أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-28
1158
التاريخ: 16-10-2014
17783
التاريخ: 16-10-2014
1594
التاريخ: 18-11-2014
1642
|
نجد مَن ينكر ذاك التفصيل في جمع القرآن ، ويرى أنَّ القرآن بنَظْمه القائم وترتيبه الحاضر ، كان قد حصل في حياة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) .
وقد ذهب إلى هذا الرأي جماعة من علماء السلَف : كالقاضي ، وابن الأنباري ، والكرماني ، والطيّبي (1) ، ووافَقهم عَلَم الهدى السيّد المرتضى ( قدّس سرّه ) ، قال : كان القرآن على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) مجموعاً مؤلَّفاً على ما هو عليه الآن ، واستدلّ على ذلك : بأنَّ القرآن كان يُدَرَّس ويُحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عُيّن جماعة من الصحابة في حفظِهم له ، وأنّه كان يُعرَض على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) ويُتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل : عبد الله بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، وغيرهما ختموا القرآن على النبي ـ ( صلّى الله عليه وآله) ـ عدَّة ختْمات ، وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتور ولا مبثوث (2) .
لكن حِفظ القرآن : هو بمعنى حِفظ جميع سوَره التي اكتملت آياتها ، سواء أكان بين السوَر ترتيب أمْ لا ، وهكذا ختمُ القرآن : هو بمعنى قراءة جميع سوَره من غير لحاظ ترتيب خاصّ بينها ، أو الحِفظ كان بمعنى الاحتفاظ على جميع القرآن النازل لحدّ ذاك ، والتحفّظ عليه دون الضياع والتفرقة ، الأمر الذي لا يدلّ على وجود ترتيب خاصّ كان بين سوَره كما هو الآن .
هذا ، وقد ذهب إلى ترجيح هذا الرأي أيضاً سيدّنا الأستاذ الإمام الخوئي ( رحمه الله ) نظراً إلى الأمور التالية :
أوّلاً : أحاديث جمْع القرآن بعد وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بنفسها متناقضة ، تتضارب مع بعضها البعض ، ففي بعضها تحديد زمن الجمع بعهد أبي بكر ، وفي آخر بعهد عمَر ، وفي ثالث بعهد عثمان ، كما أنَّ البعض ينصّ على أنَّ أوّل مَن جمَع القرآن هو زيد بن ثابت ، وآخر ينصّ على أنَّه أبو بكر ، وفي ثالث أنَّه عمَر ، إلى أمثال ذلك من تناقضات ظاهرة .
ثانياً : معارضتها بأحاديث دلَّت على أنَّ القرآن كان قد جُمع على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) ، منها حديث الشعبي ، قال : جَمَع القرآن على عهده ستَّة : أُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد . وفي حديث أنَس أنَّهم أربعة : أُبَي ، ومعاذ ، وزيد ، وأبو زيد ، وأمثال ذلك .
ثالثاً : منافاتها مع آيات التحدّي ، التي هي دالَّة على اكتمال سوَر القرآن وتمايز بعضها عن بعض ، ومتنافية أيضاً مع إطلاق لفظ الكتاب على القرآن في لسانه ( صلّى الله عليه وآله ) ، الظاهر في كونه مؤلَّفاً كتاباً مجموعاً بين دفَّتين .
رابعاً : مخالفة ذلك مع حُكم العقل بوجوب اهتمام النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بجمْعه وضبطه عن الضياع والإهمال .
خامساً : مخالفته مع إجماع المسلمين ، حيث يَعتبرون النصَّ القرآني متواتراً عن النبيّ نفسه ، في حين أنَّ بعض هذه الروايات تشير إلى اكتفاء الجامِعين بعد الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) بشهادة رجُلين أو رجُل واحد ! .
سادساً : استلزام ذلك تحريفاً في نصوص الكتاب العزيز ، حيث طبيعة الجمْع المتأخّر تستدعي وقوع نقص أو زيادة في القرآن ، وهذا مخالف لضرورة الدِين (3) .
وزاد بعضهم : أنَّ في المناسبة الموجودة بين كلِّ سورة مع سابقتها ولاحِقتها ، لدليلاً على أنَّ نظْمها وترتيبها كان بأمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، إذ لا يَعرِف المناسبة بهذا الشكل المبدع البالغ حدَّ الإعجاز غيرُه ( صلّى الله عليه وآله ) .
* * *
لكن يجب أن يُعلَم : أنَّ قضيَّة جمْع القرآن حدَثٌ من أحداث التاريخ ، وليست مسألة عقلانية قابلة للبحث والجدل فيها ، وعليه فيجب مراجعة النصوص التاريخية المستندة من غير أن يكون مجال لتجوال الفِكر فيها على أيَّة حال ! .
وقد سبَق اتّفاق كلمة المؤرِّخين ، ونصوص أرباب السِيَر وأخبار الأمم ، ووافَقهم أصحاب الحديث طرّاً ، على أنَّ ترتيب السوَر شيء حصل بعد وفاة الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، ولم يكن بالترتيب الذي نزلتْ عليه السوَر .
وبعد ، فلا نرى أيَّ مناقضة بين روايات جمْع القرآن ، إذ لا شكَّ أنَّ عمَر هو الذي أشار على أبي بكر بجمْع القرآن ، وهذا الأخير أمَر زيداً أن يتصدّى القضية من قِبَلِه ، فيصحّ إسناد الجمْع الأوَّل إلى كلٍّ من الثَلاثة بهذا الاعتبار .
نعم ، نسبة الجمْع إلى عثمان كانت باعتبار توحيده للمصاحف ونَسْخها في صورة موحَّدة ، وأمّا نسبة توحيد المصاحف إلى عُمَر فهو من اشتباه الراوي قطعاً ؛ لأنَّ الذي فعَل ذلك هو عثمان بإجماع المؤرِّخين .
وحديث ستَّة أو أربعة جمعوا القرآن على عهده ( صلّى الله عليه وآله ) فمعناه : الحِفظ عن ظَهْر القلب ، حفظوا جميع الآيات النازلة لحدّ ذاك الوقت ، أمّا الدلالة على وجود نَظْم كان بين سوَره فلا .
وأمّا حديث التحدّي فكان بنفس الآيات والسوَر ، وكلُّ آية أو سورة قرآن ، ولم يكن التحدّي يوماً ما بالترتيب القائم بين السوَر ؛ كي يتوجَّه الاستدلال المذكور ! .
على أنَّ التحدّي وقَع في سوَر مكّية (4) أيضاً ، ولم يُجمَع القرآن قبل الهجرة قطعاً .
واهتمام النبي ( صلّى الله عليه وآله ) بشأن القرآن ، شيء لا ينكَر ، ومن ثمَّ كان حريصاً على ثبْت الآيات ضمن سوَرها فور نزولها ، وقد حصل النَظْم بين آيات كلِّ سورة في حياته ( صلّى الله عليه وآله ) .
أمّا الجمْع بين السوَر وترتيبها كمصحف موحَّد فلم يحصل حينذاك ؛ نظراً لترقّب نزول قرآن عليه ، فما لم ينقطع الوحي لا يصحّ جمع القرآن بين دفَّتين ككتاب ، ومن ثمَّ لمّا أيقن بانقطاع الوحي بوفاته ( صلّى الله عليه وآله ) أوصى إلى عليّ ( عليه السلام ) بجمْعه .
ومعنى تواتر النصّ القرآني هو : القطع بكونه وحْياً ، الأمر الذي يحصل من كلّ مستند وثيق ، وليس التواتر ـ هنا ـ بمعناه المصطلح عند الأصوليين .
وأمّا استلزام تأخّر الجمْع تحريفاً في كتاب الله ، فهو احتمال مجرَّد لا سنَد له ، بعد معرفتنا بضبط الجامِعين وقُرب عهدهم بنزول الآيات ، وشدَّة احتياطهم على الوحي ، بما لا يدَع مجالاً لتسرّب احتمال زيادة أو نقصان .
وأخيراً ، فإنّ قولة البعض الأخيرة فهي لا تعدو خيالاً فارغاً ، إذ لا مناسبة ذاتية بين كلِّ سورة وسابقتها أو تالِيَتها ، سوى ما زعَمه بعض المفسِّرين المتكلِّفين ، وهو تمحّل باطل بعد إجماع الأمّة على أنَّ ترتيب السوَر كان على خلاف ترتيب النزول بلا شكّ .
إذاً لا يملك معارضونا دليلاً يُثنينا عن الذي عزَمْنا عليه من تفصيل حديث الجمْع .
________________
(1) الإتقان : ج1 ، ص62 .
(2) مجمع البيان : ج1 ، ص15 .
(3) راجع البيان في تفسير القرآن للإمام الخوئي : ص257 ـ 278 .
(4) في سورة يونس : 38 ، وسورة هود : 13 ، وهما مكّيَّتان .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|