أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2016
2111
التاريخ: 12-7-2016
13880
التاريخ: 12-7-2016
5115
|
قيل إن أكثر أهل النظر يرون أن اصل اللغة تواضعٌ واصطلاحٌ ، لا وحيٌ وتوقيف(1)، وأن أصحاب هذه النظرية يرون أن مستعمل نطلقه على الشيءِ هو الاسمُ الصحيحُ ، فإذا استعضنا عنه أتى الثاني صحيحاً كالأول نغيرُ اسماء عبيدنا بدون أن يكون الاسمُ الجديدُ أقل حظاً في الدقة من السابق ، فالتسمية وليدةُ التكرار والعادة
ص30
عند الذين زاولوا فعلها(2) وهذا يتسقُ مع قول القائل (وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثةٌ فصاعداً ، فيحتاجوا الى الإبانة عن الاشياء والمعلومات، فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً ، إذا ذُكر عرف به ما مسماه ، ليمتاز به من غيره ، وليغنى بذكره عن إحضاره الى مرآة العين، فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله )(3) .
وحاول ابنُ جني تقريب هذه النظرية من ذهن المتلقي علهُ يقنعُ بها ، بذكره لجملة من اختراعات الصنّاع لآلات صنائعهم من الأسماء النجارة ، والصائغ والبناء) ودلل على تواضعها من قبل العامة بقوله : "قالوا ولكن لابد لأولها من أن يكون متواضعاً بالمشاهدة والإيماء قالوا والقديمُ سبحانه لا يجوزُ أن يوصف بأنه يواضع أحداً من عباده على شيءٍ ، إذ قد ثبت أن المواضعة لابد معها من إيماء وإشارة بها منه ، فبطل عندهم أن يصح المواضعة على اللغة منه ، تقدست أسماؤه قالوا يجوز أن ينقل الله اللغة التي قد وقع التواضعُ بين عباده عليها ، بأن يقول : الذي كنتم تعبرون عنه بكذا عبروا عنه بكذا والذي كنتم تسمّونه كذا ينبغي أن تسموه كذا جوازُ هذا منه سبحانه كتجوزه من عباده(4) ، وعلى هذا تكون اللغة من ابتكار البشر – عن طريق التواضع والتوافق والارتجال ، وهذا ما ذهبت اليه المعتزلة لاسيما شيخهم عبد السلام الجبائي (ت 321هـ) ، اذ ذهب الى ان اللغات لا تدل على مدلولاتها العقلية ، ولهذا المعنى يجوزُ اختلافها ، ولو ثبت توقيفهاُ من جهة الله تعالى ينبغي أن يخلق الله العلم بالصيغة ، ثم يخلق لنا العلم بالمدلول ، ثم يخلق لنا العلم بجعل الصيغة دليلاً على ذلك المدلول ، ولو خلق لنا العلم بصفاته لجاز أن يخلق لنا العلم بذاته ، ولو خلق لنا العلم بذاته بطل التكليف وبطلت المحنةُ(5) ، لذلك قيل إن اللغة وليدة اجتماع الناس لقيامهم بعمل مشترك ، والأصوات التي صدرت عنهم كانت نتيجة ذلك
ص31
العمل ، وهذا ما يمثل باللغة النفعية عند العامة من البشر، لذلك عدةُ الأصوات اللغوية على الرغم من تمايزها واختلافها من حيث الأداء والوظيفة اللغوية البؤرة الأساسية لنشوء اللغة .
ومن الباحثين المحدثين الذين قالوا بالمواضعة والاصطلاح (جون لوك) وينقلُ الأستاذ كمال الحاج حجة جون في التواطؤ مع من يمتلكُ الكفاية اللغوية والقدرة على ابتكار الألفاظ ، يرى أن الكلمة تدلُ على معنى والمعنى لا يأتي من الشيء الماديِّ (أي الواقع الخارجي) فالكلمة الدالةُ مع المجرد هي التي تعني ، والذي يعني في الكلمة هو الفكر ، فالفكر عانٍ (فاعلٌ) ، والانسان هو مصدر الفكر وقد لوحظ أن هذه التواطؤية ذات قاعدة ، يعني أن وضع الكلمات يتطور من الحس الى المجرد ، ومن المنظور الى اللامنظور ، من الخاص الى العام(6) . ومن المآخذ على هذه النظرية هو ان الكلام لو كان اصطلاحاً لما جاز ان يصطلح عليه إلا قوم قد كملت اذهانهم وتدربت عقولهم وتمت علومهم ، ووقفوا على الاشياء كلها الموجودة في العلم وعرفواً حدودها واتفاقها واختلافها وطبائعها(7) وقيل أيضاً إن (الاصطلاح يقتضي وقتا لم يكن موجوداً قبلهُ ، لأنه من عمل المصطلحين ، وكل عمل لابد من أن يكون له أول ، فكيف كان حالُ المصطلحين على وضع اللغة قبل اصطلاحهم عليها ؟ فهذا من الممتنع المحال ضرورة)(8) ، وقيل في بطلان القول بالتواضع إنه لا يكون ضرورة إلا بكلام متقدم بين المتواضعين على وضع اللغة ، أو بإشارات قد اتفقوا على فهمها وهذا لا يكون إلا بكلام ضرورة ، ومعرفة جوهر الأشياء وطبائعها التي يعبر عنها بالألفاظ لا يكونُ إلا بكلام وتفهيم ، فبطل الاصطلاحُ على ابتداء الكلام(9) ، وينقل الدكتورُ هادي نهر نصاً للدكتور محمد المبارك(10) في بيان ضعف مذهب القائلين
ص32
بالمواضعة ، قال ( فلا يعقل ان يخلق خالق شيئا لايملك عنه اية فكرة ، ولكي توجد هذه الفكرة عن اللغة عند الانسان يجب ان يكون مفكرا، اي ان يكون لاغيا ومعنى هذا انه لكي يخلق الانسان اللغة يجب ان يكون مالكا للغة ، وبعبارة اخرى ان وجود اللغة شرط لخلق اللغة ، او ان اللغة واجبُ وجود لمنشأ اللغة ذاتها ، ولما كان هذا مستحيلاً على الانسان فقد وجب ان تكون اللغة هبة من لدن الله )(11) ، والا كيف لنا ان نفسر قوله تعالى في قصة عيسى (عليه السلام) : (قالوا كيف نكلم من كان في المهدِ صبيا * قال إني عبد الله ،اتني الكتاب وجعلني نبياً) مريم : 29 ، 30 .
ص33
___________________
(1) ينظر الخصائص لابن جني : 1-94 .
(2) ينظر فلسفة اللغة ، كمال يوسف الحاج ، دار النهضة : 18 .
(3) المصدر نفسه : 1-96 .
(4) المصدر نفسه : 1-97 .
(5) ينظر المزهر في علوم اللغة وأنواعها للشيخ جلال الدين السيوطي : 1-20 .
(6) ينظر فلسفة اللغة 24-25 .
(7) ينظر الاحكام في أصول الاحكام ، لابن حزم ، تح : أحمد شاكر ، نشر : زكريا علي يوسف ، مطبعة القاهرة : 1-28 .
(8) المصدر نفسه : 1- 28 .
(9) ينظر الاحكام في اصول الاحكام : 1-29 .
(10) ينظر : فقه اللغة وخصائص العربية : 66 .
(11) الأساس في فقه اللغة : 53 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|