أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2020
1839
التاريخ: 2023-02-09
1955
التاريخ: 2024-10-29
176
التاريخ: 10-10-2014
1246
|
لم تظهر في الآيات المختلفة للقرآن التي وردت في حق السيد المسيح حتى الحد الأدنى من ترك الأولى ، وقد وصفت الآيات التي وردت في شأن أمه مريم قداستها في أجلى صورها ، بحيث إنّها ذعرت بشدة والتجأت إلى اللَّه حينما شاهدت ملك الوحي الذي جاءها من قبل اللَّه ليهبها ولداً ، (لأنّه ظهر أمامها على هيئة شاب جميل مجهول) حتى أنّها لما قاست من آلام وضع الحمل ، وجسدت في مخيلتها مستقبل حياتها ، بأنّ من الممكن أن ينسب لها الأعداء والبسطاء النسب القبيحة؛ قالت : {يَالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَّنْسِيّاً}. (مريم/ 23)
غير أنّ نبيّاً بهذه القداسة بحيث ينطلق لسانه بأمر من اللَّه في المهد ، ويبرهن عملياً على طهارة امه ، ويتحدث عن الصلاة والزكاة ، وكل مظهر من مظاهر التقوى من تلك اللحظة ، مثل هذا النبي يرد وصفه في بعض الأناجيل بأوصاف تبعث كلّ قارىء على الدهشة والاستغراب.
والآن لنستمع وننظر إلى ما بينه «انجيل لوقا» عن حكاية المرأة السيئة الصيت التي جاءت إلى المسيح عليه السلام وتابت : «ودعا أحد الفريسيين (إحدى فرق اليهود ، والفريس بمعنى المُعتزل) إلى الطعام عنده فدخل بيت الفريسي وجلس إلى المائدة وكان في المدينة امرأة خاطئة فعلمت أن يسوع يأكل في بيت الفريسي وجاءت ومعها قارورة طيب ، ووقفت من خلف عند قدميه وهي تبكي واخذت تبل قدميه بدموعها وتمسحهما بشعرها ، وتقبلهما وتدهنهما بالطيب فلما رأى الفريسي صاحب الدعوة ما جرى ، قال في نفسه : «لو كان هذا الرجل نبيّاً لعرف من هي هذه المرأة التي تلمسه وما حالها فهي خاطئة!» فقال له يسوع :
«يا شمعون ، عندي ما أقول لك» ، فقال شمعون : «قل يا معلم» ، فقال يسوع : «كان لمدين دين على رجلين : خمسمئة دينار على أحدهما وخمسون على الآخر وعجز الرجلان عن ايفائه دينه ، فاعفاهما منه فأيّهما يكون أكثر حبّاً له؟».
فأجابه شمعون : «أظن الذي أعفاه من الأكثر» فقال له يسوع : «أصبت» والتفت إلى المرأة وقال لشمعون (1) : «أترى هذه المرأة؟ أنا دخلت بيتك فما سكبت على قدميَّ ماء ، وأمّا هي فغسلتهما بدموعها ومسحتهما بشعرها ، أنت ما قبلتني قبلة ، وأمّا هي فما توقفت منذ دخولي عن تقبيل قدميَّ ، أنت ما دهنت رأسي بزيت ، وأمّا هي فبالطيب دهنت قدميَّ ، لذلك أقول : غفرت لها خطاياها الكثيرة لأنّها أحبتني كثيراً ، وأمّا الذي يغفر له القليل فهو يحب قليلًا» ثم قال للمرأة : «مغفورة لك خطاياك!» فأخذ الذين معه على المائدة يتساءلون ، من هذه حتى يغفر خطاياها» (2).
ملخص هذه الحكاية أنّ السيد المسيح ينزل في بيت لأحد الفريسيين وهم كانوا طائفة من اليهود ، ولا يبدي له صاحب البيت احتراما بالغاً ، وما أن اطّلعت المرأة العاهرة والمنحرفة (3) التي تسكن ذلك البلد على حضوره حتى توجهت إلى بيت اليهودي وكانت العادة الجارية في ذلك العصر على غسل رجل الضيف اكراماً له ، وطلي شعره بالدهن أحياناً لأنّ الناس كانوا يمشون حفاة غالباً ، ونظراً لعدم امتلاكهم وسيلة للتغطية والحفظ في الأسفار كانت شعور وقشور أبدانهم تصاب بالجفاف على أثر هبوب الرياح.
ووفقا لهذه الحكاية المفتعلة قامت المرأة العاهرة بغسل رجلي المسيح عليه السلام بدموعها عوضاً عن الماء ، وجففتهما بشعرها الطويل عوضاً عن المنشفة ، وقبّلتهما بشفتيها بحرارة ، بحيث أدّى هذا المشهد المثير إلى استياء الرجل اليهودي صاحب البيت وقلقه ، وقال في نفسه إن كان هذا نبياً وواقفاً على سيرة هذه المرأة لصدها عن هذا العمل على الأقل ، المسيح بفراسته علم بذلك ، وأقنعه بذلك من خلال المثال الذي ضربه في صدد الشخصين المديونين وأعرب له : إنني كنت ضيفك إلّا أنّك لم تقم بما قامت به المرأة المنحرفة من حسن الضيافة ، فأنت لم تغسل رجليَّ بالماء وهي غسلته بدموع عينيها وأنت لم تقبلني وهي قبلت رجليَّ بلا انقطاع ، ولم تدلك رأسي بالدهن وهي دلكت رجلي بالعطر.
والآن لنبدأ قليلًا بتحليل هذه القصة ، لنرى هل من المناسب لهذا النبي العظيم وحتى لمؤمن عادي أن يضع نفسه تحت تصرف امرأة عاهرة كي تعامله بمثل هذه المعاملة.
أولًا : إنّ السيد المسيح عليه السلام كان شاباً يناهز عمره الثلاثين عاماً في ذلك العصر ، ولابدّ أن تكون تلك المرأة العاهرة شابة وجميلة أيضاً ، ولا يعقل أن تكون قبيحة المنظر منهوكة القوى في الأعم الأغلب فكيف يتأتى لنبي عظيم بعث لتهذيب الأخلاق ونشر مظاهر التقوى أن يسمح لامرأة فاجرة بأن تتمسّح برجليه مرات متعددة ثم تغسهما بدموع عينيها وتجففهما بشعرها الناعم وتدهنهما بيديها الظريفتين وتطبع عليهما قبلات حارة ، فهل يُعقل هذا؟
وعلى فرض أنّها أرادت التوبة من وراء ذلك فإنّ للتوبة حدوداً وقيوداً أيضاً ، وهل سبق لأحد إلى يومنا هذا أن يتعامل مع أحد الروحانيين أو الرهبان العاديين بمثل هذه المعاملة ، حتى تصل إلى نبي من أنبياء اللَّه؟
وعلى كل حال فالآثار الخرافية لهذه الرواية ظاهرة من بين ثناياها بصورة كاملة ، فضلًا عن أنّ ما ذكره السيد المسيح عليه السلام من المثال لا يعتبر جواباً عن استفسار اليهودي على الاطلاق.
فإشكال اليهودي لم يقع على عظم محبّة هذه المرأة حتى يأتي الجواب على أنّ عظم محبتها وشدّة تعلقها ناتج عن كثرة ذنوبها ، وإنّما وقع للاستفسار عن السبب في سماح نبي من أنبياء اللَّه بأنّ تمسح أمراه عاهرة وسيئة السمعة برجليه إلى هذه الدرجة ثم تغسلهما بدموع عينيها ، وتجففهما بشعرها ، وتدلكه بالعطر والدهن ، فمما لا شك فيه أنّ كثرة الذنوب وقلتها لا صلة له بهذا العمل من قريب أو بعيد.
وعليه فما جاء في تواريخ القرآن من وقائع وحوادث عن السيد المسيح عليه السلام تنزهه وتبرء ساحته من مثل هذه النسب السيئة.
______________________
(1) شمعون في الأصل بمعنى السامع ، وقد اشير إلى اسماء 10 أشخاص في الكتاب المقدس للمسيح طبقاً لما قاله مؤلف كتاب (قاموس الكتاب المقدس) ، وكان أحدهم شمعون الفريسي.
(2) انجيل لوقا ، باب يسوع يغفر لامرأة خاطئة ، ص 183.
(3) هذه المرأة هي مريم مجدليته كانت عاهرة ومتمولة ، فأعلنت عن توبتها على يد السيد المسيح عليه السلام طبقاً لما جاء في انجيل لوقا في الباب الثامن.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|