نبي الله سليمان عليه السلام طلب الدنيا وينسى الله في امنيته . |
9689
11:15 صباحاً
التاريخ: 11-12-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2014
8561
التاريخ: 24-09-2014
8382
التاريخ: 24-09-2014
7914
التاريخ: 24-09-2014
7461
|
هناك آية في القرآن الكريم وردت بحقّ هذا النبي العظيم، تبيّن أنّه قد طلب العفو من ربّه واستغفره على بعض الأعمال التي صدرت منه، (وأنّ اللَّه تعالى قد قبل توبته).
يقول القرآن حول هذا الموضوع : {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيَمانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ* قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَايَنْبَغِي لِاحَدٍ مِنْ بَعْدِى إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ* فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ ...}. (ص/ 34- 36)
و لنرى ما هو هذا الإختبار؟ ولمن يعود هذا الجسد الجامد الذي القي على كُرسيّه؟ فهذا ما لم يتعرّض القرآن لبيانه، لكن هناك تفاسير إسلامية تناولت هذه الحادثة، وروايات تعرضت لها، كما أنّ الرواة الذين وجدوا في هذا الموضوع أرضاً خصبة لهم فحاكوا حوله أساطير وهمية لا أساس لها، ونسبوا إلى هذا النبي العظيم ما لا يتناسب حتّى مع المنطق والعقل السليمين، فضلًا عن منزلة العصمة والنبوّة، ومن جملة ذلك اسطورة شنيعة وملفّقة تدّعي ضياع خاتم سليمان، واختطافه من قبل أحد الشياطين وجلوسه على عرش سليمان ثمّ استلامه للحكم، (وذلك لوجود علاقة بين الخاتم والحكومة والتسلّط على الإنس والجنّ طبقاً لهذه الاسطورة)، وهذه الاسطورة المذكورة في بعض الكتب بكلّ جدّية واعتقاد، والتي تبدو حسب الظاهر من خرافات الاسرائيليات الممتدّة جذورها إلى «التلمود» كتاب اليهود، (وهو عبارة عن مجموعة روايات في تفسير قوانين موسى)، والتي يصعب التفوّه بها أو نقلها لوقاحتها.
والذي يبدو صحيحاً من بين التفاسير والذي اشير إليه في الروايات الإسلامية، تفسيران :
الأوّل : أنّ سليمان عليه السلام كان يتمنّى أن يكون له أبناء شجعان وأكفاء ليديروا حكومته من بعده، ويعينوه في حياته على إدارة البلاد والنظام والجيش، ولذلك قال في إحدى الليالي : لقد صممت على مقاربة العديد من نسائي على أمل أن ارزق بأولاد أكفاء، لكنّه لم يقل : (إن شاء اللَّه)، فبسبب ترك الأولى هذا لم يرزق من زوجاته سوى طفل ناقص الخلقة كالجثّة الهامدة حيث ألقوه على كرسيّه.
جاء في حديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله : «والذي نفس محمّد بيده لو قال إن شاء اللَّه لجاهدوا في سبيل اللَّه فرساناً!» «1».
وهنا انتبه سليمان عليه السلام إلى أنّه ترك الأولى فتاب لذلك وعفى اللَّه تعالى عنه.
الثاني : أنّ المراد من جملة : {أَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً} هو أنّ سليمان قد مرض مرضاً شديداً حتّى عاد كالجثّة الهامدة فوق كرسيّه، فكان ذلك ابتلاءً إلهيّاً، ثمّ استعاد عافيته وشفى، وهو المراد من كلمة «أناب» في الآية.
طبقاً لهذا التفسير الوارد في تفاسير الكثير من أقطاب المفسّرين تكون جملة : {أَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً}، بمعنى : {القيناه على كرسيه جسداً} وهي خلاف ظاهر الآية بطبيعة الحال.
فضلًا عن عدم وضوح ما هو ترك الأولى الصادر من سليمان عليه السلام على أثر هذا المرض ليستغفر ربّه؟ إلّا أن يقال : إنّ الإنسان يرتكب تركاً للأولى في حالاته المختلفة بشكل عامّ وحال مرضه بشكل خاصّ، وأنّ سليمان قد استغفر ربّه لمثل هذه الحالات، لكنّ هذا الجواب مبهم وغير مقنع.
الموضوع الآخر الذي اثير حول هذا النبي العظيم، هو الجملة التي تلي نفس هذه الآية وهي قوله : {وَهَبْ لِى مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى}.
فهل يتلاءم، هذا الطلب مع الروح السامية والنظرة البعيدة والزهد المنقطع النظير الذي يتمتّع به الأنبياء المعصومون عليهم السلام؟ ألا يُشمُ من هذا الكلام رائحة البخل يا ترى؟
ورغم أنّ الحديث يدور هنا حول عصمة الأنبياء عليهم السلام، لكن على أيّة حال فالنقائص الأخلاقية الاخرى خصوصاً تلك التي تشمئزّ منها النفوس لا تتناسب مع درجاتهم ومنزلتهم الرفيعة.
وقد أجاب المرحوم السيّد المرتضى في «تنزيه الأنبياء» والمحقّق الطبرسي في «مجمع البيان» وباقي المفسّرين عن هذا السؤال في تفاسيرهم بأجوبة متعدّدة «2»، والأجوبة أدناه تعدّ أنسبها :
إنّ سليمان عليه السلام طلب من اللَّه تعالى أن تكون له معجزة خاصّة، كما أنّ لكلّ نبي معجزته الخاصّة، وكانت معجزته هي الحكم الذي لا مثيل له، الحكم على الإنس والجنّ وعلى الرياح والسحاب و ...، فوهبه اللَّه مثل هذه المعجزة، حكومة واسعة تتصف بالإعجاز في مختلف الجوانب، ومن البديهي أنّ طلباً كهذا لا يعدّ عيباً ونقصاً للنبي.
والجواب الآخر هو : إحساس سليمان بالإذن لمثل هذا الطلب عن طريق الوحي، أو بعبارة اخرى : أنّ اللَّه تعالى شاء أن يتجسّد شعاع من قدرته وحاكميته عن طريق أحد أنبيائه العظام، فوجد سبحانه سليمانَ صالحاً لهذا الغرض فأجازه لمثل هذا الطلب، فطلب سليمان بدوره تلك المعجزة، فوهبه اللَّه تلك الحكومة العجيبة التي لا مثيل لها، والتي لم ولن يكون لها نظيرٌ في العالم، ومن المسلّم أنّه حينما يجد اللَّهُ أحداً صالحاً لعمل ما، ويجيزه في ذلك، لا يبقى هناك أدنى مجال للشكّ والترديد والإشكال.
الدليل على هذا الكلام هو ما ورد عن سيرة سليمان من أنّه كان زاهداً جدّاً في حياته، كما نقرأ في حديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله أنّه قال حول هذا الموضوع : «كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحُوَّاري! «3» وكان لباسه الشَعر وكان إذا جنّه الليل شدّ يده إلى عنقه فلا يزال قائماً يصلّي حتّى الصباح!» «4».
وهناك تفسير لطيف حول هذا الموضوع في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وذلك حينما سئل عن تفسير الآية : {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى} قال عليه السلام : «الملك ملكان ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من قبل اللَّه تعالى، كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين، فقال سليمان (وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) أن يقول إنّه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، فسخّر اللَّه عزّوجلّ له الريح ... وسخّر اللَّه عزّوجلّ له الشياطين ... وعلّم منطق الطير، ومكّن في الأرض، فعلم الناسُ في وقته وبعده أنّ ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس، والمالكين بالغلبة والجور» «5».
والمراد من هذا الحديث هو أنّ سليمان عليه السلام لم يطلب حكماً محدوداً، بل حكماً لا مجال فيه للقيل والقال والإتّهام بالزور والظلم، ولذا فقد مزج اللَّه هذه الحكومة بالمعجزات العجيبة لإثبات كونها من عنده تعالى، لا من الناس ولا عن طريق الظلم والغلبة «6».
الجواب الثالث : ما أُثير حول مقام عصمة سليمان عليه السلام هو ما جاء في نفس الآيات السابقة حيث يقول تعالى : {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ* (الخيل الأصيلة)- فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّى (إنّي أحبّ هذه الجياد في سبيل اللَّه ومن أجل الجهاد، فبقي ينظر إليها ..) حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ* رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (يمسح عليها لأنّها لائقة للقتال)} (ص/ 31- 33).
طبقاً للمعنى المتقدّم الذي تبيّن من هذه الآيات، لا يبدو هناك أي إشكال في عمل سليمان عليه السلام هذا، فهو يعتدّ بقدرته العسكرية ويلتذّ بالتطلّع إلى الجياد المهيأة للجهاد، ويأمر بردّها عليه ثانية لاعتزازه بها، وهذه التصرّفات كلّها تبدو بشكل عام معقولة ومنطقية وإلهية.
لكن البعض فسّر هذه الآية بشكل آخر واعتبرها كبداية للإشكال على سليمان، وقال : إنّ الضمير في كلتا جملتي «توارت» و «ردوها» يعود إلى الشمس التي لم ترد في العبارة، والتي يمكن استنتاجها من التعبير ب «العشي» الوارد في الآية، وطبقاً لهذا التفسير فقد ذهل سليمان بالنظر إلى هذه الجياد، إلى أن غابت الشمس وتوارت وراء الحجب، فغضب لذلك كثيراً لفوات صلاة العصر عليه، وحينئذ طلب من الملائكة إعادة الشمس ثمّ توضّأ وصلّى، وأنّ جملة «فطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ» إشارة إلى وضوئه.
كما ذهب البعض إلى أبعد من هذا أيضاً، وقال : إنّ المراد من هذه الجملة هو : أنّه أعطى أمراً بقطع أعناق الجياد وقوائمها، باعتبارها السبب وراء غفلته عن ذكر اللَّه (العذر الذي هو أقبح من الفعل)، والقول : إنّه ذبحها ووزّع لحومها في سبيل اللَّه يبدو عجيباً أيضاً، لأنّ جياداً بتلك القيمة والخاصيّة التي تلفت نظره إليها حتّى يذهل لذلك لا ينبغي ذبحها كالأبقار والأغنام، إذ لو أراد إنفاقها لوجب إعطاؤها للآخرين وهي على قيد الحياة، ولا يخفى على أحد سقم هذه التفاسير، وذلك لأنّ :
1- لو كانت هذه الجملة {فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} إشارة إلى وضوئه، فليس لديه سوى رقبة واحدة، والتعبير ب «الأعناق» بصيغة الجمع مما يكون، كما أنّ لديه ساقَيْن، والتعبير ب (السوق) بصيغة الجمع يكون لا معنى له أيضاً، ومَن قالَ إنَّ الوضوء كانَ بالمَسْح؟ لا معنى له.
ولو كانت بمعنى قطع أعناق وقوائم الجياد، فهو عمل غير منطقي جدّاً، لا يقدم عليه حتّى الفرد العاقل العادي فكيف بنبي عظيم كسليمان عليه السلام، إذ لا ذنب لها، بل لو كان هناك ذنب فهو منه حينما انشغل بالنظر إليها.
أكثر ما يمكن أن يقال هنا هو أن يهبها للآخرين لتبقى بعيدة عنه ولا تشغله بنفسها، ولا داعي للقتل أبداً؟!
2- لم يرد في هذا الحوار كلام عن «الشمس»، والاستدلال عليها عن طريق «العشي» بعيد جدّاً، لأنّ أقرب ما يعود إليه الضمير هنا هو «الخير» الذي يعني هنا «الجياد» بكلّ تأكيد، كما لم يرد شيء عن الملائكة أيضاً ليكونوا من مخاطبي سليمان، فضلًا عن أنّ هذا التعبير الذي وجهه سليمان إلى الملائكة تشمّ منه رائحة صيغة الأمر، ويبدو مستبعداً جدّاً لعدم لياقته وشأن الملائكة.
3- لو قبلنا هذا التفسير على سبيل الفرض، لأمكن القول : إنّ الصلاة التي أدّاها قضاءً كانت صلاة مندوبة، قد فاتت سليمان وأنّها كانت قبل غروب الشمس، فكيف يثبت كونها صلاة واجبة؟ وأساساً كيف يثبت كون الفائت هي الصلاة؟! ربّما كانت أذكاراً خاصّة يؤدّيها سليمان قبل الغروب، وقال بعض المفسّرين أيضاً : إنّ «ذِكر رَبّي» لو كان يعني الصلاة الواجبة، وأنّ سليمان عليه السلام كان قد غفل عنها لانشغاله بالجياد استعداداً للجهاد، فلن يرد عليه إشكال أبداً، لأنّ نفس عمل سليمان هذا يعدّ عبادة عظيمة قد أغفلته عن عبادة اخرى.
لكن هذا التفسير أيضاً يبدو بعيداً، نظراً للأهميّة الخاصّة التي تتمتّع بها الصلاة، والصحيح هو ما قيل أوّلًا.
______________________________
(1) ذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه، كما ذكرته بعض التفاسير ومن جملتها روح البيان؛ وفي ظلال القرآن في ذيل الآيات مورد البحث.
(2) تنزيه الأنبياء، ص 97 و 98؛ تفسير مجمع البيان، ج 8، ص 476.
(3) الحواري (بالحاء المضمومة والواو المشدّدة) هو «الطحين الأبيض».
(4) سفينة البحار، مادّة (الزهد)، وتفاسير اخرى.
(5) تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 459، ح 56.
(6) وبناءً على هذا التفسير فهناك جملة مقدرة في الآية تقديرها : وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول ليس من عند اللَّه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|