أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2016
3213
التاريخ: 12-4-2016
4011
التاريخ: 10-4-2016
4778
التاريخ: 24-4-2022
1858
|
بينما كان الأنصار في السقيفة يدبّرون أمرهم ويتداولون الرأي في شؤون الخلافة ويحدّدون موقفهم من المهاجرين من قريش إذ خرج من مؤتمرهم وهم لا يشعرون عويم بن ساعدة الأوسي ومعن بن عدي حليف الأنصار وكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) ومن أعضاء حزبه كما كانا من ألدّ أعداء سعد فانطلقا مسرعين صوب أبي بكر وأحاطاه علما بما جرى وفزع أبو بكر وعمر وسارعا نحو السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة وجماعة من المهاجرين فكسبوا الأنصار في ندوتهم وذعر الأنصار وأسقط ما بأيديهم وغاض لون سعد وخاف من خروج الأمر منهم وذلك لعلمه بضعف الأنصار وتصدّع وحدتهم وفعلا فقد فشل سعد وانهارت جميع مخطّطاته ؛ وبعد أن داهم المهاجرون ندوة الأنصار أراد عمر أن يفتح الحديث معهم فنهره أبو بكر وذلك لعلمه بشدّته وهي لا تنجح في مثل هذا الموقف الملبّد بالضغائن والأحقاد الأمر الذي يستدعي الكلمات الناعمة لكسب الموقف فانبرى أبو بكر فخاطب الأنصار وقابلهم ببسمات فيّاضة بالبشر قائلا : نحن المهاجرين أوّل الناس إسلاما وأكرمهم أحسابا وأوسطهم دارا وأحسنهم وجوها وأمسّهم برسول الله (صلى الله عليه واله) ؛ وأنتم اخواننا في الإسلام وشركاؤنا في الدين نصرتم وواسيتم فجزاكم الله خيرا فنحن الأمراء وأنتم الوزراء لا تدين العرب إلاّ لهذا الحيّ من قريش فلا تنفسوا على اخوانكم المهاجرين ما فضّلهم الله به فقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين يعنى عمر بن الخطّاب وأبا عبيدة بن الجرّاح .
مني خطاب أبي بكر بكثير من التساؤلات كان منها ما يلي :
1 ـ إنّه لم يعن بصورة مطلقة بوفاة النبيّ (صلى الله عليه واله) التي هي أعظم كارثة مدمّرة فجع بها المسلمون فكان الأجدر به فيما يقول المحقّقون أن يعزّي الحاضرين بوفاة المنقذ العظيم الذي برّ بدين العرب ودنياهم ويدعوهم إلى الالتفاف حول جثمانه حتى يواروه في مقرّه الأخير ويعودوا بعد ذلك إلى عقد مؤتمر عامّ يضمّ المسلمين لينتخبوا عن إرادتهم وحرّيتهم من يرضونه خليفة لهم على فرض أنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) لم يعهد إلى الإمام (عليه السلام) بولاية العهد .
2 ـ إنّ هذا الخطاب قد حفل أوّلا وأخيرا بطلب الامرة والسلطان وقد عرض أبو بكر على الأنصار التنازل عن الخلافة ومنحها للمهاجرين ومنّاهم عوض ذلك أن تكون لهم الوزارة إلاّ أنّه من المؤسف لمّا تمّ له الأمر لم يقلّدهم أي منصب من مناصب الدولة وأقصاهم عن جميع مراتب الحكم .
3 ـ تجاهل خطاب أبي بكر بالمرّة حقّ الاسرة النبوية التي هي عديلة القرآن أو كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى حسبما تواترت الأخبار بذلك عن النبيّ (صلى الله عليه واله) ؛ وكان الأجدر بأبي بكر التريث بالأمر حتى يتمّ تجهيز النبيّ (صلى الله عليه واله) ويؤخذ رأي عترته الطاهرة في الخلافة حتى تحمل طابعا شرعيا ولا يحدث انقسام بين صفوف المسلمين ولا توصم بيعته بأنّها فلتة وقى الله المسلمين شرّها كما يقول عمر وعلّق الإمام شرف الدين على إهمال العترة الطاهرة وعدم أخذ رأيّها في بيعة أبي بكر بقوله : لو فرض أنّ لا نصّ بالخلافة على أحد من آل محمّد (صلى الله عليه واله) وفرض كونهم غير مبرزين في حسب أو نسب أو أخلاق أو جهاد أو علم وعمل أو ايمان أو إخلاص ولم يكن لهم السبق في مضامير كلّ فضل بل كانوا كسائر الصحابة فهل كان مانع شرعي أو عقلي أو عرفي يمنع من تأجيل عقد البيعة إلى فراغهم من تجهيز رسول الله (صلى الله عليه واله) ولو بأن يوكل حفظ الأمن إلى القيادة العسكرية مؤقّتا حتى يستتبّ أمر الخلافة.
أليس هذا المقدار من التريث كان أرفق بأولئك المفجوعين وهم وديعة النبيّ لديهم وبقيّته فيهم وقد قال الله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [التوبة: 128] , أليس من حقّ هذا الرسول الذي يعزّ عليه عنت الامّة ويحرص على سعادتها وهو الرءوف بها الرحيم لها أن لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به والجرح لمّا يندمل والرسول لما يقبر .
4 ـ إنّ الحجّة التي استند إليها أبو بكر في أحقّية المهاجرين للخلافة هي أنّهم أمسّ الناس رحما برسول الله (صلى الله عليه واله) وأقربهم إليه وبهذه الحجّة تغلّب على الأنصار وممّا لا ريب فيه أنّ هذا الملاك متوفّر في أهل البيت فهم ألصق الناس به وأمسّهم رحما به وقد عرض لذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : احتجّوا بالشّجرة وأضاعوا الثّمرة.
وأثر عنه أنّه خاطب أبا بكر بقوله :
فإن كنت بالشّورى ملكت أمورهم فكيف بهذا والمشيرون غيّب
و إن كنت بالقربى حججت خصيمهم فغيرك أولى بالنبيّ وأقرب
وقال الإمام (عليه السلام) في حديث له : والله! إنّي لأخوه أي أخو النبيّ ووليّه وابن عمّه ووارث علمه فمن هو أحقّ به منّي .
والتفت المتكلّمون من الشيعة إلى هذه الجهة يقول الكميت في إحدى روائعه :
بحقّكم أمست قريش تقودنا وبالقذّ منها والرديفين نركب
وقالوا ورثناها أبانا وأمّنا وما ورثتهم ذاك أمّ ولا أب
يرون لهم فضلا على الناس واجبا سفاها وحقّ الهاشميّين أوجب
وعلى أي حال فقد أعرض القوم عن أهل البيت عامدين أو غير عامدين فواجهت الامّة منذ ذلك اليوم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها أعنف المشاكل وأقسى ألوان الخطوب .
5 ـ إنّ أبا بكر في خطابه رشّح لقيادة الامّة عمر وأبا عبيدة بن الجراح وكان ذلك منه التفاتة بارعة فقد جرّد نفسه من الأطماع السياسية وغزا نفوس الأنصار وملك عواطفهم ومشاعرهم وقد أجابه عمر بلباقة :
لا يكون هذا وأنت حيّ ما كان أحد ليؤخّرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله (صلى الله عليه واله) ؛ وعلّق بعض المحقّقين على مقالة عمر بقوله : لا نعلم متى أقامه رسول الله (صلى الله عليه واله) أو دلّل عليه وقد كان مع بقيّة المهاجرين جنودا في سرية أسامة ولو كان قد رشّحه للخلافة لأقامه معه في يثرب وما أخرجه إلى ساحات الجهاد , فهذه بعض الملاحظات التي تواجه خطاب أبي بكر.
كسب الموقف أبو بكر في خطابه السالف الذي أثنى فيه على الأنصار فقد منّاهم بالوزارة وأزال ما في نفوسهم ما كانوا يحذرونه من استبداد المهاجرين بالحكم إلاّ أنّ بعض الأنصار شجب البيعة لأبي بكر فردّ عليه عمر بعنف قائلا : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله! لا ترضى العرب أن يؤمّروكم ونبيّها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم وولي امورهم منهم ولنا بذلك على من أبى الحجّة الظاهرة والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمّد وامارته ونحن أولياؤه وعشيرته؟ إلاّ مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورّط في هلكة , وليس في هذا الكلام شيء جديد سوى أنّ المهاجرين من قريش أولى بالرسول لأنّهم من أسرته القرشية وإذا أخذوا الحكم بهذه الحجّة وسيطروا على الموقف بها فإنّ عليّا أولى لأنّه من صميم الاسرة النبوية بالاضافة إلى جهاده وجهوده في سبيل الإسلام يقول الأستاد محمّد الكيلاني : إنّه احتجّ عليهم أي على آل النبيّ بقرابة المهاجرين للرسول ومع ذلك فقد كان واجب العدل يقضي بأن تكون الخلافة لعليّ بن أبي طالب ما دامت القرابة اتّخذت سندا بحيازة ميراث الرسول لقد كان العبّاس أقرب الناس إلى النبيّ وكان أحقّ الناس بالخلافة ولكنّه تنازل بحقّه هذا لعليّ فمن هنا صار لعليّ الحقّ وحده في هذا المنصب .
وعلى أي حال فإنّ عمر لم ينته من كلامه حتى ردّ عليه الحبّاب بقوله : يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموهم فاجلوهم عن هذه البلاد وتولّوا عليهم هذه الامور فأنتم والله! ـ أحقّ بهذا الأمر منهم ؛ فإنّه بأسيافكم دان الناس لهذا الدين من دان ممّن لم يكن يدين أنا جذيلها المحك وعذيقها المرجب أنا شبل في عرينة الأسد والله! لو شئتم لنعيدنها جذعة والله! لا يرد أحد عليّ ما أقول إلاّ حطّمت أنفه بالسيف , وحفل هذا الخطاب بالعنف والتهديد والدعوة إلى الحرب وإجلاء المهاجرين الذين لا يتجاوز عددهم الأصابع عن يثرب كما حفل بالاعتزاز بنفس المتكلّم والافتخار بشجاعته وردّ عليه عمر بغيظ قائلا : إذا يقتلك الله.
فردّ عليه الحبّاب : بل إيّاك يقتل .
وخاف أبو بكر من تطوّر الأحداث فهدأ الموقف وبادر أعضاء حزبه بسرعة خاطفة فبايعوه وكان أوّل من بايعه عمر وبشير وأسيد بن خضير وعويم بن ساعدة ومعن بن عدي وأبو عبيدة بن الجرّاح وسالم مولى أبي حذيفة وكان من أشدّهم حماسا واندفاعا لبيعته عمر وخالد بن الوليد واشتدّ هؤلاء في حمل الناس وإرغامهم على مبايعة أبي بكر وجعل عمر يجول ويصول ويدفع الناس دفعا إلى البيعة ومن أبى علاه بدرته وسمع الأنصار يقولون : قتلتم سعدا .
فاندفع يقول بعنف : اقتلوه قتله الله فإنّه صاحب فتنة .
وكادوا يقتلون سعدا وهو مزمن وجع وحمل إلى داره وهو وجع قد انهارت آماله وتبدّدت أحلامه وضاعت أمانيه ؛ وانتهت البيعة لأبي بكر بهذه السرعة فأقبل به حزبه يزفّونه إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه واله) زفاف العروس إلى بيت زوجها وقد علا منهم التكبير والتهليل وكان النبيّ (صلى الله عليه واله) مسجّى في فراش الموت لم يغيبه عن عيون القوم مثواه وقد انشغل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بتجهيزه ولمّا علم بيعة أبي بكر تمثّل بقول القائل :
وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا ويطغون لما غال زبد غوائل
وعلى أي حال لقد تمّت البيعة لأبي بكر بهذه الكيفيّة التي اهمل فيها رأي الاسرة النبوية ورأي خيار الصحابة أمثال الطيّب ابن الطيّب عمّار بن ياسر وأبي ذرّ وسلمان الفارسي وغيرهم من أعلام الإسلام.
هزيمة الأنصار : وأفل نجم الأنصار وانهارت قواهم وعراهم الذلّ والهوان وقد حكى حسّان ابن ثابت خيبة آمالهم بقوله :
نصرنا وآوينا النبيّ ولم نخف صروف الليالي والبلاء على وجل
بذلنا لهم أنصاف مال أكفّنا كقسمة أبسار الجزور من الفضل
فكان جزاء الفضل منّا عليهم جهالتهم حمقا وما ذاك بالعدل
وتعرّضت الأنصار للمحن والخطوب في كثير من عهود الخلفاء والملوك ، وكان ذلك جزاء ما اقترفوه في حقّ العترة الطاهرة فهم الذين فتحوا الباب لظلمهم والاعتداء عليهم .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|