أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-13
![]()
التاريخ: 23-12-2016
![]()
التاريخ: 21-1-2016
![]()
التاريخ: 21-1-2016
![]() |
ويضع الاسلام خطاً واضحاً للتفريق بين الفقراء والاغنياء، ويجعل مقياس الفقر والغنى، المؤونة السنوية. فالمؤونة السنوية هي ما يكفي الفرد وعياله من المواد الغذائية الاساسية واللباس والسكن لمدة سنة. وليس للمؤونة والنفقة المستثناة من الضريبة الشرعية معنى خاص في الشريعة، وانما يرجع في تحديدها الى العرف. بل الضابط ان لا يكون انفاق الفرد تبذيراً واسرافاً، وانما ينبغي فيها ملاحظة الاعتدال. ويدخل فيها بالاضافة الى المواد الغذائية واللباس والسكن، ما يحتاجه في السفر وخدمة ضيوفه، وتقديمه الهدايا، وتزويج أولاده. ولا شك انه لا يمكن (الاحاطة ببيان ذلك جميعه، خصوصاً مع ملاحظة الاشخاص، والازمنة والامكنة، وغيرها، فالأولى ايكال [معرفة النفقة] الى العرف، كايكال [معرفة] العيال اليه)(1).
وبتعبير آخر، فان الفرد الذي لا يملك مؤونة سنته اللائقة بحاله له ولعياله يعتبر من الناحية الشرعية والقانونية فقيراً، ومن يملك مؤونة سنته يعتبر من الناحية الشرعية غنياً. اما المسكين فهو من لا يملك شيئاً من المال ويعتبر اسوأ حالاً من الفقير. وقيل ان الفقير لا يسأل الناس اشباع حاجته بينما المسكين يسأل. ولا شك ان الفرد الذي يملك كمية من المال ـ كرأسمال ـ ولكن لا تكفيه لمؤونة سنته، يعتبر فقيراً ايضاً ويجوز له استلام الحقوق الشرعية. اذن، فكل فرد في المجتمع الاسلامي مضمون ـ نظرياً ـ من الناحية المعيشية لمدة سنة، فاذا دخلت السنة الجديدة وليس لديه وعائلته ما يكفيهم، عندئذ يحق له اخذ ما يكفيه مع من يعيلهم من الموارد المالية الشرعية لسنة اخرى، وهكذا الى ان يتبدل وضعه الاقتصادي فيصبح غنياً. وهذا الضمان المالي يشبع حاجات الطبقة الفقيرة ثم يرفعها الى مستوى عامة الناس، وهي الطبقة المتوسطة في النظام الاجتماعي الاسلامي.
وبطبيعة الحال، فان النظرية الاجتماعية الاسلامية لا تلوم الفقراء على فقرهم ولا تلزمهم مسؤولية تحميل الآخرين كاهل الانفاق، بل ان الاسلام ينظر ضمن منهجه الاجتماعي الشامل الى الفقراء نظرة مملوءة بالرحمة والمساواة باعتبار انهم افراد خانهم التوفيق في التكسب، ويؤكد ان للفقراء حقاً ثابتاً في اموال الاغنياء، كما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): (ان الله تبارك وتعالى شرك بين الفقراء والاغنياء في الاموال، فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم)(2).
فكما ان معدة الانسان لا تتسع لكل ثمار الارض حتى لو اشتهت نفسه تناول كل تلك الثمار، وان رئتيه لا تتسع لهواء الكون حتى لو رغب استنشاق كل ذلك الهواء، كذلك المال والثروة فان شهوة الانسان للمال لا يحدّها حدّ عرفي او اجتماعي، الا ان الاسلام هذّبها بقسر الاغنياء على دفع حقوق الفقراء والمساكين. بمعنى ان الله سبحانه قد جعل للفقراء حقاً في اموال الاغنياء كحق غرماء الميت المتعلق بتركته، فان امتنع الغني عن اداء ذلك الحق، كان للحاكم الشرعي او لعدول المسلمين من باب الحسبة استيفاء ذلك الحق قهراً. وليست الضريبة الواجبة من زكاة وخمس وكفارات وزكاة فطر وهدي هو كل ما يقدمه الاسلام للفقراء، بل ان الانفاق المستحب وصدقة السر تسد جزءاً كبيراً من حاجاتهم ايضاً، الى حد الكفاية والغنى.
وبالاجمال، فان الاسلام عالج مشكلة الفقر بالخطوات التالية :
اولاً : أمر بفرض ضريبة ثابتة على اموال الاغنياء. ثانياً : اعطى الفقراء حد كفايتهم من الناحية المعيشية مما يوفر فرصاً حقيقية لالتحاقهم بالطبقة المتوسطة. ثالثاً : حث على الانفاق المندوب، وشجع على السخاء والكرم في العطاء. رابعاً : أمر بتحريك المال الصامت لتنشيط الطاقات والابداعات المختلفة في النظام الاجتماعي. فلا ريب اذن ان يثق الاسلام ثقة مطلقة بنظامه الاجتماعي الذي عالج فيه مشكلة الفقر معالجة حقيقية ، كما يشير الى ذلك قول الامام الصادق (عليه السلام): (لو ان الناس ادّوا زكاة اموالهم ما بقي مسلم فقيراً محتاجاً)(3).
وبكلمة ، فقد جعل الاسلام مشاركة الفقراء اموال الاغنياء، وسيلة واقعية لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وإلحاق هؤلاء الفقراء بالطبقة المتوسطة الواحدة في المجتمع الاسلامي، كما ورد في روايتين لأبي بصير ، الاولى : قال : قلت لابي عبدالله (عليه السلام): ان شيخاً من اصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن أعين وهو محتاج ، فقال له عيسى بن أعين : اما ان عندي من الزكاة ، ولكن لا اعطيك منها ، فقال له : ولم؟ فقال : لأني رأيتك اشتريت لحماً وتمراً ، فقال : انما ربحت درهماً فاشتريت بدانقين لحماً وبدانقين تمراً ثم رجعت بدانقين لحاجة ، قال : فوضع ابو عبد الله (عليه السلام) يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه، ثم قال : ان الله نظر في اموال الاغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في اموال الاغنياء ما يكتفون به، ولو لم يكفهم لزادهم، بلى فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويتزوج ويتصدق ويحج(4).
والثانية : سؤال أبي بصير من الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)عن رجل له ثمانمائة درهم وهو رجل خفاف وله عيال كثير أله ان يأخذ من الزكاة؟ فقال : (يا ابا محمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟ قلت: نعم، قال: كم يفضل؟ قلت: لا ادري، قال: ان كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة وان كان اقل من نصف القوت اخذ الزكاة، قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى، قلت: كيف يصنع؟ قال: يوسع بها على عياله في طعامهم وكسوتهم ويُبقي منها شيئا يناوله غيرهم، وما اخذ من الزكاة فضّه على عياله حتى يلحقهم بالناس)(5). فيفهم من منطوق هاتين الروايتين ان هدف دفع الحقوق الشرعية ـ بالإضافة الى اشباع حاجات الفقراء ـ هو الحاقهم بعامة الناس. بل ان التشريع الاسلامي أكد مراراً على ان الأولى للموسر ـ في دفعه الحقوق الشرعية ـ اشباع حاجات ارحامه واقاربه ومن يعرفهم معرفة العين، حيث (يستحب تخصيص اهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله لرواية عبدالله بن عجلان عنه (عليه السلام): (أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل). كما انه يستحب ترجيح الاقارب وتفضيلهم على الاجانب لرواية اسحاق عن ابي الحسن موسى (عليه السلام): (قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم وأفضّل بعضهم على بعض، فيأتيني ابان الزكاة فاعطيهم منها؟ قال : مستحقون لها؟ قلت : نعم. قال (عليه السلام): هم افضل من غيرهم، اعطهم). وأهل الفقه والعقل على غيرهم، ومن لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال. ويستحب صرف صدقة المواشي الى أهل التجمل من الفقراء. لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حد نفسها، وقد يعارضها او يزاحمها مرجحات أخر، فينبغي ملاحظة الاهم والارجح »(6).
وهذا الترجيح المستند على القاعدة العقلية والعرفية يثبت اواصر الرحمة والمحبة والإخاء الاجتماعي، على عكس توجه الانظمة الصناعية الحديثة التي تجمع الضرائب عن طريق مركزي ثم توزع الحصة المعلومة وهي اثنان بالمائة على المحتاجين او المتظاهرين بالحاجة، فيضيع المحتاج الصادق في حاجته بين المتظاهرين بالحاجة، وتبقى مشكلة الفقر قائمة. وتدل بعض المصادر الاسلامية على ان الفقير يعطى ليشبع حاجته الاساسية اذا كان قاصراً عن العمل، اما اذا كان قادراً عليه فيعطى من بيت المال ليشتغل في التجارة او الصناعة على سبيل القرض، ويعيل نفسه بعد ذلك من أرباح عمله. ويدل حديث ابي بصير عند سؤاله الامام جعفر بن محمد (عليه السلام)، المذكور آنفاً، ان المعيل الذي يربح ربحاً يكفي اشباع نفسه وعائلته ويزيد قليلاً، يجوز له اخذ الزكاة للارتفاع به وبعائلته عن مجرد اشباع الحاجة الاساسية الى مستوى الطبقة الوسطى المعتدلة الرفاه.
وفي الوقت الذي يدعو فيه الاسلام الى اشباع حاجات الفقراء والارتفاع بهم الى مستوى الطبقة العامة من الناس فانه يحرم اعطاء الصدقة للمتكاسلين الذين يحترفون البطالة والخمول والتسكع، لان منهج الاسلام الديني يحث الافراد على العمل وبذل الجهد والطاقة، حيث يجعل العمل البدني، بقصد الارتواء من خيرات الارض، عبادة عظمى يثاب عليها الانسان في حياته الابدية. وضمن اطار هذا المنهج، فانه يحث المكلفين على التعفف عن سؤال الناس الا لحاجة حقيقية؛ لان التكليف يسقط في الحالات الاضطرارية. ولا شك ان الفرد الجائع يمثل إدانة حقيقية للنظام الاجتماعي الذي يعيش فيه، خصوصاً اذا كان ذلك النظام يساهم في تجويعه وحرمانه من ابسط مقومات الحياة. ولما كان الاسلام يمثل جوهر العدالة الاجتماعية فانه يعتبر من اخطر الانظمة الفكرية المضادة للنظام الاجتماعي الرأسمالي الذي يحصر الثروة الاجتماعية بالطبقة العليا، غير مكترث بحرمان افراد الطبقات المعدمة من خيرات النظام الاجتماعي.
______________
1ـ الجواهر ج 16 ، ص 59.
2ـ الوسائل ج 4، ص 148.
3ـ من لا يحضره الفقيه ج 1 ، ص 3.
4ـ الكافي ج 1، ص 157.
5ـ من لا يحضره الفقيه ج 1، ص 11.
6ـ مستمسك العروة الوثقى ج 9، ص 317.
|
|
اكتشاف الخرف مبكرا بعلامتين.. تظهران قبل 11 عاما
|
|
|
|
|
العراق يفوز بمنصب نائب رئيس لجنة الشرق الأوسط لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة
|
|
|
|
|
مجمع العلقمي يقدم خدمات متعددة لزائري النصف من شعبان
|
|
|