أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2017
![]()
التاريخ: 2023-12-10
![]()
التاريخ: 4-9-2016
![]()
التاريخ: 10-8-2017
![]() |
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان بلا خلاف بين الأمة ، وإنما الخلاف في أنّهما هل يجبان عقلا أو سمعا؟ فقال الجمهور من المتكلمين والمحصّلين من الفقهاء : إنّهما يجبان سمعا ، وأنّه ليس في العقل ما يدلّ على وجوبهما ، وانّما علمناه بدليل الإجماع من الأمة ، وبآي من القرآن (1) والأخبار المتواترة (2).
فأمّا ما يقع منه على وجه المدافعة ، فإنّه يعلم وجوبه عقلا لما علمناه بالعقل ، من وجوب دفع المضار عن النفس ، وذلك لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف فيما عداه ، وهذا هو الذي يقوى في نفسي ، والذي يدلّ عليه ، هو أنّه لو وجبا عقلا ، لكان في العقل دليل على وجوبهما ، وقد سبرنا أدلة العقل ، فلم نجد فيها ما يدل على وجوبهما ، ولا يمكن العلم الضروري في ذلك ، لوجود الخلاف فيه ، وهذا القول خيرة السيد المرتضى.
وقال قوم : طريق وجوبهما العقل ، وإلى هذا المذهب يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في كتابه الاقتصاد (3) بعد أن قوّى الأوّل ، واستدل على صحته بأدلة العقول ، ثم قال رحمه الله : ويقوى في نفسي أنّه يجب عقلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : لما فيه من اللطف ، ولا يكفي فيه العلم باستحقاق الثواب والعقاب ، قال : لأنّا متى قلنا ذلك ، لزمنا أنّ الإمامة ليست واجبة ، بأن يقال يكفى العلم باستحقاق الثواب والعقاب ، وما زاد عليه في حكم الندب ، وليس بواجب ، قال رحمه الله : فالأليق بذلك أنّه واجب.
ثمّ قال رحمه الله : واختلفوا في كيفيّة وجوبهما ، فقال الأكثر : إنّهما من فروض الكفاية إذا قام به البعض ، سقط عن الباقين ، وقال قوم : هما من فروض الأعيان ، ثم قال رحمه الله : وهو الأقوى عندي ، لعموم أي القرآن والأخبار.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : والأظهر بين أصحابنا ، أنّهما من فروض الكفاية ، إذا قام به البعض ، سقط عن الباقين ، وهو اختيار السيد المرتضى.
والأمر بالمعروف على ضربين ، واجب وندب ، فالأمر بالواجب منه واجب ، والأمر بالمندوب مندوب ، لأنّ الأمر به ، لا يزيد على المأمور به نفسه ، والنهي عن المنكر لا ينقسم ، بل كلّه قبيح ، فالنهي عنه كلّه واجب.
والنهي عن المنكر له شروط ستة ، أحدها أن يعلمه منكرا ، وثانيها أن يكون هناك أمارة الاستمرار عليه ، وثالثها أن يظن أن إنكاره يؤثر أو يجوّزه ، ورابعها أن لا يخاف على نفسه ، وخامسها أن لا يخاف على ماله ، وسادسها أن لا يكون فيه مفسدة ، وإن اقتصرت على أربعة شروط كان كافيا ، لأنّك إذا قلت : لا يكون فيه مفسدة ، دخل فيه الخوف على النفس والمال ، لأنّ ذلك كلّه مفسدة.
والغرص بإنكار المنكر ، أن لا يقع ، فإذا أثّر القول والوعظ في ارتفاعه ، اقتصر عليه ، ولا يجوز حينئذ باليد ، وإن لم يؤثر وجب باليد ، بأن يمتنع منه ، ويدفع عنه ، وإن أدّى ذلك إلى إيلام المنكر عليه ، والإضرار به ، وإتلاف نفسه بعد أن يكون القصد ارتفاع المنكر ، وأن لا يقع من فاعله ، ولا يقصد إيقاع الضرر به.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في كتابه الاقتصاد : غير أنّ ظاهر مذهب شيوخنا الإماميّة ، أنّ هذا الجنس من الإنكار ، لا يكون إلا للإمام ، أو لمن يأذن له الإمام فيه. ثم قال رحمه الله : وكان المرتضى رحمه الله يخالف في ذلك ، ويقول : يجوز فعل ذلك بغير إذنه ، لأنّ ما يفعل بإذنهم يكون مقصودا ، وهذا بخلاف ذلك ، لأنّه غير مقصود ، وإنّما قصده المدافعة والممانعة ، فإن وقع ضرر فهو غير مقصود (4)، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي في الاقتصاد.
وما ذهب السيد المرتضى رضي الله عنه إليه ، هو الأقوى ، وبه أفتي ، وقد رجع شيخنا أبو جعفر الطوسي ، إلى قول المرتضى في كتاب التبيان (5) ، وقوّاه ، ونصره ، وضعّف ما عداه ، وإلى ما ذهب في الاقتصاد ذهب في النهاية : فقال في نهايته : وقد يجب إنكار المنكر بضرب من الفعل ، وهو أن يهجر فاعله ، ويعرض عنه ، وعن تعظيمه ، ويفعل معه من الاستخفاف ما يرتدع معه من المناكير ، فإن خاف الفاعل للإنكار باللسان ضررا ، اقتصر على الإنكار بالقلب ، حسب ما قدّمناه في المعروف سواء (6).
وأمّا إقامة الحدود ، فليس يجوز لأحد إقامتها إلا لسلطان الزمان ، المنصوب من قبل الله تعالى ، أو من نصبه الإمام لإقامتها ، ولا يجوز لأحد سواهما إقامتها على حال ، وقد رخّص في حال قصور أيدي أئمة الحق ، وتغلب الظالمين ، أن يقيم الإنسان الحد على ولده ، وأهله ، ومماليكه ، إذا لم يخف في ذلك ضررا من الظالمين ، وأمن بوائقهم.
قال محمّد بن إدريس ، مصنف هذا الكتاب : والأقوى عندي ، أنّه لا يجوز له أن يقيم الحدود إلا على عبده فحسب ، دون ما عداه من الأهل ، والقرابات ، لما قد ورد في العبد من الأخبار (7) واستفاض به النقل بين الخاص والعام.
وقد روي أنّ من استخلفه سلطان ظالم على قوم ، وجعل إليه إقامة الحدود ، جاز له أن يقيمها عليهم على الكمال ويعتقد أنه انّما يفعل ذلك بإذن سلطان الحق لا بإذن سلطان الجور ، ويجب على المؤمنين معونته ، وتمكينه من ذلك ، ما لم يتعدّ الحقّ في ذلك ، وما هو مشروع في شريعة الإسلام ، فإن تعدّى ما جعل إليه الحقّ ، لم يجز له القيام به ، ولا لأحد معاونته على ذلك.
والأولى في الديانة ترك العمل بهذه الرواية ، بل الواجب ذلك.
قال محمد بن إدريس رحمه الله مصنف هذا الكتاب : والرواية أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (8) ، وقد اعتذرنا له فيما يورده في هذا الكتاب ، أعني النهاية ، في عدّة مواضع ، وقلنا أنّه يورده إيرادا ، من طريق الخبر ، لا اعتقادا من جهة الفتيا والنظر ، لأنّ الإجماع حاصل منعقد من أصحابنا ، ومن المسلمين جميعا ، أنّه لا يجوز إقامة الحدود ، ولا المخاطب بها إلا الأئمة ، والحكّام القائمون بإذنهم في ذلك ، فأمّا غيرهم فلا يجوز له التعرض بها على حال ، ولا يرجع عن هذا الإجماع ، بأخبار الآحاد ، بل بإجماع مثله ، أو كتاب الله تعالى ، أو سنة متواترة مقطوع بها.
فإن خاف الإنسان على نفسه من ترك إقامتها ، فإنّه يجوز له أن يفعل في حال التقيّة ما لم يبلغ قتل النفوس فلا يجوز فيه التقيّة ، عند أصحابنا بلا خلاف بينهم.
وأمّا الحكم بين الناس والقضاء بين المختلفين ، فلا يجوز أيضا إلا لمن أذن له سلطان الحقّ في ذلك ، وقد فوضوا ذلك إلى فقهاء شيعتهم ، المأمونين المحصّلين الباحثين عن مآخذ الشريعة ، الديانين القيمين بذلك ، في حال لا يتمكنون فيه من توليته بنفوسهم ، فمن تمكن من إنفاذ حكم وهو من أهله ، أو إصلاح بين الناس ، أو فصل بين المختلفين ، فليفعل ذلك ، وله به الأجر والثواب ، ما لم يخف في ذلك على نفسه ، ولا على أحد من أهل الإيمان ، ويأمن الضرر فيه ، فإن خاف شيئا من ذلك ، لم يجز له التعرّض له على حال.
ومن دعا غيره إلى فقيه من فقهاء أهل الحقّ ، ليفصل بينهما ، فلم يجبه ، وآثر المضي إلى المتولّي من قبل الظالمين ، كان في ذلك متعديا للحقّ ، مرتكبا للآثام ، مخالفا للإمام ، مرتكبا للسيئات العظام.
ولا يجوز لمن يتولّى الفصل بين المختلفين ، والقضاء بينهم ، أن يحكم إلا بموجب الحق ، ولا يجوز له أن يحكم بمذهب أهل الخلاف ، فإن كان قد تولى الحكم من قبل الظالمين بغير اختياره ، فليجتهد أيضا في تنفيذ الأحكام ، على ما يقتضيه شريعة الإسلام ، فإن اضطر إلى تنفيذ حكم على مذهب أهل الخلاف ، بالخوف على النفس ، أو الأهل ، أو المؤمنين ، أو على أموالهم ، جاز له تنفيذ الحكم ، ما لم يبلغ ذلك قتل النفوس ، فإنّه لا تقيّة له في قتل النفوس ، حسب ما أسلفنا القول في معناه.
ويجوز لأهل الحق ، أن يجمعوا بالناس ، الصلوات كلّها ، وقد روي صلاة الجمعة والعيدين ، ويخطبوا الخطبتين ، ويصلّوا بهم صلاة الكسوف ، ما لم يخافوا في ذلك ضررا ، فان خافوا في ذلك الضرر ، لم يجز لهم التعرض (9) على حال ، وقد قلنا ما عندنا في صلاة الجمعة جمعة ، وانّ ذلك لا يجوز في حال استتار الإمام ، لأنّ الجمعة لا تنعقد ، ولا تصح إلا بالإمام ، أو بإذن من جهته ، وتوليته لذلك ، فإذا فقدنا ذلك ، صليناها ظهرا أربع ركعات ، وأشبعنا القول فيه في كتاب الصلاة ، وحررناه.
وقد ذكر سلار في رسالته ، في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال:
ولفقهاء الطائفة ، أن يصلوا بالناس في الأعياد ، والاستسقاء ، فأمّا الجمع فلا (10) هذا آخر كلامه وهو الأظهر.
ومن لا يحسن القضايا والأحكام في إقامة الحدود وغيرها ، لا يجوز له التعرض لذلك على حال ، فإن تعرض له كان مأثوما معاقبا ، فإن أكره على تولّي ذلك ، واضطرته تقية ، لم يكن عليه في ذلك شيء ، ويجتهد لنفسه من الأباطيل بكلّ ما يقدر عليه.
ولا يجوز لأحد أن يختار النظر من قبل الظالمين ، إلا في حال يقطع ويعلم أنه لا يتعدى الواجب ، ويتمكن من وضع الأشياء مواضعها ، ومن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فإن علم أنّه يخل بواجب ، أو يركب قبيحا ، أو غلب على ظنّه ذلك ، فلا يجوز له التعرض له بحال من الأحوال مع الاختيار ، فإن أكره على الدخول فيه ، واضطرته التقية ، جاز له حينئذ ذلك ، وليجتهد ويتحرز لنفسه حسب ما قدمناه.
______________________
(1) آل عمران : 104 ، 110 ، 114 والأعراف : 157 والتوبة : 71 ، 112 والحج : 41 وغيرها توجد في مظانها.
(2) الوسائل : كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الباب 1.
(3) الاقتصاد : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(4) الاقتصاد : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(5) التبيان : ج 2 في ذيل الآية 104 ـ 114 من سورة آل عمران.
(6) النهاية : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(7) الوسائل : كتاب الحدود والتعزيرات الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود.
(8) النهاية : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
(9) النهاية : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(10) المراسم : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|