أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-27
![]()
التاريخ: 2024-04-26
![]()
التاريخ: 2024-05-18
![]()
التاريخ: 2024-07-22
![]() |
ذكرنا فيما سبق أننا لا نعلم شيئًا عن كيفية غزو الملك «كشتا» لبلاد مصر العليا إذا كان هو الذي فتحها، كما لا نعلم أية حروب قام بها، ولكن من جهة أخرى قد ترك لنا خلفه «بيعنخي» ابنه العظيم لوحة عثر عليها في معبد جبل «برقل»، وقد حفر متن هذه اللوحة التي تصف لنا غزوه لمصر السفلى والوسطى بالخط الهيروغليفي، وقد غطيت اللوحة بالنقوش من جوانبها الأربعة، وهي من الجرانيت الرمادي، وجزؤها الأعلى مستدير، ويبلغ ارتفاعها ثمانين ومائة سنتيمتر، وعرضها أربعة وثمانين ومائة سنتيمتر، وسمكها ثلاثة وأربعين سنتيمتر، وتزن اللوحة طنين وربع الطن، وقد كشف عن هذه اللوحة من أربع لوحات أخرى بطريق الصدفة المحضة عام 1862م على يد ضابط مصري كان يعمل في الجيش المصري بالسودان المصري في عهد «سعيد باشا» الذي يعد المؤسس لمتحف «بولاق» الخاص بالآثار المصرية، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن اسم الضابط الذي كشف عن هذا الكنز التاريخي لم نعرفه بعد، وتاريخ العثور على هذه اللوحات على حسب ما جاء في مذكرات الأثري «مريت» نقلًا عن «مسبرو» طريف في بابه، ويتلخص في أن هذا الضابط المصري كان على ما يظن منحدرًا في النيل بسفينته، وفي خلال ذلك وجد نفسه مضطرًّا إلى تمضية بضعة أيام في إحدى القرى الواقعة بالقرب من جبل «برقل» وهو جبل شامخ الذرى جميل المنظر يبلغ ارتفاعه حوالي 301 من الأقدام، ويقع على الشاطئ الشرقي للنيل على مسافة بضعة أميال من «كاسنجار» الواقعة بدورها في سفح صخور الشلال الرابع، ويقابل هذا الجبل على الشاطئ الغربي للنيل بلدة «نبت» النوبية الشهيرة وهي «نباتا» التي جاء ذكرها في المتون المصرية القديمة.
وعندما كانت قوة الحدود المصرية الإنجليزية تقيم مساكن لها بالقرب من «صنم أبو دوم» سنة 1897 عُثر في أثناء حفر الأسس على خرائب معابد ومبانٍ أخرى على عمق ست أقدام تحت الرمال، ويقع عند سفح الجبل من النهاية الشرقية سهل شاسع أقام عليه ملوك، يُحتمل أن أولهم هو «بيعنخي»، معابد بالحجر كما أقاموا على ربوة بالقرب من ذلك عدة أهرام برهنت أعمال الحفر على أنها لملوك، وهذه المعابد قد خربت منذ أزمان بعيدة تخريبًا تامًّا، كما دلت على ذلك أعمال الحفر التي قام بها «ريزنر» في هذه الجهة، ويظهر أن المعابد التي كانت قد أقيمت قريبًا من سفح الجبل قد خربت جزئيًّا أو كليًّا على حسب الأحوال بقطع الصخر الضخمة التي انفصلت من الجبل وسقطت على سقف المعابد، أما التي بنيت في السهل نفسه فكانت مبنية بناء واهنًا حتى إن بعضها أصبح خرابًا بعد إقامته بزمن يسير.
ويقول الأثري «بدج» أنه عندما كان يحفر في هذه الجهة في شتاء عام 1897-1898م، كان الموقع يشبه حظيرة أحجار نصفها مدفون في الرمل ونصفها الآخر بارز للعيان(1)، وقد كان ظاهرًا منها أجزاء من أعمدة وأحجار من رقعة المعبد وكرانيش، وكان بعضها منقوشًا، وهذه الأحجار كانت مبعثرة بعضها فوق بعض يستعملها الأهالي بطبيعة الحال في مبانيهم، فنجد أنه في أعلى النهر وفي أسفله من هذه البقعة لمسافة كانت صواديد السواقي مقامة من هذه الأحجار، هذا إلى عدد كبير من أحجار الطواحين التي قطعت كذلك من أحجار هذه المعابد، يضاف إلى ذلك أحجار المقابر الإسلامية في هذه الجهة فإنها كانت تسلب من خرائب هذه الآثار، على أن هذا التخريب الشامل للآثار لم يقف عند هذا الحد حتى في عهد الاحتلال الإنجليزي للسودان المصري عام 1898م، كما كان المنتظر من الحكام المفروض فيهم أن يحافظوا على حرمة الآثار ويقدروها، فقد ذكر الأثري «بدج» أن الآثار التي شاهدها في بلدة «دلقو» وغيرها في هذه السنة كانت قد اختفت كلية عام 1905، وفي عامي 1903 و1904 نعلم أن عددًا من البيوت قد أقيمت بأحجار انتزعت من جدران معبد «صلب» الذي أقامه «أمنحتب الثالث» وأن العمد التي كانت لا تزال قائمة في بلدة «العمارة» التي رآها «بدج» عام 1905 قد اختفت بعد ذلك.
نعود بعد هذه اللمحة عن الآثار وتخريبها في تلك الفترة إلى الضابط المصري الذي كان قد اضطر إلى المكث بضعة أيام لسبب ما عند جبل «برقل»، فيحدثنا «مسبرو» أن هذا الضابط كان قد ذهب لزيارة بعض الآثار، وأنه في بعض جزء من المعبد «ولا بد أنه يقصد معبد الملك تهرقا» لم يحدده بدقة رأي عدة لوحات ذات نهاية مستديرة وعليها طغراءات، وليس في مقدورنا الإدلاء بالسبب الذي من أجله أخطأ الزائرون الذين سبقوا هذا الضابط رؤية هذه اللوحات؛ إذ لم نجد لها ذكرًا فيما كتبه «كاييو» Caillaud وهسكنز Hoskins كما لم يذكرها «لبسيوس» الذي لا شك في أنه فحص عن هذا الموقع بدقة، فقد كتب عن جبل «برقل» في مايو عام 1844م آخر سائح يعدد لنا بعض الأشياء التي حملها معه من هناك؛ وهي الكبش الثمين الذي يزن حوالي 150 رطلًا ومائدة قربان ارتفاعها أربع أقدام وتمثال «إزيس» الذي نقش باللغة المروية، وقاعدة تمثال صغير … إلخ(2)، وإذا كان قد رأى اللوحات فإنه كان لا يتأخر عن أخذها، ولكن من الجائز أنه بين عامي 1844 و1862م كان الأهالي قد حملوا بعض الأحجار اللازمة لمبانيهم، وهذه كانت تخفي تحتها اللوحات المذكورة، ولذلك لم يرها كل من «كاييو» «وهسكنز» «ولبسيوس»، ومن ثم نفهم أنه عندما زار الضابط هذا المعبد وجد اللوحات مكشوفة أمامة، ولكن يُحتمل من جهة أخرى أن هذا الضابط كان شغوفًا جدًّا بتاريخ بلاده القديم كما يحدثنا بذلك «مسبرو»، ولذلك كان لديه معرفة كافية لفهم أهمية هذه الوثائق، على الرغم من أنه لم يكن في استطاعته قراءتها، ولا يبعد إذن أنه انتهز فرصة وجوده في هذا المعبد وقام بعمل حفائر على نطاق ضيق على حسابه في المعبد، وكانت نتيجتها العثور على اللوحات الخمس التي نحن بصددها الآن، والظاهر أن «مريت باشا» أخذ تصريحًا من «سعيد باشا» والي مصر وقتئذٍ بعمل حفائر في عام 1861م في السودان، غير أن بُعد المواقع الأثرية في هذه الجهة وقلة طرق المواصلات المؤدية إليها عاقاه عن القيام بحفائر هناك.
ولا يخفى أن الأخبار الخاصة بالشروع في عمل الحفائر كانت لا تزال وقتئذٍ تثير أعظم اهتمام عند الأهالي؛ وذلك لأن السواد الأعظم من الناس إن لم يكن كلهم كانوا مقتنعين أن الحفار لا بد قد حصل على كتاب أو وثيقة تدله على كنز دفين سيقوم بالكشف عنه والحصول على ثروة طائلة منه.
وقد ظن الضابط عند كشفه عن هذه اللوحات أن الطغراءات التي عليها تدل على أنها نقوش ملكية «وقد كان عند ظنه» وعلى ذلك كانت من الأهمية بمكان، ومن ثم شرع في نقل نقوش أطول هذه اللوحات، وبعد الفراغ من ذلك أرسل نسخته إلى «مريت» في القاهرة، ولسنا في حاجة إلى القول بأن هذه النسخة كانت تحتوي على أخطاء عدة؛ وذلك لأن حفر كثير من الحروف الهيروغليفية على اللوحة نفسها لم يكن من الطراز الأول من الحفر، ولكن مع ذلك كان معظم ما جاء في نسخة الضابط مفهومًا لدى «مريت» فتأكد في الحال أن الكشف الذي قام به هذا الضابط من الدرجة الأولى في الأهمية من الوجهة التاريخية، وقد كان هذا ظاهرًا من الخطوات التي اتخذها «مريت» للحصول على هذه اللوحات للحكومة المصرية، وقد اتخذ الإجراءات لإصدار الأوامر إلى «دنقلة» للاستيلاء عليها باسم الحكومة المصرية وإرسالها إلى القاهرة في أقرب فرصة ممكنة، وكذلك صدرت الأوامر للضابط بتعيين حراس لمنع أي فرد غير مرخص له بالاقتراب من خرائب جبل «برقل» كما كلف بأن يراقب مراقبة خاصة تجار الآثار الذين سمعوا بطريقة ما ما أصدرته الحكومة المصرية من أوامر بخصوص هذا الكشف، وقد أخذوا يتوافدون إلى هذه البقعة ليتصلوا بالأهالي ويحرضوهم على سرقة ما يمكن سرقته من الآثار بشتى الطرق، وقد أخذ حاكم «دنقلة» طوعًا لأوامر الضابط في جر اللوحات من المعبد حتى شاطئ النهر حيث حُملت في الوقت المناسب على سفن شحن خاصة يمكن أن تخترق الشلالات، وفي صيف عام 1862 أقلعت السفينة من مدينة «مروي» الصغيرة إلى «القاهرة» في سفرة طويلة.
وفي تلك الأثناء كان «مريت» يشتغل بحل رموز النسخة التي أرسلها إليه الضابط المصري، وفي عام 1863م كان في مقدوره أن يعلن نتيجة بحثه عن هذا الكشف إلى الأكاديمية الفرنسية للفنون والآداب. (3)
وبعد ذلك أرسل نسخة من النقش إلى «دي روجيه» مع خطاب (4) لخص فيه النتيجة التاريخية التي اعتقد أنه يمكن استخلاصها من فحص خاطف قام به عن هذا المتن، وطلب إليه أن يقوم بترجمة كاملة لهذا المتن، وقد حدثنا «دي روجيه» عن أن هذا العمل كان غاية في الصعوبة؛ وذلك لأن النسخة التي أرسلت إليه، وهي التي نقلها الحارس العربي «يقصد الضابط المصري» المشرف على أعمال الحفر، كانت مشوهة كما يقول، ولكن في الواقع كانت النسخة التي يتحدث عنها «دي روجيه» هي النسخة التي نقلها الضابط المصري، ومهما كانت حالة النسخة المذكورة فإنها كانت كافية لتجعل «دي روجيه» يترجم المتن، وفعلًا نشر هذه الترجمة(5)، وبعد مضي بضعة أشهر على ذلك أعلن «مريت» هذا الكشف للأكاديمية الفرنسية، وفى هذا العام 1863م قضى «دي روجيه» بعض الوقت في مصر، وذهب إلى متحف «بولاق» أملًا منه أن يجد لوحة «بيعنخي»؛ لأنه أراد أن يراجع نسخة الضابط على الأصل ويزيل العقبات التي اعترضته في الترجمة.
وكانت السفينة التي تحمل اللوحات لم تصل بعد من جبل «برقل»، وليس في ذلك أية غرابة، حقًّا إن الذين كلفوا بنقلها لم يجدوا صعوبة في الإقلاع حتى بلدة «كرمة»، ولكن عندما وصلوا حتى هذا المكان كان النيل قد أخذ في النقصان ولم يكن فيه ماء يكفي للمرور بعيدًا عن صخور الشلال الثالث، إذ في الواقع قابلتهم عوائق متنوعة.
وبالاختصار قد ضاع على المسافرين مع اللوحات شتاء سنة 1862، وكان لزامًا عليهم الانتظار حتى حلول الفيضان التالي عام 1863م، وعندما حل الفيضان التالي سارت السفينة في طريقها مسافة طويلة، ولكن هبط بعدها النيل وكان لا بد من انتظار فيضان آخر، وكانت اللوحات وقتئذٍ في مكان ما عند الشلال الثاني، ثم استؤنفت الرحلة كرة أخرى بحلول فيضان عام 1864م، وحوالي ختام السنة وصلت اللوحات إلى القاهرة، ولا نزاع في أن النتيجة الناجحة لنقل هذه اللوحات تجعلنا نُشيد كثيرًا بفضل أولئك الذين قاموا بهذا العمل الشاق بطريقة ساذجة كالتي استعملوها، وهذا العمل يشعر بضخامته أولئك الذين قاموا مرة بنقل لوحة ضخمة في النيل بسفن الأهالي وحبالهم، والواقع أن شلالات مثل شلالات «تنجور» «ودال» «وسمنة» «وجزيرة الملك» … إلخ كان من الصعب جدًّا المرور فيها، وعلى ذلك فإن نقل لوحات جبل «برقل» بالمرور فيها يُعد من الأعمال العظيمة التي تشهد بمهارة بحارة بلاد النوبة؛ ولا غرابة فهم أبناء النيل الذين تربوا في كنفه أجيالًا لا تحصى.
وعلى أثر وصول اللوحات إلى القاهرة كلف «مريت» الأثري «دي فيريا» بعمل نسخ منها، ومن هذه عمل تحاليل لمحتويات النقوش، ونشر في مقال عنوانه: «أربع صفحات من السجلات الرسمية الكوشية» (6).
وبعد ذلك بعامين نشر «مريت» نسخة «دي فيريا» في كتابه عن أعمال الحفر في السودان (7)، وهذا الكتاب ظهر في السوق وتُدوول بالطريق العادية، غير أنه بعد نشره ببضعة أيام سُحب من السوق وأُعدمت كل نسخه بسبب لا يزال مجهولًا.
وفي عام 1868م بدأ الأستاذ «دي روجيه» يلقي سلسلة محاضرات في كلية فرنسا College de France عن لوحة «بيعنخي».
وفي عام 1869م نشر الأثري «لوث» ترجمة ألمانية لهذه اللوحة (8)، ثم ظهرت ترجمة بالإنجليزية في عام 1873م بقلم «كانون ف. س. كوك» (9)، وفي عام 1876م نشر ابن الأستاذ «دي روجيه» ترجمة والده بالفرنسية ومعها شرح، وهذه الترجمة تعد في الواقع الأساس الذي بُنيت عليه التراجم الأخرى التي عُملت بعده، وفِي عام 1876-1877م ظهرت ترجمة الأثري الكبير «بركش» لهذه اللوحة (10)، وكذلك قام بترجمتها مرة أخرى الأثري «لوث»، (11) وترجمها «بركش» بالإنجليزية في كتابه عن «مصر في عهد الفراعنة» الجزء الثاني، ص230 … إلخ.
وأحدث ترجمتين لهذه اللوحة هما اللتان وضعهما «جرفث» (12) ثم ترجمة «برستد» (13).
أما أحسن طبعة للمتن نقلت عن الأصل بعناية فائقة، فقد وضعها الأستاذ «شيفر» (14)، وقد ظهرت بعض إصلاحات في الترجمة لبعض فقرات هذا المتن في المجلات العلمية سنشير إليها في الترجمة التي سنوردها هنا.
هذا؛ وقد عَثر على قطعتين من القطع الناقصة من اللوحة الأثري «لوكيانوف» ونشرهما في مجلة مصر القديمة (15).
................................................
1-راجع: Budge, Annals of Nubian Kings, P. XII.
2-راجع: Lepsius, Letters from Egypt, Ethiopia and Sinai, p. 223.
3-راجع: lettre de M. Auguste Mariette a M. le Vicomte de Rougé Sur une Stele trouvée à Gebel Barkal in comptes Rendus, Tom. VII, P. 119ff
4-راجع: Rev. Arch. (1863) Part I, p. 413.
5-راجع: Inscription Historique du Roi Plankhi-Meriamoun, in Revue. Arch., 1863. Part II, P. 94. With a plate.
6-راجع: Revue Arch. (1865) Tom XII, P. 161ff.
7-راجع: Fouilles exècutèes en Egypte, en Nubia et au Sudan, fol, Paris (1867) Vol. I, Text; Vol. II, Plates
8-راجع: Sitzungsberichte der Kön. Bay. Akad, pp. 13–49 Philos-Philol Classe
9-راجع: The Inscription of Pianchi. Meriamon London 1873, 8vo; see also Records of the Past, O. S. II, p. 79
10-راجع: Geschichte Agypten P. 676ff; Die Gottingen Nachrichten, No. 19, P. 457
11-راجع: Abhandlungen of the Bavarian Akad. Bd., XII.
12-راجع: Egyptian Literature in specimen Pages of the Library of the World’s Best Literature P. 5274
13-راجع: Ancient Records of Egypt Vol. IV P. 406.
14-راجع: Urkunden der Ateren Athiopen Konige I, Leipzig (1905) P. 1ff
15-راجع: Ancient Egypt (1926) P. 86ff.
|
|
رمضان بنشاط.. أسرار الاستعداد ببروتين صحي ومتوازن
|
|
|
|
|
العلماء يتوقعون زيادة نشاط الشمس في مارس
|
|
|
|
|
تزامنًا مع حلول شهر رمضان المبارك قسم الإعلام يطلق نافذة خاصة بالانفوجرافيك على الموقع الرسمي للعتبة العباسية المقدسة
|
|
|