أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2015
5161
التاريخ: 19-5-2022
1807
التاريخ: 25/12/2022
1800
التاريخ: 7-3-2019
2208
|
برح المرض بابنة الرسول وانهك الحزن جسمها النحيل واضر الأسى بقلبها الرقيق المعذب حتى مشى إليها الموت وهي في فجر الصبا وروعة الشباب فوا لهفتاه على حبيبة النبيّ وريحانته لقد دنا إليها الموت سريعا وحان موعد اللقاء بينها وبين أبيها الذي اشتاقت إليه وتطلبت لقياه بفارغ الصبر ؛ ولما علمت بدنو الاجل المحتوم منها استدعت امير المؤمنين فأوصته بوصيتها وأهم ما فيها أن يواري جثمانها فى غلس الليل البهيم وأن لا يصلي عليها ولا يقوم على قبرها أحد من الذين ظلموها وجحدوا حقها لأنهم اعداؤها وأعداء أبيها على حد تعبيرها وانصرف الامام وهو غارق في البكاء قد استجاب لأحاسيس نفسه الولهى الذي لم يترك الزمن فيها فراغا لغير الاسى والحزن , واحبت ان يصنع لها نعش يواري جثمانها المقدس لان الناس كانوا يضعون الميت على سرير تبدو فيه جثته فكرهت ذلك وما احبت أن ينظر إليها أحد فاستدعت اسماء بنت عميس واخبرتها بما ترومه فعملت لها سريرا يستر من فيه قد شاهدته يوم كانت في الحبشة فلما نظرت إليه تبسمت وهي اول ابتسامة شوهدت لها بعد وفاة أبيها ؛ وفي اليوم الاخير من حياتها كانت فرحة مسرورة لعلمها باللحاق بابيها الذي بشرها انها تكون اول أهل بيته لحوقا به وعمدت لولديها فغسلت لهما وأمرتهما بالخروج لزيارة قبر جدهما فخرجا وهما يفكران في الأمر هل ان أمهما قد انهكتها العلة واضر الداء بها حتى لا تستطيع ان تمضي الى بيت الاحزان الذي الفته؟! او انها تريد أن تبكي في هذا اليوم فى ثويها؟! كيف البكاء وشيوخ المدينة قد منعوها من البكاء؟! وغرقا فى بحر من الهموم وتيار من الهواجس ,والتفتت الى سلمى بنت عميس وكانت تتولى خدمتها وتمريضها فقالت لها : يا أماه , فأجابتها : نعم يا حبيبة رسول الله .
قالت : اسكبي لي غسلا ؛ فانبرت وأتت لها بما طلبته من الماء فاغتسلت فيه وهي على احسن ما تكون وقالت لها : ايتني بثيابي الجدد ؛ فناولتها ثيابها وهتفت بها ثانية : اجعلي فراشي وسط البيت .
فذهلت المرأة وقامت تتعثر باذيالها فصنعت لها ذلك فاضطجعت على فراشها واستقبلت القبلة والتفتت الى سلمى قائلة : يا أمه اني مقبوضة الآن وقد تطهرت فلا يكشفني احد , وقبضت في وقتها وقد انطوت في ذلك اليوم الخالد في دنيا الاحزان اروع صفحة من صفحات الفضيلة والطهر والعفاف وانقطع بموتها آخر من كان في دنيا الوجود من نسل رسول الله وقفل الحسنان راجعين الى الدار فنظرا فاذا ليس فيها أمهم فبادرا الى سلمى فقالا : سلمى اين امنا؟, فبادرت إليهما وقد احاطت بها رعشة الذهول والارتباك وغامت عيناها بالدموع فقالت : يا سيدى إن أمكما قد ماتت , فاخبرا بذلك أباكما , وا شرفا على الموت بهذا النبأ المريع فبادرا الى المسجد وقد علا منهما البكاء فاستقبلهما المسلمون قائلين : ما يبكيكما يا بني رسول الله؟ لعلكما نظرتما الى موقف جدكما فبكيتما شوقا إليه؟
فأجابا بصوت مشفوع بالاسى والعبرات : أو ليس قد ماتت أمنا فاطمة .
وسلبا شعور المسلمين بهذا النبأ المؤلم وتركا الالم يحز في قلوبهم لانهم فقدوا بضعة نبيهم واعز ابنائه وبناته عنده وهم لم يحفظوا مكانتها ولم يؤدوا حقها وهرعوا من كل جانب الى دار الامام ليفوزوا بتشييع بقية النبوة القديسة الطاهرة وازدحموا على بيت الامام وقد علاهم الندم والاسى على عدم قيامهم بمراعاة بضعة نبيهم (صلى الله عليه واله) الذي برّ بدينهم ودنياهم , وامر الامام سلمان الفارسي أن يصرف الناس فخرج سلمان وصرفهم واقبلت عائشة فإرادة الدخول الى بيت الامام فمنعتها اسماء وقالت لها : لقد عهدت الي فاطمة أن لا يدخل عليها أحد , وقام الامام الثاكل الحزين فغسل الجسد الطاهر وطيبه بالحنوط وادرجه في الاكفان ودعا بأطفالها الذين لم ينتهلوا من حنان امهم فالقوا عليها نظرة الوداع وقد علا منهم الصراخ والعويل وبعد الفراغ من ذلك انتظر الهزيع الاخير من الليل فلما حل خرج مع حفنة من الرجال وهم يحملون الجثمان المقدس الى مقره الاخير ولم يخبر امير المؤمنين احدا من الناس سوى الصفوة من اصحابه تنفيذا لوصيتها وحفر (عليها السلام) لها قبرا في البقيع على ما قيل ووسدها فيه واهال عليها التراب ولما انصرف من كان معه من المشيعين وقف على حافة القبر ونار الحزن قد لسعت قلبه فجعل يناجى الرسول ويؤبن زهراءه بكلمات تنم عن قلب افعم بالآلام والحسرات : السلام عليك يا رسول الله عنى وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبرى ورق عنها تجلدي الا أن في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز فلقد وسدتك في ملحودة قبرك وفاضت بين نحرى وصدرى نفسك إنا لله وإنا إليه راجعون لقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة أما حزني فسرمد وأما ليلى فمسهد الى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فاحفها السؤال واستخبرها الحال هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم فان انصرف فلا عن ملالة وان اقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
واعلن الامام (عليها السلام) بهذه المناجاة الحزينة عن تظافر الأمة على هضم وديعة النبي (صلى الله عليه واله) في الوقت الذي لم يطل فيه غيابه ولم ينقطع ذكره ويطلب منه أن يستقصي في السؤال من بضعته لتخبره بما جرى عليها بعده من الشؤون والشجون وتعرفه بما لاقته من الظلم والاذى والاضطهاد يصغي الامام الحسن (عليه السلام) الى هذه المناجاة الحزينة من أبيه فتلم به آلام مبرحة ويحف به حزن مرهق وتضاعف حزنه وشجاه حينما رأى أعز ما في الحياة عنده أمه الرؤوم قد عاشت في هذه الدنيا وعمرها كعمر الزهور وفاجأها الموت وهي في شبابها الغض الاهاب وقد حملت على الآلة الحدباء فى غلس الليل البهيم ولم يحضر أحد من المسلمين تشييعها عدا نفر قليل وهي بضعة النبي (صلى الله عليه واله) وريحانته ووديعته في امته واعز من أحب من أبنائه وبناته وقد ذاق من هذه الكوارث وهو فى دوره الباكر مرارة الحياة وصار قلبه موطنا للهموم ومركزا للأحزان والشجون .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية ينجز تصوير 39 مخطوطًا قديمًا نادرًا في قرية كاخك الإيرانية
|
|
|