أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-12
795
التاريخ: 2024-11-14
181
التاريخ: 2024-06-06
608
التاريخ: 21-7-2016
1643
|
معاتبة النفس ومعاقبتها على تقصيرها ، والمجاهدة بتكليفها الطاعات الشاقة ، والزامها الرياضات الشديدة ، فانه إذا حاسب نفسه (اي الانسان)، فوجدها خائنة في الأعمال ، مرتكبة للمعاصى ، مقصرة في حقوق اللّه ، متوانية بحكم الكسل و البطالة في شيء من الفضائل ، فلا ينبغي ان يهملها ، اذ لو اهملها سهل عليه مقارفة المعاصي ، و انس بها بحيث عسر بعد ذلك فطامها عنها.
فينبغي للعاقل ان يعاتبها أولا و يقول : اف لك يا نفس! اهلكتينى وعن قريب تعذبين في النار مع الشياطين و الاشرار، فيا أيتها النفس الأمارة الخبيثة! اما تستحيين و عن عيبك لا تنتهين؟! فما أعظم جهلك و حماقتك! اما تعرفين ان بين يديك الجنة و النار و أنت صائرة إلى أحداهما عن قريب؟ , فما لك تضحكين و تفرحين و باللهو و العصيان تشتغلين؟ , اما علمت ان الموت يأتي بغتة من غير اخبار، و هو أقرب إليك عن كل قريب؟ , فما لك لا تستعدين له؟ , اما تخافين من جبار السماوات و الأرض ، و لا تستحيين منه؟ , تعصين بحضرته و أنت عالمة بأنه مطلع عليك؟! ويحك يا نفس! جرأتك على معصية اللّه ان كانت لاعتقادك انه لا يراك فما أعظم كفرك وان كانت مع علمك باطلاعه عليك فما أشد و قاحتك وأقل حياؤك ، و ما اعجب نفاقك ، و كثرة دعاويك الباطلة! فانك تدعين الايمان بلسانك ، وأثر النفاق ظاهر عليك! فتنبهى عن رقدتك و خذى حذرك! لو ان يهوديا أخبرك في الذ أطعمتك بأنه يضرك لصبرت و تركتيه! و لو أخبرك طفل بعقرب في ثوبك نزعتيه! فقول اللّه و قول أنبيائه المؤيدين بالمعجزات و قول الأولياء و الحكماء و العلماء أقل تأثيرا عندك من قول يهودى أو طفل؟! , فلا يزال يكرر عليها أمثال هذه المواعظ و التوبيخات و المعاتبات ، ثم يعاقبها و يلزمها ما يشق عليها من وظائف العبادات و التصدق بما يحبه ، جبرا لما فات منها و تداركا لما فرط فيها ، فإذا أكل لقمة مشتبهة ينبغي ان يعاقب البطن بالجوع ، و إذا نظر إلى غير محرم يعاقب العين بمنع النظر، و إذا اغتاب مسلما يعاقب اللسان بالصمت و الذكر مدة كثيرة ، و كذلك يعاقب كل عضو من اعضائه إذا صدرت منه معصية بمنعه من شهواته ، و إذا استخف بصلاة الزم نفسه بصلاة كثيرة بشرائطها و آدابها.
وإذا استهان بفقير أعطاه صفو ماله ، و هكذا الحال في سائر المعاصي و التقصيرات , و طريق العلاج في إلزام النفس - بعد تقصيرها في العمل على هذه العقوبات و ربطها على تلك الطاعات الشاقة و الرياضات – أمران :
الأول- تذكر ما ورد في الأخبار من فضيلة رياضة النفس و مخالفتها , و الاجتهاد في الطاعة و العبادة و وظائف الخيرات ، قال الصادق (عليه السلام): «طوبى لعبد جاهد في اللّه نفسه و هواه! و من هزم جند هواه ظفر برضاء اللّه ، و من جاوز عقله نفسه الامارة بالسوء بالجهد و الاستكانة و الخضوع على بساط خدمة اللّه - تعالى- فقد فاز فوزا عظيما ، و لا حجاب أظلم و أوحش بين العبد و بين اللّه - تعالى- من النفس و الهوى ، و ليس لقتلهما و قطعهما سلاح و آلة مثل الافتقار إلى اللّه ، و الخشوع ، و الجوع و الظماء بالنهار، و السهر بالليل ، فان مات صاحبه مات شهيدا ، و إن عاش و استقام اداه عاقبته الى الرضوان الأكبر، قال اللّه - عز و جل : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69] .
و إذا رأيت مجتهدا ابلغ منك في الاجتهاد فوبخ نفسك و لمها و عيرها ، تحثيثا على الازدياد عليه ، و اجعل لها زماما من الأمر، و عنانا من النهى ، و سقها كالرابض للفارة الذي لا يذهب عليه خطوة من خطواته إلا و قد صح اولها و آخرها ، و كان رسول اللّه (صلى الله عليه واله) يصلى حتى تورمت قدماه ، و يقول : (أفلا أكون عبدا شكورا)، أراد أن يعتبر به أمته.
فلا تغفلوا عن الاجتهاد و التعبد و الرياضة بحال , ألا و إنك لو وجدت حلاوة عبادة اللّه ، و رأيت بركاتها ، و استضأت بنورها ، لم تصبر عنها ساعة واحدة و لو قطعت اربا اربا ، فما أعرض عنها من اعرض إلا بحرمان فوائد السلف من العصمة و التوفيق» , قيل لربيع بن خثيم : مالك لا تنام بالليل؟ , قال : «لأني أخاف البيات».
الثاني- مصاحبة أهل السعي ، و الاجتهاد في العبادة ، و مجالسة المجاهدين المرتاضين الذين لا ينفكون ساعة من مشاق الطاعات و العبادات و إلزام نفوسهم على ضروب النكال و العقوبات فملاحظة أحوالهم و مشاهدة أعمالهم أقوى باعث للاقتداء بآثارهم و افعالهم ، حتى قال بعضهم : «إذا اعترتني فترة في العبادات ، نظرت إلى بعض العبّاد و اجتهاده في العبادة فكنت بعد ذلك اعمل أسبوعا» , إلا أن ذلك غير مرجو في أمثال زماننا ، إذ لم يبق في عباد اللّه من يجتهد في العبادة اجتهاد الأولين ، و ليس فينا من تقرب عبادته عبادة أدنى رجل من سلفنا الصالحين. فينبغي أن يعدل عن المشاهدة إلى سماع أحوالهم ، و مطالعة حكاياتهم و اخبارهم ، و من لا حظ حكاياتهم و سمع أحوالهم و اطلع على كيفية اجتهادهم في طاعة اللّه ، يعلم أنهم عباد اللّه و احباؤه و انهم ملوك الجنة , قال بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه الصلاة و السّلام) :«صلينا خلفه الفجر، فلما سلم انتقل إلى يمينه و عليه كآبة ، فمكث حتى طلعت الشمس ، ثم قلب يده و قال : و اللّه لقد رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه واله) و ما أرى اليوم شيئا شبههم ، و كانوا يصبحون شعثا غبرا صفرا ، فقد باتوا للّه سجدا و قياما , يتلون كتاب اللّه - عز و جل- ، و يراوحون بين أقدامهم و جباههم ، و كانوا إذا ذكروا اللّه مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح و هملت أعينهم حتى تبل ثيابهم ، و كأن القوم باتوا غافلين» أو كان أويس القرنى يقول في بعض الليالي : «هذه ليلة الركوع» فيحيى الليل كله في ركعة ، و يقول في بعضها : «هذه ليلة السجود» فيحيى الليل كله في سجدة , و قال ربيع بن خثيم : «أتيت اويسا فوجدته جالسا قد صلى الفجر، فجلست موضعا ، و قلت : لا أشغله عن التسبيح , فمكث مكانه حتى صلى الظهر ولم يقم حتى صلى العصر، ثم جلس موضعه حتى صلى المغرب ، ثم ثبت حتى صلى العشاء ثم ثبت مكانه حتى صلى الصبح ، ثم جلس فغلبته عيناه ، فقال : اللهم إنى أعوذ بك من عين نوامة و بطن لا تشبع».
وروي : «أن رجلا من العباد كلم امرأة و وضع يده على فخذها , ثم ندم فوضع يده في النار حتى نشت عقوبة لها.
وبعضهم نظر إلى امرأة فجعل على نفسه ألا يشرب الماء البارد طول حياته ، فكان يشرب الماء الحار لينغص على نفسه العيش , و مر بعضهم بغرفة فقال : متى بنيت هذه الغرفة؟ , ثم أقبل على نفسه و قال : تسألين عما لا يعنيك؟! لا عاقبنك بصوم سنة ، فصامها».
وروي : «أن ابا طلحة الأنصاري شغل قلبه في الصلاة طين في الحائطة ، فتصدق بالحائطة جبرا لما فاته من الحضور في الصلاة».
وكان بعضهم اعتلت إحدى قدميه فيصلى على قدم واحدة حتى يصلى الصبح بوضوء العشاء وكان بعضهم يقول : «ما أخاف من الموت إلا من حيث يحول بيني و بين صلاة الليل».
وحكى رجل : «أنه نزل بعض أهل اللّه عندنا بالمحصب و كان له أهل و بنات ، و في كل ليل يقوم و يصلى إلى السحر، فإذا كان السحر ينادى بأعلى صوته : ايها الركب المعرسون! أكل هذا الليل تنامون فكيف ترحلون؟ , فيسمع صوته كل من كان بالمحصب فيتواثبون بين باك و داع ، و قارئ و متوضئ ، و إذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته : عند الصباح يحمد القوم السرى» ، وهكذا كان عمل عمال اللّه ، وسلوك سالكي طريق الآخرة ، وحكاياتهم غير محصورة خارجة عن الإحصاء ، اشرنا إلى انموذج منها ليعلم الطالبون كيفية سيرة الرجال في مرابطة النفس و مراقبتها ، و يعلمون أن عباد اللّه ليسوا امثالنا ، بل هم قوم آخرون.
قال بعض الحكماء : «إن للّه عبادا انعم عليهم فعرفوه ، و شرح صدورهم فأطاعوه و توكلوا عليه فسلموا الخلق و الأمر إليه ، فصارت قلوبهم معادن لصفاء اليقين ، و بيوتا للحكمة ، و توابيت للعظمة ، وخزائن للقدرة ، فهم بين الخلائق مقبلون و مدبرون ، و قلوبهم تجول في الملكوت ، وتلوز بحجب العيوب ، ثم ترجع و معها طوائف من لطائف الفوائد ما لا يمكن لواصف أن يصفها ، فهم في باطن أمورهم كالديباج حسنا ، و في الظاهر مناديل مبذولون لمن أرادهم تواضعا ، و طريقهم لا يبلغ إليها بالتكليف ، و إنما هو فضل اللّه يؤتيه من يشاء».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|