أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-12-2015
1064
التاريخ: 15-12-2015
5395
التاريخ: 23-09-2014
1188
التاريخ: 15-12-2015
2857
|
ومن أهم اللذائذ الروحية معاشرة الأصدقاء المخلصين والاخلّاء الذين يتصفون بالإيمان والسجايا الرفيعة، ويفوح من أرواحهم عطر المحبّة والمودّة، إنّ الجلوس مع هؤلاء لحظة واحدة يغمر النفس ببهجة لا توصف، وتذكر الآيات القرآنية الشريفة أنّ أهل الجنّة ينعمون بهذه النعم فيجالسون الأخلاء ويتحدثون إليهم، ولكن ما هي المواضيع التي تدور حولها أحاديثهم؟ هذا ما لا يمكن التكهن به، لعلهم يتحدثون في مواضيع يستحيل علينا إدراكها اليوم، ولكن من البديهي أنّها من نوع الأحاديث التي تحيي القلوب.
تطالعنا الآيتان بما يأتي : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ انْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ والصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً «1»* ذلِكَ الفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} (النساء/ 69- 70).
نعم، إنّ الأخلاء في الجنّة هم خيرة ذوي الفضائل في العالم : كالأنبياء العظام والخلّص من أصحابهم والصديقين والشهداء والصالحين.
ولو قارنا هذا مع ما يجري في هذه الدنيا حيث يضطر الناس في كثير من الأحيان إلى تحمل العذاب الناتج عن معاشرة أشخاص لا يجمعهم وإيّاهم انسجام أو ترابط، يمكن حينذاك فهم طبيعة الأوضاع الموجودة في الجنّة.
والذي يسترعي الاهتمام هنا أنّ الكثير من المفسرين قد نقلوا روايات عديدة بشأن نزول هذه الآية، ننقل فيما يلي ملخّصها (مع وجود بعض الاختلاف بين المفسرين في النقل) :
يروى إنّها نزلت في ثوبان مولى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، إذ كان شديد الحبّ لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله قليل الصبر عنه فأتاه يوماً وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في وجهه، فسأله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن حاله، فقال : يا رسول اللَّه ما بي وجع غير إني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، فذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك لأنّي إن أُدخلت الجنّة فأنت تكون في درجات النبيين وأنا في درجات العبيد فلا أراك وإن أنا لم أُدخل الجنّة فحينئذٍ لا أراك أبداً. فنزلت الآية «2».
وكلمة «ذلك» التي تستعمل عادة إشارة للبعيد، جاءت هنا للدلالة على عظمة هذه النعمة الإلهيّة، وكأنّها عالية إلى الحد الذي يجعلها بعيدة عن متناول أيدينا، وكذلك عبارة «فضل من اللَّه» إنّما هي تأكيد على هذا المعنى وإشارة إلى أنّ هذه النعمة لا يمكن الحصول عليها بمجرّد العمل، بل تنال بفضل اللَّه.
وتجدر الإشارة إلى قضية أخرى في هذه الآية، وهي ذكرها لأربع جماعات بالترتيب واعتبارهم كأصدقاء في الجنّة وهم : «الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين».
ويبدو أنّ هذا الترتيب يدل على تسلسل درجاتهم. فقال بعضهم : «إنّ الأنبياء وُضعوا في المقام الأول لأنّهم وصلوا في مجال المعرفة الإلهيّة إلى حد رؤيته عن قرب بباصرة القلوب، والصديقون في المقام الثاني من المعرفة وهم كمن يرى الأشياء بعينيه من بعيد، والشهداء في المقام الثالث وهم كمن يدرك وجود الشيء بالأدلة العقلية، والصالحون في المقام الرابع وهم كمن يقبل الأشياء عن طريق تقليد الكبار واتّباع أهل الفن» «3».
يمكن في كثير من الحالات اطلاق كلمات (الشهداء والصالحين والصديقين) على الأنبياء أيضاً، لكن ربّما يُقال : إنّ هذه الأوصاف الأربعة عندما تصبح في ازاء بعضها فانّها تعطي مثل هذا المعنى.
ويبدو أنّ هناك تفسيراً أكثر روعة بشأن هذه الدرجات الأربع، وهو أنّ الحاجة إلى هداية المجتمع الإنساني تحتاج في بداية الأمر إلى الأنبياء أي (القادة الربّانيين). ومن بعدهم يأتي دور الصديقين أي المبلّغين الصادقين في القول والعمل الذين ينشرون دعوتهم من بعدهم، وفي المرحلة التالية عند اصطدامهم بالعوائق والموانع تبرز الحاجة إلى أشخاص يهبّون للدفاع ويقدّمون التضحيات حتّى يتمكّن الصالحون أخيراً من حكم المجتمع.
وفي هذه المناسبة ينبغي الإشارة إلى أنّ مرافقة هذه الفئات الأربع لا تعني وحدة المقام معها، بل تعني إمكانية الإرتباط بها كما هو الحال في اتصال الطالب باستاذه أو الجندي بآمره.
ورد ما يشبه هذا المعنى- ولكن بثوب آخر- في قوله تعالى : {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} (الحجر/ 47).
ويلحظ في الآية 31 من سورة الكهف إشارة إلى نفس المعنى أيضاً.
وعلى أيّة حال، فإنّ مرافقة هؤلاء الصالحين والاتصال بهم يُعد من أكبر اللذات المعنوية لأصحاب الجنّة.
_______________________
(1). يرى البعض أنّ كلمة «رفيقا» جاءت هنا تمييزاً ولهذا وردت مفردة، واعتبرها البعض الآخر حالًا. وان مجيئها مفردة (مع أنّ الحال جمع) إمّا لكون كلمة رفيق تعني المفرد وتعني الجمع أيضاً أو تضمنها لمعنى الجنس.
(2). راجع تفاسير مجمع البيان؛ والكبير؛ والقرطبي؛ والمراغي؛ وروح المعاني؛ وفي ظلال القرآن ذيل الآية مورد البحث.
(3). مقتبس من تفسير روح المعاني، ج 5، ص 68.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|