أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2016
5261
التاريخ: 7-2-2016
7818
التاريخ: 8-5-2017
3375
التاريخ: 11-2-2016
14967
|
هنالك ثلاثة اراء فقهية حول حكم الوصية وما اذا مطلوبة الفعل او الترك:
1-الرأي الاول :
وهو ما ذهب اليه ابن حزم الظاهري الذي يرى ان الوصية فرضٌ على كل من ترك مالا ، ولقد استدل بالكتاب والسنة ، اما الكتاب فقوله تعالى ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ((1). أوجب عز وجل الميراث في كل ما علم به من ماله او ما من لم يعلم واوجب الوصية والدين مقدمين كذلك على المواريث ، فالمفرق بين ذلك مبطل بلا دليل ، وانما يبطل من الوصية ما قصد به ما نهى الله تعالى عنه فقط . واما السنة فقوله (ص) : " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه ان يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده " (2)، وقد روي الوجوب عن ابن عمر وطلحه والزبير ، وقال ابن حزم : وهو قول عبد الله بن ابي اوفى ، وطلحه بن مطرف ، وطاووس والشعبي وغيرهم ، وهو قول ابي سليمان وجميع اصحابنا (3).
2-الرأي الثاني :
وهو القائل بان الوصية واجبة للوالدين والاقربين الذين لا يرثون ، وحكي ذلك عن داود وقتادة والضحاك وطاووس والحسن وابن جرير ، واحتجوا بقوله تعالى ) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكَمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ( (4).وقال هؤلاء : لقد نسخ وجوب الوصية للوالدين والاقربين الوارثين وبقي الحكم بحق من لا يرث منهم (5).
وذهب الى هذا الرأي بعض الشيعة الامامية وهو القول بوجوب الوصية للوالدين والاقربين الذين لا يرثون ، بيد انهم اختلفوا مع من ذهب الى هذا الرأي بالقول ان آية الوصية (6)، لم تنسخ بآية المواريث، اذ لا منافاة بين الآيتين ، وان الصحيح من الروايات هو ان آية الوصية قد خصصت لا نسخت بها (7).
3-الرأي الثالث :
وهو مذهب الائمة الاربعة وجمهور الشيعة الامامية ، وفحوى هذا الرأي ان الوصية ليست فرضا على كل من ترك مالا ولا للوالدين والاقربين غير الوارثين وانما هي مستحبة ، وذلك لتلافي ما قصر به المسلم الموصي في حياته ولمساعدة الاخرين . وقال الجمهور في معرض الاستدلال لو كانت واجبة لم تترك الى ارادة الموصي في الحديث ، ولكان ذلك لازما على كل حال . ثم ان آية الوصية منسوخة بآيات المواريث وهذا النوع من النسخ يسمى النسخ بطريق التحويل من محل الى محل اخر ، فلم يبق في الوصية وجوب في حق الكافة لتحول الحق فيها الى الميراث وبقي حكمها الندب اليها ، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن رسول الله (ص ) : " ان الله تعالى تصدق عليكم بثلث اموالكم في اخر اعماركم زيادة لكم في اعمالكم تضعونها حيث شئتم او الى حيث احببتم " (8). وقال الشيعة الامامية بان لسان الآية السابقة هو لسان الوجوب فان الكتابة تستعمل في القرآن في مورد القطع واللزوم ويؤيده ما في اخر الآية من قوله ) حقاً ( فان الحق ايضا كالكتابة يقتضي معنى اللزوم ، لكن تقييد الحق بقوله ) على المتقين ( مما يوهن الدلالة على الوجوب والعزيمة فان الانسب بالوجوب ان يقال : حقا على المؤمنين، وكيف كان فان ما قيل من ان الآية منسوخة بآية الارث ، ولو كان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون الندب واصل المحبوبية ، ولعل تقييد الحق بـ) المتقين( في الآية لافادة هذا الغرض . ثم إن مورد الآية وإن كان خاصاً بالوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ،إلا أن ما جاء بعدها من قوله عز شأنه "فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " تدل على إمضاء مطلق الوصية ،وذلك لورود روايات كثيرة تؤكد هذا المعنى . واستدلوا على استحباب الوصية بالروايات الكثيرة التي تحث على الوصية والتي يستفاد منها "الاستحباب الاكيد " (9).وعليه فان المجمع بين الروايات يدل على ان المنسوخ من الآية هو الوجوب فقط فيبقى الاستحباب على حاله (10). ويبدو من هذين الرأيين، أرجحية الرأي الخير القائل بنسخ الوجوب في آية الوصية دون الاستحباب ، وذلك لقوة أدلته ،ولاسيما إذا علمنا أنه لايوجد تعارض بين آية الوصية وآيات المواريث ، إذ الميراث كما أتضح إنما يكون بعد الدين والوصية ،فكيف يكون ناسخاً مع عدم وجود التعارض ، ناهيك عن ذلك أنه لو كانت الآية منسوخة لما أكدها القرآن بالفاظ مثل "حقاً على المتقين" ،بل وتوعد من بدل الوصية ،فلو كانت ستنسخ ما أستُعملت هكذا عبارات . وعلى الرغم من هذا الاختلاف بين الفقهاء في هذه التفصيلات، إلا أنهم متفقون على ان الوصية من حيث هي تخضع للأحكام الخمسة في ضوء طبيعة الموصى به وظروف الموصى له كما في الايضاح الاتي :
1-الوجوب :
تكون الوصية واجبة اذا كانت بأداء وتسديد ما في ذمة الموصي من حقوق لله تعالى ، وحقوق للناس ، كالوصية بأداء زكاة وجبت في ماله ولم يدفعها لمستحقيها ، وتسديد ديون متعلقة بذمته او بماله ، وكالوصية لوارث لا يرث لمانع او حاجب عند الفقهاء (11).
2-الاستحباب ( الندب ) :
تكون الوصية مستحبة ان قصد بها التقرب الى الله سبحانه ، كالوصية للفقراء والمساكين والمؤسسات الخيرية ، وللورثة الذين لا يرثون عند من لا يقول بوجوب الوصية (12). لقول الرسول الاعظم (ص) : "اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث : صدقة جارية ، او علم ينتفع منه ، او ولد صالح يدعوا له " (13).
3-الحرمة :
تكون الوصية محرمة اذا كانت بالمعاصي ، كالوصية بخمر، او بناء دار للمجون ، او بالانفاق على مشروعات منافية للأخلاق ، ومن ذلك وصية الضرار : وذلك بان يوصي بقصد الاضرار بالورثة ومنعهم من اخذ نصيبهم المقدر شرعا ، وقد يكون بحاجه اليه ، ولقد نهى سبحانه عن ذلك بالقول : ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصي بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَار( (14)، وجاء في الحديث الشريف : "الاضرار في الوصية من الكبائر " (15) (16).
4-الكراهة :
تكره الوصية بما كره الشارع فعله ومن ذلك ان يكون الموصي قليل المال كثير العيال فتتعرض الورثة بالوصية للفاقة والحاجة والتكفف كما اشار الى ذلك الرسول الاكرم (ص) حين قال لسعد : " الثلث والثلث كثير انك ان تذر ورثتك اغيار خيرٌ من ان تذرهم عالةً يتكففون الناس " (17).
5-الاباحة :
وذلك في غير الحالات السابقة (18).
الظاهر رجحانه مما تقدم هو مذهب الجمهور والشيعة الامامية ،القائل بان الوصية بحسب الأصل ليست واجبة على كل من ترك مالا ، خلافا للرأي الاول ،ولا للوالدين والاقربين الذين لا يرثون خلافا للرأي الثاني ، وان هذا الرجحان يكمن في مستويين :
1-المستوى الاول :دفع ادلة المعارضين :
حينما نرجح رأيا معينا فان ذلك يستدعي وبلا شك تقويض ادلة المعارضين ،وفي هذا المقام هنالك نوعان من الادلة المعارضة :
أ-ادلة الرأي الاول :
وهي الادلة التي استند اليها ابن حزم ، فان بالامكان ردها بالقول ان الآية التي استدل بها وهي ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصي بِهَا أَوْ دَيْنٍ( لا تدل على ما ذهب اليه ،لان فرضية الميراث فيها لا تدل على فرضية الوصية قبل وقوعها ، بل غاية ما تدل عليه ، ان الميراث يكون بعد سداد الدين ، وبعد اخراج الوصية ، اذا وقع الايصاء بها ، واستوفت اركانها وشرائطها واصبحت لازمة ، واما الحديث الذي استند اليه والمروي عن ابن عمر فانه لا يدل على الوجوب ايضا ، لانه ورد فيه " له شيء يريد ان يوصي فيه " ، فرد الامر الى ارادة الموصي ، وعلى هذا فقد يحمل على من عليه واجب او من عنده وديعة. ومن هنا تاتي ارجحيه القول القائل بان حكم الوصية الاستحباب بالمعنى الاولي ،وانها تدور مدار الاحكام الخمسة بالمعنى الثانوي .
ب-اما فيما يتعلق بدفع ادلة الرأي الثاني المستند إلى آية الوصية ) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكَمُ الْمَوْت… ( ، فلقد تقدم القول ان هنالك من يقول بنسخها بآية المواريث ) يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن….( ، ومن لم قل بالنسخ بل بالتخصيص فانه يقول بان الآية تفيد الندب لا الوجوب (19).
2-المستوى الثاني :
بعد دفع ادلة المعارضين يمكن القول ان الروايات الكثيرة التي تحث على الوصية يفهم منها حكم الاستحباب لا الوجوب ، (ثم ان الصحابة لم ينقل ان كلهم قد اوصى ولم ينكر ذلك احد ، ولو كانت واجبة لوجب النكير ، وان الوصية عطية لا تجب في الحياة ، فلا تجب بعد الموت كعطية الاجانب ) (20).
_______________________
[1]- سورة النساء / الآية 12 .
2- رواه مسلم في صحيحه ، ج5 ، ص70 ، والنسائي في سننه ، ج6 ، ص239 ، واحمد بن حنبل في مسنده ، ج2 ، ص113 ، وابن ماجه ، السنن ، ج2 ، ص901 .
3- ينظر : ابن حزم ، المحلى ، ج9 ، ص312 .
4- سورة البقرة ، الآية /180 .
5- ينظر :ابن قدامه ، المغنى ، ج6 ، ص415 .
6- المراد بآية الوصية ) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكَمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ( سورة البقرة / 180 ، اما آية او آيات المواريث فهي ) )يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ …..( ، سورة النساء/ الآية11،وما بعدها.
7- ينظر : محمد ابراهيم الكرباسي ، نخبة الاحاديث في الوصايا والمواريث ، مطبعة الاداب ، ط2 ، 1968 ، النجف الاشرف ، ج1 ، ص110-111 .
8- قد تقدم تخريج هذا الحديث ، ينظر : ص
9-فقد ورد في كتاب المصباح في الادعية والصلوات والزيارات وفي فصله الاول ،وهو المتعلق بالوصية ما ياتي : " ينبغي ان لا يترك الانسان الوصية مطلقا في الصحة والمرض ، وتتأكد في حال المرض وان يخلص نفسه من حقوق الله تعالى ، ومظالم عبادة وتبعاتهم فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من لم يحسن الوصية عند موته كان ذلك نقصا في عقله ومروءته …. " .
ينظر : الكفعمي ، المصباح ، طبعة 1423 هـ ، ط1 ، ص10 ، وورد في الروضة البهية : " وتستحب الوصية لذوي القربى وارثا كان ام غيره لقوله تعالى ) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكَمُ الْمَوْتُ ….( ، ولان فيه صلة الرحم .
ينظر : الشهيد الثاني ، الروضة البهية ، ج2 ، ص55 .
0[1]- محمد حسين الطباطبائي الحكيم ، الميزان في تفسير القرآن ، ج1 ، مؤسسة الاعلمي ، بيروت ، 1997 ، ص440-442 ،باقر الإيرواني، دروس تمهيدية في الفقه الإستدلالي ،ج1،ص184، محمد جعفر شمس الدين ،مصدر سابق،ص337.
1[1]- لقد ورد في المغني لابن قدامه: "ولا تجب الوصية الا على من عليه دين او عنده وديعة او عليه واجب يوصي بالخروج منه فان الله تعالى فرض اداء الامانات " ، ابن قدامة ، المغني ، ج6 ، ص414 .
12- ورد في الروضة البهية في الهامش السابق رقم (2) ما يدل على هذا المعنى ، وكذلك ورد في المغني ما ياتي : " وتستحب الوصية بجزء من المال لمن ترك خيرا لان الله تعالى قال ) كتب عليكم …( فنسخ الوجوب وبقي الاستحباب في حق من لا يرث ) ، ابن قدامة ، المغني ، ج6 ، ص415 .
3[1]- الصغاني ، سبل السلام ، ج3 ، ص87 .
4[1]- سورة النساء / الآية 12 .
5[1]- رواه الدار قطني في سننه ، ج4 ، ص86 .
6[1]- لقد ورد : "ولا تحل وصية في معصية لا من مسلم ولا من كافر كمن اوصى ببنيان كنيسه او نحو ذلك لقول الله تعالى ) وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( .
ينظر : ابن حزم ، المحلى ، ج9 ، ص327 .
7[1]- لقد تدم تخريج هذا الحديث سابقا .
8[1]- فقد ورد : ان حكمها ( أي الوصية ) ينقسم خمسة اقسام : فتجب اذ كان يخشى بعدمها ضياع الحق على اربابه ويندب اليها اذا كانت بقربة غير واجبة ، وتحرم بمحرم كالنياحة ونحوها ، وتكره اذا كانت بمكروه او في مال فقير ، وتباح اذا كانت بمباح من بيع او شراء ) .
ينظر : العدوي ، حاشية العدوي ، ج2 ، ص224 ، دار الفكر . الخرشي ، شرح الخرشي ، ج8 ، ص169 .
9[1]- المسالة فيها تفصيل اكثر سنرجى الحديث عن بعض تلك التفصيلات حينما نتكلم عن الوصية لوراث .
20- الكشكي ، التركة ، ص153 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|