أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2014
1375
التاريخ: 16-10-2014
1684
التاريخ: 27-11-2014
2536
التاريخ: 16-10-2014
1947
|
إن الشيخ عبده كان ممن يرى تساهل أهل الحديث في رواياتهم الغث والسمين ، غير مبالين في متونها أهي مخالفة لأصول العقيدة أم متنافية مع مباني الإسلام الركينة ، الأمر الذي يؤخذ على أهل الحشو في الحديث في ذلك .
قال بشأن قصة زكريا وبشارة الملائكة له بيحيى ، وطلبه من الله ان يجعل له آية :
" ومن سخافات بعض المفسرين زعمهم أن زكريا (عليه السلام) اشتبه عليه وحي الملائكة ونداؤهم ، بوحي الشياطين ؛ ولذلك سأل سؤال التعجب ، ثم طلب آية للتثبت . وروى ابن جرير عن السدي وعكرمة : أن الشيطان هو الذي شككه في نداء الملائكة ، وقال له : إنه من الشيطان ، قال : " و لولا الجنون بالروايات مهما هزلت وسمجت ، لما كان لمؤمن أن يكتب مثل هذا الهزء والسخف ، الذي ينبذه العقل ، وليس في الكتاب ما يشير إليه ، ولو لم يكن لمن يروي مثل هذا إلا هذا لكفى في جرحه ، وأن يضرب بروايته على وجهه .
فعفى الله عن ابن جرير إذ جعل هذه الرواية مما ينشره " (1) .
وقال فيما جاء من الروايات في سحر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) .
" وقد رووا هنا أحاديث في أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) سحره لبيد بن أعصم ، وأثر سحره فيه ، حتى كان يخيل له أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله ، أو يأتي شيئاً وهو لا يأتيه ، وأن الله أنبأه بذلك وأخرجت مواد السحر من بئر ، وعوفي (صلى الله عليه واله وسلم) مما كان نزل به من ذلك ، ونزلت هذه السورة (سورة الفلق) (2) .
قال : " ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه (عليه السلام) حتى يصل به الأمر الى أن يظن انه يفعل شيئاً وهو لا يفعله ، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان ، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية ، بل هو ماس بالعقل ، آخذ بالروح ، وهو مما يصدق قول المشركين فيه : {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } [الفرقان : 8] . وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله ، وخيل له أن شيئاً يقع ، فيخيل إليه أنه يوحى إليه ، ولا يوحى إليه .
وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها : أن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح ، فيلزم الاعتقاد به ، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين ؛ لأنه ضرب من إنكار السحر ، وقد جاء القرآن بصحة السحر . أنظر كيف ينقلب الدين الصحيح ، والحق الصريح ، في نظر المقلد بدعة ، نعوذ بالله ، يحتج بالقرآن على ثبوت السحر ، ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه (صلى الله عليه واله وسلم) وعده من افتراء المشركين عليه ، ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك ، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر ؛ لأنهم كانوا يقولون : إن الشيطان يلابسه (صلى الله عليه واله وسلم) وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم ، وضرب من ضروبه وهو بعينه أثر السحر الذي نسب الى لبيد ، فإنه خولط في عقله وإدراكه ، في زعمهم . والذي يجب اعتقاده ، أن القرآن مقطوع به ، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم (عليه السلام) فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته ، وعدم الاعتقاد بما ينفيه ، وقد جاء بنفي السحر عنه (عليه السلام) حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له الى المشركين أعدائه ، ووبخهم على زعمهم هذا ، فإذاً هو ليس بمسحور قطعاً . وأما الحديث فعلى فرض صحته هو آحاد ، والآحاد لا يؤخذ بها في باب العقائد ، وعصمة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) من تأثير السحر في عقله عقيدة من العقائد ، لا يؤخذ في نفيها عنه إلا باليقين ، ولا يجوز أن يؤخذ فيها بالظن والمظنون ، على أن الحديث الذي يصل إلينا من طريق الآحاد إنما يحصل الظن عند من صح عنده . أما من قامت له الأدلة على أنه غير صحيح فلا تقوم به عليه حجة .
وعلى أي حالٍ فلنا علينا أن نفوض الأمر في الحديث ، ولا نحكمه في عقيدتنا ، ونأخذ بنص الكتاب وبدليل العقل ، فإنه إذا خولط النبي في عقله – كما زعموا – جاز عليه أن يظن أنه بلغ شيئاً وهو لم يبلغه ، أو أن شيئاً نزل عليه وهو لم ينزل عليه ، والأمر ظاهر لا يحتاج الى بيان " (3) .
قال الذهبي ناقماً على هذه الطريقة التي هي طريقة أهل الاعتزال :
" وهذا الحديث الذي يرده الأستاذ الإمام ، رواه البخاري وغيره (4) من أصحاب الكتب الصحيحة ، وليس من رواء صحته ما يخل بقمام النبوة . " (وعلل عدم الإخلال بأنه من قبيل المرض ، وقد عرفت رد الإمام عليه بأحسن رد) وأضاف قائلاً :
" ثم إن الحديث رواية البخاري وغيره من كتب الصحيح ، ولكن الأستاذ الإمام ، ومن على طريقته ، لا يفرقون بين رواية البخاري وغيره ، فلا مانع عندهم من عدم صحة ما يرويه البخاري ، كما أنه لو صح في نظرهم فهو لا يعدو أن يكون خبراً آحاد ، لا يثبت به إلا الظن ، وهذا في نظرنا هدم للجانب الأكبر من السنة التي هي بالنسبة للكتاب في منزلة المبين من المبين ، وقد قالوا : إن البيان يلتحق بالمبين ، قال : " وليس هذا الحديث وحده الذي يضعفه الشيخ ، أو يتخلص منه بأنه رواية آحاد ، بل هناك كثرة من الأحاديث نالها هذا الحكم القاسي " ، فمن ذلك أيضاً حديث الشيخين " كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولدته أمه إلا مريم وابنها " فإنه قال فيه : " إذا صح الحديث فهو من قبيل التمثيل لا من باب الحقيقة " (5) .
" فهو لا يثق بصحة الحديث رغم رواية الشيخين له ، ثم يتخلص من إرادة الحقيقة على فرض الصحة ، بجعل الحديث من باب التمثيل ، وهو ركون الى مذهب المعتزلة ، الذين يرون أن الشيطان لا تسلط له على الإنسان إلا بالوسوسة والإغواء فقط " (6) .
قلت : الحق أحق أن يتبع ، حتى ولو كان القائل به أصحاب الاعتزال ؛ إذ الحق ضالة المؤمن ، أخذها حيث وجدها . فإن كان مذهب أهل الجمود يقضي بالأخذ بالظواهر الظنية ، حتى في باب العقائد ، التي تستدعي اليقين فيها ، فإن مذهب أهل النظر والاجتهاد ، يرى وجوب التدبر في آياته تعالى والتعمق فيها ؛ ذلك أنه دستور القرآن الكريم ، والذي هدى إليه العقل الرشيد .
نعم ، لا تقاس عقلية مثل شيخنا الإمام الكبير ، مع ذهنية أمثال الذهبي الهزيلة التي اقتنعت بتقاليد أشعرية سلفية ، رغم منافاتها لأصول الشرع ومحكمات القرآن الكريم.
أولاً : لا سلطان لإبليس على أحد ، سوى وسوسته وإغوائه ، قال تعالى فيما يحكيه عن إبليس لما قضى الأمر : {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22] (7) .
ثانياً : ليس للشيطان سلطان على عباد الله المخلصين : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] فلم يكن لإبليس على عباد الله المخلصين حتى سلطان الوسوسة والإغواء ، فكيف بالاستحواذ على عقليتهم الكريمة (8).
ثالثاً : أنى للبيد أن يستحوذ على عقلية مثل الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) وهو مثال العقل الأول في عالم الإمكان .
إذن فلا يصح ما ورد في ذلك من تأثير السحر على عقله (صلى الله عليه واله وسلم) ولم يثبت شيء من ذلك من طرق أهل البيت (عليهم السلام) . أما الوارد في جامع البخاري (ج7 ، ص178) وفتح الباري (ج1، ص193) وصحيح مسلم (ج7 ، ص 14) فمردود على قائله ، وهو من المفتعلات (9) .
____________________
1- المنار ، ج3 ، ص298-299 .
2- راجع : الدر المنثور ، ج6 ، ص 417 . و رواه البخاري ومسلم وابن ماجة (روح المعاني ، ج30 ، ص282-283) .
3- ذكر ذلك في تفسيره لجزء عم ص 185-186 . وتعرض له في المنار ، ج3 ، ص291 .
4- جامع البخاري ، ج7 ، ص178 ؛ صحيح مسلم ، ج7 ، ص14 ؛ فتح الباري ، ج10 ، ص193 .
5- راجع : المنار ، ج3 ، ص290 .
6- التفسير والمفسرون ، ج2 ، ص575 .
7- راجع : المنار ، ج7 ، ص512-513 .
8- وقد أنكر الشيخ الإمام إمكان استحواذ الشيطان على عباد الله المخلصين . راجع : المنار ، ج3 ، ص291.
9- تكلمنا عن ذلك في التمهيد (ج1 ، ص 163-169) عند الكلام عن سورتي المعوذتين .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|