المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7556 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
شروط امتداد الخصومة
2024-07-01
زوال صفة الخصم وامتداد الخصومة
2024-07-01
خصومة الوارث غير الحائز للعين
2024-07-01
خصومة الوارث الحائز للعين
2024-07-01
2024-07-01
موانئ التموين
2024-07-01

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


اجتماع الامر والنهي  
  
524   11:16 صباحاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص .408
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

قد اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهي  في وجود واحد بجهتين ولكونه مجمع العنوانين على اقوال ثالثها الجواز عقلا والامتناع عرفا وتوضيح المقصد يقتضى رسم امور:

 الاول: لا يخفى عليك ان المسألة حيث كانت نتيجتها مما تقع في طريق الاستنباط تكون من المسائل العقلية الاصولية، لا من مباديها الاحكامية، فانه مضافا إلى بعده لا يناسب ايضا ظهور عنوان البحث وهو جواز الاجتماع وعدم جوازه والا لاقتضى تحرير عنوانه بالبحث عن لوازم الوجوب والحرمة، ولا من المسائل الكلامية ايضا، إذ ذلك مضافا إلى ما عرفت من النتيجة نقول بان المهم عند الفريقين بعد ان كان في سراية النهي  إلى متعلق الامر وموضوعه عند وحدة المجمع وجود وعدمه يكون مرجع البحث إلى البحث عن اصل اجتماع الحكمين المتضادين وعدمه في موضوع واحد ومن المعلوم حينئذ عدم ارتباط ذلك بمسألة التكليف بالمحال كي يندرج بذلك في المسائل الكلامية المتنازع فيها بين الاشاعرة وغيرهم، إذ حينئذ على السراية يكون التكليف بنفسه محالا حتى بمبادئه من الاشتياق والمحبوبية باعتبار كونه من اجتماع الضدين في موضوع واحد لا انه تكليف بالمحال وبما لا يقدر عليه المكلف، كما لا يخفى، واما احتمال كونها من المسائل الفرعية فبعيد غايته عن ظاهر عنوان البحث المزبور حيث لا يكاد مناسبته مع كونها مسألة فرعية.

وهذا بخلاف مسألة مقدمة الواجب فان الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة حيث كانت وجوب مقدمة الواجب شرعا امكن فيها اندراجه في المسألة الفرعية وان كان التحقيق في ذلك المقام ايضا خلافه كما عرفت.

 ثم انه مما ذكرنا ظهر ايضا كون المسألة عقلية محضة حيث كانت من الملازمات العقلية الغير المستقلة فكان ذكرها في المقام حينئذ لمحض المناسبة لا انها لفظية كما ربما يوهمه التعبير بالأمر والنهي  الظاهرين في الطلب بالقول ولذلك يجري هذا لنزاع فيما لو كان ثبوت الوجوب والحرمة بغير اللفظ من اجماع ونحو ايضا، واما القول بالامتناع العرفي فليس المقصود منه دلالة اللفظ على الامتناع بل المقصود منه هو كون الواحد ذي الوجهين واحدا بنظر العرف وان كان اثنين بحسب الدقة العقلية كما هو واضح.

الثاني من الامور المراد من الواحد المبحوث عنه في العنوان هو مطلق ما هو مندرج تحت العنوانين اللذين تعلق بأحدهما الامر وبالآخر النهي  وان كان كليا كالصلاة في المغصوب حيث انها باعتبار صدقها على كثيرين تكون كليا ومع ذلك يكون ذا وجهين ومجمع للعنوانين لا الواحد السنخي الذي لا يكون مجمعا للعنوانين كما في السجود لله وللشمس والقمر ونحو ذلك مما تعدد فيه متعلق الامر والنهي  وجودا. بل ولئن تأملت ترى اختصاصه ايضا بالواحد الكلي وعدم شموله لما يعمه والشخصي كشخص الصلاة الواقعة في هذا الغصب، إذ ذلك ايضا وان كان مجمعا للعنوانين ولو بتوسيط كلي عنوان الصلاة في الغصب الا ان المناسب للمسألة بعد كونها اصولية لا فقهية هو خصوص الكلي دون ما يعمه والشخصي، كما هو واضح. نعم لو قيل بكونها أي المسألة من المبادي الاحكامية لا من المسائل الاصولية لامكن دعوى تعميم المراد لما يعم الكلي والشخصي، ولكن ذلك ايضا لو لا دعوى انصراف العنوان إلى ما هو مجمع العنوانين ومصداق لهما بلا واسطة، فان مصداقية شخص هذه الصلاة الواقعة في الغصب للكليين بعد ان كان بتوسيط كلى الصلاة في الغصب فقهر بمقتضي الانصراف المزبور يختص الواحد المبحوث عنه في العنوان بالواحد الكلي ولا يكاد يعمه والواحد الشخصي كما لا يخفى، بل قد يقال حينئذ بعدم امكان شمول العنوان ولو مع قطع النظر عن الانصراف لما يعم الكلي والشخصي نظرا إلى عدم امكان كون الواحد الشخصي مصداقا للجامع في عرض الكلي فتدبر.  

الثالث من الامور: لا يخفى عليك ان عمدة النزاع بين الفريقين في هذه المسألة انما هو في سراية النهي  إلى موضوع الامر ومتعلقه عند وحدة المجمع وجودا أو عدمه، فكان القائل بالجواز يدعى عدم السراية والقائل بالامتناع يدعى السراية، ومن هذه الجهة يكون تمام البحث بين الفريقين صغرويا محضا والا فعلى فرض السراية المزبورة لا يكاد يظن من احد الالتزام بالجواز، كما انه في فرض عدم السراية وتعدد المتعلقين في المجمع لا يظن من احد الالتزام بالامتناع، ومن ذلك ترى ان القائل بالجواز تمام همه اتمام عدم السراية اما بنحو مكثرية الجهات اومن جهة تعدد حدود الشيء أو غير ذلك، وحيث كان كذلك نقول:

ان مدرك القول بالجواز على ما يأتي بيانه مفصلا تارة يكون من حيث مكثرية الجهات بنحو يكون الوجود الواحد مجمع الجهتين ومركز الحيثين فيكون احدى الجهتين معروض الامر والاخرى معروض النهي  غايته انه كان المركزان موجودين بوجود واحد من غير فرق عنده بين كون متعلق الامر صرف وجود الشيء أو الوجود الساري ولا بين كون متعلقه هو الطبيعي أو الافراد بدوا أو بتوسيط السراية إليها من الطبيعي.

واخرى يكون مبنى الجواز من جهة وقوف الامر على نفس الطبيعي وعدم سرايته إلى الفرد ولا إلى الوجود خارجا وان لم يكن اختلاف بين العنوانين بحسب المنشأ ولا كان تكثر جهة في البين اصل كما عن المسلك المتقدم. وثالثة يكون من جهة اختلاف انحاء حدود الشيء الواحد بنحو ينتزع من مراتب وجود الشيء واحد من كل حد ومرتبة عنوان غير ما ينتزع من المرتبة الاخرى منه كما عرفت تحقيقه في مبحث الواجب التخييري حيث قلنا فيه بإمكان ان يكون الشيء الواحد مع وحدته وجودا ومهية ببعض حدوده تحت الالزام وببعض حدوده تحت الترخيص فيكون الشيء على هذا المسلك مع وحدته وجودا وجهة ببعض حدوده تحت الامر وببعض حدوده الآخر تحت النهي .

واذ عرفت ذلك نقول بانه بعد هذا الاختلاف في مسالك الجواز وتعدد المشارب المزبورة فيه، لا وجه لتحديد مركز النزاع في عنوان المسألة بصورة اختلاف العنوانين حقيقة وتباينهما منشأ. كما انه لا وجه ايضا لتحرير المسألة باجتماع الامر والنهي  الظاهرين في الفعلية في وجود واحد ولو بجهتين، حيث ان ذلك مما لا يكاد يصح على شيء من المشارب المزبورة.

 وذلك: اما على مشرب مكثرية الجهات فظاهر لوضوح ان تكثر الجهة انما كان يجدي في رفع محذور اجتماع الضدين لا في رفع محذور التكليف بالمحال ومالا يطاق فلا يكاد يمكن حينئذ اجتماع الامر الفعلي ولو بجهة مع النهي  الفعلي بجهة اخرى في المجمع مع كون الجهتين متلازمتين وجودا، وذلك من غير فرق بين كون متعلق الامر هو الوجود الساري المنتج لوجوب الحصص الفردية كل واحدة منها على التعيين أو صرف الوجود المنتج للوجوب التخييري في الافراد، إذ كما انه لا يمكن الامر التعييني بالمجمع ولو بجهة مع النهي  عنه بجهة اخرى ملازمة معها وجودا من جهة كونه من التكليف بالمحال وبما لا يطاق كذلك ايضا لا يمكن الامر التخييري به مع النهي  المزبور الموجب لمبغوضية الوجود من جهة ان مرجع التخيير كما عرفت انما هو إلى كون ترك هذا المجمع بلا بدل منهيا عنه ومثل هذا المعنى لا يكاد يجامع النهي  عنه الموجب لمبغوضية وجوده المستتبع لمحبوبية تركه ولو، لا إلى بدل، واما الالتزام باشتراط المندوحة حينئذ في تصحيح فعلية الامر والنهي  فهو كما ترى حيث لا يكاد يجدي وجود المندوحة حينئذ في تصحيحها على مثل هذا المسلك بل انما يجدي ذلك على مسلك من سلك الجواز من جهة عدم سراية الامر من الطبيعي إلى الفرد. ومن هذا البيان ظهر لك الحال ايضا على مسلك مكثرية حدود الشيء واختلاف انحاء حفظ وجوده فانه على هذا المسلك ايضا لا يكاد يمكن اجتماع الامر والنهي  الفعليين في شيء واحد باختلاف انحاء حدوده من جهة استلزامه للتكليف بالمحال وان كان معروض التكليفيين مختلفين من جهة ما عرفت من ان مثل هذا الاختلاف في الحدود انما كان يجدي في رفع محذور اجتماع الضدين لا في محذور التكليف بما لا يطاق.

 واما اشتراط المندوحة فلقد عرفت عدم اجدائه على هذا المسلك ايضا في رفع غائلة التكليف بالمحال.

نعم انما يجدي ذلك على مسلك من سلك الجواز من جهة عدم سراية الامر من الطبائع إلى الافراد والتزامه بعدم وجوب الفرد بالوجوب التخييري الشرعي ولكنه على هذا المسلك ايضا لا يكاد انتهاء النوبة إلى اجتماع الامر والنهي  الفعليين في المجمع.

إذ لم يتعلق حينئذ امر شرعي بالمجمع ولو تخييرا لا بدوا ولا بتوسيط السراية من الطبيعي حتى يكون فيه اجتماع الامر والنهي  كما هو واضح. وحينئذ فعلى جميع هذه المسالك والمشارب المزبورة في الجواز لا يصح تحرير عنوان المسألة باجتماع الامر والنهي  الظاهرين في الفعلية بوجه اصلا كما لا يخفى، هذا.

ولكن الذي يسهل الخطب في المقام هو كون المهم عند القائل بالجواز على جميع المسالك والمشارك المزبورة عبارة عن تصحيح العبادة في المجمع، وحيث انه أي التصحيح المزبور غير مبتن على فعلية الامر والتكليف في المجمع بل يكفى فيه مجرد رجحانه الغير المنوط بالقدرة كما هو كذلك ايضا في مثل الضد العبادي المبتلى بالاهم فل يحتاج إلى اثبات فعلية الامر والتكليف في المجمع كي يتوجه الاشكال المزبور ويبتنى على بعض المسالك وهو مسلك عدم السراية، مع انه على فرض الاحتياج إلى الامر الفعلي ايضا في تصحيح العبادة امكن اثباته بنحو الترتب، كما لا يخفى.

 

الرابع من الامور في الفرق بين المسألة وبين مسألة النهي  في العبادات فنقول: قد يقال كما في الفصول في الفرق بين المسئلتين ما هذا لفظه وعبارته: اعم ان الفرق بين المقام والمقام المتقدم وهو ان الامر والنهي  هل يجتمعان في شيء واحد اولا اما في المعاملات فظاهر واما في العبادات فهو ان النزاع هناك فيما إذا تعلق الامر والنهي  بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة ولو كان بينهما العموم المطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد بان تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد (انتهى) ، ولكنه فاسد لما عرفت من اختلاف المباني والمشارب في الجواز إذ نقول حينئذ بعدم تماميته على جميع المشارب المزبورة حتى مشرب مكثرية الحدود إذ عليه يجرى هذا النزاع ولو مع اتحاد المتعلقين حقيقة كقوله صل ولا تصل في مكان كذا حيث تكون الصلاة حينئذ ببعض حدوده تحت الامر وببعض حدودها الاخرى تحت النهي  ومن ذلك قلنا بعدم احتياج مثل هذا المسلك إلى اختلاف العنوانين بحسب الجهة والمنشأ كما في مسلك تعدد الجهة وانه يكتفى فيه بمجرد اختلاف انحاء حدود شيء واحد وجهة فاردة.

 

وفي الكفاية : ان الفرق بين المسئلتين هو ان الجهة المبحوث عنها في المقام في اصل سراية كل من الامر والنهي  إلى متعلق الآخر لاتحاد متعلقيهما وجودا وعدم سرايته من جهة تعددهما جهة، بخلاف مسألة النهي  في العبادات، فان الجهة المبحوث عنها في تلك المسألة انما هي في اقتضاء النهي  لفساد العبادة بعد الفراغ عن تعلقه بها والتوجه إليها فلا يرتبط حينئذ احدى المسئلتين بالأخرى، نعم على القول بالسراية والامتناع وتقديم جانب النهي  يكون المقام من صغريات المسألة الآتية حيث يبحث فيها حينئذ عن اقتضاء ذلك النهي  لفساد العبادة وعدمه هذا، ولكن فيه مالا يخفى إذ نقول بانه لا وجه لجعل المسألة على الامتناع وتقديم جانب النهي  من صغريات تلك المسألة الآتية لضرورة وضوح الفرق مع ذلك بين المسئلتين حيث ان الفساد في المقام على الامتناع وتقديم النهي  انما كان مستندا إلى العلم بالنهي لا إلى النهي  بوجوده الواقعي بل في الحقيقة يكون الفساد في المقام حينئذ من جهة انتفاء قصد القربة من جهة انه مع العلم بالنهي لا يكاد يتحقق القرب المعتبر في صحة العبادة، بخلافه في المسألة الآتية حيث ان الفساد فيها انما كان مستندا إلى نفس النهي  بوجوده الواقعي ومن ذلك لا يكاد يفرق فيها بين العلم بالنهي أو الجهل به فتفسد العبادة على كل حال ومن المعلوم انه لا يكون الوجه فيه الا من جهة انتفاء الملاك والمصلحة فيها وكشف النهي  عنها عن تخصيص الملاك والمصلحة من الاول بما عدا هذا الفرد المنهى عنه من الافراد الاخر ومن ذلك يندرج تلك المسألة في مسألة تعارض الدليلين وتكاذبهما، من جهة تكاذب الدليلين حينئذ وتمانعهما في اصل الملاك والمصلحة ايضا مضافا عن تمانعهما في مقام الحكم فلابد حينئد من اعمال قواعد التعارض فيهما بالرجوع إلى المرجحات السندية، وهذا بخلاف المقام حيث انه باعتبار وجود الملاكين فيهما يندرج في صغريات مسألة التزاحم ولو على الامتناع ايضا نظرا إلى تحقق المزاحمة حينئذ بين الملاكين في عالم التأثير في الرجحان والمرجوحية كما يكشف عنه حكمهم بصحة العبادة في الغصب مع الغفلة أو الجهل بالموضوع أو الحكم عن قصور لا عن تقصير ولو مع البناء على تقديم جانب النهي  حيث انه لو لا ذلك لما كان وجه لحكمهم بالصحة مع الجهل بالموضوع أو الحكم بل لابد من الحكم بالبطلان وفساد العبادة مطلق كما هو واضح، ومن ذلك نقول ايضا في المقام بلزوم الرجوع فيه إلى قواعد باب التزاحم فيقدم ما هو الاقوى من الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية وان كان اضعف سندا من غيره، لا إلى قواعد باب التعارض والترجيح بالمرجحات السندية من حيث العدالة والوثوق، كما هو واضح. ومن ذلك البيان ظهر فساد ما افيد كما عن بعض الاعلام (دام ظله) (1) على ما قرر من اندراج مورد التصادق في المقام على الامتناع في صغرى باب التعارض نظير العامين من وجه كالعالم والفاسق فيما لو ورد الامر بإكرام العالم والنهي عن اكرام الفاسق، بدعوى ان التزاحم انما يكون بين الحكمين في عالم صرف قدرة المكلف على الامتثال بعد الفراغ عن اصل تشريع الاحكام حسب ما تقتضيه الملاكات، كما في الضدين مثلا، وفي مورد اتفاق اتحاد متعلق الحكمين في الوجود مع كون المتعلقين متغايرين بالذات ومختلفين بالهوية، واما التزاحم بين الملاكين في عالم تشريع الاحكام وجعلها فهو غير مرتبط بباب التزاحم بل هو مندرج في صغرى باب التعارض الذي ملاكه تنافى الدليلين باعتبار مدلوليهما في مقام الجعل والتشريع. إذ فيه ما لا يخفى، إذ نقول: بانه لا وجه لما افيد الا الجمود بظاهر لفظ تزاحم الحكمين والا فلا نعنى نحن من باب التزاحم الا صورة الجزم بوجود الملاكين والغرضين في المورد مع ضيق خناق المولى من تحصيلهما الذي من نتائجه لزوم تقديم اقوى الملاكين منهما وان كان اضعف سندا من الآخر، ومنها لزوم تقديم مالا بدل له بحكم العقل في التأثير في فعلية حكمه وتشريعه على ماله البدل، ومنها تقديم المطلق منهما بحكم العقل على المشروط بالقدرة، ومنها غير ذلك من نتائج باب التزاحم، كما انه لا نعنى من باب التعارض الا صورة عدم احراز الملاكين والغرضين في المورد بل صورة العلم بعدم وجود الغرض في احد الموردين الذي من نتائجه ايضا الرجوع إلى قواعد التعارض من الترجيح بالمرجحات السندية بالأعدلية والأوثقية ونحوهما والتخيير في الاخذ بأحد الخبرين عند فقد المرجحات أو تساوى الخبرين فيه بمقتضي اخبار العلاج، وعلى ذلك فكل مورد احرز فيه وجود الغرضين كان ذلك داخلا في باب التزاحم ويجري عليه احكامه من غير فرق في ذلك بين ان يكون تزاحم الغرضين والملاكين في عالم تأثيرهما في الرجحان والمرجوحية كما في المقام على الامتناع، أو كان التزاحم بينهما في عالم الوجود ومقام التأثير في فعلية الحكمين. وكل مورد لم يحرز فيه وجود الملاكين والغرضين على الاطلاق بل احرز عدم وجود الملاك والغرض في احد الموردين يكون ذلك من باب التعارض الذي من حكمه الاخذ بالأرجح سندا من حيث العدالة والوثوق.

 وعليه نقول: بانه بعد ان احرز في المقام وجود الملاكين والغرضين على الاطلاق في المجمع ولو على القول بالامتناع بشهادة اعمالهم فيه نتائج باب التزاحم وحكمهم بصحة الصلاة مع الجهل بالغصبية أو بحرمته فلا وجه لإخراج مورد التصادق على الامتناع عن باب التزاحم وادراجه في صغريات باب التعارض على خلاف مشى القوم في ذلك، الا إذا كان لك اصطلاح خاص في ذلك، هذا. مع انه نقول بان ما افيد من الضابط في بيان الفرق بين البابين وجعله التزاحم باعتبار تنافي الحكمين في مقام الامتثال وفي عالم صرف قدرة المكلف على الامتثال بعد تشريع الاحكام وجعلها على طبق ما اقتضته الملاكات انما يتم بناء على كون القدرة ايضا كالعلم من شرائط تنجز الخطابات والتكاليف، والا فبناء على ما هو التحقيق وعليه ايضا بناء الاصحاب من الفرق بين القدرة والعلم من رجوع القدرة ولو بحكم العقل إلى كونها شرطا لأصل فعلية الخطاب والتكليف في مرحلة سابقة عن تنجزه، بخلاف العلم فانه باعتبار كونه في رتبة لاحقة عن الخطاب غير صالح لتقييد اصل مضمون الخطاب فلابد فيه من رجوعه إلى كونه من شرائط تنجزه لا من شرائط نفسه، فلا جرم عند عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما لا تنتهى النوبة إلى مقام تشريع الحكمين على الاطلاق حتى في مثل الضدين نظير عدم تشريع اطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه ولازمه حينئذ هو المصير إلى دعوى اندراجه ايضا في صغرى باب التعارض مع انهكما ترى لا يكاد التزامه به. واما دعوى الالتزام حينئذ بكون القدرة ايضا كالعلم من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط اصل التكليف وفعليته فمدفوعة بانه مع كونه خلاف التحقيق مناف ايضا لما ذهب إليه هو (قدس سره) في مبحث الضد من الالتزام بالترتب في تصحيح الامر بالضدين فانه لو لا كونها شرطا ولو بحكم العقل في اصل توجيه التكليف الفعلي إلى المكلف لما يحتاج في اثبات فعلية الامر بالضدين إلى تكلف الترتب بجعل احد الامرين منوطا بعصيان الامر بالاهم وفى الرتبة المتأخرة عن سقوطه كما هو واضح وحينئذ فيتجه عليه الاشكال المزبور من لزوم مصيره في مثل الضدين والمتلازمين اللذين يلازم امتثال احدهما مخالفة الاخر إلى الاندراج في صغرى باب التعارض من جهة امتناع تشريع حكمين فعليين يلزم من امتثال احدهما مخالفة الآخر ولزوم كون الحكم الفعلي في مقام الجعل والتشريع على طبق احد الملاكين واما دعوى الالتزام بذلك حينئذ في فرض كون التلازم دائميا كاستقبال القبلة واستدبار الجدى في قطر العراق دون ما لو كان التلازم اتفاقيا فيدفعها منع الفارق بينهما حيث انه لو كانت القدرة من شرائط نفس التكليف السابق عن مرحلة تنجزه لا يكاد يفرق في الاستحالة بين العجز الدائم أو الحاصل من باب الاتفاق فكما انه يمتنع اصل تشريع الحكمين في فرض كون العجز دائميا، كذلك يمتنع اطلاق تشريع الحكمين على الثاني ايضا بنحو يشمل مورد العجز من باب الاتفاق نظير امتناع تشريع الحكمين على الاطلاق في العامين من وجه الشامل للمجمع، إذ لا فرق بينهما حينئذ الا من جهة كون الممتنع على الاول اصل تشريع الحكمين وفي الثاني اطلاق تشريعهما، وحينئذ فلابد من ادراج مورد العجز الحاصل من باب الاتفاق ايضا في باب التعارض بين الاطلاقين، لا التفكيك بينهم بأدراج العجز الدائمي في صغرى باب التعارض والعجز الاتفاقي في صغرى باب التزاحم، وتوهم ان التفكيك المزبور حينئذ من جهة لغوية اصل التشريع في العجز الدائمي بخلافه في العجز الاتفاقي حيث يحسن معه اصل تشريع الحكمين ويحسن معه الخطابان ايضا يدفعه ان لازم ذلك هو الالتزام بمثله في الجهل ايضا فلابد فيه من الفرق بين الجهل بالخطاب وعدم العلم به للتالي وبين غيره لا بالتزام تقييد الخطاب به في الاول دون الثاني مع انه كما ترى حيث ان العلم والجهل باعتبار كونهما في رتبة متأخرة عن الخطاب غير صالحين لتقيد مضمون الخطاب بهما، كما هو واضح. وسيأتي مزيد بيان لذلك في تنبيهات المسألة ان شاء الله تعالى.

 

 الخامس من الامور ان العناوين المنتزعة عن وجود واحد تارة يكون اختلافها في صرف كيفية النظر بلا اختلاف فيها بحسب المنظور والمنشأ نظير الاختلاف من حيث الاجمال والتفصيل كالانسان وحيوان ناطق حيث كان الاختلاف بينهم ممحضا بصرف كيفية النظر من حيث الاجمال والتفصيل والا وفى الحقيقة لا يكون المنظور فيهما الا شيئا واحدا، ونظير الاختلاف بنحو اللابشرطية والبشرط لائية كما بين الهيولى والجنس بناء على انتزاعهما عن جهة واحدة إذ حينئذ يكون تمام الفرق بينهم من جهة كيفية النطر من حيث اللابشرطية والبشرط لائية فإذا لوحظ تلك الجهة بشرط لا بنحو يرى كونها في قبال الغير يكون مفهوم الهيولي، وإذا لوحظت لا بشرط - بأن لوحظ ذاتها المحفوظة بين الحدين بلا لحاظ حد في الملحوظ بنحو يرى كونها في قبال الغير يكون مفهوم الحيوان.

 واخرى: يكون اختلافها من جهة اختلاف في منظورها لا انه كان الاختلاف بينه ممحضا بصرف كيفية النظر وذلك ايضا تارة بنحو يحكى كل عنوان عن جهة خارجية متأصلة ولو كانت من المحمولات بالضميمة كعناوين الاوصاف الحاكية عن الكم والكيف والفعل والاين ونحو ذلك، واخرى بنحو يحكى كل عنوان عن جهة غير متأصلة في الخارج وذلك ايضا على قسمين: فان المحكي حينئذ تارة يكون عبارة عن الاضافات والنسب الخارجية التي كان لها ايضا نحو خارجية اما بالالتزام بحظ من الوجود لها كما قيل، واما بان الخارج كان ظرفا لنفسها ولو لا لوجودها وبالجملة كانت من الامور التي لها واقعية ولا تنوط في واقعيتها بلحاظ لا حظ واعتبار معتبر بل لو لم يكن في العالم لاحظ ومعتبر كان لمثل تلك الامور جهة واقعية كما في الفوقية والتحتية وامثالهما، واخرى عبارة عن الامور الاعتبارية المتأصلة ولو في عالم الاعتبار وبالجملة كانت من الاعتباريات التي له واقعية عند تحقق مناشئها بحيث كان اللحاظ طريقا إليها كالملكية والزوجية ونحوهما لا انها متقومة باللحاظ والاعتبار كي تنوط واقعيتها بلحاظ لاحظ واعتبار معتبر كالاعتبارات المحضة.

ثم ان العنوانين المختلفين في المنشأ المنتزعين من مجمع واحد مع امكان انفكاكهما فيغير المنشأ تارة: يكون اختلافهما في تمام المنشأ، على وجه يكون منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه غير المنشأ في الآخر، كما لو كانا من مقولتين احدهما من مقولة الفعل والآخر من مقولة الاين مثلا، نظير الصلاة والغصب بناء على كون الصلاة من مقولة الفعل والغصب من مقولة الاين بجعله عبارة عن اشغال المحل بالفعل لا عبارة عن الفعل الشاغل للمحل، ونظير عناوين المشتقات بناء على عدم اخذ الذات فيها وكونها عبارة عن نفس المبدء الملحوظ لا بشرط كالعالم والفاسق ونحوهم واخرى: يكون اختلافهما في جزء المنشأ مع اشتراكهما في الجزء الآخر نظير عناوين المشتقات بناء على اخذ الذات فيها بنحو يكون مصب الحكم مجموع المبدأ والذات، إذ حينئذ يكون اختلاف العنوانين كالعالم والفاسق في جزء المنشأ والا فهما مشتركان في جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة، ومثل ذلك كل مورد لا يكون الجامع في العنوانين بسيطا ومأخوذا من مقولة واحدة بل كان مركبا من الذات مع عارضها أو من مقولتين احدهما الفعل مثلا والآخر من مقولة اخرى كالأين أو غيره من الاضافات فانه في مثله يكون المجمع باعتبار ذاته وجهة فعله واجدا للحدين وباعتبار النسبيات الاخر واجدا للإضافتين احدهما مقوم احد الجامعين والآخر مقوم الجامع الآخر كما في مثل الغصب والصلاة بناء على كونهما من مقولة الفعل المنضم ببعض الاضافات الاخر بجعل الصلاة عبارة عن الافعال الخاصة المقرونة بالإضافات المعهودة من الترتيب والموالاة ونشوها عن قصد الصلاتية، والغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير في حال عدم رضاه الجامع بين الركوع والسجود وبين غيره من الافعال الاخر الاجنبية عن الصلاة فانه في مثله يكون الغصب والصلاة لا محالة من قبيل العنوانين المشتركين في جزء المنشأ الممتازين في الجزء الآخر حيث كانا مشتركين في مقولة ومختلفين في مقولة اخرى من الاضافات والنسبيات الاخرى، وثالثة: يكون اختلافهما في صرف الحد المأخوذ فيهما مع اتحادهما ذاتا بل ومرتبة ايضا في خصوص المجمع وان اختلفا مرتبة في غيره نظير الجامع المأخوذ بين زيد وعمرو المنتزع من تحديد الانسان في عالم الاعتبار بحد خاص لا يكاد انطباقه الا عليهما وجامع آخر بين زيد وخالد المنتزع من تحديد الانسان بحد لا يكون انطباقه الا عليهما فحينئذ يكون زيد مع وحدته ذاتا وجهة ومرتبة مجمع الجامعين بمعنى وقوعه بين الحدين الشامل احدهما لعمرو بلا شموله لخالد والآخر لخالد بلا شموله لعمرو مع كون النسبة بين الجامعين المزبورين بنحو العموم من وجه.

 ومن ذلك ظهر ان مجرد اختلاف العنوانين المنتزعين من مجمع واحد مع امكان انفكاك احدهما عن الآخر في غير المجمع لا يقتضي لزوم كونهما من مقولتين وكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا، وذلك من جهة ما عرفت من امكان كونهما من مقولة واحدة حينئذ وكان الاختلاف بينهما من جهة لحد محضا كما مثلنا بالجامع المأخوذ بين زيد وعمرو من تحديد الانسان بحد خاص لا ينطبق الا عليهما وجامع آخر بين زيد وخالد منتزع من تحديد الانسان بحد آخر لا ينطبق الا عليهما، فان زيدا حينئذ مع وحدته ذاتا يكون مجمع الجامعين من جهة وقوعه بين الحدين الشامل احدهما لعمرو بلا شموله لخالد والآخر لخالد بلا شموله لعمرو، وهكذا لو فرض جامع بين الضرب والاكل منتزع من تحديد الفعل بحد لا ينطبق الا عليهما وجامع آخر كذلك بين الاكل والشرب حيث كان الاكل حينئذ مجمع الجامعين بمعنى كونه واجدا للحدين المأخوذين من مقولة الفعل الشامل احدهما للضرب دون الشرب والآخر للشرب دون الضرب مع كونهما من مقولة واحدة وكون التركيب فيه اتحاديا لا انضماميا، كإمكان كون العنوانين ايضا مشتركين في مقولة ومختلفين في مقولة اخرى كما في العالم والفاسق بناء على اخذ الذات في المشتق وتركب حقيقته من المبدأ والذات حيث ان العنوانين حينئذ في المجمع وان اختلفا ببعض الجهات الا انهما اشتركا في جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة وحيثية فاردة.

 وعليه فلا يبقى مجال المصير في مثل الصلاة والغصب المنتزعين من فعل المكلف إلى لزوم كونهما من مقولتين متغايرتين بمحض اختلاف العنوانين وتعدد حقيقتهما كما عن بعض الاعلام (قدس سره) فيما اسسه في مقدمات مرامه من دعوى ان العنوانين العرضيين بينهما العموم من وجه المنتزعين من وجود واحد لا يمكن ان يكونا من مقولة واحدة بل لابد وان يكونا من مقولتين مختلفين احدهما من مقولة الفعل مثلا والآخر من مقولة اخرى كالاين ونحوه مستنتجا من ذلك ان الصلاة بعد ان كانت من مقولة الفعل فلابد وان يكون الغصب من مقولة الاين وكونه عبارة عن اشغال المحل بالفعل لا الفعل الشاغل للمحل ليكون كلاهما من مقولة واحدة ويكون التركيب بينهما اتحاديا.

 وذلك لما عرفت من الاشكال فيه بان مجرد اختلاف العنوانين العرضيين المنتزعين من مجمع واحد مع امكان انفكاكهما عن الآخر في غير المجمع لا يقتضي كونهما من مقولتين متغايرتين وكون التركيب بينهما انضماميا، بل حينئذ كما يمكن كونهما من مقولتين مختلفين كذلك يمكن ايضا كونهما من مقولة واحدة بحيث كان التركيب بينهما اتحاديا في المجمع وكان الاختلاف بينهما في الحد محضا كما في المثال المتقدم من فرض الجامعين احدهما بين زيد وعمرو المنتزع من تحديد الانسان بحد لا يكاد انطباقه الا عليهما وجامع آخر بين زيد وخالد منتزع من تحديد الانسان بحد لا يكاد انطباقه الا عليهما خاصة كإمكان كونهما مشتركين في بعض المنشأ وفي مقولة ومختلفين في مقولة اخرى ايضا، إذ حينئذ نقول بانه من الممكن حينئذ ان يكون كل من الصلاة والغصب من مقولة الفعل غايته منضم ببعض النسبيات الاخر فتكون الصلاة مثلا عبارة عن الافعال المخصوصة المقترنة بالإضافات المعهودة من الترتيب والموالاة ونشوها عن قصد الصلاتية الجامعة بين كونها في الدار المغصوبة أو في غيرها والغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير بدون اذنه ورضاه الجامع بين افعال الصلاة وغيرها من الافعال الاخر.

ومن المعلوم حينئذ انه مع امكان ذلك لا محالة لا يكون برهان عقلي يقتضي كون الغصب من مقولة الاين، وعبارة عن اشغال المحل بالفعل في فرض كون الغصب من مقولة الفعل، كما هو واضح. نعم يمكن ايضا ان يكون الغصب بحسب العرف أو اللغة عبارة عن اشغال المحل بالفعل ومن مقولة الاين، ولكن مثل هذا النزاع راجع إلى الوضع اللغوي فلا يرتبط بمقام اللابدية العقلية المدعاة، كما لا يخفى.

 وبالجملة فالمقصود من هذا التطويل هو بيان عدم اقتضاء مجرد اختلاف العنوانين المنتزعين من وجود واحد بحسب المنشأ لكونهما من مقولتين بحيث كان المحكي من كل عنوان مقولة غير ما يحكى عنه العنوان الاخر نظرا إلى ما عرفت من امكان اشتراكهما في مقولة واختلافهما في مقولة اخرى، بل وامكان كونهما من مقولة واحدة وحقيقة فاردة مع كون الاختلاف بينهما ممحضا بصرف الحد المأخوذ فيهما أو بحسب المرتبة كما في الاجناس بالقياس إلى فصولها والقرائة بالقياس إلى الجهر بها الذي هو منتزع عن مرتبة من الصوت الزائد عن اصل القراءة. ومن هذا البيان ظهر ايضا عدم صحة ابتناء القول بجواز الاجتماع على كون التركيب بين العنوانين في المجمع انضماميا لا اتحاديا بل وانما المدار كله في ذلك - كما سيجئ ان شاء الله تعالى على اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على معنى كون المحكي في كل عنوان غير المحكي في العنوان الآخر وعدم اختلافهما كذلك، فإذا كان العنوانان متغايرين بتمام المنشأ نقول فيه بالجواز من غير فرق بين كونهما من مقولتين ممتازتين الملازم لكون التركيب بينهما في المجمع انضماميا اومن مقولة واحدة كما في الاجناس بالقياس إلى فصوله والقرائة بالقياس إلى الجهر بها، حيث نقول بانه من الممكن حينئذ كون احدى الجهتين من هذا الوجود الوحداني وهى الجهة الحيوانية تبعا لقيام المصلحة بها محبوبة والجهة الاخرى منه وهى الجهة الناطقية مبغوضة ومتعلقة للنهي من دون سراية الحكم من احدى الحيثيتين إلى الحيثية الاخرى، وهكذا في مثال القراءة وحيثية الجهر بها حيث يمكن الالتزام فيه بجواز الاجتماع من جهة امكان كون اصل القراءة تبعا لقيام المصلحة بها محبوبا وحيثية الجهر المنتزع عن مرتبة من الصوت الزائد عن اصل القراءة مبغوضة ومنهيا عنها مع وضوح كون التركيب بين العنوانين في امثال ذلك اتحاديا لا انضماميا. السادس من الامور لا يخفى عليك ان العناوين المأخوذة في حيز الخطابات تارة: تكون من قبيل الجهات التعليلية واخرى تكون من قبيل الجهات التقييدية ومرجع الاولى إلى خروج العنوان المزبور بنفسه عن كونه موضوع للحكم وكونه من العناوين المشيرة إلى ما هو موضوع الحكم ومتعلقه وسببا لطروا الحكم عليه نظير عنوان المقدمية الذي هو من العناوين المشيرة إلى الذوات الخاصة الخارجية الموقوف عليها فعل الواجب كالطهارة والستر والقبلة ونحوها ومن ذلك ايضا كلية العناوين الاعتبارية المحضة التي من جهة اعتباريتها غير قابلة لتعلق الطلب بها وكان الطلب تبعا لقيام المصلحة متعلقا بمنشأ اعتبارها، كما ان مرجع الثانية إلى كون ذلك العنوان المأخوذ في حيز الخطاب موضوعا بنفسه في القضية للحكم اما تماما أو جزء لا كونه مرآة إلى امر آخر يكون هو الموضوع حقيقة للحكم في القضية ومن ذلك كلية القضايا التوصيفيه من نحو قوله : اكرم زيدا الجائي الظاهر في مدخلية عنوان المجيء ايضا بنحو القيدية في موضوع الحكم ومتعلقه، قبال القضايا الشرطية من نحو قوله: اكرم زيد ان جائك، اوان جائك زيد فأكرمه، الظاهر في ان تمام الموضوع للإكرام الواجب هو ذات زيد من غير مدخلية لعنوان المجيء في الموضوع ولو بنحو القيدية وانه انما كان علة وسبب لوجوب اكرامه وحينئذ فتمام المعيار في كون العنوان المأخوذ في حيز الخطاب من قبيل الجهات التعليلية أو التقييدية على ما ذكرناه، لا ان المعيار فيه على كون التركيب بين العنوانين في المجمع اتحاديا أو انضماميا، وذلك لوضوح انه لا تلازم بين كون العنوانين من قبيل الجهات التعليلية وبين كون التركيب بينهما في المجمع اتحاديا ولا بين كونها من قبيل الجهات التقييدية وبين كون التركيب بينهما انضماميا، وذلك من جهة انه من الممكن حينئذ ان يكون العنوانان من قبيل الجهات التعليلية، ومع ذلك يكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا، كإمكان كونهما من الجهات التقييدية ومع ذلك يكون التركيب بينهما اتحاديا كما عرفت في مثال الجنس والفصل بل القرائة بالقياس إلى الجهر بها. وعليه فما افيد كما عن بعض الاعلام (قدس سره) كما في التقرير من ان العنوانين المنتزعين من وجود واحد إذا كانا من قبيل الجهات التعليلية لابد وان يكون التركيب بينهما اتحاديا، وإذا كانا من الجهات التقييدية لابد وان يكون التركيب بينهما انضماميا لا اتحاديا منظور فيه.

السابع من الامور لا يخفى ان الطبيعي والفرد وان كانا متغايرين مفهوما وفي عالم التصور حيث كانا صورتين متبائنتين في الذهن بحيث لا يكاد انتقال الذهن في مقام لحاظ الطبيعي وتصوره إلى الفرد، وبهذه الجهة ايضا لا يكاد سراية الحكم المتعلق بالطبيعي والكلى إلى الفرد، الا على مبنى سخيف: من تعلق الاحكام بالخارجيات، والا فعلى المذهب الحق كما حققناه في محله: من تعلق الاحكام بالعناوين وبالصور الذهنية يستحيل سراية الحكم من كل صورة في نظر إلى الصورة الموجودة في نظر وتصور آخر، الا ان الفرد لما كان يحكى عما يحكى عنه عنوان الكلى وزيادة مفقودة في الكلي فكانا متحدين في جهة ومختلفين في زيادة الفرد لخصوصية زائدة عن الطبيعي وكانت الصور ايضا في مقام تعلق الاحكام بها مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية، فقهرا تلك الجهة الواحدة الخارجية فيهما بعد قيام المصلحة بها بأي صورة تتصور أو شكل يتشكل توجب التلازم بين الصورتين المتحدتين في الجهة الخارجية في تعلق الارادة والكراهة ايضا، فيتعلق الحكم المتعلق بالطبيعي بالفرد ايضا لكن من حيث الطبيعي المحفوظ في ضمنه لا بتمامه حتى بمشخصاته الفردية وحينئذ فإذا كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية كالنهي فقهرا يسرى الحكم المزبور من الطبيعي إلى الحصص المحفوظة في ضمن الافراد من الطبيعي دون الخصوصيات الزائدة عنها، بمعنى ان كل فرد إذا لوحظ كان الطبيعي المحفوظ في ضمنه متعلقا للإرادة أو الكراهة بالتقريب المزبور، لا انه بمحض النظر إلى الطبيعي والكلي يسرى حكمه إلى الفرد ايضا وذلك لما عرفت من ان الطبيعي والفرد مفهومان متغايران في الذهن، فيستحيل في هذا النظر سراية الحكم من احد المفهومين إلى الاخر، هذا إذا كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية.

واما إذا كان متعلقا بصرف وجود الطبيعي الغير القابل للانطباق الاعلى اول وجود فكذلك ايضا، غاية الامر انه في فرض تعلق الحكم بالطبيعة السارية يكون الحصص المحفوظة في ضمن كل فرد بتمام حدودها مشمولة للحكم، ومن ذلك يصير كل فرد بما انه مصداق للطبيعي واجبا تعيينا، بخلافه في فرض تعلقه بصرف وجود الطبيعي الجامع بين الافراد فان مشمولية الحصص الفردية حينئذ للوجوب انما يكون ببعض حدودها اعني حدوده المقومة لطبيعتها واما الحدود المقومة لشخصية الحصة المحفوظة في كل فرد التي هي مقسمة للطبيعي لا مقومة له فهى خارجة عن حيز الوجوب ومرجع ذلك كما عرفت في مبحث الواجب التخييري إلى لزوم سد باب العدم في كل حصة وفرد من قبل حدود عاليها المقومة لطبيعتها دون حدودها المقومة لشخصيتها المقسمة لطبيعتها الراجع ذلك إلى وجوب كل فرد من الافراد لكن بوجوب ناقص بنحو لا يقتضي المنع الا عن بعض انحاء تروكه وهو الترك الملازم لترك بقية الحصص الاخرى، ونتيجة ذلك كما عرفت سابقا هي صيرورة الافراد المزبورة واجبة بوجوب تخييري شرعي لا بوجوب تخييري عقلي محض كما هو مبنى القول بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته منه إلى الافراد اصلا، فتدبر.

الثامن من الامور: التزاحم بين المصلحة في الشيء ومفسدته تارة يكون في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية ومن حيث ايراث الحب والبغض، واخرى يكون التزاحم بينهما في عالم الوجود والتحقق بحيث يدور الامر بين وجود المفسدة وفوت المصلحة وبالعكس، فعلى الاول لا ينبغى الاشكال في ان الاثر للأقوى منهما ولا يلاحظ في هذه المرحلة مقام مزاحمتهما في عالم الوجود، وان فرض امكان دركهما معا ولو في ضمن فردين، وحينئذ فلو فرض قيام مصلحة اهم بصرف الطبيعي والجامع فقهرا بمقتضي ما عرفت في المقدمة السابقة من سراية المحبوبية من الجامع إلى الفرد ولو ببعض حدوده يصير الفرد بحدوده المقومة لعاليه تحت المحبوبية الفعلية وتلغو المفسدة المزبورة عن التأثير في المبغوضية فيه بالقياس إلى هذا الحد لمكان اهمية المصلحة المزبورة واما بالقياس إلى حدوده المقومة لشخصيته فحيث انه لا تزاحمها المصلحة تبقى المفسدة القائمة بالفرد بجميع حدوده على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد في حدوده المقومة لشخصيته فيصير الفرد المزبور حينئذ ببعض انحاء حدوده وهو الحد الجامعي المستلزم لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى اهمية المصلحة تحت المحبوبية الفعلية وببعض حدوده الاخر وهو الحد المقوم لشخصية الحصة تحت المبغوضية الفعلية هذا بالنسبة إلى مقام مزاحمة الملاكين في عالم التأثير في الحب والبغض. واما بالنسبة إلى مقام مزاحمتها في عالم الوجود فحيث انه امكن حفظ كل الغرضين ولو في ضمن وجودين فلا جرم يرجح العقل جانب المفسدة المهمة ومبغوضية الفرد من ناحية حدوده المشخصة على المصلحة الاهم المؤثرة في محبوبيته من ناحية حدوده الجامعي جمعا بين الغرضين، وبهذه الجهة تصير الارادة الفعلية على وفق المفسدة المهمة ولو كانت في ادنى درجة الضعف والمصلحة في اعلى درجة القوة من غير ان يلاحظ في ذلك درجات المصلحة والمفسدة وتأثيراتهما في المحبوبية والمبغوضية بوجه اصلا، لا إذا فرض وقوع المزاحمة بينهما في عالم الوجود ايضا بحيث لا يتمكن من الجمع بين الغرضين فيؤثر الاقوى درجة منهما ويكون الارادة الفعلية ايضا بحكم العقل على وفقه، والا فمع عدم صدق المزاحمة بينهما حقيقة في هذه المرحلة وامكان الجمع بينهما ولو في ضمن وجودين فلا محالة يكون الترجيح بحكم العقل في لزوم الجمع بين الغرضين مهما امكن للمفسدة المهمة وتكون الارادة الفعلية ايضا على وفقها وان كانت في ادنى درجة الضعف حتى البالغة إلى حد الكراهة.

ومن هذا البيان ظهر حل الاعضال في العبادات المكروهة ايضا فانه بمقتضى ما ذكرنا امكن الالتزام فيها بالكراهة المصطلحة فيما لو كان الامر متعلقا بالجامع المنتج لوجوب كل فرد تخييرا، والنهي  متعلقا بالطبيعة السارية، كالأمر بالصلاة الجامعة بين الصلاة في الحمام وبين الصلاة في غيره من الامكنة مع النهي  التنزيهي عن الصلاة في الحمام أو في موضع التهمة مثلا، وذلك انما هو بالتفكيك بين حدود الفرد من حيث حدوده الجامعة وحدوده المشخصة له بالتقريب المتقدم من دون حاجة إلى الالتزام فيها بأقلية الثواب أو غيرها من المحامل الاخر، كما هو واضح.

 ثم ان هذا كله فيما لو كان الامر متعلقا بصرف الطبيعي الجامع بين الافراد. واما لو كان الامر متعلقا بالطبيعة السارية كالنهي بحيث يقتضي مطلوبية كل واحدة من الحصص على نحو التعيين، فلا جرم لا يكاد يتم التفكيك المزبور بين مقام تأثير الملاكين في الرجحان والمرجوحية وبين مقام تأثيرهما في الايجاد، نظرا إلى ان المفسدة حينئذ كما تقتضي مبغوضية الفرد بتمام حدوده كذلك  المصلحة ايضا تقتضي محبوبية الفرد بتمام حدوده وفي مثله لا محالة يكون الاثر للأقوى منهما حتى في عالم الوجود ايضا مصلحة كانت أو مفسدة، والوجه فيه واضح، لان المزاحمة حينئذ كما تكون بينهما في عالم التأثير في الحب والبغض، كذلك  تكون المزاحمة بينهما في عالم الوجود ايضا، وفي مثله يكون الاثر لما هو الغالب منهما، ومن ذلك ايضا لا يجري ما ذكرنا في النواهي التنزيهية في موارد يكون الامر بنحو الطبيعة السارية إذ لا يمكن الالتزام فيه بالكراهة المصطلحة بالتقريب المتقدم، بل بعد الفراغ عن صحة العبادة لابد من المصير إلى محامل أخر: اما بصرف النهي  عن ظاهره والحمل على اقلية الثواب، أو بصرفه عن نفس العبادة إلى حيثية ايقاعها وكينونتها فيوقت كذا ومكان كذا نظير النهي  عن جعل الماء للشرب في كاس كثيف، أو غير ذلك من المحامل الاخر. في بيان ما هو الحق في المسألة وحيث اتضح لك هذه الامور فنقول: ان اختلاف العنوانين لو كان في صرف كيفية النظر لا في المنظور فلا ينبغي الاشكال فيه في عدم جواز الاجتماع، وذلك لوضوح ان المنظور بعد ما كان فيهما واحدا ذاتا وجهة لا يكاد يتحمل طرو الصفتين المتضادتين المحبوبية والمبغوضية، من غير فرق في ذلك بين ان نقول بتعلق الاحكام بالخارجيات أو بالعناوين والصور الذهنية، وذلك لان الصور وان كانت متغايرة ولكنها بعد ما كانت مأخوذة بنحو لا ترى الا خارجية وكان المنظور فيهما واحدا ذاتا وجهة فقهرا يرى المنظور فيهما غير قابل لطرو الصفتين المتضادتين عليه وهما المحبوبية والمبغوضية، ومن ذلك ايضا نقول بامتناع اتصاف اجزاء المركب بالوجوب الغيري مع فرض كونها واجبة بوجوب الكل نفسيا، وعدم اجداء مجرد الاختلاف في النظر فيها من حيث اللابشرطية والبشرط لائية في رفع محذور اجتماع المثلين بعد اتحاد الذات الملحوظة في ضمن الاعتبارين. ومثله في عدم الجواز ما لو كان العنوانان من العناوين الاعتبارية المحضة الغير القابلة لقيام المصالح بها فانه في مثل ذلك ايضا يكون مركب المصالح والحب والبغض هي الذات المعروضة لها، وانها في ظرف وجود منشأها كانت من الجهات التعليلية لمصلحة الذات المعروضة لها وحينئذ فإذا كانت الذات المعروضة لها واحدة ذاتا وجهة فقهرا تأبى عن ورود الصفتين المتضادتين عليها من الحب والبغض والارادة والكراهة. واما لو كان اختلاف العنوانين في المنظور لا في صرف كيفية النظر، فان كان الاختلاف بينهما بتمام المنشأ على وجه يكون منشأ انتزاع كل بتمامه غير المنشأ في الآخر ففي مثل ذلك لا باس بالالتزام بجواز الاجتماع، من غير فرق في ذلك بين كون العنوانين من مقولتين مختلفين أو من مقولة واحدة، كما في الاجناس بالقياس إلى فصولها، وكذا القراءة بالقياس إلى الجهر بها، إذ حينئذ بعد تغاير الجهتين امكن تعلق الحكمين المتضادين بوجود واحد على وجه يكون مركب كل حكم جهة غير الاخرى، ومجرد وحدة الوجود في الخارج وعدم قابليته للتقسيم وللإشارة الحسية خارجا غير مانع عن ورود الحكمين المتضادين عليه، بعد حل العقل اياه في مقام التحليل بجهة دون جهة ومرتبة دون اخرى، إذ حينئذ من جهة هذا التحليل العقلي يتميز معروض الحكمين بنحو يرتفع التضاد من البين، فكان معروض احد الحكمين جهة ومرتبة غير معروض الحكم الآخر.

 ومن غير فرق ايضا بين كون التركيب في المجمع انضماميا أو اتحاديا، ولا بين كون العنوانين من قبيل الجهة التعليلية أو التقييدية، ولا بين القول بوقوف الطلب على الصور أو سرايته إلى الخارجيات، ولا بين كون الامر متعلقا بصرف الطبيعة أو بالطبيعة السارية، فانه على جميع تلك التقادير مهما اختلف معروض الحكمين ذاتا أو جهة أو مرتبة كما لو كان معروض احد الحكمين هو حدوث الشيء ومعروض الآخر بقائه يصار فيه بالجواز على جميع التقادير حتى على القول بتعلق الاحكام بالخارجيات، من جهة انه باختلاف المعروضين يرتفع غائلة محذور التضاد من البين، كما هو واضح.

هذا كله فيما لو كان اختلاف العنوانين بتمام المنشأ.

واما لو كان اختلافهما ببعض المنشأ بان كانا مشتركين في جهة أو مقولة وممتازين في جهة أو مقولة اخرى ففي مثله لابد من المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما، من جهة عدم تحملها لطرو الصفتين المتضادتين عليها، المحبوبية والمبغوضية، فمن ذلك لابد وان يكون الاثر لما هو الاقوى منهما مناط مصلحة أو مفسدة، من غير فرق بين ان يكون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بالجامع وبصرف وجودها. الا على مسلك من يقول بوقوف الطلب على نفس الطبيعي والجامع وعدم سرايته إلى الافراد بوجه اصلا ولو من حيث حدودها الطبيعية، بخيال ان الطبيعي والفرد صورتان مبتائنتان في الذهن والامر بعد تعلقه بالصور لا بالخارجيات لا يتعدى بوجه من الوجوه إلى الافراد، وان الافراد حينئذ انما كانت واجبة بوجوب تخييري عقلي لا بوجوب تخييري شرعي، وايضا إن صرف الطبيعي والجامع بعد ما كان غير قابل للانطباق الا على اول وجود فلا جرم قبل الانطباق لا يكون هناك اول وجود حتى يسرى إليه الحكم وكذلك  بعد الانطباق، نظرا إلى ان مثل هذا الظرف لسقوط الطلب عن الطبيعي فلا يمكن كونه ظرفا لثبوته فمن ذلك يستحيل سراية الطلب إلى الفرد، فانه على هذا المسلك لا بأس بالالتزام بصحة العبادة بإتيان هذا الفرد بداعي الامر بالطبيعي، بل على هذا المسلك يخرج المسألة عن فرض اجتماع الامر والنهي  في وجود واحد من جهة ان الوجود والفرد على ذلك لا يكون الا مبغوضا محضا، كما هو واضح. ولكنك قد عرفت في المقدمة السابقة فساد المسلك المزبور وان التحقيق هو سراية الحكم من الطبيعي والجامع إلى الافراد بالتقريب المتقدم في شرح السراية، وعليه فلابد من المصير إلى عدم جواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما نظرا إلى عدم قابليتها لطرو الصفتين المتضادتين عليها سواء فيه بين ان يكون الامر ايضا كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو كان متعلقا بصرف وجود المنتج لمحبوبية الافراد تخييرا إذ كما ان مبغوضية الشيء بجميع حدوده تنافى محبوبيته التعيينية كذلك  تنافى ايضا محبوبيته التخييرية فان مرجع كون الشيء محبوبا تخييريا إلى كون تركه لا إلى بدل مبغوضا ومنهيا عنه وهو مما ينافي بداهة مبغوضية التعيينية الملازمة لمحبوبية تركه ولو لا إلى بدل، كما هو واضح. وحينئذ فبعد ما امتنع الاجتماع بالنسبة إلى الجهة المشتركة بين العنوانين ولم تتحمل لطرو الصفتين المتضادتين عليها من المحبوبية والمبغوضية، فلا جرم في مقام التأثير كان الاثر لما هو الاقوى منهما ملاكا مصلحة أو مفسدة، وحينئذ لو كان الاقوى هو النهي  فقهرا تصير الجهة المشتركة بجميع حدودها بمقتضي المفسدة الغالبة مبغوضة محضا لا محبوبة. واما لو كان الاقوى هو الامر، فان كان متعلقا بالطبيعة السارية فكذلك ايضا حيث انه تصير الجهة المشتركة حينئذ بجميع حدودها بمقتضي المصلحة الغالبة محبوبة محضا لا مبغوضة عكس الصورة الاولى وان كان متعلقا بصرف الطبيعي والجامع ففي هذا الفرض يمكن الجمع بين الرجحان الفعلي والمرجوحية الفعلية بالنسبة إلى الجهة المشتركة وذلك لما تقدم في المقدمة الثامنة من ان مقتضى المصلحة الاهم في الجامع المستتبع للسراية إلى الفرد حينئذ انما هو التأثير في رجحان الفرد ومحبوبيته بالقياس إلى بعض انحاء حدوده وهو حدوده الجامعي لا مطلقا حتى بالقياس إلى حدوده المشخصة.

 وحينئذ فإذا فرض قيام المفسدة المغلوبة بالفرد بجميع حدوده حسب تعينها فل جرم المقدار الذي تزاحمها المصلحة الاهم في الجامع في عالم التأثير انما هو بالقياس إلى حدوده الجامعي المقومة لعاليه . واما بالقياس إلى حدوده المشخصة المقومة لسافله فحيث انه لا تزاحمها المصلحة الاهم فقهرا تبقى المفسدة المهمة على حالها فتؤثر في مبغوضية الفرد من حيث حدوده المشخصة فيصير الفرد والجهة المشتركة حينئذ ببعض انحاء حدوده وهو حده الجامعي المستتبع لحفظه في ظرف عدم بديله بمقتضى المصلحة الاهم في الجامع تحت الرجحان والمحبوبية الفعلية، وببعض حدوده الاخر وهو حده المشخص له المقوم لسافله تحت المرجوحية والمبغوضية الفعلية، بمقتضى خلو المفسدة المهمة عن المزاحم بالقياس إلى مثل هذه الحدود ويخرج عن كونه محبوبا فعليا على الاطلاق ومبغوضا فعليا كذلك ، كما هو واضح.

 ثم ان ذلك كما عرفت بالنسبة إلى مقام تزاحم الملاكين في عالم التأثير في الرجحان والمرجوحية.

واما بالنسبة إلى مقام التزاحم في عالم الوجود فحيث انه امكن استيفاء كلا الغرضين ولو بإيجاد المأمور به في ضمن فرد آخر فلا جرم كان التأثير بحكم العقل للمفسدة المهمة المغلوبة ويقيد بحكم العقل دائرة فعلية ارادة الطبيعة بما عدا هذا الفرد وان لم يكن كذلك  في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبية، فيصير الفرد المزبور حراما فعليا ويجب الاتيان بالطبيعي في ضمن فرد آخر، جمعا بين الحقين وحفظا للغرضين، وان كان لو اتى بالطبيعي في ضمن هذا الفرد يداعي رجحانه الفعلي من حيث حده الجامعي كان ممتثلا ومطيعا من تلك الجهة وعاصيا من جهة اخرى. وبالجملة فالمقصود هو عدم ملاحظة حيثية اهمية مصلحة الجامع في هذا المقام عند التمكن من استيفائها في ضمن فرد آخر وانه يقدم حينئذ تلك المفسدة المهمة المغلوبة القائمة بالخصوصية على المصلحة الاهم في الجامع، ولو كانت في ادنى درجة الضعف حتى البالغة إلى درجة الكراهة وكانت المصلحة في اعلى درجة القوة. وعمدة النكتة في ذلك انما هي عدم صدق المزاحمة والدوران حينئذ بين الغرضين في الوجود بلحاظ امكان الجمع بينهما باتيان الطبيعي والجامع في ضمن غير هذا الفرد والا فمع صدق المزاحمة في هذا المقام ايضا لا اشكال في ان التأثير للأقوى منهما كما في فرض انحصار الطبيعي بهذا الفرد وكذا في فرض قيام المصلحة ايضا كالمفسدة بالطبيعة السارية.

 ومن ذلك البيان ظهر ايضا حل الاشكال في الكراهة في العبادات فيما كان لها البدل، حيث انه بمقتضي البيان المزبور امكن الالتزام بفعلية الكراهة المصطلحة في الفرد ولو من حيث حدوده المشخصة مع الالتزام ايضا بصحة العبادة بلحاظ رجحانها ذاتا بمقدار يقتضي رجحان حفظ الفرد المزبور من ناحية حدود الطبيعي.

 نعم فيما لا بدل لها من العبادات لا يجري البيان المزبور من جهة وقوع المزاحمة حينئذ بين الامر والنهي  في الفرد بجميع حدوده، فلابد فيها اما من الحمل على اقلية الثواب والرجحان، أو صرف النهي  عن ظاهره إلى ايقاع العبادة في الاوقات المخصوصة، نظير النهي  عن ايقاع جوهر نفيس في مكان قذر، بجعل المبغوض كينونة العبادة في وقت كذا لا نفسها، حتى لا ينافي المبغوضية مع محبوبية العمل ورجحانه المقوم لعباديته. وعلى ذلك فكم فرق بين الجواز بهذا المعنى وبين الجواز بالمعنى المتقدم بمسلك مكثرية الجهات، حيث انه على الاول يكفى في جواز الاجتماع مجرد تغاير العنوانين بتمام المنشأ على نحو يكون منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه مغايرا مع منشأ انتزاع الآخر من غير فرق بين ان يكون الامر متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها ولا بين أقوائية ملاك الامر في نفسه أو أقوائية ملاك النهي ، بخلافه على مسلك اختلاف انحاء حدود الشيء فان الجواز بهذا المعنى يحتاج اولا إلى عدم كون الامر متعلقا بالطبيعة السارية بل بصرف الطبيعي والجامع المنتج للوجوب التخييري في الافراد بالتقريب المتقدم في المقدمة السابعة. وثانيا إلى اهمية مصلحة الجامع من المفسدة التعيينية في الفرد. ثم انه مما ذكرنا ظهر الحال في المفاهيم الاشتقاقية المأخوذة في حيز الحكم بنفسها أو بعنوان ايجادها، حيث انه يختلف مصب الحكم حسب الاختلاف في مفهوم المشتق، فعلى القول بأخذ الذات فيه وتركبه من المبدء والذات فلا جرم يكون العنوانان في المجمع من قبيل العنوانين المختلفين في بعض المنشأ والمشتركين في البعض الآخر، من جهة اشتراك عنوان العالم والفاسق حينئذ في جهة الذات الحاكية عن جهة واحدة وحيثية فاردة، وفي مثله لابد من المصير إلى الامتناع بمقتضي ما تقدم، لا الجواز، الا في فرض تعلق الامر بصرف الطبيعي والجامع مع فرض اهمية المصلحة الجامعية ايضا من المفسدة التعيينية في الفرد، فيصار حينئذ إلى الجواز بمقتضي البيان المتقدم.

واما على القول ببساطة المشتق وعدم اخذ الذات فيه فان قلنا بالفرق بين المشتق ومبدئه باعتبار اللابشرطية والبشرط لائية وجعلنا مصب الحكم بهذا الاعتبار نفس المبدئين فالعنوانان من قبيل العنوانين المختلفين بتمام المنشأ وفي مثله كان الحكم هو الجواز من جهة اختلاف المتعلقين بتمام الحقيقة، واما ان قلنا بعدم كفاية مجرد اعتبار اللابشرطية في كون مصب الحكم هو المبدء بشهادة عدم صحة جعله مصب الحكم في مثل اطعم العالم وقبل يد العالم واكرم العالم، ولو مع اعتبار اللابشرطية الف مرة وان مصب الحكم ومحطه انما كان عبارة عن نفس الذات غايته بما هي متجلية بجلوة العلم والقيام والقعود ونحو ذلك على نحو كان المبدء ملحوظا في مقام الحكم تبعا للذات وان كان بحسب اللب من الجهات التعليلية لمصلحة الذات فلا جرم يكون العنوانان في مقام الحكاية عن محط الحكم من قبيل حكاية المفهومين عن جهة واحدة وحيثية فاردة وفي مثله لابد من المصير إلى الامتناع من جهة استحالة طرو الصفتين المتضادتين على جهة واحدة وحيثية فاردة، كما هو واضح. مسألة الصلاة في محل مغصوب بقي الكلام في مسألة الغصب والصلاة التي هي معركة الآراء بين الاصحاب بعد الفراغ عن اختلافهما حقيقة، في انه هل هم حاكيان عن الجهتين الخارجيتين الممتازتين بتمامهما في المجمع على نحو كان منش انتزاع كل بتمامه جهة غير الجهة التي ينتزع عنها الاخر؟ اما هما مشتركان في جهة خارجية وممتازان في جهة اخرى كذلك  نظير العالم والفاسق بناء على القول بتركب المشتق من المبدء والذات؟ ومبني الخلاف انما هو الخلاف في خروج الاكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وعدم خروجها عن حقيقتهما.

 فعلى المختار من عدم خروج الاكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وان الصلاة عبارة عن الافعال الخاصة من القيام والركوع والسجود المقرونة ببعض الاضافات والنسبيات الاخر من الترتيب والموالاة ونشوها عن قصد الصلاتية، وكذا الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير في حال عدم رضاه الجامع بين الركوع والسجود وبين غيرهما من الافعال الاخر الاجنبية عن الصلاة فالعنوانان مشتركان في جهة وممتازان في جهة اخرى من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الاكوان وامتيازهما في الخصوصيات الزائدة من الاضافات المقومة للصلاتية والاضافات المقومة للغصبية، ومقتضي ذلك كما تقدم هو المصير إلى عدم الجواز الاجتماع في المجمع في تمام العنوانين في الجهة المشتركة بينهما وهى نفس الاكوان، مع الالتزام بجواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهتين الممتازتين القائمتين بالأكوان المقومة احديهما للصلاتية والاخرى للغصبية. واما على القول بخروج الاكوان عن حقيقة الصلاة أو الغصب اما بجعل الصلاة عبارة عن الاوضاع الواردة على الاكوان الخاصة بجعلها عبارة عن مقولة الوضع، مع جعل الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير بدونه اذنه ورضاه، أو عن مقولة الاين بجعله عبارة عن اشغال المحل بالفعل مع جعل الصلاة من مقولة الفعل فالعنوانان ممتازان في المجمع بتمام حقيقتهما، ومقتضاه كما تقدم هو المصير إلى جواز الاجتماع. وحينئذ فلابد من تنقيح هذه الجهة فنقول: والتحقيق حينئذ هو ما عرفت من عدم خروج الاكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وذلك فان القول بكون الصلاة من مقولة الوضع وانها عبارة عن الاوضاع الواردة على الاكوان من الاستقامة والتقوس والانحناء مع خروج نفس الاكوان عن حقيقة الصلاة بعيد جدا، فانه مع الاغماض عن ان القراءة عبارة عن نفس الحركة لاعن الخصوصيات الواردة عليها نقول: بان ظاهر المنساق من العناوين المزبورة من نحو القيام والركوع والسجود هو كونها عبارة عن نفس الاكوان الخاصة دون الاوضاع الواردة، عليها، ومن ذلك ايضا لا يكتفي في القيام الواجب في الصلاة بصرف احداث هيئة القيام من دون وقوع ثقله على الارض ونحوها في حال الاختيار فتأمل، كبعد القول بان الغصب من مقولة الاين وانه عبارة عن اشغال المحل بالفعل لا الفعل الشاغل لمحل الغير فان الظاهر هو عدم فهم العرف من الغصب الانفس التصرفات الشاغلة لا مجرد اشغالا لمحل بها كيف ومع الاغماض عن ذلك وتسليم كون الغصب عبارة عن نفس الحيطة على الشيء نقول: بانه يكفينا حينئذ العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون اذنه ورضاه المعلوم انصرافه في الاذهان إلى نفس التصرفات الشاغلة حركة وسكونا من

جهة انطباق عنوان التصرف المنهي عنه في عموم عدم جواز التصرف حينئذ على نفس الاكوان الخاصة من القيام والقعود والركوع والسجود وحينئذ فإذا كانت الصلاة ايضا عبارة عن نفس الاكوان الخاصة غايته مقرونة ببعض الاضافات والنسبيات الاخر من الترتيب والموالاة ونشو كونها عن قصد الصلاتية، فلا جرم تصير الصلاة والغصب من قبيل العنوانين المشتركين في بعض الجهة دون بعض، من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الاكوان التي هي جهة واحدة ومقولة فاردة، وفي مثله لابد كما عرفت من المصير إلى عدم الاجتماع بالنسبة إلى نفس الاكوان مع الالتزام بالجواز في الجهات الزائدة عن الاكوان من الخصوصيات والاضافات القائمة بها المقومة بعضها للصلاتية وبعضه للغصبية.

 على ان مجرد الالتزام بان الغصب من مقولة الاين مع الالتزام بان الصلاة من مقولة الفعل لا يجدي ايضا فيما هو المهم من تصحيح الصلاة، فان الاكوان على ذلك تصير سببا للغصب المنهى عنه في عموم لا يجوز التصرف في مال الغير الا بأذنه فكانت محرمة حينئذ بالحرمة الغيرية ومع حرمتها تقع فاسدة من هذه الجهة من جهة اندراجها في باب النهي  عن العبادة وان كان بينهما فرق من حيث تحقق ملاك الامر والنهي  في المقام دونه في ذلك المقام، كما هو واضح. ولكن التحقيق في المقام هو ما عرفت من عدم خروج الاكوان عن حقيقة الصلاة ولا عن حقيقة الغصب وانه كما ان الصلاة عبارة عن الاكوان الخاصة بضميمة بعض الاضافات الخاصة كذلك الغصب ايضا حسب ما هو المنصرف منه لدى العرف من العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون رضاه عبارة عن نفس الافعال الشاغلة حركة وسكونا المنطبقة على الاكوان الخاصة فيكونان حينئذ مشتركين في نفس الاكوان التي هي جهة واحدة وحيثية فاردة وممتازين في الخصوصيات الزائدة من الاضافات الخاصة المقومة بعضها للصلاتية وبعضها للغصبية.

 ومقتضى ذلك هو لزوم المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى نفس الاكوان التي هي جهة مشتركة بينهما في المجمع مع الجواز بالنسبة إلى الجهتين الزائدتين القائمتين بالأكوان المقومة احديهما للصلاة والاخرى للغصب، نعم لما كان المفروض حينئذ اهمية مفسدة الغصبية من مصلحة الصلاة باعتبار كونها من حقوق الناس فلا جرم يقع الاكوان الخاصة من القيام والركوع والسجود مورد لتأثير المفسدة الاهم في المبغوضية الفعلية فتقع مبغوضا صرفا لا محبوبا ومعه تبطل الصلاة لا محالة لعدم المجال حينئذ للتقرب بها بإيجاده.

اللهم الا ان يقال حينئذ بانه يكفى في تصحيحها التقرب بالجهات الزائدة عن الاكوان فيتقرب حينئذ بجعل الاكوان صلاة لان ما هو المبغوض حينئذ انما كان تلك الاكوان بعناوينها الاولية وبما هي قيام وركوع وسجود لا بما انها صلاة بهذا العنوان الطاري عليها الناشئ من قصد الصلاتية بها.

وحينئذ فبعد ان كانت هذه الخصوصيات القائمة بالأكوان موردا لتأثير المصلحة المهمة في المحبوبية الفعلية بمقتضى خلوها عن المزاحم فيها فلا جرم امكن التقرب بحيثية كونها صلاة فيتقرب بحيثية صلاتية الاكوان لا بنفسها وايجاد تمام حقيقة الصلاة ويكتفي ايضا في التقرب بمثلها في العبادة من دون احتياج في صحتها إلى التقرب بتمام حقيقتها كي يشكل من جهة مبغوضية نفس الاكوان، ومع الشك في احتياج العبادة في القرب إلى ازيد من هذا المقدار فالأصل هو البراءة عن المقدار الزائد، بناء على ما هو التحقيق من جريانها في الشك في اصل قربية العمل وتعبديته أو توصليته نعم بناء على مرجعية الاحتياط في اصل المسألة عند الشك في التعبدية والتوصلية بالتقريبات المذكورة في محله لابد من الاحتياط في المقام ايضا والمصير إلى عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة، هذا، ولكن مع ذلك لا تخلوا لمسألة عن اشكال فان الظاهر هو تسالم الاصحاب على عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها وحينئذ فإذا فرضن مبغوضية الاكوان المزبورة من جهة اهمية مفسدة الغصب لكونه من حقوق الناس فلا جرم لا يبقى مجال للتقرب بتمام حقيقة الصلاة فتفسد العبادة حينئذ لا محالة، كما هو واضح، نعم لو اغمض عن ذلك وقلنا بكفاية التقرب بحيثية صلاتية الاكوان والجهات الزائدة عنها لما كان مجال للإشكال عليه بان تلك الجهات الزائدة من الاضافات الخاصة المقومة للصلاتية والغصبية انما هي من الاعتباريات المحضة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة وان ما هو مركب المصلحة والمفسدة انما هو الصادر الخارجي الذي هو نفس الكون ومعه يكون ما في الخارج مبغوضا محضا بتمامه لا ببعضه، إذ يمكن دفعه بما عرفت في المقدمة الخامسة من عدم كون هذا النحو من الاضافات المقولية من قبيل الاضافات الاعتبارية المحضة التي لا يكون لها واقعية بل هي بلحاظ خارجيتها في نفسها حينئذ كانت قابلة لان تكون مركب المصالح والمفاسد ضمنا أو استقلالا من غير فرق في ذلك بين ان نقول بحظ من الوجود لها ايضا كما قيل اما لا، لأنها حينئذ كانت من قبيل حدود وجود الشيء الذي بحده الخاص تقوم به المصالح والمفاسد ومعه لا يبقى مجال الغائها عن التأثير في الصلاح والفساد بالمرة والحاقها بالامور الاعتبارية المحضة التي لا يكون لها واقعية في الخروج عن حيز الصلاح والفساد، وحينئذ فلو لا الاجماع المزبور على عدم كفاية هذا المقدار من القرب من صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها امكن تصحيح العبادة بمقتضى القاعدة بالمقدار المزبور من القرب، كما هو واضح، وكيف كان فهذا كله في اجتماع الامر والنهي  وتميز موارد الجواز والامتناع على المسالك المزبورة. وقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المختار هو جواز الاجتماع في فرض اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على نحو كان منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه غير ما ينتزع عنه العنوان الاخر، من غير فرق بين كون العنوانين من مقولتين كعناوين الاوصاف الحاكية عن الكم والكيف والاين أو من مقولة واحدة، كان التركيب بينهما في المجمع اتحاديا أو انضماميا، ومن غير فرق بين كون الامر كالنهي متعلق بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها، ولا بين تعلق الامر بالعناوين والصور الذهنية أو بالمعنونات الخارجية، ولا بين وقوف الطلب على نفس الطبيعي أو السراية إلى الافراد، وعدم جواز الاجتماع فيما لم يكن تغاير العنوانين بهذا النحو سواء كان اختلافهما في صرف كيفية النظر دون المنظور، أو كان اختلافهما في المنشأ وفى المنظور ايضا لكن لا بتمامه بل بجزء منه، إذ حينئذ بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما يتوجه محذور اجتماع الضدين وهما الحب والبغض في امر وحداني، ولقد عرفت ايضا ان مثل الصلاة والغصب الذي هو معركة الآراء من هذا القبيل حيث انه بعد عدم خروج الاكوان عن حقيقتهما كان اختلافهما في جزء المنشأ خاصة، لا في تمامه كما هو مقتضي القول بخروج الاكوان عن حقيقة الغصب أو القول بخروجها عن حقيقة الصلاة بجعلها عبارة عن الاوضاع الواردة على الاكوان، ولا كان اختلافهما ايضا بالاعتبار مع اتحادهما حقيقة في تمام المنشأ كما يظهر من الكفاية من حيث عدة الصلاتية والغصبية من الاعتباريات الصرفة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة هذا كله على مسلك مكثرية الجهات جوازا ومنع.

كما انه على مسلك عدم سراية الامر من الطبيعي إلى الفرد كان المتجه هو المصير إلى الجواز في كل مورد كان الامر متعلقا بالطبيعي والجامع والنهي  بفرد من افراده وان كان المبنى خلاف التحقيق، كما مر بيانه وشرح السراية في المقدمة السابعة.

 واما على المسلك اختلاف انحاء حدود وجود الشيء الوحداني الجاري حتى في صورة وحدة عنوان المتعلق في الامر والنهي  كقوله: صلِ ، وقوله : لا تصلِ في الدار المغصوبة أو في الحمام ، فقد عرفت ان المختار على هذا المسلك ايضا هو الجواز في كل مورد كان المطلوب من الامر هو صرف الطبيعي والجامع دون الطبيعة السارية مع اقوائية المصلحة الجامعية من المفسدة التعيينية في الفرد والا فالمتجه هو عدم جواز الاجتماع، ومن ذلك لا يكاد يجدي هذا المسلك ايضا للجواز في مثال الغصب والصلاة الذي هو معركة الآراء وذلك انما هو من جهة ما يعلم من مذاق الشرع من اهمية مفسدة الغصب ولو من جهة كونه من حقوق الناس إذ حينئذ يخصص دائرة رجحان الطبيعي والجامع عقلا بما عدا هذا الفرد فيصير الفرد الغصبي بتمام حدوده مورد تأثير المفسدة الاهم التعيينية في المبغوضية الفعلية وهذا بخلافه في فرض اهمية مصلحة الجامع فانه في هذا الفرض يكون التأثير للمصلحة الاهم فيمكن حينئذ الالتزام بجواز الاجتماع بالتفكيك بين انحاء حدود الفرد المزبورة بالتقريب المتقدم.

بل وعلى هذا التقريب ايضا عرفت حل الاعضال في العبادات المكروهة ايضا، حيث جمعنا بين صحة العبادة وبين ظهور النواهي المتعلقة بها في الكراهة المصطلحة بالالتزام بفعلية الكراهة في الفرد ولو ببعض حدوده مع الالتزام بصحة العبادة ايضا لمكان رجحانها ذاتا بمقدار يقتضي حفظ وجودها من قبل حدودها الطبيعي لا مطلقا حتى من قبل حدودها الشخصية، ولكن مثل ذلك كما عرفت انما هو في العبادات المكروهة التي لها بدل كالصلاة في الحمام مثلا، واما ما لا بدل لها منها كصوم يوم عاشورا والصلوات المبتدئة في الاوقات المخصوصة في اول طلوع الشمس وعند غروبها ونحو ذلك مما كان امره من قبيل الوجود الساري فلا يتم هذا التقريب، إذ في مثل ذلك يقع التزاحم قهرا بين الامر والنهي  في الفرد بجميع حدوده، ومن ذلك لابد فيها اما من صرف تلك النواهي عن ظاهرها إلى حيث ايقاع العبادة في الاوقات الخاصة، نظير النهي  عن ايقاع جوهر نفيس في مكان قذر، فكان المبغوض حينئذ هو كينونة الصلاة في اوقات خاصة لانفسها، واما من حمل الكراهة فيها على اقلية الثواب والرجحان، وان كان المتعين هو الوجه الاول نظرا إلى عدم ملائمة اقلية الرجحان مع مداومة الائمة عليهم السلام على الترك.

نعم هنا وجهان آخران تفصى بكل منهما في الكفاية (2) لدفع الاشكال:

احدهما دعوى قيام مصلحة اخرى اقوى على عنوان منطبق على الترك فكان رجحان تركها حينئذ لمكان ما في نفس الترك حينئذ من المصلحة الاهم بملاحظة ذاك العنوان المنطبق عليه وثانيهما دعوى قيام مصلحة اقوى على عنوان وجودي ملازم مع تركها، فكان النهي  عن ايجادها حينئذ في الحقيقة كناية عن الامر بذلك العنوان الملازم مع الترك، حيث اكتفى في الامر به بالنهي عما هو نقيض ملزومه. ولكن لا يخفى ما في كلا الوجهين:

اما الاول فلان مقتضى ارجحية الترك بعد فرض انطباق العنوان المزبور عليه واتحاده معه هو ان يكون نقيضه وهو الفعل بمقتضي اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن نقيضه مرجوحا فعليا ومع صيرورة الفعل الذي هو نقيض الترك مرجوحا يتوجه الاشكال المزبور بانه كيف المجال لصحة العبادة مع مرجوحيته الفعلية ؟

 واما الثاني فلكونه مخالفا لما يقتضيه ظهور النهي  من التعلق بنفس العمل لا بما يلازمه من امر آخر، كما هو واضح.

بقى التنبيه على امور :

الامر الاول: لا يخفى عليك انه لا اختصاص لنتيجة هذه المسألة بالعبادات بل كما انها تجرى في العبادات كذلك  تجرى في المعاملات ايضا، كما لو آجر نفسه على خياطة ثوب أو طحن حنطة بمعناهم المصدري فخاطه أو طحنها في مكان مغصوب حيث انه تقع الخياطة وكذا الطحن بملاحظة كونهما اداء لحق الغير مأمورا بالإيجاد، وبملاحظة كونه غصبا وتصرفا في مال الغير بدون رضاه كان منهيا عن الايجاد.

 وحينئذ فبناء على جواز الاجتماع كان له ايجاد الخياطة والطحن في مكان مغصوب وبإتيانه يقع العمل وفاء لعقد الاجارة نظرا إلى خروج محل الاجارة حينئذ عن المبغوضية وبقائه على ماليته فيصير حينئذ وفاء قهرا بعقد الاجارة، نعم على ذلك لابد في صحة اصل الاجارة من وجود المندوحة من جهة انه بدون المندوحة لا قدرة له على الوفاء وهى شرط صحة الاجارة فمن ذلك يبطل الاجارة حينئذ لانتفاء شرط صحتها الذي هو القدرة على الوفاء، ومن هذه الجهة يفرق العبادات عن المعاملات، حيث انه في العبادات لا يحتاج إلى اعتبار قيد المندوحة الا من جهة رفع غائلة محذور التكليف بما لا يطاق الذي هو غير مهم ايضا عند القائل بالجواز من جهة ما عرفت من ان المهم عنده انما هو محذور اجتماع الضدين الذي هو بنفسه من التكليف المحال، بخلافه في المعاملات حيث ان الاحتياج إلى قيد المندوحة من جهة اصل صحة المعاملة.

واما بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي  فحيث انه تسرى المبغوضية إلى الخياطة فقهرا تصير مبغوضة ومحرمة ومعه تخرج شرعا عن المالية فلا يصلح مثله للوقوع وفاء بعقد الاجارة وحينئذ فلو كان المحل باقيا بعد ذلك فلا اشكال، حيث يجب الاتيان بالخياطة في غير المكان المغصوب والا فيبطل الاجارة لعدم بقاء المحل للوفاء.

 هذا إذا كانت الاجارة على نفس الخياطة والطحن بما انهما عمل له واما لو كانت الاجارة عليهما بما انهما نتيجة عمله وفعله ففي هذا الفرض صحت الاجارة مع المندوحة ويقع الطحن والخياطة ايضا وفاء للمعاملة بلا اشكال، نظرا إلى عدم سراية المبغوضية حينئذ اليهما وبقائهما على ماليتهما لخروجهما حينئذ حقيقة عن فرض اجتماع الامر والنهي  في وجود واحد كما هو واضح.

الامر الثاني: قد عرفت سابقا ان المسألة كانت من صغريات باب التزاحم دون التعارض ولو على الامتناع ومن ذلك لابد من احراز الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين على الاطلاق حتى في المجمع كي يحكم عليه على الجواز بكونه محكوما بحكمين من المحبوبية والمبغوضية والارادة والكراهة، وعلى الامتناع بأقوى الملاكين لو كان احدهما اقوى والا فبحكم آخر غيرهما مثلا.

ولقد عرفت ايضا بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض وان المدار في باب التزاحم انما هو على تزاحم الملاكين في مقام التأثير في الرجحان والمرجوحية أو في عالم الوجود ومرحلة فعلية الارادة والكراهة كما في المتضادين وجودا، ومنه باب الاجتماع بناء على الجواز خصوصا مع عدم المندوحة، لا على تزاحم الحكمين في مقام الامتثال كما توهم والا فكم عرفت لا يكاد ينتهى النوبة إلى مقام تزاحم الحكمين حتى في المتضادين اللذين يلازم امتثال احدهما عصيان الآخر الا على فرض جعل القدرة من شرائط تنجز التكليف لا من شرائط اصل التكليف وفعليته، والا فعلى فرض كونها من شرائط اصل التكليف وفعليته كما هو التحقيق لا يكاد يكون مجال لوقوع المزاحمة بين الحكمين الفعليين حتى في المتضادين وجودا من جهة وضوح استحالة تشريع الحكمين حينئذ على الاطلاق في المتضادين، نظير امتناع تشريع اطلاق الحكمين في مجمع العامين من وجه فلابد على هذا الملاك حينئذ من ادراج جميع هذه الموارد في باب التعارض مع انه كما ترى.

 وحينئذ فلا محيص من الالتزام بما ذكرناه من المعيار بجعل المناط في باب التزاحم على تزاحم الملاكين من المفسدة والمصلحة في عالم التأثير في ايراث الحب والبغض كما في باب الاجتماع على الامتناع، أو تزاحمهما في عالم الوجود ومقام فعلية الارادة والكراهة كما في المتضادين وجودا، ومنه باب الاجتماع على الجواز، وان كان الحكم الفعلي دائما على طبق احد الملاكين في قبال باب التعارض الذي ملاكه تكاذب الدليلين في مرحلة اصل الاقتضاء. وعليه فكل مورد احرز ولو من الخارج وجود الملاك والمقتضي لكل واحد من الحكمين كان ذلك من باب التزاحم الذي من لوازمه هو الاخذ بما هو الاقوى والاهم منهما ملاكا وان كان اضعف سندا من الآخر نعم يخرج عن ذلك صورة اناطة المصلحة في قيامها بالشيء بعدم تأثير المفسدة في المرجوحية، كما في كلية التكاليف المشروطة بالقدرة شرعا عند مزاحمتها مع ما لا يكون القدرة فيه الا شرطا عقليا، كما في الحج الواجب في فرض انحصار المركوب بالدابة المغصوبة مثلا حيث انه في هذا القسم لا يلاحظ جهة أقوائية المفسدة في مقام تقديمها على المصلحة، بل حينئذ يقدم المفسدة على المصلحة في مقام التأثير في المرجوحية الفعلية ولو كانت اضعف بمراتب من المصلحة، وذلك من جهة استحالة مزاحمة المصلحة التعليقية مع المفسدة التنجيزية، لان ما نعيتها دورية فتبقى المفسدة المزبورة في رتبة تأثيرها بلا مزاحم فتؤثر في المبغوضية ولو كانت في ادنى درجة الضعف وكانت المصلحة في اعلى درجة القوة وحينئذ فينحصر باب التمانع الذي يكون جهة تأثير كل من الملاكين تابع الاهمية والأقوائية بما عدا تلك الصورة، كما هو واضح. كما ان كل مورد لم يحرز وجود المقتضي والملاك لكل من الحكمين كان من باب التعارض الذي من حكمه هو الرجوع بعد العجز عن الجمع بينهما إلى المرجحات السندية.

ثم انه بعد ما اتضح لك ما هو كبرى المسألة وتميز ثبوتا عن كبرى باب التعارض يبقى الكلام في تشخيص صغريات باب التزاحم عن صغريات باب التعارض، وان مقتضي ظهور الخطابين عند عدم قيام قرينة قطعية من اجماع أو غيره على وجود الملاكين في المجمع هل هو كونه من باب التزاحم مطلقا؟ أو من باب التعارض كذلك ؟ أو يفصل بين صورة تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه وبين صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه؟ كما في اكرام العالم والهاشمي فيما لو تعلق الامر مثلا بإكرام العالم والنهي  بإكرام الهاشمي.

 فنقول: اما فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه حقيقة كالغصب والصلاة قضية اطلاق الخطابين حينئذ الكاشف عن وجود الملاك والمصلحة في موضوعيهما على الاطلاق حتى في المجمع بل وفي حال العجز عن موضوعهما وجدانا ايضا، كما كان ذلك هو الشأن ايضا في كلية الخطابات.

ومن ذلك ايضا ترى بنائهم على كشف قيام المصلحة بمتعلق التكاليف على الاطلاق حتى في حال العجز عن امتثالها من مثل تلك الخطابات مع الجزم باختصاص فعلية التكليف بحال القدرة، من غير تخصيص للمصلحة ايضا بحالها الا في فرض اخذ القدرة ايضا قيدا في حيز الخطاب كما في الحج، وحينئذ فإذا كان قضية اطلاق الخطابين هو الكشف عن وجود الملاك في موضوعهما على الاطلاق حتى في المجمع، فقهر يندرج في باب التزاحم الذي من حكمه هو الاخذ بأقوى الملاكين منهم.

نعم هنا اشكال معروف وهو ان طريق كشف المصلحة في المتعلق انما كان حيث ظهور الخطاب في فعلية التكليف والا فلا دلالة له على وجود المصلحة في المتعلق أو قيام الرجحان به في قبال دلالته على فعلية التكليف، وحينئذ فإذا فرض سقوط دلالته على فعلية التكليف بمقتضي حكم العقل بتخصيص فعلية التكليف بحال القدرة وعدم العجز فل جرم مع سقوط دلالته هذه لا يبقى مجال الكشف عن قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز وعدم القدرة، ومعه اين الطريق بعد لكشف المناط والمصلحة في المتعلق على الاطلاق؟

ولكن يدفع هذا الاشكال بانه انما يتم ذلك فيما لو كان حكم العقل باشتراط القدرة في الارتكاز بمثابة يكون من القرائن الحافة بالكلام الكاسرة لظهور اللفظ نظير قرينة الحكمة فانه حينئذ كما افيد لا يبقى مجال الكشف عن وجود الملاك والمصلحة من اطلاق الخطاب، لان دلالة الخطاب والهيئة على قيام المصلحة في المتعلق لما كانت بالالتزام كانت فرع دلالته على فعلية التكليف وبعد سقوط دلالته على فعلية التكليف بمقتضي القرينة العقلية فقهرا لا يبقى له الدلالة على قيام المصلحة ايضا الا في حال القدر، ولكن ذلك في محل المنع جدا، بل نقول: بانه من قبيل القرائن المنفصلة الغير الكاسرة لظهور اللفظ وان ما نعيته انما هو عن حجيته لاعن اصل ظهوره، وعليه نقول: بان القدر الممنوع بحكم العقل حينئذ انما هو حجية الخطاب بهيأته في فعلية التكليف في حال العجز وعدم القدرة، فيبقى ظهوره في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق على حاله، فيؤخذ بظهوره ذلك ويحكم بوجود الملاك في متعلق الخطابين على الاطلاق حتى في المجمع، من دون احتياج حينئذ إلى التشبث بأطلاق المادة والمتعلق لكشف المصلحة حتى في حال العجز عن الامتثال كي يقال بان المادة بعد ما اخذت موضوعة للهيأة في الخطاب فمقتضي طبع الموضوعية هو كونها سعة وضيقا بمقدار سعة الهيأة وضيقها، وحينئذ فمع تضيق دائرة الهيأة واختصاصها بحال القدرة وعدم العجز لا يكون للمادة سعة اطلاق في قبال الهيأة العارضة لها حتى يتشبث بإطلاقها ، كما هو واضح.

ومما ذكرنا ظهر ايضا عدم صحة مقايسة هذا الحكم العقلي في المقام بمثل قرينة الحكمة التي هي من الارتكازيات في مقام المخاطبات في كونها موجبة لانصراف الهيأة إلى صورة القدرة وعدم العجز وذلك فان قرينة الحكمة بملاحظة كونها من شئون اللفظ في مقاما لمخاطبات تعد من قبيل القرائن اللفظية الحافة بالكلام، وهذ بخلافه في حكم العقل باشتراط القدرة في فعلية التكليف، حيث انه لا يكون بمثابة قرينة الحكمة حتى يكون ذلك ايضا من شئون الالفاظ كالحكمة، بل ولا كان في الارتكاز ايضا بمثابة لا يحتاج إلى تأمل من العقل حتى يعد بذلك من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيأة، بل هو من جهة احتياجه إلى نحو تأمل من العقل يكون من القرائن المنفصلة الغير المانعة الا عن حجية الظهور لاعن اصل الظهور، وعليه فبعد عدم انثلام ظهور الهيأة بمقتضي حكم العقل باشتراط القدرة في التكليف الفعلي فلا محالة يؤخذ بظهورها في الدلالة على قيام المصلحة في المتعلق على الاطلاق حتى في حال العجز. هذا كله فيما لو تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه، ومثله بل اوضح منه ما لو تباين وجودا ايضا مع تلازمهما خارجا فانه ايضا مندرج في باب التزاحم بالبيان المزبور. واما لو اتحد عنوان المأمور به والمنهى عنه كإكرام العالم والهاشمي حيث كان متعلق الامر والنهي  عنوانا واحدا وهو الاكرام فمقتضي ما ذكرنا وان كان هو اعمال قواعد التزاحم فيه ايضا الا ان ظاهر الاصحاب في مثله على اعمال قواعد التعارض، ولعل النكتة في الفرق بين الفرضين هو ان في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهي عنه لا يكون العقل مانعا بدوا عن فعلية التكليف بالعنوانين بل وانما الممنوع فيه هو فعلية التكليفين في ظرف التطبيق في المجمع، حيث يرى بعد التطبيق كونهما من التكليف بما لا يطاق، فمن ذلك يخرج عن كونه من القرائن الحافة الكاسرة لظهور الهيأة.

وهذا بخلافه في صورة وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه كما في العامين من وجه كإكرام العالم والهاشمي فانه في هذا الفرض يكون العقل بدوا مانعا عن فعلية التكليفين بعنوان وحداني وعن اجتماع المحبوبية والمبغوضية فيه، إذ يرى كون اصل التكليف به بالفعل تارة وبالترك اخرى من التناقض، ومن هذه الجهة يكون من قبيل القرائن المتصلة الحافة، فيوجب كسر صولة ظهور الخطابين في الفعلية، ومعلوم انه مع انثلام الظهور المزبور لا يبقى مجال كشف المناطين فيه، فمن ذلك لابد فيه من اعمال قواعد التعارض، إذ يكفى في اجراء قواعد التعارض فيه مجرد عدم احراز كونه من باب التزاحم كما هو واضح، هذا.

وقد يوجه نكتة الفرق بين الفرضين بوجه آخر وحاصله: دعوى ان اعمال قواعد التعارض في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهي عنه انما هو من جهة ما يقتضيه العقد السلبي في كل من الخطابين، بتقريب ان كل واحد من الخطابين في الفرض المزبور كما يكشف عن وجود مناطه فيه أي في متعلقة كذلك لا يكشف عن عدم وجود مناط آخر فيه غير مناطه، وحينئذ فحيث ان متعلق الخطابين عنوان واحد فقهرا يقع التكاذب بين العقد الايجابي في كل منهما مع العقد السلبي في الخطاب الآخر بنحو يوجب تقديم كل خطاب الغاء الآخر بالمرة حتى من جهة دلالته على وجود مناط فيه، فمن ذلك لابد فيه من اعمال قواعد التعارض بينهما، وهذا بخلافه في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه، فانه في هذا الفرض لا ينتهي النوبة إلى مقام معارضة الخطابين حيث لا يقتضي تقديم شيء من الخطابين حينئذ الغاء الآخر عن الدلالة على وجود المناط في متعلقه بوجه اصلا، فمن هذه الجهة يؤخذ بظهور كل من الخطابين في الدلالة على وجود الملاك والمصلحة في متعلقه حتى في المجمع ويجري عليه بعد ذلك قواعد باب التزاحم، هذا.

ولكن يمكن الخدشة في هذا التقريب بمنع التنافي بين الخطابين في فرض وحدة عنوان المأمور به والمنهى عنه ايضا وذلك من جهة امكان ان يكون الشيء الوحداني بجهتين تعليليتين واجدا للمصلحة والمفسدة، فيكون ذا مصلحة من جهة وذا مفسدة من جهة اخرى، وامثلته كثيرة جدا، ومعلوم حينئذ انه مع امكان ذلك ثبوتا لا يبقى مجال دعوى العقد السلبي للخطابين حتى ينتهى الامر إلى معارضته مع العقد الايجابي في الآخر. وحينئذ فالعمدة في الفرق بين الفرضين هو ما ذكرنا من كون منع العقل بدويا في فرض وحدة عنوان لمأمور به والمنهى عنه بخلافه في فرض تعدد عنوان المأمور به والمنهى عنه، فان منعه انما يكون بملاحظة مقام تطبيق العنوانين على المجمع الوحداني لا ان منعه يكون بدويا كما في الفرض الاول.

 وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في العامين من وجه مع وحدة عنوان المأمور به ظهر لك الحال في صورة الامر بالمطلق والنهي عن المقيد كقوله: صل، وقوله: لا تصلفي الدار المغصوبة، حيث انه ثبوتا وان امكن كونه من باب التزاحم الا انه اثباتا لابد فيه من اعمال قواعد التعارض نظرا إلى كشف دليل الخاص حينئذ في فرض أقوائيته عن تضيق دائرة التكليف في طرف العام بغير المقيد بجميع مراتبه، فتدبر.

واما لوازم البابين: فمنها كما عرفت هو الرجوع في باب التعارض بعد الياس عن الجمع إلى قواعد التعادل والترجيح بخلافه على التزاحم فانه فيه لابد من ملاحظة ما هو الاهم مصلحة كانت أو مفسدة فيقدم الاقوى ملاكا على غيره وان اضعف سند من غير ان يلاحظ فيه جهة أقوائية السند بل ولا الدلالة ايضا الا إذا فرض كون الاقوى دلالة اقوى ملاكا ايضا فيقدم حينئذ ما هو الاقوى دلالة على غيره لمكان كشف قوة دلالته حينئذ عن قوة ملاكه، فتدبر.

 ومن لوازم التعارض والتخصيص ايضا هو عدم قيام المصلحة واقعا الا بالمقيد ويتبعه ايضا فساد العمل الفاقد لقيد واقعا من دون اناطة بالعلم بالمصلحة أو الجهل بها، بخلافه على التزاحم فان من لوازمه قيام المصلحة واقعا بنفس المطلق وان كان حكمه الفعلي مقيدا بعدم وجود المزاحم الاهم، ومن لوازم هذا المعنى هو عدم تبعية الفساد واقعا مدار فقد قيد الحكم الفعلي بل يكون تبعيته حينئذ مدار العلم به وعدمه، فمع الجهل يكون المأتى به صحيحا واقعا من جهة وجدانه لما هو الملاك والمصلحة ووفائه بغرض المولى، ومن ذلك ايضا بنوا في مثل الغصب والصلاة ولو على الامتناع وتغليب النهي على صحة العبادة مع الجهل بالغصبية مطلقا أو الجهل بالحرمة إذا كان عن قصور، ومعلوم انه لا يكون ذلك الا من جهة واجدية المأتي به حينئذ للملاك والمصلحة إذا المانع عن صحته حينئذ انما كان هو فعلية نهيه وتنجزه عليه وتأثيره في مبعدية الفاعل وبعد فرض معذورية المكلف من جهة جهله يقع العمل صحيحا قهرا، لا يقال: هذا كذلك  في غير العبادات واما فيه فبملاحظة احتياج صحتها إلى قصد القربة المنوط بوجود الامر الفعلي القائم بالعمل المأتي به بداعية ومحبوبيته فلا يتم ذلك حتى في ظرف الجهل المزبور، وذلك لان الجهل المزبور حينئذ غير رافع لتأثير المفسدة الاهم في المبغوضية الفعلية ومع هذه الجهة من التأثير لا يبقى مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة في رجحان العمل ومحبوبيته وفعلية الامر المتعلق به، ومعه فاين امر فعلي قائم بالمأتى به يوجب التقرب به كي يصير العمل لأجله صحيحا؟ ففي الحقيقة تمام المنشأ للفساد حينئذ انما هو من جهة انتفاء مقتضي الصحة وهو التقرب لا من جهة وجود المانع وهو فعلية النهي  وتنجزه حتى يقال: بانه في ظرف الجهل المزبور لا تأثير للنهى في المنجزية ومبعدية الفاعل عن ساحة القرب إلى المبدء الاعلى عز شانه.

فانه يقال: نعم ان ذات العمل حينئذ وان كان مبغوضا فعلا بمقتضي تأثير المفسدة الاهم ومع هذه الجهة من التأثير لا يبقى مجال تأثير المصلحة المهمة المغلوبة فيه في المحبوبية الفعلية، الا انه نقول: بانه لا باس حينئذ في تأثير المصلحة المهمة في حسنه من حيث صدوره عن الفاعل، إذا المانع عن تأثيره في حسنه حتى من حيث صدوره عن الفاعل انما كان هو حيث تنجز نهيه وبعد سقوط تنجزه لمكان جهله فقهرا تؤثر المصلحة في حسنه من تلك الجهة ويتبعه ايضا الامر الفعلي فيتقرب حينئذ بداعي امره ولو من حيث اضافة صدوره إلى الفاعل. ولئن خودش فيه ايضا بامتناع موردية العمل ولو بلحاظ اضافة صدوره إلى الفاعل لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية الفعلية مع كونه مبغوضا بالبغض الفعلي بمقتضي تأثير المفسدة الاهم الغالبة، نظرا إلى استلزامه لاجتماع الضدين فيه من المحبوبية والمبغوضية بملاحظة اتحاد الوجود والايجاد حقيقة، وان ما هو الصالح لان يكون موردا لتأثير المصلحة في الرجحان والمحبوبية انما هو حيث اضافة العمل إلى الفاعل فقط مع خروج المضاف عن مورديته لتأثير المصلحة، ومثل هذا المقدار غير واف بالتقرب المعتبر في صحة العبادة من جهة ان ظاهرهم هو احتياج العبادة في صحتها إلى التقرب بذات العمل لا بحيث اضافته إلى الفاعل، نقول: بانه نمنع توقف القرب على فعلية الامر بالمأتى به و رجحانه الفعلي، إذ نقول بان من انحاء القرب ايضا اتيان العمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى. ومن المعلوم حينئذ ان مثل هذا المعنى مما يتمشى من المكلف حتى مع الجزم بعدم الامر الفعلي بل ومع الجزم بكونه مبغوضا فعلا ما لم يكن العمل مبعدا له، كما في المضطر بالغصب لاعن سوء الاختيار، وحينئذ فإذا اتى بالعمل في ظرف الجهل المزبور بداعي التوصل به إلى غرض المولى وكان العمل ايضا من جهة وجدانه للمصلحة وافيا بغرض المولى فقهرا بنفس اتيانه بالقيد المزبور يتحقق القرب ويصح منه العبادة، مع انه على فرض الاحتياج إلى الامر الفعلي ايضا نقول: بانه بعد احتمال فعلية الامر ومطلوبيته يكفي في التقرب بالعمل اتيانه برجاء كونه مأمورا به بالإيجاد من دون احتياج إلى الجزم بالأمر اصلا، كما هو واضح. هذا في الجهل البسيط.

واما في مورد الجهل المركب فيكفى ايضا في الداعوية وفي تحقق القرب اعتقاد الامر الفعلي وان لم يكن في الواقع امر اصلا فان ماله الدخل بتمامه في الداعوية والمحركية انما كان هو العلم بالأمر لا هو بوجوده الواقعي، وحينئذ فإذا علم بالأمر وجدانا أو تعبدا لقيام امارة عليه كان علمه ذلك تمام العلة لتحقق الدعوة، ومع اتيانه بالعمل بداعية يتحقق القرب المتوقف عليه صحة العبادة قهرا، من جهة تحقق ما هو علته وهى الدعوة، فيترتب عليه حينئذ صحة العبادة وان لم يكن هناك امر فعلي متعلق بالعمل في الواقع.

 لا يقال: كيف ذلك مع انه خلاف ما بنوا عليه من احتياج العبادة في صحتها إلى قيام الامر الفعلي بها في الواقع كما يشهد عليه حكمهم بفساد العبادة عند خلوها عن الامر واقع.

فانه يقال: كلا، وان اعتبارهم لوجود الامر انما هو باعتبار كشفه عن وجود المصلحة في متعلقه وبلوغه إلى مرحلة الوفاء بالغرض الفعلي نظرا إلى عدم طريق آخر إلى كشف المناط والمصلحة فيه الا امره وبعثه لا من جهة دخله في التقرب المعتبر في صحة العبادة، كما هو واضح.

الامر الثالث: في الاضطرار إلى الغصب فنقول: الاضطرار إلى الغصب تارة يكون لاعن سوء اختيار واخرى يكون عن سوء اختياره، وعلى التقديرين تارة يقطع بزوال العذر قبل خروج الوقت واخرى يقطع ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت وثالثة يشك في ذلك، وعلى التقادير تارة يكون الغصب مجموع الفضاء والارض واخرى يكون الغصب هو خصوص الارض دون الفضاء وثالثة بالعكس، فهذه صور متصورة في الاضطرار إلى الغصب، وبعد ذلك نقول: اما الصورة الاولى وهى ما لو كان الاضطرار إلى الغصب لاعن سوء اختياره، فبناء على جواز الاجتماع لا اشكال، حيث ان له حينئذ الاتيان بالصلاة التامة الاجزاء والشرائط مطلقا، سواء فيه بين علمه ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت أو علمه بزواله قبل خروج الوقت، وسواء فيه بين كون الغصب مجموع الفضاء والارض أو الارض خاصة دون الفضاء أو العكس، واما على الامتناع وتقديم جانب النهي  ولو لكونه من حقوق الناس فان كان الغصب مجموع الارض والفضاء وقد علم ايضا ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت فلا اشكال ايضا حيث ان له حينئذ الاتيان بالصلاة في الغصب بما لها من الاجزاء والشرائط نظرا إلى معلومية عدم استلزام صلاته حينئذ لزيادة تصرف في الغصب غير ما اضطر إليه وهذا واضح بعد وضوح عدم التفاوت في شاغليته للمكان بين حالة سكونه وحركته وقيامه وقعوده، نعم قد يناقش في المقام ايضا في اصل صحة الصلاة بنحو ما مر في صورة الجهل بالغصبية ولكنك عرفت الجواب عنه بما لا مزيد عليه هذا إذا كان الغصب هو مجموع الفضاء والارض.

واما لو كان الغصب هو خصوص الارض دون الفضاء فمقتضي القاعدة في هذا الفرض هو تقليل الغصب مهما امكن ولازمه هو وجوب الاتيان بالصلاة حينئذ قائما مومي لسجوده نظرا إلى ما يلزم من وضع جبهته على الارض من الغصب الزائد، بل ذلك ايضا هو الذي يقتضيه الجمع بين ما دل على ان الصلاة لا تترك بحال وبين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير، بل ولولا استلزام العسر والحرج لكان اللازم هو الاقتصار في قيامه على رجل واحد من جهة كونه اقل تصرفا من القيام على رجلين. ومن ذلك ظهر الحال في فرض كون الغصب هو خصوص الفضاء دون الارض حيث ان اللازم بمقتضي القاعدة هو وجوب الاتيان بصلاته مستلقيا على ظهره جمعا بين ما دل على ان الصلاة لا تترك بحال وبين عموم حرمة التصرف في مال الغير، هذا. ولكن ظاهر الاصحاب رضوان الله عليهم هو وجوب الاتيان بصلاة المختار عند كون الاضطرار لاعن سوء اختياره حيث ان ظاهرهم هو عدم الفرق بين فرض كون الغصب مجموع الفضاء والارض وبين كونه خصوص الارض أو الفضاء وان له في جميع الفروض المزبورة الاتيان بالصلاة التامة الاجزاء والشرائط من القيام والركوع والسجود والتشهد، ولعل ذلك منهم لمكان قيام السيرة على كونه مختارا حينئذ في قيامه وقعوده واضطجاعه واستلقائه خصوصا مع ما يلزم من العسر والحرج من بقائه على كيفية واحدة من القيام أو القعود، كما انه يشهد لذلك ايضا خلو كلمات الاصحاب عن التعرض حينئذ لمقدار الجائز من الحركات والسكنات والا لكان اللازم عليهم الغرض لذلك وبيان مقدار الجائز من الحركات والسكنات، خصوصا في فرض كون الغصب هو الارض خاصة دون الفضاء أو العكس، هذا. ولكن مع ذلك في غير صورة الحرجية يشكل الحكم بجواز الاتيان بصلاة المختار حتى في فرض غصبية الارض واباحة المكان في قبال عموم حرمة التصرف في مال الغير، خصوصا مع امكان حمل كلامهم على ما هو الغالب من فرض غصبية الارض والفضاء معا، كإمكان منع قيام السيرة ايضا على الاطلاق على كونه مختارا في الحركات والسكنات حتى في غير صورة الحرجية، فتأمل.

 ثم ان هذا كله في فرض العلم ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت.

واما لو فرض علمه بزوال اضطراره قبل خروج الوقت وتمكنه من الاتيان بالصلاة في مكان مباح ففي جواز بداره بالصلاة حينئذ والاكتفاء بها وعدم جوازه اشكال، اقواه العدم، نظرا إلى تمكنه حينئذ من الاتيان بصلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط في غير الغصب.

نعم في فرض غصبية مجموع الفضاء والارض لا باس بجواز بداره واتيانه بصلاة المختار قاصدا التقرب به بقصد التوصل به إلى غرض المولى بناء على كفاية ذلك في القرب المعتبر في العبادة، وهذا بخلافه في فرض غصبية خصوص الارض أو الفضاء حيث انه حينئذ لا مجال لإتيانه بصلاة المختار في مكان مغصوب، لما عرفت من استلزامه لازدياد التصرف في مال الغير. واما الاجماع المدعى سابقا فغير جار في الفرض ايضا من جهة اختصاصه بفرض عدم تمكنه من الاتيان بالصلاة في غير الغصب، ولا اقل من كونه هو القدر المتيقن منه فيبقى الفرض تحت القواعد التي مقتضاها وجوب الاتيان مهما امكن بصلاة المختار التامة الاجزاء والشرائط، وحينئذ فإذا فرض عدم تمكنه من الاتيان بصلاة المختار في الغصب يجب عليه الصبر والاتيان بها في غير الغصب. بل ومن ذلك البيان ظهر الاشكال في فرض غصبية مجموع الفضاء والارض ايضا بناء على عدم كفاية مجرد الاتيان بالعمل بقصد التوصل به إلى غرض المولى في القرب المعتبر في العبادة واحتياجه إلى التقرب بالعمل بقصد الامر الفعلي أو رجحانه الفعلي، إذ حينئذ من جهة خروج الاكوان عن دائرة المحبوبية بمقتضى اهمية مفسدة الغصب لا يكاد تمكنه من التقرب بتمام العمل فمن ذلك لابد له من الصبر إلى ان يزول اضطراره فيتمكن من التقرب بالعمل بداعي امره ورجحانه الفعلي، كما هو واضح.

 واما صورة الشك في زوال اضطراره قبل الوقت فيلحق بالعلم ببقائه إلى آخر الوقت بمقتضي الاستصحاب فيم لو كان اضطراره الموجب لسقوط التكليف عنه شرعيا بمقتضي حديث الرفع لا عقليا محضا، والا فلا مجال للاستصحاب لانتفاء الاثر الشرعي حينئذ، كما هو واضح.

بقى الكلام فيما لو تمكن من الخروج وقد كان الوقت مضيقا ايضا بنحو لا يتمكن من ايجاد الصلاة في خارج الغصب في انه هل يجب عليه الاتيان بصلاته حينئذ في حال الخروج بحيث لو ترك الخروج واتى بصلاته في حال استقراره تبطل صلاته، اولا، بل كان له الاتيان بصلاته ايضا في غير حال الخروج وان اثم بتركه للخروج بملاحظة ما يترتب عليه من الغصب الزائد عن المقدار المضطر إليه؟

فيه وجهان: اقربه الثاني، وذلك انما هو لوجود المقتضي لصحة صلاته وانتفاء المانع، اما الاول فواضح من جهة فرض وجدان المأتي به حينئذ للملاك والمصلحة، واما الثاني فكذلك ايضا إذ المانع المتصور حينئذ لا يكون الا فعلية نهيه وتنجزه وهو بالفرض ساقط حسب اضطراره في تلك الساعة سواء على تقدير اختيار الخروج في تلك الساعة أو البقاء في الغصب، وبالجملة نقول بانه بعد اضطراره في تلك الساعة إلى ارتكاب الغصب وعدم التفاوت في شاغليته للمكان في تلك الساعة بين حال سكونه وبقائه وبين حال حركته وخروجه كان له اختيار البقاء في تلك الساعة وجعل كونه كونا صلاتي.

نعم في فرض اختيار البقاء يلازم بقائه فيه الغصب الزائد في الساعة الثانية، ولكن مجرد ذلك غير مقتضي للنهي عن كونه البقائي في الساعة الاولى كي يقع بذلك مبعدا له، الا على القول باقتضاء الامر بالشيء للنهى عن ضده : واما توهم مقدمية البقاء حينئذ لارتكاب الغصب الزائد فمدفوع بمنع المقدمية فان البقاء انما هو ملازم للغصب الزائد بلحاظ المضادة بين الكونين أي الكون في الغصب والكون في خارجه لا انه مقدمة له، وعليه فلا يكون استتباع البقاء للغصب الزائد الا بصرف الملازمة الخارجية، وإذا فرضنا حينئذ عدم اقتضاء الامر بالشيء للنهى عن ضده وملازمه فقهرا لا يقع الكون البقائي منه حراما ولا مبعدا له.

واما توهم ان البقاء وان لم يكن مقدمة للغصب الزائد الا ان له نحو تقدم عليه ولو ذاتا نظير تقدم حدوث الشيء على بقائه وهذا المقدار كان يكفى في المقدمية وفي نيل العقل الحرمة بالنسبة إليه، فمدفوع بانه لو سلم ذلك نمنع كفايته في ترشح الحرمة إليه حيث لا عموم لكبري الملازمة يعم مطلق ما هو مقدم على الشي ولو لا يكون من علل وجوده.

وعليه فلا مانع عن صحة صلاته فيما لو ترك الخروج واتى بالصلاة في حال الاستقرار وان اثم على ما يلزمه من الغصب الزائد في الساعة الثانية.

اللهم الا ان يمنع عما ذكرنا بالمنع عن اصل جواز تطبيق اضطراره على الكون البقائي، بدعوى انه انما يكون له الخيار في تطبيق اضطراره على أي فرد شاء فيما لم يكن هناك ما يقتضي تعين تطبيقه على فرد خاص وال فلا مجال لتطبيقه الا على ما تعين تطبيقه عليه، وفى المقام حيث ما كان يستتبع الكون البقائي لازدياد الغصب فقهرا مثل هذا المعنى موجب لترجيح الكون الخروجي عليه بحكم العقل ومعه يتعين تطبيق اضطراره عليه لا على الكون البقائي، ولكنه ايضا مدفوع، بان مجرد وجوب اختيار الكون الخروجي بحكم العقل ايضا غير موجب لحرمة ضده الذي هو الكون البقائي بل ولا لكونه ازيد مفسدة من غيره كي يقال بلزوم ترك ما فيه المفسدة الزائدة، نعم غاية ما هناك ان يستتبع البقاء ارتكاب الغصب في الساعة الاخرى وهو ايضا على ما عرفت غير موجب لكونه بقائه وسكونه ازيد مفسدة من خروجه، كما هو واضح. وكيف كان فهذا كله فيما لو كان اضطراره إلى الغصب لاعن سوء اختياره. واما لو كان اضطراره عن سوء اختياره كما لو دخل ارض الغير من غير رضاه فتعذر عليه الخروج ففيه ايضا يتأتى الصور المزبورة: ففيما لو علم بزوال اضطراره قبل خروج الوقت بحيث يتمكن من اتيان الصلاة في غير الغصب فلا اشكال، حيث انه يتعين عليه الاتيان بالصلاة في خارج الغصب ولا يجوز له البدار بالصلاة في الغصب، بل ولئن صلى فيه كانت صلاته فاسدة، بملاحظة مبغوضية الاكوان ومبعديتها له من جهة تنجز النهي  السابق، من غير فرق في ذلك بين ان يكون الغصب مجموع الفضاء والارض أو كان الغصب خصوص الفضاء دون الارض أو بالعكس.

 كما انه لو علم ببقاء اضطراره إلى آخر الوقت فلا اشكال ايضا في وجوب الصلاة عليه في الغصب بمقتضي ما دل على ان الصلاة لا تترك بحال.

 وانما الكلام في ان صلاته حينئذ هل هي صلاة المختار التامة المشتملة على الركوع والسجود والقيام والقراءة أو ان تكليفه حينئذ هو صلاة الغرقى بإشارات قلبية في فرض غصبية مجموع الفضاء والارض؟

فنقول: قد يقال حينئذ بالثاني نظرا إلى دعوى كونه مقتضى الجمع بين ما دل على ان الصلاة لا تترك بحال وبين ما دل على حرمة التصرف في مال الغير، فان مقتضي عموم حرمة التصرف في مال الغير حينئذ هو خروج الاكوان عن الجزئية ومقتضاه هو انتهاء صلاته إلى اشارات قلبية كما في صلاة الغريق بناء على كون قراءته ايضا تصرفا في الغصب، ولكن نقول بانه حسن جدا لو لا قيام الشهرة على خلافه، حيث ان ظاهر الاصحاب هو كون تكليفه حينئذ هي الصلاة التامة للمختار المشتملة على القيام والركوع والسجود والقراءة خصوصا في فرض كون الغصب مجموع الفضاء والارض.

 ولعل ذلك منهم من جهة دعوى خروج هذا الكون البقائي حينئذ من الاول عن تحت النهي ، بتقريب ان ما يجب عليه اختياره الموجب لتنجز نهيه من الاول انما هو ترك الغصب بترك الدخول فيه لانه هو الذي كان مقدورا له، واما تركه من غير جهة ترك الدخول كالطيران إلى السماء في ظرف الدخول فحيث انه كان مضطرا إليه من الازل في علم الباري عز اسمه فلا يكون منهيا عنه من جهة ان النهي  انما يتعلق بما هو تحت قدرة المكلف واختياره لا بما هو خارج عن تحت قدرته واختياره، ومن هذه الجهة ايضا قلنا سابقا بانه إذا كان للشيء حدود بالإضافة إلى مقدماته وعدم اضداده لا يكاد يصح توجيه التكليف إليه بالإيجاد أو الترك على الاطلاق بنحو يقتضي حفظ الوجود من جميع الجهات ومن ناحية جميع المقدمات والاضداد الا في فرض تمكنه من الحفظ من جميع الجهات، والا فمع خروج بعض المقدمات أو الاضداد عن تحت قدرته لا يكاد يكون التكليف بالإيجاد بالنسبة إليه الا تكليفا ناقصا يوجب الحفظ من ناحية ما هو تحت قدرته واختياره في ظرف انحفاظه من قبل الامور الخارجة عن تحت الاختيار. وعلى ذلك يقال في المقام بانه بعد ان كان للغصب نحو ان من الترك احدهما الترك بترك الدخول فيه وثانيهما تركه من غير جهة الدخول كالطيران في السماء في ظرف الدخول وكان الثاني مما اضطر إليه من الازل في علم الباري عز اسمه فقهرا ما هو المنهى عنه لا يكون الا ذاك النحو من الترك الاختياري والا فالترك الآخر من جهة اضطراره إليه ازلا لا يكون منهيا عنه اصلا وحينئذ فإذا دخل الغصب بسوء اختياره فقد سقط نهيه المنجز عليه بالعصيان وبدخوله فيه صار مستحقا للعقاب، واما بعد دخوله فيه لا يكون له تكليف بترك الغصب من الازل لاضطراره إليه فإذا لم يكن مكلفا بترك الغصب حينئذ من غير جهة ترك الدخول فلا يكون صدوره عنه مبعدا ايضا ومع عدم كونه مبعدا فله الاتيان بالصلاة التامة المشتملة على القيام والركوع والسجود كما في الاضطرار لاعن سوء الاختيار حرفا بحرف، هذا. ولكن مع ذلك لا تخلو المسألة عن اشكال ينشأ من كفاية مطلق المقدورية ولو بالواسطة في توجيه التكليف بشيء إلى المكلف فيقال حينئذ بانه بعد ان كان له القدرة على ترك البقاء في الغصب ولو بتركه للدخول فيه كان هذا المقدار كافي في توجه النهي  عن الكون البقائي إليه وتنجزه عليه فيكون البقاء فيه حينئذ كالدخول منهيا عنه من الازل قبل الدخول فيه، وعليه فبالدخول وان سقط نهيه المنجز عليه الا انه حيثما كان بالعصيان يبقى تبعته فيوجب كون ما يصدر عنه من الاكوان مبغوضا ومبعد له ولازمه هو خروج تلك الاكوان عن الجزئية للصلاة فينتهى امر صلاته حينئذ إلى اشارات قلبية في فرض غصبية مجموع الفضاء والارض دون الصلاة التامة للمختار، وحينئذ فان تمت السيرة والاجماع المدعى في المقام على كون تكليفه صلاة المختار التامة فهو والا فلابد بمقتضي القواعد كما عرفت من المصير إلى كون وظيفته نظير صلاة الغرقى بإشارات قلبية في ركوعه وسجوده.

نعم لو تاب حينئذ امكن دعوى وجوب صلاة المختار التامة نظرا إلى ان التوبة كانت مزيلة لاثر العصيان السابق وتجعله كان لم يكن فكان كمن اضطر إلى الغصب لاعن سوء الاختيار.

ولكن الاستاذ - دام ظله - استشكل في ذلك ايضا مدعيا لان التوبة انما تجدي في رفع اثر العصيان إذا لم يكن المكلف في حال التوبة مشغولا بالعصيان، وفى المقام لما كان مشغولا بارتكاب الغصب حال التوبة فلا تجديه في الخروج عما تقتضيه القواعد.

 وكيف كان فمما ذكرنا ظهر الحال ايضا فيما لو ضاق الوقت وتمكن من الخروج حيث انه يتعين عليه حينئذ الاتيان بصلاته في حال الخروج بإشارات قلبية، لو لا السيرة المزبورة، والا فبما لا تزاحم مع خروجه فيقرأ ويركع ماشيا موميا بسجوده ولا ينتهي النوبة في هذا الفرض إلى الصلاة في حال السكون والاستقرار.

 واما نفس خروجه فهو كما عرفت لا يكون الا منهيا عنه بالنهي السابق كالبقاء فيه لا انه يكون مأمورا به.

إذ لا وجه لدعوى كونه مأمورا به الا توهم مقدميته للتخلص عن الغصب الزائد، وهو كما عرفت في غير محله، فان الحركة لا تكون الا عبارة عن تبدل كون بكون آخر فهى حينئذ عبارة عن ضد البقاء المستتبع للغصب الزائد وهو غير موجب لمحبوبية الحركة التي هي ضد السكون والبقاء. نعم لو كانت الحركة عبارة عما به تبدل احد الكونين بالآخر لا نفس تبدل كون بكون لكان لما ذكر من المقدمية كمال مجال إذ كانت الحركة حينئذ علة لإفراغ الكون في الغصب وتبدله بالكون في خارجه ولكنه محل منع جدا بل هي لا تكون الا عبارة عن نفس تبدل كون بكون آخر وعليه فلا تكون الحركة الا ضد السكون والبقاء الملازم للغصب الزائد ومثله ايضا غير موجب لسراية المحبوبية إليها وحينئذ فلا يبقى في البين الا لزوم الخروج عقلا ارشادا منه إلى اختيار ما هو اقل القبيحين، كما هو واضح.

هذا تمام الكلام في اجتماع الامر والنهي .

___________

1 ـ قد توفي (رحمه الله ) يوم السبت عند ارتفاع النهار في السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1355. « المؤلف » ومراد المؤلف 1 من هذا البعض هو المحقق النائيني 1 الشريف « المصحح ». 

2 ـ ج 1 ص 256.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.