أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-7-2022
1822
التاريخ: 20-3-2018
2402
التاريخ: 17-5-2017
8898
التاريخ: 28-1-2016
4350
|
من السائد فقهاً وقضاءً أن قاعدة البينة على المدعي والتي تحكم الإثبات في الدعوى المدنية، هي تنطبق من باب أولى في الدعوى الجزائية، بعدِّها من آثار البراءة الأصلية للإنسان، فالمتهم برئ حتى يقدم الدليل على وقوع الجريمة وإسنادها إليه وتحمله مسؤولية ارتكابها. فمن مؤدى أعمال قرينة البراءة – فيما يتعلق بعبء الإثبات – إلقاء عبء الإثبات كاملاً على عاتق سلطة الاتهام، فاذا أسند الادعاء العام – أو المدعى المدني في حالة الادعاء المباشر – إلى أحد الأشخاص إرتكاب جريمة معينة، فإنه يتعين عليه إثبات وقوع الجريمة ونسبتها إلى هذا الشخص مادياً ومعنوياً، اما هذا الأخير فلا يكلف بشيء، إذ يكفيه الاقتصار على موقف سلبي، بعدَّ أن البراءة مفترضة فيه، وهي "أصلا" لا يحتاج إلى إثبات(1). ولما في الجزاء الجنائي من خطورة خاصة، تجعله أشد جزاءات القانون جسامة إذ يهبط بالمحكوم عليه عن منزلة سواه من المواطنين، ويمس أثمن ما يملك – سواء كان ذلك حياته أو حريته أو كرامته وسمعته – ومن ثم فلا يصح ان يصيب هذا الجزاء بريئاً، باعتبار ان إدانة برئ أنكى على المجتمع وأشد من تبرئة مجرم(2). وما دام الامر كذلك، فإنه من المتعين وضع نظرية عامة لإثبات الجريمة في حق مقترفها، وبيان أصول هذا الإثبات عموماً، ومن يتحمل عبء الإثبات والى أي مدى يكون ذلك بصورة خاصة، حتى لا يتمخض الاتهام عن ادانة برئ، وكي لا يصيب الجزاء الجنائي المتهم إلا حين يتبين بصورة يقينية ان الجريمة راجعة بالفعل إلى سلوكه. - وعلى الرغم من أهمية وخطورة ما تقدم، فإن المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية، لم يورد شيئاً يذكر حول عبء الإثبات في الدعوى الجنائية، إذ جاءت نصوص القانون المذكور، بل والمذكرة الإيضاحية له خالية من أية إشارة تفيد تحديد الطرف الذي يتحمل عبء الإثبات في الخصومة الجنائية. ولا ندري فعلاً علام يعتمد القضاء العراقي في تحميله عبء الإثبات على عاتق سلطة الاتهام، إذ لا وجود لأي نص يستند اليه القضاء في ذلك. كما لا يفهم من أية مادة في أصول المحاكمات – صراحة أو ضمناً – تلك النتيجة. فهل يفهم من ذلك ان المشرع أراد ان يحيل في شأن عبء الإثبات إلى قانون الإثبات في المواد المدنية والذي نص على انه ( على الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه )، أو ما نص عليه من أن ( البينة على من ادعى واليمين على من أنكر )؟. الواقع ان نهج المشرع في هذا الشأن منتقد، لأنه إذا كان تطبيق الفقرة الأولى من كلتا المادتين صحيح في المجال الجنائي – والتي تفيد وقوع عبء الإثبات على عاتق المدعي، فهي قاعدة لا خلاف عليها بغض النظر عن محل الإثبات – اما تطبيق الفقرة الثانية من المادة الأولى والتي تنص بأنه على المدين إثبات التخلص منه، فلا يمكن التسليم بها على اطلاقها في الدعوى الجنائية، والتي تعني بأنه إذا دفع المدعى عليه بأحد الدفوع فعليه يقع عبء اثبات هذا الدفع، وتطبيق هذه القاعدة على الدعوى الجنائية يقود إلى إلزام المتهم بإثبات الدفوع جميعها، التي قد يثيرها اثباتاً كاملاً، وهو أمر غير صحيح في القضاء الجنائي ويتنافى مع مصلحة المتهم، بل ويتناقض مع حقه في قرينة البراءة حتى صدور الحكم البات بالإدانة. كما ان الفقرة الثانية من المادة السابعة من قانون الإثبات المدني، تطبيقها غير وارد في مجال الإثبات الجنائي(3). وان كان المشرع قد التزم الصمت في مجال الإثبات، فإنه قد أحال صراحة إلى قانون المرافعات المدنية في مجالات أخرى، من ذلك ما نص عليه من انه ( يجري تبليغ الأشخاص الموجودين خارج العراق والأشخاص المعنوية بورقة التكليف بالحضور، طبقاً للإجراءات المبينة في قانون المرافعات المدنية ) (4)، وكذلك ما نص عليه في المادة 186/أ ( من اعتبار حجز اموال المتهم، حجزاً إحتياطياً، تسري على وضعه والاعتراض عليه، وادارة الأموال المحجوزة بموجبه، وللادعاء باستحقاقها، أحكام قانون المرافعات المدنية، فيما لا يتعارض مع الاحكام الخاصة الواردة في مواد الحجز )، وهذا يعني بمفهوم المخالفة ان المشرع يعترف بأنه ثمة خصوصية للإجراءات الجنائية، وانه حين تتبع غير تلك الإجراءات في المجال الجنائي لابد من النص عليها. ومادام المشرع لم يشر إلى اتباع ما ورد في قانون الإثبات المدني فيما يتعلق بعبء الإثبات، فإن ذلك يعني ان قاعدة عبء الإثبات في القانون المدني لا تسري بالضرورة في القانون الجنائي. وقد يشير البعض إلى ان تسلسل الإجراءات الوارد في المادة (167) من قانون أصول المحاكمات تفيد ضمناً إلى قاعدة تحميل عبء الإثبات على عاتق الاتهام حين قالت ( تبدأ المحاكمة بالمناداة على المتهم...، وتسمع المحكمة شهادة المشتكي وأقوال المدعى المدني ثم شهود الإثبات....، ثم تسمع إفادة المتهم... )، ولكننا نعتقد بأن تلك المادة لا تشير مطلقاً إلى قاعدة عبء الإثبات، بل إلى مجرد تسلسل الإجراءات. وقد يكون اتجاه المشرع في القانون العراقي – على وفق ما ورد في م (213 ) أصولية هو ان من يحدد عبء الإثبات هو أمر موكول إلى تقدير محكمة الموضوع حصراً. الا انه يمكن القول ان المشرع العراقي قد استند في هذا الخصوص إلى مبدأ البراءة الأصلية الذي تجسد في نص الدستور العراقي بقوله ( المتهم برئ حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية)(5). ومن ثم العمل بنتائج هذا المبدأ في المجال الجنائي، وعلى وجه الخصوص اثر قرينة البراءة في عبء الإثبات، والمسندة إلى سلطة الاتهام متمثلة في الادعاء العام. ومع ذلك فإننا نرى وجوب ان يتدخل المشرع صراحة بالنص على تحمل سلطة الاتهام لعبء اثبات المسؤولية الجنائية للمتهم، بما في ذلك الدفوع التي قد يدفع بها هذا الأخير، لأن ذلك مما يتفق مع التوازن العادل بين حق الدولة في العقاب، وحق المتهم بالتمسك ببراءته الأصلية، ولا يجب الاحتجاج على ذلك بأن لصمت المشرع هنا ما يبرره، من حيث ان النص المقترح لا يخرج عن كونه تسجيلاً لمبدأ عام(6).فاذا كان المشرع قد نص على مبدأ البراءة في الدستور، فيجب النص على نتائج اعمال هذا المبدأ، باعتبارها الضمان الوحيد في التطبيقات الجنائية، في مواجهة سلطة الاتهام، وتذكيراً مهماً لسلطات التحقيق والمحاكمة. والى ان يتدخل المشرع على النحو المبين سلفاً، تبقى قرينة البراءة، سنداً راسخاً لالتزام سلطة الاتهام بعبء الإثبات في الدعوى الجنائية. ولكن ما هو مضمون هذا الالتزام؟ وما هي حدوده؟ وهل يقتصر التزام الادعاء العام على إثبات العناصر المكونة للجريمة فقط؟ ام يمتد ليشمل دفوع المتهم أيضا؟ ام يتعين على المتهم إثبات ما قد يثيره من دفوع، تطبيقاً لقاعدة ان المدعى عليه يصير مدعياً بالدفع؟. للإجابة عن ذلك نبحث أثر البراءة في إثبات الجريمة وأثرها في طرق الدفاع.
____________________
1- انظر في هذا المعنى: سامي النصراوي، "دراسة في أصول المحاكمات الجزائية"، الجزء الثاني، المرجع السابق، ص115.
2- رمسيس بهنام، "الإجراءات الجنائية تأصيلاً وتحليلاً"، المرجع السابق، ص670.
3- انظر في هذا المعنى: احمد سعيد صوان، "قرينة البراءة وأهم نتائجها في المجال الجنائي"، المرجع السابق، ص456. إذ ان اليمين لا يعد من الأدلة المقبولة في المجال الجنائي، وان كان له قبول في المجال المدني.
انظر: محمد مجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، المرجع السابق، ص410.
4- م ( 9 ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
5- المادة ( 20 / أ ) من الدستور العراقي المؤقت لعام 1970.
6- انظر في هذا المعنى: محمد زكي ابو عامر، "الإثبات في المواد الجنائية"، المرجع السابق، ص35.
ش
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|