أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-30
1315
التاريخ: 6-05-2015
2015
التاريخ: 13-10-2014
4626
التاريخ: 2024-09-15
292
|
القول في اعتبار تفسير القرآن بالقرآن ، يعد من الواضحات بعدما كان القرآن كتاب هداية ونور ورشاد وبيان ، وبعدما أمر الله مراراً بلزوم التدبر والتفكر في كتابه ، فقال تعالى : " {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29] ولكن مع هذا كله ، هناك شبهات وأوهام ، تمنع من تفسير القرآن بالقرآن ، وتسد باب العلم والبيان الحاصل من القرآن لمعرفة كتاب الله .
فنذكر بعض أدلتهم مع ذكر بعض أجوبتها ، تاركاً تفصيل ذلك ، فمن أراد الوقوف على معرفة جزئيات هذه المسألة ، فعليه الرجوع الى الكتب الأخرى في الباب .
1 – أحاديث الضرب
تمسك بعض العلماء بظواهر بعض الأحاديث ، لإثبات عدم حجية تفسير القرآن بالقرآن ، فمن تلك الأحاديث ، حديث الضرب ، الذي رواه الفريقان في كتبهم الروائية ، واليك نصه من السنة والشيعة .
في (الدر المنثور) : واخرج ابن سعد وابن الضريس في فضائله ، وابن مردويه ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خرج على قوم ، يتراجعون في القرآن ، وهو مغضب ، فقال : بهذا ضلت الأمم قبلكم باختلافهم على أنبيائهم ، وضرب الكتاب بعضه ببعض ، قال : وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ، ولكن نزل يصدق بعضه بعضاً ، فما عرفتم فاعلموا به ، وما تشابه عليكم فآمنوا به " .
واخرج أحمد من وجه آخر ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " سمع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قوماً يتدارسون ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا ، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضاً ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوا ، وما جهلتم فكلوه الى عالمه .
وفي تفسير العياشي ، عن معمر بن سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أبي عليه السلام : " ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر " (1).
وقد أجيب عن هذا الإشكال بأجوبة ، نذكر منها :
1- قول الفيض الكاشاني : لعل المراد بضرب بعضه ببعض : تأويل بعض متشابهاته الى بعض بمقتضى الهوى ، من دون سماع من أهله ، أو نور وهدى من الله (2).
2- قول الفيض الكاشاني ايضا : ولا يخفى ان هذه الأخبار تناقض بظواهرها ما مضى في المقدمة الأولى من الأمر بالاعتصام بحبل القرآن ، والتماس غرائبه ، وطلب عجائبه ، والتعمق في بطونه ، والتفكر في تخومه ، وجولان البصر فيه ، وتبليغ النظر الى معانيه ، فلا بد من التوفيق والجمع (3).
3- قول الطباطبائي في الميزان : والروايات – كما ترى – تعد ضرب القرآن بعضه ببعض مقابلاً لتصديق بعض القرآن بعضاً ، وهو الخلط بين الآيات من حيث مقامات معانيها ، والإخلال بترتيب مقاصدها ، كأخذ المحكم متشابهاً ، والمتشابه محكماً ، ونحو ذلك (4).
4- قول : الروايات التي تدل على أن القرآن يفسر بعضه بعضاً كما يصدق بعضه بعضاً ، تدل بالصراحة على جواز تفسير القرآن بالقرآن ، ولكن الروايات التي تدل على حرمة ضرب القرآن بعضه ببعض ، لا تدل على عدم جواز تفسير القرآن بالقرآن ، ولا نصاً ولا ظاهراً ، فتبقى روايات الجواز بلا معارض من ناحية روايات الضرب .
5- إضافة الى ما مر من الجواب في روايات الضرب في المقام ن فإن عمل الرسول والائمة و أصحابه ، في تفسير القرآن بالقرآن ، لدليل مقنع على صحة هذا المنهج ، ولزوم توجيه روايات الضرب الى معنى آخر غير تفسير القرآن بالقرآن ؛ إذ عملهم صريح في الجواز ، وروايات الضرب ليست صريحة في المنع ، فما هو الصريح يعمل به قطعاً .
6- الظاهر من بعض روايات الضرب : أنه كان قوم يفتشون في القرآن ؛ لكي يجدوا التعارض والتناقض بين الآيات ، فكانوا يضربون بعض الآيات ببعض آخر لهذا الغرض ، فجاءت هذه الروايات تمنع التعارض والتناقض ، وتؤكد التلاؤم والتناسب بين الآيات ، وأن بعضها يصدق البعض الآخر ، ولم ينزل القرآن لكي يكذب بعضه بعضاً كما يتوهمه القوم ، وجملة " إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً " تشهد على هذا المدعى .
2- تفسير القرآن بالقرآن لا يحل مشكلة الإشكال والإجمال
قال الراغب : أعترض بعض الناس فقال : كيف وصف القرآن بالبيان فقال تعالى : {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ } [آل عمران : 138] وقال : {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} [النور : 34] وقد علم ما فيه من الإشكال والمتشابه ، وما يجري مجرى الرموز ، نحو قوله تعالى : {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة : 102] وقوله تعالى {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } [الأنبياء : 96] ، وقد وصفه تعالى بالمتشابه ، وبأنه لا يعلم تأويله إلا هو ؟و وقد أجاب الراغب نفسه عن الإشكال فقال : إن البيان الشروط فيه ، إنما هو بالإضافة الى أعيان أهل الكتاب ، لا الى كل من يسمعه ممن دب ودرج ، فقد علمنا إن ذلك ليس بيان لمن ليس من اهل العربية ، ثم أحوال أهل العربية مختلفة في معرفته ، ولو كان البيان لا يكون بياناً حتى يعرفه العامة ، لأذى الى ان يكون [البيان] في الكلام السوقي والعامي ، أو الى أن لا يكون بياناً بوجه ، إذ كل كلام بالإضافة الى قوم بيان ، وبالإضافة الى آخرين ليس ببيان (5).
3- شبهة تحريف القرآن
من الأدلة على عدم حجية تفسير القرآن بالقرآن : عدم حجية ظواهر القرآن ، من زاوية تحريف القرآن بالنقيصة . ومع تحكم هذه الشبهة لا يبقى مجال لاعتما ظواهر القرآن ، ومن ثمة تفسير القرآن بالقرآن ؛ إذ يمكن أن ما نقص منه كان مخصصاً ، او مقيداً ، او ناسخاً ، فمع هذا الاحتمال ، لا مجال للاستدلال بظواهر القرآن (6).
والجواب : شبهة التحريف من الشبه التي لا تستحق أن يطال فيها الحديث ؛ لكونها شبهة في مقابل البديهة والدليل على بطلان هذه الشبهة من المدرستين مذكور في الكتب (7).
______________________
1- تفسير العياشي 1 : 30 ، كراهية الجدال في القرآن ، ح1 .
2- تفسير الصافي 1 : 71 ، المقدمة الخامسة .
3- المصدر السابق .
4- الميزان في تفسير القرآن 3 : 83 ، ذيل الآية 9 من سورة آل عمران .
5- جامع التفاسير 3 : 45-46 .
6- والروايات الدالة بظاهرها على هذه النقيصة ، موجودة في كتب أهل السنة والامامية ، كما يلي :
في فضائل القرآن لابن سلام : عن ابن عمر ، قال : " لا يقولون احدكم : قد أخذت القرآن كله ، وما يدرك ما كله ، قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت منه ما ظهر منه " فضائل القرآن لابن سلام : 190 الباب 51 ، ح1-51.
وفيه ايضا عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : " كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى الله عليه واله وسلم مأتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف ، لم يقدر منها إلا على ما هو الآن" فضائل القرآن لابن سلام : 190 الباب 51 ، ح2-51.
في تفسير الصافي : عن البزنطي : قال " دفع الي ابو الحسين عليه السلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه {لم يكن الذين كفروا } فوجدت فيه اسم سبيعين رجلاً من قريش بأسمائهم واسماء آبائهم ، قال : فعبث الي : ابعث الي بالمصحف " تفسير الصافي 1 : 76 ، المقدمة السادسة .
وفيه ايضا 1 : 77 عن ابي عبد الله عليه السلام : "إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة ، ولم يزد فيه إلا حروف قد أخطأ بها الكتبة وتوهمتها الرجال " .
7- قال القرطبي : لا خلاف بين الأمة ولا بين أئمة اهل السنة ، أن القرآن اسم لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد معجزة له – على نحو ما تقدم – وأنه محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة ، مكتوب في المصاحف ، معلومة على الإضطرار سوره وآياته ، مبرأة من الزيادة والنقضان حروفه وكلماته (الجامع لأحكام القرآن 1 : 80).
والزرقاني يبطل شبهة التحريف ايضا بما ملخصه :
ان الصحابة كانوا أحرص الناس على الاحتياط للقرآن ، وكانوا أيقظ الخلق في حراسة القرآن ، ولهذا لم يعتبروا من القرآن إلا ما ثبت بالتواتر .
والرسول صلى الله عليه و اله وسلم كان يرشد كتاب الوحي ان يضعوا آية كذا في مكان كذا من سورة كذا ، وكان يقرؤها أصحابه كذلك ، ويحفظها الجميع ، ويكتبها من شاء منهم لنفسه على هذا النحو ، حتى صار ترتيب القرآن وضبط آياته معروفاً (راجع : مناهل العرفان : للزرقاني 1 : 270 و 272).
يقول الأستاذ معرفة في دفع هذا الشبهة ما ملخصه : وأما ما أستند إليه الشرذمة الاخبارية ، ويترأسهم السيد نعمة الله الجزائري ، وسار على أثره الشيخ ميرزا حسين النوري ، في تهريج عارم ، فهي روايات شاذة أكثرها مراسيل واخرى مجاهيل او ضعاف ، ليس لها أصل متين ولا قرار مكين ، على ما فصلنا الكلام فيها في كتابنا (صيانة القرآن من التحريف ).
ومن أهم ما استند اليه الجزائري : رواية مرسلة لا إسناد لها ، ومثله النوري في كتابه (فصل الخطاب) اعتمد روايات لا قيمة لها ، وكانت المسانيد منها قابلة للتأويل الوجيه ، حسبما فصلنا الكلام عليها ، ومن تلك الروايات – ولعله من أهمها لدى الشيخ النوري – ما ذكره صاحب كتاب (دبستان المذاهب) من سروة الولاية المفتعلة ، وفيها ركة ونفارة ، يرفضها الذوق السليم (راجع : التفسير الأثري الجامع 1 : 94 و 95).
أقول : وهناك أجوبة أخرى أذكر بعضها باختصارٍ :
1- وجود الاختلاف والتعارض الشديد في روايات التحريف ، ينبئ عن ضعفها وعدم إمكان الاعتماد عليها .
2- هذه الروايات القليلة لا تقدر ان نقاوم الروايات المتواترة الدالة على حفظ القرآن من الزيادة والنقصان .
3- إذا كان بعض الآيات المحذوفة ينفع علياً عليه السلام ويعين خلافته من دون فصل ، فلماذا لم يرجعها وقت خلافته ؟ مع أن حفظ القرآن ورفع التحريف من أوجب الواجبات .
4- الأخبار الدالة على لزوم مراجعة القرآن وضرب ما خالف كتاب الله عرض الجدار ، تدل ايضاً على حفظ القرآن وعدم تحريفه ، كما تدل ايضاً على حجية القرآن واعتبار ظواهره .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|