أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-6-2016
4047
التاريخ: 15-6-2016
14053
التاريخ: 4-4-2017
5468
التاريخ: 7-6-2016
3319
|
لاشك ان من المميزات المهمة لعيب عدم الاختصاص هي انه من النظام العام، لذلك فمن المفروض ان اي قرار اداري تصدره الادارة يكون مشوباً باية صورة من صور عدم الاختصاص وبأية درجة من الجسامة سيكون معرضاً في الاقل – للالغاء عند الطعن به امام القضاء الاداري. ولكن من خلال استقراء بعض احكام القضاء الاداري نجد ان القاضي الاداري بما يملك من سلطة تقديرية لا يملكها قاضٍ اخر حيال هذا الموضوع قد يتجاوز عيب عدم الاختصاص فيحكم بصحة بعض القرارات الادارية بالرغم من كونها صادرة من غير ذي اختصاص. وذلك لاعتبارات مختلفة، اهمها سير المرفق العام بانتظام واستمرار ويظهر ذلك في خلال حالات عديدة منها تغطية عيب عدم الاختصاص بمنح من اصدر القرار سلطة اصداره، سواء كان بعمل تشريعي او بقرار اداري لاحق، كذلك يمكن عد نظرية الموظف الفعلي حالة من حالات تجاوز عيب عدم الاختصاص.
الفرع الاول : سلطة القاضي الاداري في تغطية عيب عدم الاختصاص
يقصد بتغطية عيب عدم الاختصاص تصحيح القرار الذي صدر معيباً في عنصر من عناصر الاختصاص، وذلك بأعطاء من اصدره، دون ان يكون مختصاً بذلك سلطة اصداره بعمل تشريعي او قرار اداري لاحق (1). وبذلك تكون تغطية عيب عدم الاختصاص في حالتين وهما:
اولاً: تغطية المشرع لعيب عدم الاختصاص
ان المبدأ العام في تحديد الاختصاص هو ان المشرع هو الذي يحدد الاختصاص وعلى هذا الاساس فان غير المشرع هذه القواعد ومنح من اصدر قراراً – خلافاً لقواعد الاختصاص – صلاحية اصدار مثل هذا القرار، فهل يصحح هذا التعديل اللاحق لقواعد الاختصاص في وضع القرار المعيب ويجعله قراراً سليماً، مثال ذلك ان يصدر وكيل وزارة قراراً بتضمين موظف حصر القانون حق اصداره بالوزير ثم يصدر بعد ذلك تعديلاً تشريعياً يمنح وكيل الوزارة هذا الاختصاص. للاجابة عن هذا الافتراض يمكن الرجوع الى المبادئ العامة التي تقضي البحث في مدى مشروعية القرار من حيث الاختصاص الى تاريخ صدوره بغض النظر عن الظروف الواقعية والقانونية اللاحقة على اصداره. الا انه عند استقراء احكام القضاء الاداري في هذا الشأن. نجد ان هذا الموضوع محل خلاف، فقد ذهبت المحكمة الادارية العليا الى انه لا محل للحكم بالغاء القرار الاداري المشوب بعيب عدم الاختصاص اذا صار من اصدره مختصا وذلك بقولها (من حيث ان المدعي اصبح من شاغلي الوظائف من المستوى الثالث بالتطبيق لحكم القانون رقم 61 لسنة 1971 باعتبار انه كان يشغل الفئة العاشرة قبل تاريخ العمل به، واذ خول هذا القانون السلطات الرئاسية سلطة توقيع جزاء الفصل على العاملين شاغلي الوظائف في هذا المستوى. فلم يعد ثمة جدوى من الغاء القرار المطعون في. استناداً الى ان المحكمة التأديبية كانت هي المختصة وقت اصداره ليعود الامر ثانية الى ذات السلطة الرئاسية التي سبق لها ان أفصحت عن رأيها فيه فتصر على موقفها وتصحح قرارها باعادة صداره بسلطتها التي خولت لها في هذا القانون. وتعود تلك المنازعة في دوره لامسوغ لها لتكرارها يعتبر القانون لجديد الحالة هذه وكانه صحح القرار المطعون فيه بازالة عيب عدم الاختصاص الذي كان يعتوره)(2). والغريب في الامر ان لمحكمة بالرغم من قرارها برد الدعوى الا انها الزمت لشركة المدعى عليها بالمصاريف على اعتبار ان المطعون ضده عندما اقام دعواه كان محقاً في نعيه على المطعون فيه بانه مشوب بعيب في اختصاص مصدره(3). اما محكمة القضاء الاداري فكان لها رأي اخر حيث انها لم تجز تصحيح القرار الباطل لعيب عدم الاختصاص بحجة صدور قانون جديد عقد الاختصاص لمصدر القرار الباطل على اعتبار ان مشروعية القرار الاداري يتعين تحديدها بوقت صدور القرار دون النظر الى ما يعقب صدوره من قوانين لاحقة، فضلا عن القول بذلك فيه اعمال لاحكام القانون المذكور باثر رجعي وهو أمر لايجوز الا بنص صريح من القانون (4).
ثانياً: تغطية صاحب الاختصاص لعيب عدم الاختصاص
يقصد بتغطية صاحب الاختصاص لعيب عدم الاختصاص ان يصدر قرار اداري مشوب بعيب عدم الاختصاص ثم يقوم الموظف المختص اصلاً باعتماده او اجازته (5). وقد اختلفت احكام القضاء الاداري في مشروعية هذا النوع من القرارات الا ان غالبية لاحكام تذهب الى عدم مشروعيتها. ففي فرنسا ذهب مجلس الدولة الى ان المصادقة اللاحقة من الجهة المختصة على قرار صادر من جهة غير مختصة. لايغطي عيب عدم الاختصاص فاذا ما شاب قرار من القرارات عيب عدم الاختصاص فلا يمكن ان يصحح هذا القرار او يغطى بتصديق لاحق عليه يصدر من الجهة العليا المختصة او بتعليمات تجيزه صادرة من الجهة الرئاسية المختصة بالعمل (6). ومع ذلك توجد احكام في مجلس الدولة ومحكمة التنازع ذهبت الى امكانية تغطية عيب عدم لاختصاص بالاجازة اللاحقة (7)، الا ان هذه الاحكام لاتشكل الاتجاه العام للقضاء الاداري الفرنسي في هذا الشأن. اما في مصر فنجد ان القضاء الأداري هناك منقسم حيال هذا الموضوع. حيث ان المحكمة الادارية العليا تذهب في العديد من احكامها الى الاعتماد اللاحق او الاجازة اللاحقة التي تتم من صاحب الاختصاص تصحح عيب عدم الاختصاص ومن قراراتها في هذا الشأن (انه ولئن يتبين من الاوراق ان السيد مدير التربية والتعليم لمنطقة ديمياط هو الذي اوقع جزاء الانذار بالمدعي وهو مدرس بمدرسة المنزلة الثانوية التابعة لتلك المنطقة – استناداً الى القرار الوزاري المشار اليه مع ان هذا القرار لم ينبه – بالنسبة لمدرسي المدارس الثانوية – في اي امن اختصاصات مدير عام التعليم القانوني بوصفه رئيس المصلحة بالنسبة للمدعي. فان القرار الصادر بعد ذلك من مدير عام التعليم الثانوي بالوزارة باعتماد الجزاء الصادر من مدير التربية والتعليم لمنطقة دمياط، من شانه ازالة العيب الذي شاب هذا الجزاء – مثار للمنازعة – اذ اصبح الجزاء بعد هذا الاعتماد صادراً ممن يعتبر رئيس مصلحة بالنسبة للمدعي)(8). في حين ان محكمة القضاء الاداري تسلك مذهباً مغايراً لمذهب المحكمة الادارية العليا فنرى ان القرار الصادر من غير ذي اختصاص لايصححه احاطة الجهة المختصة علماً به او اعتماده لها، تأسيساً على ان صحة القرار يفترض ان يعتد بها بوقت صدوره ومن قراراتها في هذا الشأن (ان المادة الثانية من دكريتو 13/3/1901 قد خصت رؤساء المصالح وحدهم بتوقيع عقوبتي الانذار والخصم من الماهية لمدة لاتتجاوز خمسة عشر يوماً وعلى مقتضى ذلك لايجوز لروساء المصالح ان يفوضوا غيرهم من مرؤوسيهم في توقيع مثل هذه الجزاءات التي خصهم بها دكريتور سنة 1901 ومن ثم يكون الانذار المطعون فيه لصدوره من احد المفتشين قد صدر من غير الجهة المختصة باصداره قانوناً ولا يغير من هذا الوضع احاطة مدير المصلحة به او اعتماده له لان القرار الباطل بسبب عدم الاختصاص لايصحح بالاعتماد فيما بعد من صاحب الشأن فيه بل يجب ان يصدر منه انتسابا بمقتضى سلطته المخولة له) (9). اما بشأن موقف القضاء الاداري في العراق من تغطية عيب عدم الاختصاص فلم نجد اي احكام حول هذا الموضوع، ولكن القضاء المدني قد حسم امره حول هذا الموضوع من خلال احكام محكمة التمييز فقد استقرت احكامه على ان الاجازة اللاحقة لاتصحح القرار الصادر من غير ذي اختصاص، ومن احكام محكمة التمييز في هذا الشأن (بما ان الوكيل (وكيل وزارة النفط) لايملك سلطة التضمين فهو لايملك تخويل غيره سلطة ممارستها ويكون امره بتخويل المدراء العامين هذه السلطة ليست له قيمة قانونية ولايضفي شرعية على هذه المخالفة بتأييد لاحق ممن يملكها، وذلك لان ممارسة السلطة العامة ليست تصرفاً شخصياً من الافراد فتلحقه الاجازة) (10).
ثالثاً: موقف الفقه من تغطية عيب عدم الاختصاص
ان موقف الفقه من مسالة تغطية عيب عدم الاختصاص يكاد يكون متفقاً على عدم مشروعية تغطيته بكلتا حالتيه، على اعتبار ان عيب عدم الاختصاص يتعلق بالنظام العام وان القرار المشوب بهذا العيب لايصحح بالتصديق عليه او اقراره من السلطة او الجهة المختصة ويعد باطلاً بطلاناً مطلقاً (11). فالدكتور عبد الغني بسيوني يرى (انه لايجب على الاطلاق ان تتغلب الاعتبارات العملية على المبادئ القانونية في احكام مجلس الدولة القضائية وان حماية مبدأ المشروعية يجب ان يظل دائماً فوق جميع الاعتبارات العملية. ونضيف الى ذلك ان قضاء المحكمة الادارية العليا قد توسع في تقرير حالات انعدام القرارات الادارية المصابة بعيب عدم الاختصاص الجسيم فكيف اذن يمكن تصحيح القرار المنعدم –الذي يأخذ حكم العمل المادي- بالاجازة اللاحقة او بالتعديل التشريعي اللاحق) (12). اما الدكتور عثمان خليل عثمان فيرى ان السلطة المختصة يمكن لها اصدار قرار صحيح في نفس الموضوع ولكن يعتبر قراراً جديداً يبدأ من تاريخه وبمدده واسبابه ودوافعه الجديدة الخاضعة لرقابة القضاء، اما القرار الاول فانه يظل باطلاً بطلانا متعلقاً بالنظام العام (13). ولم يشذ عن الرأي المتقدم سوى الدكتور سليمان الطماوي الذي ايد موقف المحكمة الادارية العليا في اجازتها للتغطية التشريعية لعيب عدم الاختصاص ورفضها لالغاء القرار حيث يرى ان الاعتبارات العملية جعلت من الغاء القرار غير ذي موضوع(14). ولكنه عاد وشايع الاتجاه الغالب في الفقه في انتقاده لموقف المحكمة الادارية العليا في هذا الشأن بقوله (ان المشرع لم يقصد النتيجة التي توصلت اليها المحكمة، ولان عودة الاختصاص للرئيس لايخفي ان الموظف قد اهدرت له ضمانة جوهرية في التأديب. واخيراً واهم من هذا كله ان قضاء المحكمة لايستقيم اطلاقاً مع ما درجت عليه من ان اغتصاب سلطة التأديب يؤدي لا الى بطلان القرار بل انعدامه والقرار المعدوم لايمكن ان يعود الى الحياة باي اداة كانت) (15). اما بشأن موقف الفقه العراقي من هذا الموضع فلم يتناول اغلب الفقه مسالة تغطية عيب عدم الاختصاص الا ان الدكتور ماهر صالح الجبوري يرى الاجازة اللاحقة لا تؤثر في القرار المعيب ولا تصححه مبرراً ذلك بالعديد من الاسباب(16). ونرى ان عدم مشروعية تغطية عيب عدم الاختصاص بكلتا صورتيه، ففيما يتعلق بالتغطية التشريعية نجد ان الحكم بصحة القرار الاداري المعيب بعدم الاختصاص بمجرد صدور تشريع جديد يجعل من اصدره مختصاً، ينطوي على مخالفة للقانون القديم الذي صدر في ظله القرار المعيب. كما ينطوي على مخالفة لقانون الجديد الذي اعطي اثراً رجعياً خلافاً لقاعدة عدم رجعية القوانين. اما الاجازة اللاحقة من الموظف المختص فنرى انها لا تصحح القرار الاداري المعيب بعيب عدم الاختصاص، بل هي محاولة لتصحيح قرار معيب بقرار معيب اخر لان الاجازة اللاحقة ما هي في واقع الامر الا قرار اداري جديد ولكن باثر رجعي وهو امر غير جائز قانوناً.
الفرع الثاني : الموظف الفعلي
ان مهام الوظيفة العامة لايمكن مباشرتها الا من يتولاها قانوناً طبقاً لشروط واجراءات معينة. ولذلك فان من يباشر هذه المهام وهو لايملك هذه الصفة او يتقلدها دون مراعاة هذه الشروط والاجراءات يعتبر غاصباً لها وان جميع قراراته تعد منعدمة. ولكن القانون ليس مجرد افكار ونظريات تردد وتطبق بلا روح ولا معنى(17)،فان القضاء الاداري بما يملكه من سلطة تقديرية قد لطف من حدة هذه النتائج المترتبة على غصب السلطة في حالات معينة عندما اعتبر بعض القرارات الادارية سليمة بالرغم من انها صادرة من اشخاص عاديين لاعلاقة لهم بالوظيفة او من موظفين لا يملكون صلاحية اصدارها طبقاً لنظرية الموظفين الفعليين(18). فقد رأينا في موضع سابق ان الظروف الاستثنائية قد تبرر سلامة قرارات ادارية صادرة من اشخاص لا علاقة لهم بالادارة، عندما تحول تلك الظروف الموظف الاصيل من ممارسة اختصاصاته، وذلك ضماناً لسير الموقف العام باستمرار وانتظام(19). الا ان هذه النظرية لانجد مبرراتها في الظروف الاستثنائية فحسب، بل ان هذه النظرية وجد لها تطبيق في الظروف العادية ايضاً فقد يحدث ان يعين شخص ما في وظيفة دون اتباع الاجراءات القانونية فيقع حينئذ قرار التعيين باطلاً. فالمنطق القانوني يقضي ببطلان جميع التصرفات التي قام بانجازها. ولكن القضاء الاداري قدر ان هذا الاجراء قد يلحق ضرراً بالمواطنين الذين تعاملوا معه بحسن نية حيث اعتمدوا في معاملتهم معه على المظاهر الخارجية التي تؤكد صفته الرسمية(20).. اضافة الى انهم غير ملزمين ان يتحققوا في كل مرة انهم يتعاملون مع الموظف المختص، لاسيما انه كان يباشر مهامه في دائرته الرسمية وجميع المظاهر الخارجية توحي بانه الموظف المختص. لذلك قدر القضاء انه من الضروري بمكان تجاوز عيب عدم الاختصاص الذي قد يكون جسيماً في القرارات التي يصدرها هؤلاء الاشخاص واعتبرها قرارات سليمة اعتماداً على فكرة الظاهر(21). ويستوي في الامر اذا كان الموظف حسن النية ام سئ النية الا ان هذا الاستثناء قد شرع لمصلحة الجمهور الذي اصابهم الغلط واعتقدوا ان الموظف الذي امامهم هو الموظف القانوني. وحيث اننا قد تطرقنا الى نظرية الموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية في الفصل الاول، لذلك سنبين اهم التطبيقات العملية لهذه النظرية في الظروف العادية.
اولاً: الموظف الذي يحكم بالغاء صفته الوظيفية
قد يتم انتخاب او تعيين احد الاشخاص لشغل وظيفة من الوظائف العامة ثم يبدأ هذا الموظف بعد ان يصبح تعيينه او انتخابه نهائياً في اصدار بعض القرارات الادارية، ويحدث ان يطعن بهذا الانتخاب او التعيين لأي سبب من الاسباب ويصدر القضاء قراراً بابطال هذا التعيين او الانتخاب. كما ان جهة الادارة قد تقوم بسحب قرار تعيينه لاي سبب من الاسباب، فما هو الحكم بالنسبة للقرارت التي اصدرها هذا الموظف منذ تاريخ تعيينه وحتى الحكم بالغاء هذا التعيين.
ان القواعد العامة تقول بان الالغاء القضائي لقرار التعيين اثراً رجعياً أي انه يعتبر منعدماً وكأن لم يكن له وجود على الاطلاق ومنذ اصداره، وبالتالي فان جميع الاعمال التي قام بها هذا الموظف تعتبر باطلة، لان ما بنى على الباطل هو باطل(22). ولكن حرصاً على مصالح الغير حسن النية الذين كانوا يتعاملون مع المرفق الذي عين فيه الموظف اعلن القضاء ان جميع القرارات التي اصدرها هؤلاء الاشخاص منذ تاريخ التعيين وحتى الحكم بالغائه تعتبر سليمة ومنتجة لأثارها القانونية اسوة بالأعمال التي قام بها الموظفون الرسميون(23). لان هذه القرارات قد تمت دون معرفة عدم مشروعيتها. اما القرارات التالية لصدور حكم الالغاء فلا تعتبر صحيحة وانما قرارات باطلة حيث لايلتمس هنا عذر حسن النية والجهل بعدم مشروعيتها بعد صدور حكم الغاء التعيين او الانتخاب(24).
ثانياً : التفويض غير المشروع
قد يقوم احد الموظفين بتفويض بعض اختصاصاته الى احد مرؤوسيه ثم يباشر هذا الاخير مهام الوظيفة موضوع التفويض، ولكن قد يطعن بهذا التفويض ويقضي بطلانه. فما مدى مشروعية القرارات التي اصدرها هذا الموظف بناءً على قرار التفويض الباطل.
في الواقع ان العدالة ووحدة العلة تقضي بأعمال نظرية الموظفين الفعليين بالنسبة لهذه القرارات واعتبارها قرارات مشروعة اسوة بالقرارات التي اصدرها الموظف المعين تعييناً باطلاً وذلك حماية للغير حسن النية الذي اكد الظاهر انهم يتعاملون مع الموظف المختص (25). كما ان المركز القانوني للموظف الذي صدر اليه التفويض غير المشروع لايختلف كثيراً عن المركز القانوني للموظف المعين تعييناً باطلاً (26). الا انه من الملاحظ ان القضاء الفرنسي قد تباينت احكامه بشان هذا النوع من القرارات، فبينما نجد ان القضاء المدني الفرنسي قد اعتبرها قرارات مشروعة وذلك من خلال قضية الزواج Mantronge الشهيرة والتي تتلخص وقائعها بان العمدة في فرنسا كان قد فوض احد معاونيه من اعضاء المجلس البلدي في القيام ببعض الاعمال، ولم يكن للمعاون اية سلطة في ابرام هذه العقود ولكن المعاون رغم ذلك قام بابرامها، وقد طعن في مشروعية هذه العقود امام محكمة السين التي حكمت بتاريخ 23 فبراير 1883 ببطلان هذه العقود تأسيسا على ان المعاون الذي قام بابرامها لم يكن مفوضاً في ذلك من قبل العمدة(27). وبعد رفع الامر الى محكمة النقض قررت بتاريخ 17 اغسطس من نفس العام نقض الحكم واعتبار العقود صحيحة ومنتجة لاثارها القانونية. وقد برر الفقه موقف محكمة النقض المتقدم بانه مراعاة لمصلحة الغير الذين تعاملوا مع الموظف غير المختص بحسن نية ظناً منهم بانه الموظف المختص. كما انه ليس من المنطقي ان يطلب الافراد المقدمون على الزواج من القائم بأبرام عقودهم اثبات بانه الموظف القانوني المخول بهذه التصرفات طالما انه في المكان المخصص لذلك وكل المظاهر الخارجية توحي بانه الموظف المختص(28). اما القضاء الاداري الفرنسي فقد اتخذ موقفاً مغايراً لموقف القضاء العادي حيث اعتبر ان القرارات التي يصدرها موظفون عموميون استناداً الى تفويض غير مشروع هي قرارات باطلة. سواء كان قبل التثبت من عدم مشروعيتها ام بعده(29). ويبدو ان هذا الامر يعود على الارجح الى ان فكرة عدم مشروعية التفويض اسهل اكتشافاً من عدم مشروعية التعيين(30).ولكن ما هو حكم القرارات الادارية الصادرة بناء على تفويض باطل في ظل ظروف استثنائية. راينا ان الظروف الاستثنائية تغطي عيب عدم الاختصاص الذي يصل حد اغتصاب السلطة، فالفرد العادي الذي يتدخل في الادارة في الظروف الاستثنائية قد يعتبر موظفاً فعلياً وتخلع الصفة الشرعية على اعماله الادارية، فمن باب اولى ان نسلم ان الظروف الاستثنائية تغطي عيب عدم الاختصاص في القرارات الصادرة من موظف بناءً على تفويض باطل. وهذا ما تبناه مجلس الدولة عندما قضى بمشروعيتها كما لو كانت الظروف الاستثنائية قد قررت نوعاً من الاجازة الضمنية بالتفويض(31).
___________________
1- د. ماهر صالح علاوي الجبوري، تغطية عيب عدم الاختصاص في القرار الاداري – دراسة مقارنة، مجلة العلوم القانونية، العدد الاول والثاني 2001، ص7.
2- قرار المحكمة الصادر في 22/1/1972، حمدي ياسين عكاشة مصدر سابق ص446.
3- المصدر السابق، ص446.
4- حكم المحكمة المؤرخ 15/11/1971، حمدي ياسين عكاشة، المصدر السابق ص446.
5- د. ماهر صالح علاوي الجبوري، المصدر السابق ص11.
6- د. عثمان خليل عثمان، مجلس الدولة ورقابته على اعمال الادارة- دراسة مقارنة، ط1، عالم الكتب القاهرة 1962 ص446.
7- مثال ذلك حكمه في القضية Dame Bannet Blane في تشرين اول 1954، انظر د. ماهر صالح الجبوي، المصدر السابق ص11.
8- حكم المحكمة الصادر في 3/6/1961، حمدي ياسين عكاشة، مصدر سابق ص450.
9- حكم المحكمة الصادر في 21/12/1952، المصدر السابق ص452.
10- اقرار المرقم 208 / استئنافية / 1970 في 28/1/1971 النشرة القضائية ع1 – 1970 س2 ص175.
11- د. محمد شافعي ابو راس، المصدر السابق ص258.
12- د. عبد الغني بسيوني، العدد السابق ص580.
13- د. خليل عثمان خليل، المصدر السابق ص436.
14- د. سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الادارية، مصدر سابق ص292.
15- د. سليمان الطماوي، القضاء الاداري – قضاء الالغاء، مصدر سابق ص982.
16- ومن الاسباب التي ذكرها في هذا الشان :
اولاً: اجمع الفقه والقضاء على ان النظر في مشروعية القرار الاداري يكون لحظة صدوره ولا عبرة باي تغيير يحصل بعد ذلك.
ثانياً: تختلف شروط صحة التصرفات القانونية في القانون العام عنها في القانون الخاص، ومن هنا يختلف اثر الاجازة اللاحقة للتصرف القانوني.
ثالثاً: ان القول بامكانية تصحيح القرار الاداري الذي صدر معيباً بعيب عدم الاختصاص فيه هدر لقرينه صحة القرارات الادارية.
ينظر د. ماهر صالح الجبوري، مصدر سابق ص14.
17- انظر رافت فودة، المصدر السابق ص601.
18- يعد الفقيه جيز اول من تبنى هذه النظرية، حيث قام باستخلاصها من احكام مجلس الدولة الفرنسي وافاض في شرحها حتى اصبحت تنسب اليه. ينظر
Jez les prin, ener. Du. Dr. adm Tom 11. 1930 p 246
Waline (m) trite elementaire droit adminis trativatif. 1952 p 408.
Istratif 1953 p 128
19- د. محمد عبد الحميد ابو زيد، دوام سير المرافق العامة- دراسة مقارنة 1975، دار وجدان للطباعة ص210 وما بعدها.
20-المصدر السابق ص195.
21- ينظر د. ماجد راغب الحلو، القضاء الاداري ط1، 1977 دار المطبوعات الجامعية ص312. د. سليمان الطماوي، مبادئ القانون الاداري مصدر سابق ص542.
22- ينظر عبد الغني بسيوني، المصدر السابق ص77.
23-ينظر حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 2 تشرين الثاني 1923، رابطة موظفي البريد والبرق والهاتف، جورج فوديل – المصدر السابق ص228.
24- انظر د. محمد عبد الحميد ابو زيد، المصدر السابق ص197-198.
25- د. عثمان خليل عثمان، القانون الاداري – الطبعة الرابعة 1960 ص404.
26- Waline. Op cit p 352.
27- جورج فوديل، المصدر السابق ص228.
28- محمد عبد الحميد ابو زيد، مصدر سابق ص199.
29 - CE 13 Mai 1949 court dalloz 1950 p 77.
30- جورج فوديل، المصدر السابق ص228.
31 - ينظر مصطفى ابو زيد، المصدر السابق ص434.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|