أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
3184
التاريخ: 16-10-2014
4936
التاريخ: 16-10-2014
1675
التاريخ: 16-10-2014
3936
|
للتأويل عند أرباب القلوب الواعية حديث طريف يختلف عن تأويلات الباطنية غير المبتنية على أساس معقول .
إن أهل التحقيق من أصحاب العرفان الصوفي يقرون تفسير أهل الشريعة ، في الأخذ بظاهر القرآن ويرونه الأصل في تنزيله ، سوى ان لهم في كلام الله مذاقات عرفانية رقيقة لا يمكنهم إغفالها ، لأنها بمثابة واردات أو هواتف هي سانحات ملكوتية قدسية ، تفاض على القلوب الواعية .
هذا تفسير كشف الأسرار المولى أبي الفضل رشيد الدين الميبدي تفصيلاً وتبييناً لتفسير العارف السالك الخواجا عبد الله الأنصاري ، تراه جمع بين الظاهر والباطن كلاً على حده . يفسر القرآن أولاً على نهج أهل الظاهر تفسيراً قويماً ، ثم يعرج على تفسيره وفق مذاقات أهل الباطن ، في ظرافة ولباقة كلاً في أحسن بيان ، مقراً بأن تفسير الظاهر هو الأصل ، ولولاه لما أمكن استخراج الباطن الذي هو الفرع .
نعم ، يرون من تفسير الباطن اللباب الخابئ تحت ذاك العباب .
قال سهل بن عبد الله التستري – في قوله تعالى : {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف : 106] - : يعني : شرك النفس الأمارة بالسوء .
[35/1] كما قال النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا " (1) .
قال : هذا باطن الآية . وأما ظاهرها فمشركو العرب يؤمنون بالله ، كما قال تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] . وهم مع ذلك مشركون يؤمنون ببعض ولا يؤمنون ببعض (2) .
إذن لم يخلط بين ظهر القرآن وبطنه وذكر كلاً على حده بأمانه . على أن الأخذ بالبطن كان مستنداً الى النبوي الشريف ، مضافاً الى كونه الأخذ بمفهوم الآية العام – حسبما نبهنا – مراعياً جانب المناسبة القريبة . فقد استجمع شرائط التأويل الصحيح .
نعم ، إن إخضاع القرآن للغة التي مقياسها الوضع المحدود ، عقال له عن الانطلاق فيما وراء الغيوب ، وإغلاق لباب الفهم الذي مقياسها العقل الرشيد مدعماً بإدراكات كان مجالها ما فوق العقل ألا وهو القلب الذي تحده الحدود ، لأنه عرش استواء تجليات الرب تعالى على مملكة الجسم .
[36/1] كما جاء في الحديث القدسي : " لم يسعني سمائي ولا أرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن " (3) وهو القلب الذي اختصه الله بالأسرار ويجب أن يستفتيه الإنسان إذا حار .
[37/1] سأل وابصة بن معبد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عن البر والإثم ؟ فقال : " يا وابصة ! استفت قلبك ؛ البر : ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب . والإثم : ما حاك في قلك وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس " (4).
فذلك القلب له لغته كما أن للوضع لغته وللعقل لغته . فإذا كانت لغة الوضع تدرك بالألفاظ ويعبر عنها بالكلمات ، فلغة القلب تدرك بالذوق والإشراق ، الأمر الذي لا يحيط بالتعبير عنه الألفاظ والعبارات ، بل بالرموز والإشارات .
على أن تلك الإشارات المعبرة عن الواردات القلبية لها واقع مشروع أقره الحديث المأثور : " لكل آية ظهر وبطن وحد ومطلع " (5) .
إذن فأربابها متبعون لا مبتدعون ، وقد اختصهم الله بأسراره وأودعهم ملكوت أنواره ، ليكونوا مصابيح الهدى في غسق الدجى .
قال سعد الدين التفتازاني : " وأما ما ذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص مصروفة على ظواهرها ، ومع ذلك فيها إشارات خفية الى دقائق تنكشف على أرباب السلوك ، يمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة ، فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان " (6) .
فالإشارة ترجمان لما يقع في القلوب من تجليات ومشاهدات ، وتلويح لما يفيض به الله على صفوته من خلقه من أسرار وغوامض في كلامه وكلام رسوله .
قال الشيخ تاج الدين ابن عطاء الله الإسكندري (7) – في كتابه لطائف المنن - : اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغربية ليس إحالة للظاهر عن ظاهرة ؛ ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جلبت الآية له ، ودلت عليه في عرف اللسان . وثم أفهام باطنه تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه ، وقد جاء في الحديث : " لكل آية ظهر وبطن " ، فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة : هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله ، فليس ذلك إحالة ، وإنما يكون إحالة لو قالوا : لا معنى للآية إلا هذا ، وهم لم يقولوا ذلك ، بل يقرون الظواهر على ظواهرها مراداً بها موضوعاتها ، ويفهمون عن الله ما أفهمهم (8) .
نعم ، هناك ما يبرر موقف الصوفية من هذه التأويلات ، بأنها من تفسير الباطن للقرآن وراء تفسيره الظاهري ، مع العلم أن للقرآن ظهراً وبطناً ، ولا يعني التفسير الباطني نفي التفسير الظاهري ، بل هما معاً ثابتان جميعاً ، ومعه لا موضع للإنكار عليهم .
قال الأستاذ حسن عباس زكي (9) بصدد الدفاع عن مواضع الصوفية في تأويل القرآن : فالمفسرون من علماء الشريعة يقفون عند ظاهر اللفظ وما دل عليه الكلام من الأمر والنهي والقصص والأخبار والتوحيد ، وغير ذلك ، وأهل التحقيق أو الصوفية يقرون تفسيرهم هذا ، ويرونه الأصل الذي نزل فيه القرآن . ولكن لهم في كلام الله مع الأخذ بهذا التفسير الظاهري مذاقات لا يمكنهم إغفالها ؛ لأنها بمثابة واردات أو هواتف من الحق لهم .
فلا ينبغي أن نقف القرآن على تفسير معين على أنه المراد ، فلا نقول كما يقول البعض : إن التفسير الظاهري وحده هو المقصود ، كما لا يرى أهل التحقيق أن تفسيرهم وحده هو المراد ؛ لأن القول بالتفسير الظاهري وحسب ، تحديد لكلام الله غير المحدود ، وإخضاع القرآن للغة التي مقياسها العقل المحدود ، والوقوف في تفسير كلام الله عند العقل المحدود ، عقال عن الانطلاق فيما وراء الغيوب ، وإغلاق الباب لمذاقات ليس العقل مجالها ؛ لأنها لا تخضع لمقاييسه وإنما تخضع لشيء آخر فوقه ، وتدرك بلطيفة أخرى سواه ، إذن فهناك ما فوق العقل ألا وهو القلب ؛ فإن للقلب لغته كما أن للعقل لغته . وإذا كانت لغة العقل تدرك بالألفاظ ، ويعبر عنها بالكلمات ، فلغة القلب تدرك بالذوق ؛ لأنه لا يحيط بالتعبير عنها اللفظ .
ولنقرب الى الفهم ، فلغة القلب مثل التفاحة ، فلن يستطيع من أكلها وأحس حلاوتها أن يترجم باللفظ أو يعبر بالوصف – لمن لم يأكلها قبل – عن طعمها ومذاقها ، وهكذا لا تدرك لغة القلب العبارة ، وإنما يعبر عنها بالإشارة .
فالإشارة ترجمان لما يقع في القلوب من تجليات ومشاهدات ، وتلويح لما يفيض به الله على صفوته وأحبابه من أسرار في كلام الله وكلام رسوله .
ومن هنا كانت مذاقات الصوفية وأهل التحقيق في القرآن الكريم ، وهم لا يرون أن تلك المذاقات وحدها هي المرادة ، وإنما يأخذونها إشارات من الله لهم بعد إقرار ما قاله أهل الظاهر من تفسير ، باعتباره أصل التشريع .
وجلي بعد ذلك أنه لا مجال المتعرض ممن ينكر عليهم مذاقاتهم ، ويراها ميلاً بكلام الله عن مجراها ، ما داموا لا يأخذون بمذاقاتهم وحدها ، وإنما يأخذون بهما مع إقرارهم لتفسير أهل الشرع . فلا يعنينا من ذي جدل أن يقول عن هذه الإشارات : إنها إحالة لكلام الله وتغيير لسياقه ومجراه ؛ لأن ذلك يصدق لو قالوا : إنه لا معنى للآية إلا هذا ، وهم لا يقولون ذلك ، بل يقرون الظواهر على ظواهرها ، ويفهمون عن الله ما أفهمهم .
وذلك مصداق الحديث الشريف : " لكل آية ظهر وبطن وحد ومطلع " فالباطن لا يعارض الظاهر ، والظاهر لا يعارض الباطن .
وذلك النهج بعيد كل البعد عما نادى به " الباطنية " من الأخذ بباطن القرآن لا ظاهره ، وقصرهم معاني القرآن على ما ادعوه من تفسيراتهم دون غيره ؛ لأنهم بذلك لا يقرون الشريعة ويبطلون العمل بها ، وهم لا يخضعون دعواهم للنص القرآني ، بل يخضعون النص القرآني لدعواهم .
وهنا يزول ما التبس على البعض من أن مذاقات الصوفية في القرآن الكريم ، نزعة باطنية فبينهم وبينها آماد وأبعاد ، بل أنهم لبريئون منها ، ولينكرونها كل الإنكار ، وواضح ذلك من أنهم يأخذون بالباطن بعد الأخذ بالظاهر ، ويقرون الحقيقة بعد الأخذ بالشريعة ، ويرون أن الحقيقة نفسها أساسها الشريعة ، فالفرق ثمة كبير ، والبون شاسع وعظيم .
ولا مجال بعد هذا الإيضاح لإنكار من ينكر على الصوفية مذهبهم في الإشارات وما يختصهم الله به في كلامه وكلام رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) من الأسرار والفيوضات .
على أن تلك الإشارات أمر مشروع أقره الحديث المذكور آنفاً : " لكل آية ظاهر وباطن وحد ومطلع " فأربابها متبعون لا مبتدعون ، اختصهم الله بأسراره في آياته ، ليكونوا مصابيح الهدى في غسق الدجى ، كما أقره عمد الدين وذوو العلم من المؤلفين :
وقد تقدم كلام سعد الدين التفتازاني بشأن ما ذهب اليه أهل التحقيق من صرف النصوص على ظواهرها ، ومع ذلك فيها إشارات خفية الى حقائق تنكشف على أرباب السلوك ، مما يمكن تطبيقها مع الظواهر ، فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان (10) .
وقال الشيخ زروق : " نظر الصوفي اخص من نظر المفسر وصاحب فقه الحديث ؛ لأن كلاً منهما يعتبر الحكم والمعنى ليس إلا ، وهو يزيد بطلب الإشارة بعد إثبات ما أثبتاه " .
فإذا دار المفسر في حدود اللفظ القرآني ، واستنبط منه الفقهاء ما استنبطوا من أحكام ، فلأوي الألباب وذوي البصائر فيه بعد ذلك من الأسرار والحقائق ما لا ينكشف لسواهم ولا يدركه غيرهم ، وذلك لتجدد واردات الحق عليهم ، ودوام تنزل الفيوضات على قلوبهم ؛ لأنهم أهله ومحبوه (11) .
________________________
1- المستدرك للحاكم ، ج2 ، ص291 ؛ الكامل ، ج7 ، ص240 .
2- راجع : تفسير التستري ، ص83 .
3- بحار الأنوار ، ج55 ، ص39 .
4- مسند أحمد ، ص 228 .
5- راجع : الموافقات للشاطبي ، ج3 ، ص382 .
6- شرح العقائد النسفية للتفتازاني ، ص120 ( ط كابل) .
7- هو احمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله ، أحد العلماء الجامعين لعلوم الدين من التفسير والحديث والأصول والتصوف . استوطن القاهرة للوعظ ، ثم رحل الى الإسكندرية ومات بها سنة 709 ، وكتابه لطائف المنن في مناقب شيخه أبي العباس المرسي . طبع بتونس سنة 1304 .
8- نقلاً عن الإتقان ، ج4 ، ص 197 .
9- وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بمصر ، له تعريف بتفسير القشيري أثبته في مقدمة الكتاب .
10. شرح العقائد النسفية ، ص120 (ط كابل) .
11. تفسير القشيري (المقدمة) ، ج1 ، ص4-6 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|