التي يشترك فيها جميع المقدّمات .

إلى أن قال : فملاك الطلب الغيري المتعلّق بالمقدّمة هذه الحيثية ، وهي ممّا يكفي في انتزاعها عن المقدّمة ملاحظة ذات المقدّمة(4) ، انتهى كلامه .

وفي موضع آخر : الحقّ عدم تحقّق الامتثال بالواجب الغيري إذا لم يكن قاصداً للإتيان بذلك ; إذ لا إشكال في لزوم قصد عنوان الواجب فيما إذا اُريد الامتثال ، كما لاريب في عدم تعلّق القصد بعنوان الواجب فيما إذا لم يكن الآتي بالواجب الغيري قاصداً للإتيان بذلك ، فيستنتج عدم تحقّق الامتثال إلاّ به(5) .

وأيضاً في موضع آخر قال ـ رادّاً على صاحب «المعالم» ـ إنّ إطلاق وجوب المقدّمة واشتراطها تابع لإطلاق ذيها(6) ، انتهى .

وأنت إذا أمعنت نظرك ، وأجلت بصرك بين كلماته وسطوره تجد صدق ما ادّعيناه من أنّ محور نقضه وإبرامه ليس بيان ما هو طرف الملازمة على فرض ثبوتها ، بل بيان ما هو معتبر في كيفية الامتثال .

وبذلك يظهر : أنّ ما احتمله بعض المحقّقين من الاحتمالات الكثيرة(7)  ساقطة قطعاً ، بل محتمل كلامه أو ظهوره ما أسمعناك فقط ، أو وجه آخر سيجيء الإشارة إليه .

وكيف كان : فلابدّ من توضيح الوجهين وذكر براهينهما :

أحدهما : أنّ امتثال الواجب الغيري لا يحصل إلاّ بقصد التوصّل إلى ذيه ، فاستدلّ عليه ـ قدس سره ـ بأنّ الامتثال لايمكن إلاّ أن يكون الداعي إلى إيجاد الفعل هو الأمر ، ولمّا كان الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقه فلابدّ في الامتثال من قصد العنوان المأمور به ، والمأمور به هاهنا هو المقدّمة بالحيثية التقييدية ; لأنّ الكاشف عن وجوب المقدّمة هو العقل بالملاك العقلي ، والعقل يحكم بوجوب المقدّمة من حيث هي مقدّمة ، فلابدّ من كشف الحكم الشرعي بذلك الملاك على الحيثية التقييدية .

ولمّا كان القصد بهذه الحيثية لا ينفكّ عن القصد بالتوصّل إلى ذيها ـ لاستلزام التفكيك التناقض ـ فلابدّ في امتثال أمر المقدّمة من قصد التوصّل إلى صاحبها(8) ، انتهى ملخّصاً .

وأنت ترى بعين الدقّة : أنّ محور كلامه الذي لخّصناه ليس إلاّ شرطية قصد التوصّل في امتثال الأمر المقدّمي ، لا بيان ما هو طرف الملازمة .

وتوضيح ما أفاده : أنّ الامتثال ليس إلاّ التحرّك على طبق داعويته ، وليست  داعويته إلاّ بنحو الغيرية والمقدّمية لا لمصالح في نفسه ، فلو كان الانبعاث  على طبق دعوته فلا محالة لا ينفكّ عن قصد التوصّل إلى ذيها في مقام  العمل .

نعم ، ما وقع في دائرة الطلب ليس إلاّ ذات الشيء ; لأنّ ملاك الوجوب رفع الاستحالة ، ورافعها ذات المقدّمة وحقيقتها بلا دخل للقصد في ذلك .

وبعبارة أوضح : أنّ الامتثال لا يتحقّق إلاّ بعقد قلبي وقصد نفسي وتوجّه إلى الأمر وإلى كيفية دعوته وغاية وجوبه ، وهو وإن أمر بذات المقدّمة إلاّ أ نّه ما أوجبها إلاّ لأجل التوصّل ، فالعبد الممتثل لا محالة يقصد ذلك العنوان . وأمّا تعلّق الوجوب فهو تابع لتحقّق الملاك ، والمفروض أنّه موجود في جميع الأفراد . هذا ، وسيجيء تحقيق الحال في امتثال الأمر الغيري .

الثاني من الوجهين الذين احتملناهما : ما يشعر به صدر كلامه ويظهر من ذيله أيضاً ; وهو أنّ وقوع المقدّمة على صفة الوجوب في الخارج مطلقاً يتوقّف على قصده ، وعبارته هنا هو المستمسك للمشايخ في نسبة هذا القول إليه .

وأنت إذا تدبّرت فيما سيمرّ عليك من العبارة تفهم أنّ العبارة لا تنطبق على مدّعاهم ; إذ أنّ البحث في باب المقدّمة إنّما هو في تعيين متعلّق الوجوب ، وهو ـ قدس سره ـ لم يشترط فيه شيئاً ، بل قال بكونه هو مطلق المقدّمة ، والعبارة التالية يفيد اعتبار قيد التوصّل في وقوع المقدّمة على صفة الوجوب خارجاً ، وكم فرق بينهما ؟ !

وإليك العبارة حيث قال : وهل يعتبر في وقوعه على صفة الوجوب أن يكون الإتيان لأجل التوصّل إلى الغير أولا ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل ، ويظهر الثمرة فيما إذا كان على المكلّف فائتة ; فتوضّأ قبل الوقت غير قاصد لأدائها ولا لإحدى غاياتها ، فعلى المختار لايجوز الدخول به في الصلاة الحاضرة ولا الفائتة .

وأيضاً تظهر من جهة بقاء الفعل المقدّمي على حكمه السابق ، فلو قلنا بعدم اعتبار قصد التوصّل في وقوع المقدّمة على صفة الوجوب لايحرم الدخول في ملك الغير إذا كانت مقدّمة لإنقاذ غريق ; وإن لم يترتّب عليه ، بخلاف ما لو اعتبرناه فهو حرام مالم يكن قاصداً لإنقاذه(9) .

وعـن بعض الأعيان مـن المحقّقين في تعليقتـه الشريفـة في توجيـه اعتباره في متعلّق الوجوب ما هـذا حاصله : إنّ الجهات التعليلية في الأحكام العقلية راجعـة إلى التقييدية ; فإذا كانت مطلوبية المقدّمة لا لذاتها بل لحيثية مقدّميتها فالمطلوب الجدّي نفس التوصّل . ومن البيّن : أنّ الشيء لا يقع على صفة الوجوب ومصداقـاً للواجب إلاّ إذا أتي به عـن قصد وإرادة ; حتّى فـي التوصّليات ; لأنّ البعث فيها وفـي التعبّديات لا يتعلّق إلاّ بالفعل الاختياري . فالغسل الصادر بلا  اختيار محصّل للغرض ، لكنّه لا يقع على صفة الوجوب ، فاعتباره فيها من جهة  أنّ المطلوب الحقيقي هو التوصّل ، لا غير(10) .

قلت : ما أفاده ـ قدس سره ـ في خصوص إرجاع التعليلية إلى التقييدية متين جدّاً ; ضرورة أنّ العقل لا يحكم إلاّ على العناوين العارضة لذوات الأشياء لا على الموضوع المجرّد من عنوانه ، وإلاّ لزم أن يحكم لدى التجرّد منه ، ولا تكون تلك الجهات منشأ لإسراء الحكم إلى غيرها بعد كونها هي المطلوبة بالذات لا بالعرض .

وبذلك يظهر الخلل فيما ربّما يصار تارة إلى إنكار هذا الإرجاع من أنّ لحكم العقل موضوعاً وعلّة ، ولامعنى لإرجاع العلّة إلى الموضوع ; بحيث تصير موضوعاً للحكم ، واُخرى إلى أنّ القاعدة المزبورة ـ على تقدير تسليمها ـ مختصّة بما يدركه العقل من الأحكام ، ولا تكاد تجري فيما يكون ثابتاً من الشارع باستكشاف العقل(11) ، انتهى .

وفيه : أنّ إنكار الإرجاع المزبور يستلزم إسراء حكم العقل من موضوعه إلى غيره بلا ملاك ; فإنّ الظلم ـ مثلا ـ إذا كان قبيحاً عقلا فوقع عمل في الخارج معنوناً بعنوان الظلم وبعناوين اُخر وحكم العقل بقبحه ، وفرضنا أ نّه لم يرجع إلى حيثية الظلم ; فإمّا أن يرجع إلى حيثيات اُخر وهو كما ترى ، أو إلى الذات بعلّية الظلم ; بحيث تكون الذات قبيحة ، لا الظلم ـ وإن كان هو علّة لقبحها ـ وهو أيضاً فاسد ، بل يستلزم الخلف ; فإنّ الذات تكون قبيحة بالعرض ، فلا محيص إلاّ أن يكون الظلم قبيحاً بالذات ، فيصير الظلم موضوعاً بالحقيقة للقبح ، وهذا معنى رجوع الحيثيات التعليلية إلى التقييدية .

وأعجب من ذلك : ما أفاده ثانياً ; فإنّ إدراك العقل مناط الشيء ليس معناه إلاّ أنّ هذا هو الموضوع ، لا ما هو أوسع من ذلك ولا أضيق ، ومعه كيف يستكشف مناط أوسع ؟ !

وبالجملة : أنّ العقل إذا كشف عن حكم بملاكه العقلي لايمكن أن يستكشف حكماً أوسع أو أضيق من ملاكه قائماً بموضوع آخر غير حيثية الملاك .

نعم ، يرد على المحقّق المحشّي : أنّ وقوع الفعل على صفة الوجوب في التوصّليات لا يتوقّف على القصد ; وإن كان الوقوع على صفة الامتثال موقوفاً عليه ; لأنّ قصد العنوان وصدوره عن اختيار شرطان لتحقّق الإطاعة ; لما عرفت من أ نّه لا يتحقّق إلاّ بعقد قلبي متوجّهاً نحو العمل لجهة أمره وطلبه ، فإذا توجّه إليه وأتى بداعيه فلا ينفكّ عنه قصد التوصّل ; لأنّ الأمر المقصود غيري ، ومعناه كون الأمر لأجل حصول الغير .

وأمّا كونه شرطاً لوقوعه على صفة الوجوب فلا ; لأنّ المفروض أنّ المطلوب هو الحيثية المقدّمية ، أي الموقوف عليه بما هو هو ، وهو صرف وجوده بأيّ وجه اتّفق ، فإيجاده بأيّ نحو كان كاف في كونه مصداقاً له ; إذ ليس الواجب سوى نفس وجوده وقد حصل ، فلا وجه لعدم وقوعه على صفة الوجوب مع كونه غير تعبّدي .

ثمّ إنّ هذا الاحتمال في كلام الشيخ ـ كما مرّ ـ لا ينطبق أيضاً على مدّعاهم ; لأنّ الكلام في باب المقدّمة إنّما هو في مقام تعلّق الوجوب ، وقد صرّح بأ نّه ذات المقدّمة ، وإنّما دعواه في مقام آخر ; وهو وقوع المقدّمة على صفة الوجوب خارجاً ، وهو مقام آخر غير ما نحن فيه .

وبالجملة : كلام الشيخ آب على كلا الاحتمالين عمّا نسب إليه ، فراجع .

ثمّ إنّه لا وجه لأخذ قصد التوصّل قيداً ; لا للوجوب لاستلزامه كون وجوب الواجب مشروطاً بإرادة المكلّف ، ونظيره أخذه ظرفاً للوجوب على نحو الحينية ;  لأنّه يرد عليه نظير ما يرد على صاحب «المعالم»(12)  ولا للواجب بحيث يكون قصد التوصّل أيضاً متعلّقاً للبعث ، ويكون الأمر داعياً إلى المقدّمة التي قصد بها التوصّل إلى صاحبها ; فإنّه وإن لم يكن محالا لكن قصد المكلّف غير دخيل في ملاك المقدّمية قطعاً ، فتعلّق الوجوب به يكون بلا ملاك ، وهو ممتنع .

وما عن المحقّق الخراساني من امتناع وقوع القصد مورداً للتكليف(13)  مدفوع بأنّ القصد قابل لتعلّق البعث إليه ، كقيديته في العبادات .

أضف إليه : أنّ النفس ربّما توجد الإرادة إذا كانت الإرادة موضوعاً لحكم ، ولم يكن المراد مطلوباً إلاّ بالعرض ، كما في إرادة الإقامة عشرة أيّام إذا لم يكن في الإقامة غرض له سوى الصلاة أربع ركعات .

حول مقال صاحب الفصول:

وهو القول الرابع الذي اختاره صاحب «الفصول»(14) ; قائلا بأنّ الإيصال قيد للواجب ، واحتمال إرجاعه إلى الوجوب باطل جدّاً ; لأنّ شرط الوجوب لا يحصل إلاّ بعد الإتيان ، فكيف يتقدّم الوجوب على شرطه ؟ اللهمّ إلاّ أن يصار إلى الشرط المتأخّر ، وهو كما ترى .

وكيف كان : فقد اُورد على كونها قيداً للواجب اُمور نذكر مهمّاتها :

منها : لزوم الدور ; لأنّ وجود ذي المقدّمة يتوقّف على وجود المقدّمة ، ولو قلنا بقيدية الإيصال يتوقّف وجودها على وجود صاحبها(15) .

وفيه : أنّ الموقوف غير الموقوف عليه ; لأنّ وجود ذي المقدّمة موقوف على ذات المقدّمة لا بقيد الإيصال ، واتّصافها بالموصلية متوقّف على وجود ذي المقدّمة .وإن شئت قلت : إنّ متعلّق الوجوب أخصّ من الموقوف عليه ، ولا تكون المقدّمة بقيد الإيصال موقوفاً عليها ; وإن كانت بقيده واجبة .

ومنه يظهر النظر في كلام شيخنا العلاّمة حيث قال : إنّ الوجوب ليس إلاّ لملاك التوقّف ، فيكون اعتبار قيد الإيصال في متعلّق الوجوب لملاك التوقّف ، فيدور(16) .

والجواب : أنّ مناط الوجوب ليس التوقّف على مسلكه ، بل التوصّل إلى ذي المقدّمة ، فمتعلّقه أخصّ من التوقّف . بل دعوى بداهة كون المناط هو التوقّف تنافي ما اختاره في باب وجوب المقدّمة من كون الواجب هو المقدّمة في لحاظ الإيصال(17) .

وربّما يقرّر الدور بأنّه يلزم أن يكون الواجب النفسي مقدّمة لمقدّمته واجباً بوجوب ناش من وجوبها ، وهو يستلزم الدور ; لأنّ وجوب المقدّمة ناش من وجوب ذيها ، فلو ترشّح وجوب ذي المقدّمة من وجوبها لزم الدور(18) .

وفيه : أنّ وجوب الواجب الناشئ منه وجوب المقدّمة لم ينشأ من وجوبها حتّى يدور .

ومنها : التسلسل وبيانه : أنّ الوضوء الموصل إلى الصلاة لو كان مقدّمة كان ذات الوضوء مقدّمة للوضوء الموصل ، فيعتبر فيه قيد الإيصال أيضاً ، فينحلّ إلى ذات وإيصال ، فيكون الذات أيضاً مقدّمة لهما ، فيحتاج إلى إيصال آخر ، وهكذا(19) .

ويمكن تقريره بوجه آخر وهو : أنّ المقدّمة الموصلة تنحلّ إلى ذات وقيد ، وفي كلّ منهما مناط الوجوب للتوقّف ، فعلى وجوب المقدّمة الموصلة يجب أن تكون الذات بقيد الإيصال واجبة ، وقيد الإيصال أيضاً بقيد إيصال آخر واجباً ، فيتقيّد كلّ منهما بإيصال آخر ، وهلمّ جرّا .

والجواب عن التقرير الأوّل : أنّ الواجب بالأمر الغيري على هذا المسلك هو المقدّمة الموصلة إلى الواجب النفسي لا المقدّمة الموصلة إلى المقدّمة ، وعليه فالذات لم تكن واجبة بقيد الإيصال إلى المقيّد ، بل واجبة بقيد الإيصال إلى ذيها ، وهو حاصل بلا قيد زائد ، بل لايمكن تقييد الموصل بالإيصال .

وأمّا عن ثاني التقريرين فبأن يقال : إنّ الواجب هو المقدّمة الموصلة بهذا الإيصال لا بإيصال آخر حتّى يلزم التسلسل ، بل لا معنى لإيصال آخر ; لأنّ تكرّر الإيصال إلى المطلوب ممتنع ، فلا يعقل تقييد الإيصال بإيصال آخر ، ولا تقييد الذات بإيصال زائد على هذا الإيصال ; لامتناع تكرّر الموصل والإيصال ، وهو واضح .

ومنها : أنّه يستلزم أن يكون الشيء الواحد واجباً نفسياً وغيرياً ; حيث جعل ذو المقدّمة من مبادئ مقدّمته ، وبه يصير واجباً غيرياً ، كما هو واجب نفسي ، بل يتعلّق به وجوبات غيرية بعدد المقدّمات(20) .

وأفحش منه : أنّه يستلزم أن يكون ذو المقدّمة موصلا إلى نفسه .

والجواب : أنّ المتّصف بالوجوب هو الشيء الذي يوصل إلى الصلاة ; بحيث يتحقّق فيه أمران: أحدهما كونه موقوفاً عليه ، وثانيهما كونه موصلا إلى الصلاة ، ونفس الصلاة ليست موقوفاً عليها ولا موصلة إلى نفسها ، وتوقّف وصف المقدّمة على وجوده لا يستلزم تعلّق الوجوب عليه.

ومنها : ما عن المحقّق الخراساني من أ نّه لا يعقل أن يكون الغرض الداعي إلى إيجاب المقدّمات هو ترتّب الواجب عليها ; فإنّ الواجب ـ إلاّ ما قلّ كالتوليدية  ـ تتوسّط الإرادة بينه وبين مقدّماتها ، والالتزام بوجوب الإرادة التزام بالتسلسل(21) .

قلت : الظاهر أ نّه ناش من وقوع خلط في الإيصال ; فإنّ المراد منه ما يكون موصلا ـ  ولو مع الوسائط  ـ ويتعقّبه الواجب قطعاً . فالخطوة الاُولى في السير إلى غاية ـ  مثلا  ـ قد تكون موصلة ـ  ولو مع وسائط  ـ وقد لا تكون موصلة ، والواجب هو القسم الأوّل .

وأمّا ما ربّما يكرّر في كلماته من عدم اختيارية الإرادة وكونها غير قابلة لتعلّق الأمر بها فقد عرفت خلافه آنفاً . كيف ، والتعبّديات كلّها من هذا الباب ؟ وقد وقعت القصد مورد الوجوب ، وقد أوضحنا حقيقة الإرادة واختياريتها في مباحث الطلب والإرادة .

على أنّ الإشكال فيها مشترك الورود ; إذ بناءً على وجوب المقدّمة المطلقة تكون الإرادة غير متعلّقة للوجوب أيضاً ; لاستلزامه التسلسل على مبناه .

ومنها : أنّ الإتيان بالمقدّمة ـ بناءً على وجوب خصوص الموصلة  ـ لا يوجب سقوط الطلب منها حتّى يترتّب الواجب عليها ، مع أنّ السقوط بالإتيان واضح ، فلابدّ وأن يكون لأجل الموافقة(22) .

وفيه : أ نّه مصادرة ; إذ القائل بوجوب المقدّمة الموصلة لا يقول بسقوط مالم  يحصل الوصف ولم يتحقّق القيد ، كما هو الحال في جميع المقيّدات ; إذ الأمر متعلّق بإتيان المقيّد ، والذات لم يتعلّق بها أمر على حدة ، كذات المقدّمة على القول بالمقدّمة الموصلة .

فتلخّص : أنّه لا مانع على القول بوجوب الموصلة من المقدّمات ثبوتاً ، وأمّا مقام الإثبات فسيجيء توضيح الحال فيه(23) .

القول في وجوب المقدّمة حال الإيصال:

وهو القول الخامس الذي نختم به الآراء في هذا الباب ، واختاره شيخنا العلاّمة ـ أعلى الله مقامه ـ وبعض المشايخ من أهل العصر ; حيث إنّهم لمّا وقفوا على أنّ فطرتهم تقضي بوجوب المقدّمة الموصلة ، واستصعبوا بعض ما مرّ من الإشكالات فاختاروا أنّ الواجب هو المقدّمة حال الإيصال لا بشرط الإيصال ; كي يسلم عن الإيراد ، ولا يتخلّف عن حكم الفطرة مهما أمكن .

وتوضيح مقالته : أ نّه يمكن أن يتعلّق الطلب بالمقدّمات في لحاظ الإيصال ، لا مقيّداً به حتّى يلزم المحذورات السابقة ، ولا مطلقاً عن حال الإيصال حتّى يكون الواجب مطلق المقدّمة ، بل الواجب هي المقدّمات المنتظمة الواقعة بحسب الواقع في سلسلة مبادئ المطلوب .

والعلّة في ذلك هو أنّ ذاتها وإن كانت مورداً للإرادة لكن كما كانت مطلوبية المقدّمات في ظرف ملاحظة مجموعها معها لم يكن كلّ واحد من الأجزاء مراداً بنحو الإطلاق ; بحيث يسري الإرادة إلى حال انفكاكه عن باقيها ، ولا بنحو التقييد ; ليلزم المحاذير المتقدّمة .

والحاصل : أنّ المولى إذا تصوّر جميع المقدّمات الملازمة لوجود المطلوب أرادها بذواتها ; لأنّها بهذه الملاحظة لا تنفكّ عن المطلوب الأصلي ، ولو لاحظ مقدّمة منفكّة عمّا عداها لا يريدها جزماً ; إذ المطلوبية في ظرف ملاحظة المجموع الذي لا تنفكّ عن المطلوب الأصلي . والمراد من لحاظ الإيصال ليس دخالة اللحاظ ، وإنّما اُخذ هو مرآةً لما هو الواجب .

فظهر : أنّ الواجب هو ذات المقدّمات في حال ترتّبها وعدم انفكاكها عن ذيها ، لا مطلقة عن الإيصال ولا مقيّدة به ; وإن كان لا ينطبق إلاّ على المقيّدة(24) . هذا توضيح مرامه ، وسيجيء توجيه كلامه ، فارتقب .

وما عـن بعض المحقّقين مـن أهل العصر : أنّ الـواجب هـو المقدّمـة في ظرف الإيصال بنحو القضيـة الحينيـة ـ أي الحصّـة من المقدّمـة التوأمـة مع وجـود سائر المقدّمات الملازمة لوجود ذيها(25) ـ يرجع لبّاً إلى ما اختاره شيخنا  العلاّمة ـ قدس سره ـ  ، الشريف .

وكيف كان فيرد على التقرير الأوّل : أنّه إن كان حال الإيصال دخيلا في حصول الإرادة فلا محالة تكون قيداً للمتعلّق ; إذ لا يعقل دخالته مع عدم أخذه شطراً أو شرطاً ; وإن لم يكن دخيلا فالموضوع ـ لا محالة ـ خلو عن هذه الحال ، فيصدق مع عدمه أيضاً ، وعلى أيّ تقدير ليستلزم المطلوب .

وإن شئت قلت : إنّ حال عدم انفكاك المقدّمات عن المطلوب إن لم تكن دخيلة في وجوب المقدّمة فيكون تعلّق الوجوب عليها في هذه الحالة من باب الاتّفاق لا الدخالة ، فلا يعقل رفع الوجوب عنها مع زوال تلك الحالة ; لأنّ تمام الموضوع للحكم هو نفس الذات ، فلا يعقل مع بقائه رفع الحكم ; وإن كانت دخيلة ، أيّ نحو فرض دخلها . فينطبق على ما اختاره صاحب «الفصول» ـ قدس سره ـ  .

وبذلك يظهر النظر فيما أفاده بعض المحقّقين من التمسّك بحديث الحصّة ، وقد أوعزنا إلى بطلانه غير مرّة(26) ; لأنّ تحصّص الطبيعة وافتراقها عن سائر الحصص في الذهن أو الخارج لأجل انضمام قيود وحدود بها تصير متميّزة عن غيرها ، وإلاّ فهي باقية على إطلاقها ، والتوأمية إذا صارت موجبة لصيرورتها حصّة خاصّة تصير قيداً لها . وما ذكر ليس إلاّ تعويضاً للاسم .

فإن قلت : إنّ أفعال العقلاء وإراداتهم بما أ نّها معلّلة بالأغراض والغايات لها ضيق ذاتي بتبع الأغراض ; فالعلّة الغائية في وعاء التصوّر لها نحو دخالة في تضيّق الإرادة ; إذ لا يعقل تعلّق الإرادة بشيء أوسع ممّا قام به الغرض .

وهذا نظير الضيق في المعاليل التكوينية ; فإنّ للحرارة الخارجية نحو ضيق من جانب علّته لا على نحو التقييد ; لامتناع تقييد المعلول بوجود علّته في مرتبة المعلولية ، ولا على نحو الإطلاق أيضاً ، وإلاّ يلزم أن يكون أوسع من علّته ، بل على وجه لا ينطبق إلاّ على المقيّد .

وعليه : فالغاية لإيجاب المقدّمة هو التوصّل إلى ذيها ، فالموصلية من قبيل العلّة الغائيـة لبروز الإرادة وتعلّق الوجـوب على المقدّمـة ، فلا يعقل أن يسري الإرادة إلى ما لا يترتّب عليه تلك الغاية ، وإلاّ لزم أن يكون السراية بلا غايـة ، بل بلا فاعل أيضاً ; لأنّ العلّة الغائيـة علّـة فاعلية الفاعل ، فإذا فقدت الغاية انتفى الفاعل أيضاً .

كما لا يعقل أن تكون مقيّدة بالعلّة الغائية ; لأنّها متقدّمة تصوّراً متأخّرة وجوداً ، وما شأنه التأخّر وجوداً لا يصير قيداً بوجوده لما يتقدّم عليه بوجوده ، وإلاّ لزم تجافي الموجود عن رتبته، فليس الواجب مطلق المقدّمة ; ولا المقيّدة بالإيصال ، بل مالا ينطبق إلاّ على المقيّد .

قلت : ما قرّرته بصورة الإشكال يؤيّد كون الواجب هو المقدّمة الموصلة ، وتوضيحه : أنّ الأحكام العقلية غير الأحكام الجعلية ، فإنّ الثانية إنّما تتعلّق بموضوعاتها وعناوينها ; وإن كان الملاك شيئاً آخر ، بخلاف الاُولى فإنّ الحكم فيها يتعلّق بالملاك وما هو المناط ، فالجهات التعليلية فيه تصير من قيود الموضوع ، كما سيجيء توضيحه في نقل ما استدلّ به صاحب «الفصول» .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم : أنّ الوجوب هاهنا مستكشف من حكم العقل ، ولا يمكن تخلّفه عمّا هو مناطه في نظره ; ضرورة أنّ العقل إذا أدرك حيثية تامّة لتعلّق حكمه عليها فلا محالة يكون حكمه على تلك الحيثية ، كما لا يستكشف حكماً إلاّ متعلّقاً بتلك الحيثية أيضاً دون موضوع آخر.

فحينئذ لو فرضنا أنّ وجوب المقدّمة لأجل التوصّل إلى ذيها ـ كما قد قبله هؤلاء الأعلام ـ فيكون تلك الحيثية ـ أعني التوصّل إلى ذيها ـ تمام الموضوع لحكم العقل نفسه ، كما هو الموضوع لا غيرها لحكمه الذي استكشفه من الشارع ، وقد تقدّم أ نّه يمتنع أن يكشف حكماً أوسع ممّا أدركه مناطاً . فاللازم هو وجوب المقدّمة المتحيّثة بها ; من حيث إنّها كذلك ، ولايمكن أن تصير تلك الحيثية علّة لسراية الحكم إلى غيرها ، ولا معنى لجعل الحكم على ذات المقدّمة مع الاعتراف لما هو المناط لحكم العقل .

وأمّا حديث امتناع تقييد الشيء بعلّته أو غايته فإنّما هو في العلل التكوينية والغايات الواقعية ، فيمتنع تقييدها بمعلولاتها ، لا في الأحكام والموضوعات ; إذ يمكن أن يتعلّق الحكم بالمقدّمة المتقيّدة بالإيصال ، وكذا الحبّ والإرادة ، من غير لزوم التجافي في نفس الأمر .

وبالجملة : المقدّمة قد تكون موصلة ، وقد لا تكون كذلك ، فحينئذ يمكن أن يتعلّق الإرادة بالموصلة بما هي كذلك وكذا يمكن أن يجعل الحاكم موضوع حكمه كذلك ، وإن لم يكن الواقع مقيّداً ، كما أ نّه يمكن أن يصير موضوع الإرادة والحكم اُموراً غير مربوطة في نفس الأمر ومربوطة في موضوعية الحكم والإرادة ، كما في الموضوعات الاعتبارية والمركّبات الاختراعية .

الاستدلال بالدليل العقلي على وجوب المقدّمة الموصلة:

ثمّ إنّ التحقيق على فرض الملازمة بين الوجوبين هو وجوب المقدّمة الموصلة ، وقد استدلّ عليه صاحب «الفصول» بوجوه ; أمتنها ما ذكره أخيراً من أنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب ، فلا جرم يكون التوصّل بها إليه ، وحصوله معتبراً في مطلوبيتها ، فلا تكون مطلوبة إذا انفكّت عنه(27) .

ولا يخفى : أنّ ما ذكره ينحلّ إلى مقدّمتين ، ونقول توضيحاً لمراده :

أمّا الاُولى منهما : فلأنّ الميز بين المطلوب الذاتي والعرضي هو أنّ السؤال يقف عند الاُولى دون الثانية ، فلو اُجيب عن قول السائل لماذا وجبت المقدّمة ؟ بأنّها موقوف عليها ; سواء توصل بها أم لا لَما ينقطع سؤالـه لو استشعر بأنّ المقدّمـة في حدّ ذاتها غير محبوبة ولا مطلوبة، فيختلج في باله أنّ الإيجاب بنحو الإطلاق لماذا ؟

نعم ، لو اُجيب بأ نّها وجبت كي يتوصّل بها إلى المقصد والغرض الأعلى لوقف عن التزلزل ، واستراح فكره ، وبعبارة اُخرى : أنّ ملاك مطلوبية المقدّمة ليس مجرّد التوقّف ، بل ملاكه هو حيثية التوصّل بها إلى ذي المقدّمة ، فذات المقدّمة وحيثية توقّف ذيها عليها لا تكونان مطلوبتين بالذات ، ويشهد عليه الوجدان ; إذ المطلوبية الغيرية إنّما هي لأجل الوصول إليه ، بل لو فرض إمكان انفكاك التوقّف والتوصّل خارجاً كان المطلوب هو الثاني دون الأوّل .

وأمّا الثانية : فبما أسمعناك من الفرق بين القوانين الجعليـة والأحكام العقلية ; فإنّ الغايات عناوين الموضوعات في الثانية ; ولذلك ترجع الجهات التعليليـة فيها إلى التقييدية دون الاُولى ; إذ يصحّ فيها جعل الحكم على عنوان يترتّب عليه الغاية دون نفس الغاية والملاك ، لجهل المكلّف بما هو المناط كجعل الحكم على الصلاة التي هي عدّة أفعال ، ولكن الملاك واقعاً هي غاياتها المترتّبة المجهولة ، ولا يصحّ ذلك في المستكشفات العقلية ; لتحليل العقل وتجزئته ما هو دخيل عمّا ليس كذلك .

وبذلك يظهر : أنّ كون الأحكام الشرعية متعلّقة بالعناوين لأجل المصالح والمفاسد لا يكون نقضاً للقاعدة المبرهنة في محلّه ، وقد أوعزنا إليه في جواب الإشكال المتقدّم .

وحاصل الكلام في توضيح هذه القاعدة : أنّ حكم العقل بحسن شيء أو قبحه إنّما هو لأجل اشتماله على وجود ملاك فيه ، فلو فرضنا ذاتاً واحدة جامعة لحيثيات ـ  كالمقدّمة  ـ وفرضنا أنّ ما هو الوجه لحكمه أحد الحيثيات دون غيرها ـ  كما أوضحناه في المقدّمة الاُولى ـ فلا حكم للعقل إلاّ على هذه الحيثية دون غيرها .

فلو حكم مع هذا الإدراك على الذات المجرّدة أو على حيثية اُخرى لكان حكماً بلا ملاك ، وهو لا يتصوّر في الأحكام العقلية . فما هو موضوع للحسن أو القبح هو هذا الملاك ، والموصوف بالملاك يكون محبوباً بالعرض والمجاز .

فاتّضح : أنّ ما هو الغرض من الإيجاب هو التوصّل في نظر العقل ببركة المقدّمة الاُولى ، وأنّ الموضوع للحكم هو هذه الحيثية لا غير بمقتضى المقدّمة الثانية ، والمحصّل هو وجوب المقدّمة الموصلة على فرض الملازمة .

وبما قرّرناه يظهر : اندفاع ما زعمه المحقّق الخـراساني إشكالا للمطلب مـن أنّ الغرض من وجوب المقدّمة ليس إلاّ حصول ما لولاه لما أمكن حصول ذيها . . . إلى آخره(28) .

وفيه : أنّك قد عرفت أنّ السؤال لا يقف لو اُجيب بما جعله غاية للإيجاب .

ومثله في الضعف : ما أفاده بقوله من أ نّه لا يعقل أن يكون ترتّب الواجب هو الغرض الداعي ; فإنّه ليس أثر تمام المقدّمات ; فضلا عن إحداها .

 

هذا ، وقد بان جوابه ممّا مرّ ;  لأنّه مبني على القول بامتناع وقوع الإرادة متعلّق الأمر ، وقد تقدّم(29)  صحّـة وقوعه في التعبّديات . ويمكن أن يقال ـ  مع تسليمه على تقدير خروج الإرادة منها  ـ إنّ المراد من الموصلة هو سائر المقدّمات التي يتوصّل بها إلى الواجب بعد ضمّ الإرادة إليها على نحو لا يحتاج حصول الواجب إلى أزيد من انضمام إرادة المكلّف إليها ، فالغرض بهذا المعنى مترتّب دائماً على المقدّمات .

وتوهّم استلزامه دخول الغاية في حدّ ذيها لا يضرّ بالنسبة إلى الأحكام العقلية التي ترجع القيود التعليلية فيها إلى التقييدية ، وتبدّل الغايات إلى عناوين الموضوعات .

وبالتدبّر فيما حقّقناه من أ نّه قيد للواجب بالمعنى الاسمي لا الانتزاعي تعرف حال بقية الإشكالات ، فتدبّر .

ثمّ إنّ بعض الأعيان من المحقّقين ـ مع اعترافه بأنّ الحيثيات التعليلية في الأحكام العقلية كلّها ترجع إلى التقييدية ، وأنّ الغايات عناوين للموضوعات ـ وجّه كلام القائل بالمقدّمة الموصلة بوجهين :

الأوّل : أنّ الغرض الأصيل حيث إنّه مترتّب على وجود المعلول فالغرض التبعي من أجزاء علّته هو ترتّب وجوده على وجودها إذا وقعت على ما هي عليه ; من اتّصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية . فوقوع كلّ مقدّمة على صفة المقدّمة الفعلية ملازم لوقوع الاُخرى على تلك الصفة ، وإلاّ فذات الشرط المجرّد عن السبب أو بالعكس مقدّمة بالقوّة لا بالفعل ومثلها غير مرتبط بالغرض الأصيل(30) .

وفيه : أنّ الوجه في العدول عن المقدّمة الموصلة إلى المقدّمة الفعلية غير ظاهر ; سوى الفرار عن الإشكالات المتوهّمة المردودة ، وقد عرفت حالها .

أضف إليه : أنّ ما هو الملاك في نظر العقل إنّما هو حيثية التوصّل ، لا كونها مقدّمة بالفعل ، ولا اتّصاف السبب بالسببية والشرط بالشرطية .

وعليه : يكون المتعلّق بالذات للإرادة هو المقدّمة بهذه الحيثية لا بحيثيات آخر ، وأ مّا السبب الفعلي بما هو كذلك لا تتعلّق به الإرادة بهذه الحيثية . وكون السبب الفعلي ملازماً لحصول المطلوب في الخارج لا يوجب أن تكون مطلوبة بالذات ، وكذا سائر العناوين ; من العلّة التامّة وكلّ ما هو ملازم لوجود المطلوب .

الثاني : أنّ المعلول لمّا كان متعلّق الغرض فلا محالة تكون علّته التامّة متعلّقة للغرض بالتبع ، وكما أنّ الإرادة المتعلّقة بالمعلول واحدة ـ  وإن كان مركّباً  ـ كذلك الإرادة المتعلّقة بالعلّة التامّة واحدة ـ  وإن كانت مركّبة  ـ والملاك في وحدة الإرادة هو وحدة الغرض . فالإرادة المتعلّقة بالعلّة المركّبة لا يسقط إلاّ بعد حصولها الملازم لحصول المعلول(31) ، انتهى .

قلت يرد عليه مضافاً إلى ما أوردنا على الوجه الأوّل ـ من أنّ ما هو الملاك عند العقل هو حيثية الموصلية ; إذ غيرها من العناوين الملازمة لها مطلوب بالعرض ، فالعلّة التامّة بما هي كذلك لا تتعلّق بها إرادة ـ أنّ العلّة المركّبة بما أ نّها ذات أجزاء ـ من شرط وسبب ومعدّ وعدم المانع ـ وليست بينها جامع ذاتي ولا يكون من قبيل التوليديات ، تتعلّق بكلّ واحد إرادة مستقلّة ; لوجود مناط الوجوب في كلّ واحد من التوصّل إلى ذيها .

وبعبارة اُخرى : أنّ العلّة التامّة في العلل المركّبة عنوان ينتزع من اُمور مختلفة في التأثير ، ولا يتعلّق بهذا العنوان الانتزاعي غرض ولا إرادة . فلا محيص عن القول بأنّ العقل يفصّل الاُمور ويحلّلها ويعطي كلّ جزء حقّه ، فشأنه تفكيك الاُمور لا تلفيقها ، ولا رؤية المجموع وإهمال الحيثيات .

___________

1 ـ اُنظر مطارح الأنظار : 72 / السطر الأوّل .

2 ـ معالم الدين : 71 .

3 ـ اُنظر كفاية الاُصول : 143 .

4 ـ مطارح الأنظار : 75 ـ 76 .

5 ـ مطارح الأنظار : 72 / السطر21 .

6 ـ نفس المصدر : 72 / السطر5 .

7 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 385 .

8 ـ مطارح الأنظار : 72 / السطر24 .

9 ـ مطارح الأنظار : 72 / السطر8  و14 و73 / السطر2 .

10 ـ نهاية الدراية 2 : 133 .

11 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 387 .

12 ـ تقدّم في الصفحة 363 .

13 ـ كفاية الاُصول : 95 ـ 96 .

14 ـ الفصول الغروية : 81 / السطر4 و 86 / السطر12 .

15 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 290 .

16 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 116 ـ 118 .

17ـ نفس المصدر : 119 .

18 ـ أجود التقريرات 1 : 237 ـ 238 .

19 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 290 .

20 ـ لمحات الاُصول : 154 .

21 ـ كفاية الاُصول : 145 ـ 146 .

22 ـ كفاية الاُصول : 146 .

23 ـ يأتي في الصفحة 378 .

24 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 119 .

25 ـ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 389 و 392 .

26 ـ تقدّم في الصفحة 27 و 98 ـ 99 و 103 .

27 ـ الفصول الغروية : 86 / السطر22 .

28 ـ كفاية الاُصول : 145 .

29 ـ تقدّم في الصفحة 370 و 373 .

30 ـ نهاية الدراية 2 : 138 .

31 ـ نفس المصدر .

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.