المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6329 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
موجبات الوضوء
2024-12-21
حفظ الاغذية بالتجفيف
2024-12-21
طبقات الغلاف الجوي
2024-12-21
التوزيع المكاني للأمطار في العالم
2024-12-21
Green Algae
2024-12-21
الصدوع Faults
2024-12-21

c-structure (n.)
2023-08-02
Sijue Wu
5-4-2018
كيـف يـعمل ويُصمـم نـظام ERP ؟
10-3-2021
كم هو عدد الأنواع الحشرية مقارنة بالحيوانات الأخرى؟
1-1-2021
إخافة المسلمين والإفساد بين الناس والغدر والخيانة.
2024-03-03
مكونات الغلاف الجوي
30-10-2021


ضعف النفس والتوكل على الله  
  
27   08:18 صباحاً   التاريخ: 2024-12-21
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج2/ ص159-179
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / الفضائل / الاخلاص والتوكل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20/10/2022 1638
التاريخ: 15-7-2021 7016
التاريخ: 19/10/2022 1966
التاريخ: 7-5-2019 1831

تنويه :

وردت الإشارة في كثير من الآيات القرآنية الكريمة والروايات الإسلامية وكذلك سيرة الأنبياء والأولياء والصالحين وفي كتب علماء الأخلاق وأرباب السير والسلوك إلى مسألة «التوكل» بعنوان أنّها من الفضائل الأخلاقية المهمة الّتي لا يتسنّى للإنسان الوصول إلى مقام القرب الإلهي بدونها.

والمراد من التوكل هو : تفويض الامور إلى الله والاعتماد على لطفه ، لأن (التوكل) من مادّة (وكالة) بمعنى اختيار الوكيل والاعتماد عليه في تسيير الامور ، وبديهي انه كلّما كان الوكيل يتمتع بقدرة أكبر واحاطة علمية أكثر فإنّ الشخص الموكل يشعر في قرارة نفسه بالهدوء والسكينة أكثر ، وبما أنّ الله تعالى وقدرته لا محدودة ، فعند ما يتوكل الإنسان عليه يشعر بالطمأنينة والسكينة تدغدغ قلبه وتنفذ إلى أعماق روحه ، فتمنحه القدرة على التصدي للمشكلات والحوادث الصعبة ، وأن لا يعيش الخوف من الأعداء والأخطار المختلفة ، ولا يرى نفسه في مأزق في حركة الحياة ، فيسير بالتالي بقلب مطمئن وبطريق مفتوح متجهاً صوب أهدافه ومقاصده.

الإنسان الّذي يعيش التوكل على الله لا يشعر إطلاقاً بالحقارة والضعف بل يرى نفسه وبالاعتماد على لطف الله وعلمه وقدرته المطلقة منتصراً وناجحاً في حياته الفردية والاجتماعية ، وحتّى أنّه لو اصيب بالفشل أحياناً فإنّ ذلك لا يفرض عليه اليأس والقنوط. وعند ما يتجلّى مفهوم التوكل بمعناه الصحيح في واقع الإنسان وعلى سلوكياته فإنّ ذلك من شأنه أن يثير الأمل في القلب ويبعث على تقوية الإرادة وتحكيم دعائم المقاومة والشجاعة.

إنّ مسألة التوكل لها دورٌ مهم في حياة الأنبياء الإلهيين ، فعند ما نستعرض الآيات القرآنية في هذا الباب نجدها تشير إلى أنّ هؤلاء الأنبياء واجهوا سلسلة الحوادث والمشكلات المدمّرة والعظيمة بسلاح التوكل على الله ، وكانت أحد الأسباب المهمة لانتصارهم وتغلّبهم على هذه المشكلات هو كونهم يتمتعون بهذه الفضيلة الأخلاقية.

وبهذه الإشارة نعود إلى القرآن الكريم لنستوحي من آياته دروساً من سيرة الأنبياء الإلهيين في مسألة التوكل ودورها المهم في حياتهم العملية وذلك بالترتيب : (نبدأ من نوح (عليه‌ السلام) وننتهي إلى نبي الإسلام (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)).

1 ـ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)([1]).

2 ـ (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ)([2]).

3 ـ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)([3]).

4 ـ (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)([4]).

5 ـ (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)([5]).

6 ـ (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ* فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)([6]).

7 ـ (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)([7]).

8 ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)([8]).

9 ـ (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)([9]).

10 ـ (... وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ...)([10]).

تفسير واستنتاج :

معطيات التوكل في حياة الأنبياء

عند ما نطالع القرآن الكريم في اطار حديثه عن سيرة الأنبياء نلاحظ أنّ القرآن يستعرض من صفات الأنبياء الإلهيين صفة (التوكل) بعنوان ابرز ظاهرة وصفة تتجلّى في سيرة الأنبياء على طول التاريخ ، حيث نجدهم يعيشون روح الاعتماد على الله والتوكل عليه في مقابل المصاعب والمشاكل الجمّة الّتي يواجهونها في خطّ الرسالة والدعوة إلى الله ، وأنّهم كانوا لا يرتبطون بأيّ شيء برابطة الاعتماد والتعلق سوى بالقدرة المطلقة للذات المقدسة.

ونبدأ من النبي نوح (عليه‌ السلام) :

«الآية الاولى» من الآيات محل البحث تستعرض حياة نوح مع قومه المتعصّبين والمعاندين حيث واجههم بكلّ شجاعة ودعاهم بالكلام الهادئ والمتّزن والمنطقي من موقع الاعتماد على الله والتوكل عليه ، فتقول الآية الشريفة مخاطبة نبي الإسلام : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ)([11]).

فما هو العامل الّذي دفع بنوح مع قلّة المؤمنين من حوله إلى التصدي لكلّ قوى الانحراف والأعداء المعاندين من قومه بهذه الشهامة والشجاعة والسخرية من قوّتهم وعدم الاهتمام بقدراتهم وبمخططاتهم وبأوثانهم؟

وبالتالي فقد وجّه إليهم ضربة قاصمة على المستوى الروحي والنفسي.

أجل لم يكن هذا العامل سوى الإيمان بالله والتوكل عليه ، والعجيب أنّ نوح لم يكتف فقط بمواجهتهم من موقع اللامبالاة وعدم الاهتمام بقدراتهم ومعبوداتهم بل دعاهم إلى مبارزته وشجّعهم على مواجهته ، أجل فمثل هذا الإظهار للقوّة واستعراض العضلات لا يتسنّى في الحقيقة إلّا من المتوكلين.

ونظراً إلى أنّ سورة يونس الّتي تستبطن هذه الآية محل البحث ، مكيّة ، فإنّ الله تعالى أراد من المسلمين في مكّة أن يلتفوا حول نبي الإسلام (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) كالفراش الّذي يدور حول المصباح ويُظهروا من أنفسهم القوّة والقدرة أمام الأعداء الشرسين وأن لا يعيشوا الخوف والرعب من هذه القدرات الموهومة مقابل قدرة الله ومشيئته.

وعبارة (شركائكم) يمكن أن تكون إشارة إلى الأصنام الّتي جعلوها شريكة لله تعالى ، وقد ورد هذا التعبير أيضاً في موارد اخرى كثيرة من القرآن الكريم.

أو يكون المراد منه هو أتباعكم وأصدقائكم وأعوانكم ، أي اجمعوا جميع قواكم وقدراتكم لتتحركوا بها في التصدي لي ولمواجهتي.

وتأتي «الآية الثانية» للتحدث على لسان النبي هود الّذي عاش بعد عصر نوح (عليه‌ السلام) وقد هدّده قومه الوثنيّون بالموت ، ولكنه انطلق من موقع القوّة والتوكل على الله وقال لهم بصراحة كما تقول الآية : (... قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ)([12]).

واللطيف أنّ هود لم يكتف بعدم الاهتمام والاعتناء بقوى مخالفيه من عبّاد الأوثان وقدراتهم ومؤامراتهم بل انه سعى لتحريكهم وإثارتهم للتصدي له ومواجهته لكي يثبت لهم أنّ قلبه وروحه يرتبطان بقوة أخرى ، وانه بالتوكل على الله تعالى لا يعيش في نفسه أيّ شعور بالخوف من مؤامراتهم مهما عظمت قوتهم واشتدت قدرتهم ، وهذا يدلّ على أنّ التوكل على الله يقود الإنسان إلى حيث المواقف الشجاعة والبطولية والسير في خطّ الاستقامة والحقّ.

فما أعجب أن يقف رجل واحد بمفرده أو مع القليل من أصحابه مقابل هذه الكثرة الكاثرة من قوى الانحراف والأعداء الأشداء مثل هذا الموقف البطولي ويتحرك في مواجهته لهم من موقع الاستهزاء بتهديداتهم والسخرية بمؤامراتهم!! أجل فإنّ هذه من معطيات الإيمان والتوكل على الله في حياة الإنسان.

وقد ذكر أحد المفسّرين القدماء وهو (الزجاج) أنّ هذه الآية تعد من أهم الآيات الّتي تتحدّث عن الأنبياء العظام والّتي استعرضت فيها قصة نبي من الأنبياء يقف هذا الموقف البطولي في مقابل جماعات كثيرة من مخالفيه ويتحدّث معهم مثل هذا الحديث الشجاع ، ومثل هذا التعبير ورد في قصة نوح (عليه‌ السلام) وكذلك في الحديث عن سيرة النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أيضاً.

والجدير بالذكر أنّ القرآن الكريم وبعد هذه الآية يتحدّث عن أنّ هود (عليه‌ السلام) خاطب قومه المعاندين بخطاب من موقع العقل والاستدلال وقال : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها)([13]).

ثمّ أضاف : إن قدرة الله تعالى ليست بالقدرة الّتي توحي لصاحبها بالغرور والانحراف عن خطّ الحقّ بل (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

وعليه فأنا أعتمد على من قدرته مطلقة وافعاله عين الصواب والعدالة.

وتأتي «الآية الثالثة» لتشير إلى جانب من سيرة النبي إبراهيم (عليه‌ السلام) وتوكّله على الله في أحلك الظروف وأصعب الحالات الّتي يواجهها الإنسان وتقول : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)([14]).

فلو لم يكن ايمان إبراهيم كالجبل الشاهق ، ولم يكن له قلب كالبحر المتلاطم ، ولم يكن يعيش التوحيد والتوكل في أعلى مراتبه ، فهل يمكنه كإنسان طبيعي أن يسكن زوجته وابنه الحبيب في صحراء قاحلة ومحرقة بلا ماءٍ ولا كلاء ليس لشيء إلّا امتثالاً لأمر الله تعالى ثمّ يعود من هناك إلى وطنه الأصلي؟

هذه الحادثة العجيبة تذكرنا بحادثة اخرى في سيرة إبراهيم (عليه‌ السلام) العظيم ، وهي عند ما وضعه مخالفوه وأعداؤه المعاندون في قفص الإتهام بسبب تحطيمه أصنامهم ، فكان إبراهيم على وشك أن يُقتل ولكنه مع ذلك لم يترك السخرية من أصنامهم وعقائدهم الزائفة وكان ينطلق في حواره معهم من موقع المنطق والدلائل القوية في عملية إبطال منطقهم الخرافي وإثبات زيف مدّعياتهم الواهية.

«الآية الرابعة» تشير إلى قصة شعيب (عليه‌ السلام) الّذي جاء بعد فترة من النبي هود (عليه‌ السلام) وقُبيل موسى (عليه‌ السلام) ، حيث وقف مقابل المشركين من قومه وتصدّى لعقائدهم وتهديداتهم ومؤامراتهم من موقع الاستهزاء والسخرية ، وكان يقول لهم في حكايته عن دعوته ورسالته السماوية : (... إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)([15]).

أجل فأنا لا أخاف من شيء لاعتمادي على إيماني بالله والتوكل على ذاته المقدسة وسأستمر في خطّ الرسالة والدعوة إلى الله والإصلاح ما أمكنني ذلك وبالاتكال على الله.

والجدير بالذكر أنّ شعيب ولغرض تنفيذ عملية الإصلاحات الواسعة الّتي كان يتحرّك باتجهاهها في مجتمعه الفاسد كان يعتمد على ثلاث دعائم :

الاولى : تهيئة المقدّمات للعمل من قبل الله تعالى حيث تشير إلى ذلك كلمة «توفيقي» ، ثمّ بالإنطلاق من عزم راسخ وارادة قوية بالشروع بالعمل والإصلاح ، وذلك بقوله «عليه توكلت» ، ثمّ أن تكون للإنسان المصلح دوافع سليمة وبنّاءة للقيام بعملية الإصلاح ، وهو ما أشار إليه بقوله (إليه انيب).

وتتحرّك «الآية الخامسة» لتستعرض لنا كلام يعقوب لأولاده ، ويعقوب هو الجدّ الأعلى لبني إسرائيل والّذي كان يعيش في مضيقة شديدة في ذلك الزمان ، فمن جهة فقد ابنه العزيز يوسف ، ومن جهة اخرى كان يعيش القحط الشديد في كنعان الّذي أصاب الناس في تلك المناطق ، فكانوا يواجهون التحديات والظروف الصعبة بسبب ذلك ، وبالتالي وجد نفسه مجبراً على أن يودع ابنه الآخر (بنيامين) بيد ابنائه الآخرين الّذين كانوا يعيشون الجفاف الروحي والعاطفي ، وذلك لغرض تحصيل القوت والطعام من أرض مصر ويحصلوا على المساعدة من عزيز مصر ، وهنا أوصى يعقوب ابناءه المتجهون إلى مصر بقوله : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ...)([16]).

ثمّ أضاف : انني بهذه التوصية لا أستطيع أن أصُدّ عنكم البلاء أو أمنع عنكم ما قدّر الله لكم ، (... وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)([17]).

وعلى هذا الأساس فإنّ يعقوب أوصى أولاده بوصايا خاصة لمقابلة الحوادث المتوقعة ، ولكنه أكد عليهم أنّه بهذه التوصية لا يستطيع أن يقف مقابل الحوادث أو يضع تدبيراً حاسماً لجميع المشكلات والمصاعب الّتي سيواجهونها في سفرهم هذا ، بل انّ عليه أن يضع ما يمكنه من الحلول والتوصيات ، وأمّا الباقي فيجب أن يتوكلوا على الله تعالى.

وبهذا فإنّ يعقوب في الحقيقة قد أوصاهم بالتوكل على الله ، وقد ذكر الدليل والسبب في تأكيده على هذا المعنى ، وهو انّ جميع الامور بيد الله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ).

إذن فينبغي على الإنسان أن يعيش التوكل والاعتماد على هذه القدرة المطلقة والّتي لا توجد أية قدرة اخرى في مقابلها في عالم الوجود.

ومن الواضح أنّ المراد بكلمة (الحكم) هنا هو (الحكم التكويني) لله تعالى في عالم الخلقة والّتي تعود جميع الأسباب لديه وليست ناظرة إلى الحكم التشريعي. (فتأمل).

وتتعرض «الآية السادسة» إلى ما جرى بين موسى (عليه‌ السلام) وقومه بني إسرائيل ، وذلك عند ما أظهر موسى دعوته الإلهية وأبرز معجزاته العظيمة ولكن مع ذلك لم يؤمن به جميع بني إسرائيل بل آمن به واتبعه جماعة منهم ، في حين انّ بني إسرائيل كانوا مستضعفين بأجمعهم من قبل الفراعنة وكانوا يعيشون الخوف وشدّة العذاب من قبل فرعون وقومه ، فعند ما نرى أنّ زوجة فرعون وبسبب اعلانها الإيمان بموسى (عليه‌ السلام) قد وضعت تحت طائلة العذاب الشديد من قبل زوجها فرعون ، فمن الواضح ما كان تعامل فرعون مع سائر بني إسرائيل ، ولهذا السبب فإنّ موسى بن عمران ولغرض ايجاد حالة من الطمأنينة والهدوء النفسي في قومه وإزالة عنصر الخوف والرعب المسلّط عليهم أمرهم بالتوكل على الله ، (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)([18])

وهذا يعني انكم لا يمكنكم التصدي لمثل هذا الحاكم الجائر ومواجهته من موقع القوّة والخلاص من شرّه إلّا بالتوكل على الله تعالى.

ومن البديهي أنّ موسى (عليه‌ السلام) نفسه كان في مرتبة متقدمة من هذا الأمر من حيث تجسيده لمعنى التوكل في ممارساته العملية ، ولو لم يكن يتمتع بمقام التوكل فكيف يستطيع وهو راعٍ للأغنام بدون أن يتمتع بأية قدرة ظاهرية مواجهة أعتى قوّة وحكومة في ذلك الزمان؟

وهكذا لبّى المؤمنون من بني إسرائيل نداء موسى (عليه‌ السلام) (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ...)([19]).

ثمّ توجّهوا إلى الله تعالى وقالوا : (... رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)([20]).

والمقصود من (فتنة) في الآية الأخيرة هو ما قد يتعرضون له من التعذيب والتنكيل على يد أزلام فرعون ، وقد وردت هذه الكلمة في سورة (البروج) في مورد أصحاب الأخدود ، وكذلك في الآية 83 من هذه السورة مورد البحث والّتي أشرنا إليها سابقاً.

ويُحتمل أنّ المراد من (الفتنة) في كلا الموردين هو عملية الإنحراف عن خطّ التقوى والطاعة والإيمان ، لأن الفراعنة لو تسلّطوا على المؤمنين لرأوا ذلك دليلاً على حقانيّتهم ولاستمروا في طريق الإنحراف بأقدام ثابتة وعزم راسخ أكثر من السابق.

وتستعرض «الآية السابعة» في إطار الحديث عن الأزمنة الّتي تلت عصر موسى (عليه‌ السلام) حيث كان بنو إسرائيل يعيشون العناء والظلم على يد سلطان جبّار يُسمّى (جالوت) ، فكان أن اضطروا إلى اللجوء لنبي لهم يُدعى (إشموئيل) وطلبوا منه أنّ يُعيّن لهم قائداً يقود جيوشهم نحو مواجهة جالوت والتخلّص منه واستعادت أراضيهم وبيوتهم منه ، فعيّن إشموئيل طالوت ملكاً وقائداً عليهم والّذي كان شاباً قوياً وعارفاً بالامور ولائقاً لهذا المقام من كلّ جهة ، ولكن بني إسرائيل رفضوا الإذعان لهذا التعيين ، ثمّ قبلوا به أخيراً بعد أنّ بيّن لهم نبيّهم الخصوصيات والمميزات الفريدة في طالوت.

أمّا طالوت فقد اختبر جيشه بعدّة اختبارات ليهيئهم أكثر من الناحية النفسية والروحية لجهاد العدو.

والآية مورد البحث تتحدّث عن الفترة اللاحقة لذلك حيث تستعرض منظر الواقعة بين طالوت وجيشه من جهة ، وجالوت وجيشه العظيم من جهة اخرى ، وتقول : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)([21]).

فصحيح أنّ جيش طالوت كان يعاني القلّة في أفراده بالنسبة لجيش جالوت الجرار وما يتمتعون به من سلاح وامكانات حربية واسعة ، ولكن الشيء الّذي أخلّ بالموازنة وأربَكَ المعادلة لصالح المظلومين من بني إسرائيل وبالتالي كتب لهم النصر والغلبة على عدوهم القوي هو الإيمان بالله والتوكل عليه ومواجهة العدو من موقع الصبر والاستقامة في طريق نصرة الحقّ.

ولهذا السبب فإنّ الآية الّتي تليها تُصرح بهذه النتيجة الباهرة وتقول : (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ).

وبديهي أنّ حالة الصبر والاستقامة هي السبب في ثبات القدم ورسوخ المواقع ، وثبات القدم سببٌ لتحقيق النصر ، ولهذا ورد ذكر هذه الامور الثلاثة بالترتيب في دعائهم المذكور في الآية الشريفة ، ومعلوم أنّ روح هذه الامور الثلاثة تكمن في الإيمان والتوكل على الله تعالى.

وتأتي «الآية الثامنة» لتتحدّث عن نبي الإسلام ومقام توكله على الله تعالى ، فعند ما كان يواجه المشكلات والضغوط الصعبة في حركته التبليغية علّمه الله تعالى كيف يتغلب على هذه المشكلات الكبيرة وقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)([22]).

وهذه الآية توضّح جيداً أنّ الإنسان مهما كان وحيداً فريداً مقابل تحدّيات الظروف الصعبة فإنه إذا كان يعيش التوكل على الله فلا يشعر بصعوبة هذه المشاكل ، لأن الله تعالى هو رب العرش العظيم وذو القدرة اللامتناهية الّتي لا تعتبر القوى الاخرى شيئاً بالنسبة لها ولا تأثير لها في مقابل قدرة الله ومشيئته ، فمن كان العرش والعالم الأعلى في قبضته فكيف يسمح لعباده المتوكلين عليه أن يخوضوا لوحدهم أمواج المشكلات أو يتركهم لوحدهم أمام أعدائهم الشرسين؟

وممّا يجدر ذكره أنّ البعض يرون أنّ هذه الآية والّتي هي آخر آية من سورة التوبة والآية الّتي قبلها هي من آخر الآيات الّتي نزلت على نبي الإسلام ، واللطيف أنّ الآيات الشريفة الّتي نزلت في أوّل البعثة تحوي هذا المضمون أيضاً وتدلّ على أنّ رأس المال الأصلي والدعامة الحقيقية لرسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) في ذلك الزمان هي التوكل على الله ، فنقرأ في الآية 38 من سورة الزمر الّتي نزلت في تلك الأزمنة من بداية البعثة قوله : «... قُلْ حَسْبِىَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكّلُونَ»

وعليه فإنّ النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) كان يعيش التوكل في بداية البعثة وفي نهايتها وفي جميع الأحوال ، وهذا الأمر هو السبب الأوّل في حركة النبي الأكرم في خطّ الاستقامة والثبات والنصر.

«الآية التاسعة» تتعرض للحديث عن جميع الأنبياء السابقين من زمان نوح (عليه‌ السلام) إلى الأنبياء الّذين جاءوا بعده وتقول عند ما واجه هؤلاء الأنبياء المخالفة الشديدة لأقوامهم ورأوا أنفسهم لوحدهم وقالوا : («وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)([23]).

ونستوحي من هذه الآية أنّ التمسّك بالتوكل على الله مقابل المشكلات والمصاعب الشديدة الّتي تفرضها الظروف الصعبة كان عمل جميع الأنبياء على طول التاريخ.

وفي الواقع أنّهم كانوا يقفون أمام طوائف الأعداء والمشاكل الكبيرة بالاستمداد من عنصر التوكل وينتصرون في نهاية المطاف ، ومن هنا يتبيّن دور التوكل في حياة البشر وخاصّة على مستوى القادة والمصلحين من الناس.

وفي الحقيقة إنما يمنح الأنبياء القدرة والقوّة رغم عدم وجود العُدة والعدد في مقابل قدرة الحكومات الكبيرة وقوى الإنحراف المختلفة ولا يشعرون مع ذلك بالتراجع والضعف والخوف هو حالة التوكل على الله والّتي تجعل «ما سوى الله» في نظرهم صغيراً وتافهاً.

والملفت للنظر أنّ الآية الواردة قبل هذه الآية (الآية 11 من سورة إبراهيم) تقول : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

وفي هذه الآية الشريفة محل البحث نقرأ (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

ومن إدغام هاتين الآيتين يستفاد أنّ المؤمن الواقعي هو المتوكل على الله ، وكذلك يستفاد من هذه الآية أنّ التوكل وليد المعرفة والهداية الإلهية كما أنّ الصبر والاستقامة في مقابل اعتداءات الأعداء وتحرّشاتهم وليد التوكل (فتأمل).

وتتعرض «الآية العاشرة» إلى ذكر نتيجة واضحة للتوكل على الله بحيث تعمل على حث الجميع لطلب هذه الحالة في واقعهم ، وتَعِدهم بالنجاة والنصر أيضاً وتقول : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)([24])

وفي الواقع فإنّ الله تعالى أوعد جميع المتوكلين عليه بحل مشكلاتهم بشكل حتمي ، ثمّ استعرضت الآية الشريفة الدليل على ذلك وقالت : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ).

وبديهي فإنّ مثل هذه القدرة المطلقة بإمكانها الوفاء بجميع الوعود وحلّ جميع المشكلات مهما كانت ثقيلة وصعبة ، فكلّها تحت إرادته ومشيئته.

وجملة قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلّ شَىْءٍ قَدْرًا يمكن أن تكون جواباً على سؤال مقدّر ، وهو لماذا نعيش أحياناً غاية التوكل على الله تعالى ولكن الحلّ والنصرة قد يتأخر؟

القرآن الكريم يجيب على هذا السؤال بأنكم لا تعلمون مصالح الامور ، فكلّ شيء يكون بحساب ويتطلب زمان وفرصة مناسبة ، وكلّ حالة تكون مطلوبة في ظرفها الخاصّ ، ولهذا وبمقتضى أنّ «الْامُورُ مَرْهُونَةٌ بِاوْقَاتِهَا» فأحياناً تقتضي المصلحة تأخير النتيجة ، وعليه فإنّ العجلة والتسرع في مثل هذه الامور غير صحيح.

ويشبه هذا المعنى ما ورد في الآية (160) من سورة آل عمران حيث نجد أنّ القرآن الكريم يقرر بأن النصر والهزيمة كليهما من الله تعالى وأنّ طريق الوصول إلى النصر يمر من خلال التوكل على الله فتقول الآية : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

النتيجة النهائية :

ونستوحي من الآيات المذكورة آنفاً والّتي استعرضت سيرة أقدم الأنبياء الإلهيين إلى أن وصلت إلى نبي الإسلام أنّ مسألة التوكل في حياة البشر وجهاد الأنبياء وانتصارهم على المشكلات والتحديات الصعبة الّتي يفرضها الواقع بمثابة الأساس لكلّ هذه التحركات الإيجابية والمثمرة في سلوك الإنسان على المستوى المادي والمعنوي ، وتدلّ على أنّ هذه الفضيلة الأخلاقية بإمكانها أن ترتفع بالإنسان إلى مستويات عالية في سلّم الكمال المعنوي ، والنقطة المقابلة لها ، أي عدم الاعتماد والتوكّل على الله تعالى يتسبب في السقوط الحضاري والمعنوي للفرد والمجتمع.

 

التوكل في الأحاديث الإسلامية :

وتولي الروايات الإسلامية أهمية كبيرة إلى هذه الفضيلة إلى درجة اننا قلما نجد من الآثار الإيجابية والبركات على صفة من الصفات الأخلاقية الفاضلة مثلما ورد في حقّ هذه الفضيلة ، وما سنذكره من الروايات الشريفة عبارة عن نماذج مقتطفة من كثير ممّا ورد في هذا الباب ممّا لا يسمح لنا المجال لاستيعابها جميعاً.

1 ـ ما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أنّه قال : «مَنْ سَرَّهُ انْ يَكُونَ اقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ» ([25]).

2 ـ ونقرأ في حديث آخر عن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) أنّه قال : «فِي التَّوَكُّلِ حَقِيقَةُ الْايقَانِ» ([26]).

3 ـ وفي حديث آخر عميق المعنى ما ورد في قصة إبراهيم (عليه‌ السلام) في تفسير علي بن إبراهيم حيث تقول الرواية : أنّه لما وضعوا إبراهيم في المنجنيق ، جاءه عمه آذر وصفعه على وجهه بشدة وقال له : ارجع عما أنت عليه ، ولم يبق شيء إلّا طلب إلى ربه ، أن ينجي ابراهيم وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق ، وقالت الملائكة مثل ذلك وجاء إليه جبرئيل في الهواء ، وقد وضع في المنجنيق ، فقال يا إبراهيم هل لك إليّ من حاجة؟ فقال إبراهيم أما إليك فلا ، وأما إلى ربّ العالمين فنعم. فدفع إليه خاتماً عليه مكتوب : «لَا الَهَ الَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ، الْجَأْتُ ظَهْرِي الَى اللهِ ، اسْنَدْتُ امْرِي الَى اللهِ ، وَفَوَّضْتُ امْرِي الَى اللهِ» فأوحى الله إلى النار (كوني برداً وسلاماً) فاضطربت اسنان إبراهيم من البرد حتّى قال (سلاماً على إبراهيم) فهبط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار وفي روضة خضراء ، ونظر إليه نمرود فقال : من اتخذ اله فليتخذ مثل اله ابراهيم ([27]).

أجل فإنّ التوكل على الله تعالى قد حوّل النار إلى بستان جميل وجنّة خلابة ، هذا التوكل الّذي منح إبراهيم القوّة على ضبط النفس والهدوء والسكينة حتّى انه لم يجد حاجة إلى التوسل بجبرئيل واعتبر ذلك ابتعاداً عن الله وخلافاً لمقتضى الإيمان والتوكل وانه لا بدّ من تحصيل الماء من العين الصافية نفسها.

4 ـ ويقول الإمام الصادق (عليه‌ السلام) في تعبير آخر : ان الغنى والعز يجولان فاذا ظفرا بموضع التوكل اوطناه ([28]).

وهذا يعني أنّ القلب الّذي تحوّل إلى مركز للتوكل على الله فإنه يشعر بالغنى وعدم الحاجة لما سوى الله تعالى ، وكذلك فإنّ مثل هذا الإنسان يعيش العزّة والقدرة لأنّه يتحرّك من موقع الاعتماد على القدرة المطلقة الّتي تتعالى على جميع القدرات الاخرى ولا تقبل الضعف والتردد والاهتزاز.

5 ـ ونقرأ في حديث آخر بهذا المعنى عن الإمام الباقر (عليه‌ السلام) أنّه قال : «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ لَا يُغْلَبُ وَمَنْ اعْتَصَمَ بِاللهِ لَا يُهْزَمُ» ([29]).

6 ـ وورد في حديث آخر عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه‌ السلام) أنّه قال : «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ ذَلَّتْ لَهُ الصِّعَابُ وَتَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الْاسْبَابُ» ([30]).

وكيف لا يكون كذلك في حين أنّ (مسبّب الأسباب) هو الله تعالى وكلّ شيء خاضع وخاشع له.

7 ـ وفي حديث آخر عن هذا الإمام انه أشار في كلامه إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ التوكل ليس فقط يُعدّ من العوامل الخفيّة في باطن الكون بل من العوامل المؤثرة في نفس الإنسان وباطنه أيضاً حيث يمنحه القوّة الّتي تنجيه من الوساوس والشبهات فقال : «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ اضَاءَتْ لَهُ الشُّبَهَاتُ» ([31]).

8 ـ وأيضاً ورد عن هذا الإمام في خطابه للناس جميعاً «يَا ايُّهَا النَّاسُ تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ

واتَّقُوا بِهِ فَانَّهُ يَكْفِي مِمَّنْ سِوَاهُ» ([32]).

9 ـ وعن جابر بن يزيد الجعفي أنّه قال : خدمت سيّد الأنام أبا جعفر محمّد بن علي (عليه‌ السلام) ثمانية عشرة سنة فلما أردت الخروج ودعته فقلت له : افدني ، فقال : بعد ثمانية عشر سنة يا جابر؟ قلت : «نَعَمْ انَّكُمْ بَحْرٌ لَا يُنْزَفُ وَلَا يُبْلَغُ قَعْرُهُ».

قال (عليه‌ السلام) : يا جابر بلغ شيعتي عني السلام وأعلمهم أنّه لا قرابة بيننا وبين الله عزوجل ، ولا يتقرب إليه إلّا بالطاعة له ، يا جابر من أطاع الله وأحبنا فهو ولينا ، ومن عصى الله لم ينفعه حبنا. يَا جَابِرُ مَنْ هَذَا الّذي سَألَ اللهَ فَلَمْ يُعْطِهِ؟ اوْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكْفِهِ؟ اوْ وَثَقَ بِهِ فَلَمْ يُنْجِهِ؟» ([33]).

ونجد في هذا الحديث الشريف أنّ التوكل على الله والثقة بوعده وكرمه ، ودعاءه والطلب منه بعنوان ثلاث وسائل للنجاة والفلاح.

أجل فإنّ الإنسان إذا توجّه إلى العين الصافية واغترف منها الماء الزلال فلا حاجة له لأن يمدّ يده إلى هذا وذاك.

10 ـ ونختم هذا البحث بحديث آخر عن لقمان الحكيم رغم وجود أحاديث كثيرة تقرر أهمية التوكل وآثاره الإيجابية الكبيرة على حياة الإنسان المادية والمعنوية ، وذلك عند ما أوصى لقمان ابنه بقوله : «يَا بُنَيَّ! تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ثُمَّ سَلْ فِي النَّاسِ ، مَنْ ذَا الّذي تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ فَلَمْ يَكْفِهِ؟!» ([34]).

إن عظمة هذه الفضيلة الإنسانية الكبيرة ، يعني التوكل على الله في الأحاديث الإسلامية والنصوص الدينية الشريفة إلى درجة من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى توضيح أكثر من هذا ، وبخلاف ما يقابلها من الحالة الذميمة الّتي تربط الإنسان بالقوى الاخرى الزائفة وتهبط به من أوج العزة والافتخار والاستقلال في أبعاد شخصيّته الإنسانية إلى حيث الضعف والذلّة والمهانة وبالتالي عدم القدرة على التغلب على التحديات الّتي يفرضها الواقع وعدم حلّ المشاكل الّتي تواجه الإنسان في حركة الحياة.

وبعد بيان أهميّة التوكل في الآيات القرآنية والروايات الإسلامية نصل إلى مسألة تحليل هذه الفضيلة في أبعادها المختلفة وتوضيح بعض الزوايا المعتمة منها :

1 ـ حقيقة التوكل

رأينا في ما تقدّم أنّ (التوكل) من مادّة (وكالة) ، بمعنى ايداع الامور إلى الله تعالى والاعتماد على لطفه ورحمته ، وهذا لا يعني أن يعيش الإنسان حالة التكاسل وعدم التحرّك في نشاطات الحياة بل عليه أن يبذل ما امكنه من السعي والجهد في سلوك طريق الحياة بجدّية ولكنه في نفس الوقت يعيش حالة التوكل على الله بالنسبة إلى ما لا يجد في نفسه القدرة على تذليل الصعاب ويستمد من ألطافه الجلية والخفية في ما يمنحه القدرة على الإستمرار في هذا الطريق.

ويقول أحد علماء الأخلاق المعروفين في تفسير التوكّل : «اعلم أنّ التوكل منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين ، بل هو من معاني درجات المقربين ، وهو في نفسه غامض من حيث العلم وشاق ، وقال (عليه‌ السلام) : لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ، بل انظروا إلى خلقه وعمله.

ووجه غموضه من حيث العلم أنّ ملاحظة الأسباب والاعتماد عليها شرك في التوحيد ، والتباعد عنها بالكلية طعن في السنّة وقدح في الشرع ، والاعتماد على الأسباب انغماس في غمرة الجهل.

والتحقيق فيه أنّ التوكل المأمور به في الشرع هو اعتماد القلب على الله في الامور كلّها وانقطاعه عمّا سواه ، ولا ينافيه تحصيل الأسباب إذا لم يكن يسكن إليها ، وكان سكونه إلى الله تعالى دونها مجوزاً أن يؤتيه الله مطلوبه من حيث لا يحتسب دون هذه الأسباب الّتي حصلها ، وأن يقطع الله هذه الأسباب عن مسبباتها».

ثمّ يضيف قائلاً : «وليس معنى التوكل ـ كما يظنه الحمقى ـ أنّه ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب ، والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة واللحم على الوضم ، فإنّ ذلك جهل محض ، وهو حرام في الشرع ، فإنّ الإنسان مكلف بطلب الرزق بالأسباب الّتي هداه الله إليها من زراعة أو تجارة أو صناعة أو غير ذلك ممّا أحلّه الله» ([35]).

ونقرأ في (المحجّة البيضاء) في بحث حقيقة التوكّل قوله : «إعلم أنّ التوكّل من أبواب الإيمان وجميع أبواب الايمان لا تنتظم إلّا بعلم وحال وعمل والتوكل كذلك ينتظم من علم هو الأصل ، ومن عمل هو الثمرة ، وحال هو المراد باسم التوكّل».

ثمّ يشرع بذكر بعض التفاصيل عن عنصر العلم الّذي يمثل الأساس للتوكل ، وبعد بيان مطول يصل إلى ذكر حقيقة التوكل الّتي هي عبارة عن الأساس الّذي يبتني التوكل عليه ، وحاصله أن ينكشف لك أن لا فاعل إلّا الله ، وأن كلّ موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع وحياة وموت وغنى وفقر إلى غير ذلك فالمنفرد بابداعه واختراعه هو الله تعالى لا شريك له ، وإذا انكشف لك هذا لم تنظر إلى غيره بل كان منه خوفك وإليه رجاؤك وبه ثقتك وعليه اتكالك فإنه الفاعل على الانفراد دون غيره ، وما سواه مسخّرون لا استقلال لهم بتحريك ذرّة في ملكوت السماوات والأرض» ([36]).

وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) عند ما سُئل : «مَا التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ عَزَّ وجلَّ؟ فَقَال (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) : الْعِلْمُ بِانَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا يُعْطِي وَلَا يَمْنَعُ وَاسْتِعْمَالُ الْيَأْسِ مِنَ الْخَلْقِ».

ثمّ قال (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) : «فَاذَا كَانَ الْعَبْدُ كَذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ لِاحَدٍ سِوَى اللهِ وَلَمْ يَرْجُ وَلَمْ يَخَفْ سِوَى اللهِ ، وَلَمْ يَطْمَعْ فِي احَدٍ سِوَى اللهِ ، فَهَذَا هُوَ التَّوَكُّلُ» ([37]).

ونقرأ في حديث آخر أنّه سُئل الإمام (عليه‌ السلام) عن حقيقة التوكل فقال : «لَا تَخَافُ سِوَاهُ» ([38]).

ويستفاد من هذه العبارات أنّ روح التوكل هي الانقطاع إلى الله وهجر التعلق بالمخلوقات والأسباب ، وما لم يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فهو بعيد عن حقيقة التوكل ، وكذلك يستفاد من الروايات الرفض الأكيد للمفهوم السلبي من التوكل ، أي ترك الاستفادة من الأسباب المادية ، فقد ورد في حديث معروف أنّ رجلاً اعرابياً ترك ناقته وجاء إلى رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) قائلاً : «تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ» فقال له النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) : «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» ([39]).

ولهذا السبب ورد في الآيات الكريمة والسنّة النبوية نصوص كثيرة توجب على المؤمنين الأخذ بالأسباب الظاهرية وأنّ ذلك لا يتقاطع مع روح التوكل من قبيل قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ ...)([40]).

ومن جهة اخرى نرى أنّ القرآن الكريم يبيّن للمسلمين كيفية صلاة الخوف ويقول : (... وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ...)([41]).

وعلى هذا الأساس نرى أنّ القرآن الكريم يوجب على المسلمين الأخذ بأدوات الحذر والحيطة تجاه العدو حتّى في حال الصلاة ، فكيف الحال في الموارد الاخرى؟

إن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) نفسه لم يتحرك في هجرته من مكّة إلى المدينة من موقع اللامبالاة بالخطر وبدون تخطيط مسبق والاكتفاء بقول (تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ) ، بل تحرك على مستوى اغفال العدو بأن طلب من الإمام علي (عليه‌ السلام) من جهة أن ينام على فراشه إلى الصباح ، ومن جهة اخرى خرج من مكّة ليلاً وعلى أتم السريّة والخفاء ، ومن جهة ثالثة لم يتوجه شمالاً صوب المدينة مباشرة ، بل توجه نحو الجنوب قليلاً وبقي في غار ثور لثلاثة أيّام مختفياً عن الأنظار ، وعند ما يأست قريش من العثور عليه خرج من الغار متوجهاً إلى المدينة مستديراً حول مكّة وكان يسير ليلاً وأحياناً يسلك الطرق غير السالكة حتّى وصل إلى المدينة.

إذن ، فروح التوكل الّتي كان يعيشها النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) بجميع وجوده واحساساته لم تمنعه من الأخذ بالأسباب الظاهرية.

وأساساً فإنّ مشيئة الله تعالى قائمة على أساس أن يأخذ الناس في حركتهم لتحقيق مقاصدهم بالأسباب والوسائل الموجودة كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) حيث قال : «ابَى اللهَ انْ يَجْرِيَ الأَشْيَاءَ الّا بِاسْبَابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَباً» ([42]).

وعليه فإنّ اهمال عالم الأسباب والمسببات ليس فقط لا يعدّ من التوكل ، بل هو في الواقع اهمال للسنن الإلهيّة الموجودة في عالم الخلقة ، وهذا ممّا لا ينسجم مع روح التوكل.

ونختم هذا الكلام برواية تتعلق بزمان النبي موسى (عليه‌ السلام) حيث ورد «أنّ موسى (عليه‌ السلام) اعتلّ بعلّة فدخل عليه بنو إسرائيل فعرفوا علّته فقالوا له : لو تداويت بكذا لبرأت. فقال : لا أتداوى حتّى يعافيني من غير دواء ، فطالت علّته فقالوا له : إن دواء هذه العلّة معروف مجرّب وإنّا نتداوى به فنبرأ. فقال : لا أتداوى ، فدامت علّته فأوحى الله إليه : «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا ابْرَأْتُكَ حَتَّى تَتَدَاوَى بِمَا ذَكَرُوهُ لَكَ» ، فقال لهم : داووني بما ذكرتم ، فداووه فبرأ ، فأوجس في نفسه من ذلك ، فأوحى الله إليه : «ارَدْتَ انْ تَبْطُلَ حِكْمَتِي بَتَوَكُّلِكَ عَلَيَّ ، فَمَنْ اوْدَعَ الْعَقَاقِيرَ مَنَافِعَ الْاشْيَاءَ غَيْرِي» ([43]).

هذا الحديث الشريف يوضّح لنا حقيقة التوكل.

وعند ما نرى أنّ إبراهيم الخليل (عليه‌ السلام) لا يمدّ يده إلى الملائكة في اللحظات الحرجة ولا يطلب إليهم انقاذه من نار نمرود فإنّ ذلك لا يتعارض مع مسألة الاستفادة من الأسباب الطبيعية الّتي قرأناها في سيرة النبي موسى (عليه‌ السلام) ، لأن التوسل بالأسباب المادية والطبيعية لم تكن واردة في قصّة إبراهيم (عليه‌ السلام) بل تحكي عن نوع من الاستمداد وطلب النجاة من الأسباب الغيبية وغير الطبيعية ، ولهذا لم يقبل إبراهيم (عليه‌ السلام) في هذه المرحلة بالذات أن يمد يده إلى ما سوى الله تعالى (فتدبّر).

2 ـ معطيات التوكل وآثاره الإيجابية

بما أنّ المتوكل على الله في الحقيقة يفوّض أمره وحاله وعمله إلى الله تعالى ، ويعلّق أمله بالقدرة اللامتناهية والذات المقدسة العالمة بكلّ شيء ، ويعتمد على الله الّذي بإمكانه أن يحلّ له جميع المشكلات ويسهل عليه ما عسر من الصعوبات ، فإنّ أوّل أثر إيجابي يخلقه التوكل في واقع الإنسان هو أن يثير في نفسه مسألة الاعتماد على الذات ومقاومة المشكلات والوقوف على قدميه أمام سيل الحوادث الكبيرة في حركة الحياة.

ولو أنّ شخصاً وجد نفسه وحيداً في ميدان القتال مع الأعداء فإنه مهما كان قوياً ومستعداً للقتال فإنه سرعان ما يجد الضعف يدبّ في نفسه ويفقد اعتماده على نفسه ، ولكن إذا أحسّ بأنّ جيشاً قوياً يدعمه من الخلف فإنه سيشعر بالقدرة الفائقة والشجاعة رغم عدم امتلاكه لأدوات القوّة ورغم ضعفه الذاتي.

وقد وردت الإشارة إلى هذا المعنى في الأحاديث الإسلامية أيضاً ، ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) أنّه قال : «كَيْفَ اخَافُ وَانْتَ امَلِي وَكَيْفَ اضَامُ وَانْتَ مُتَّكَلِي» ([44]).

وفي حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه‌ السلام) أنّه قال : «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ لَا يُغْلَبُ ، وَمَنْ اعْتَصَمَ بِاللهِ لَا يُهْزَمُ» ([45]).

أجل فكلّ إنسان يتوكل على الله فإنه يعيش الغنى وعدم الحاجة ويشعر بالعزّة والكرامة كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه‌ السلام) قوله : «انَّ الْغِنَى وَالْعِزَّ يَجُولَانِ فَاذَا ظَفَرَا بِمَوْضِعِ التَّوَكُّلِ اوْطَنَا» ([46]).

ومضافاً إلى ذلك فإنّ التوكل يُبعد عن الإنسان كثير من الصفات الرذيلة من قبيل الحرص والحسد وحبّ الدنيا والبخل وغير ذلك ، لأنّه عند ما يفوض الإنسان أمره إلى الله تعالى ويعلم انه القادر على كلّ شيء والعالم بحاجته وفقره فإنه سوف لا يبقى أثر لهذه الحالات السلبية في واقعه ونفسه.

فعند ما يقرأ المؤمن هذه الآية الشريفة : «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» ([47]) يجد نفسه غارقاً في أسر التوفيق وغير محتاج إلى أيّ إنسان ، كما ورد في بعض الأدعية قوله : «اللهُمَّ اغْنِنِي بِالْيَقِينِ وَاكْفِنِي بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ» ([48]).

ومن جهة رابعة فإنّ التوكل يزرع في قلب الإنسان نور الأمل الّذي بإمكانه أن يمنح الإنسان القدرة والقوّة في حركته ويذهب عنه عنصر التعب المسلط عليه ، ويشعر بالاستقرار والهدوء النفسي في كلّ الأحوال ، ولذلك يقول أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) في كلام مختصر وعميق المعنى : «لَيْسَ لِمُتَوَكِّلٍ عَنَاءُ» ([49]).

ومن جهة خامسة فإنّ التوكل على الله يزيد من ذكاء الإنسان وقدرة الذهن على التفكير الخلّاب ، ويفتح آفاقه المعرفية ، فيرى الأشياء من موقع الوضوح في الرؤية ، لأنّه ومع غضّ النظر عن البركات المعنوية لهذه الفضيلة الأخلاقية فإنّ التوكل يتسبب في أنّ الإنسان لا يجد في نفسه قلقاً واضطراباً مقابل المشكلات الّتي تفرزها الظروف الصعبة في حركة الواقع ، وبذلك تحفظ له قدرته على التصميم الجدّي والهادف الّذي ينطلق من موقع التفكير المتّزن بحيث يجد طريق الحلّ أمامه بسهولة.

ومن ذلك نقرأ في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) قوله : «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ اضَاءَتْ لَهُ الشُّبُهَاتِ وَكَفَى الْمَؤُونَاتِ وَامِنَ التَّبِعَاتِ» ([50]).

3 ـ أسباب التوكل

إن التوكل كسائر الفضائل الأخلاقية له أسباب ودوافع عديدة ، ويمكن القول أنّ أهمّ الأسباب والعوامل الّتي تمثل البنى التحتية لصرح التوكل هو الإيمان واليقين بالذات المقدسة والمعرفة بصفات الجمال والجلال الإلهية.

عند ما يقف الإنسان على قدرة الله وعلمه الواسع من موقع الوضوح والإدراك التام وأنّ جميع المخلوقات في عالم الوجود ما هي إلّا أدوات مسخرة للقدرة الإلهية المطلقة ، ويدرك جيداً مفهوم «لَا مُؤَثِّرَ فِي الْوُجُودِ الَّا الله» ، فإنه يرى نفسه وقلبه معلّقاً بهذا الواقع الغيبي ، ويرى عالم الوجود ميدان واسع للألطاف الإلهية العظيمة ، ومن هذا المنطلق يجد في نفسه حالة التوكل على الله تعالى ويفوض أمره إليه ويطرق بابه في الأزمات والشدائد والمشكلات الّتي تواجهه في واقع الحياة ، ويطلب منه أن يعينه في حلّها والتغلب عليها (مع اقتران ذلك بسعيه وعمله).

وبعبارة اخرى إن التوكل هو ثمرة لشجرة (التوحيد الأفعالي) هذه الشجرة المباركة الّتي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كلّ حين بإذن ربها ، ومن أهم ما يتناول الإنسان منها هو ثمرة التوكل.

وقد أشارت الآيات القرآنية والأحاديث الإسلامية كراراً إلى هذه العبارة الشريفة ، ومن ذلك انها وردت في سبع آيات من القرآن الكريم وهي : «وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ».

أي إن الإنسان الّذي يعيش الإيمان يجب عليه أن يتوكل على الله فقط ، وهذه العبارة تبين جيداً الرابطة الوثيقة بين الإيمان والتوكل.

ويقول الإمام أمير المؤمنين علي (عليه‌ السلام) «التَّوَكُّلُ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ» ([51]).

ويقول في حديث آخر : «اقْوَى النَّاسُ ايمَاناً اكْثَرُهُمْ تَوَكُّلاً عَلَى اللهِ سُبْحَانَهُ» ([52]).

وقد ورد في الحديث الشريف عن الأصبغ ابن نباتة عن أمير المؤمنين علي (عليه‌ السلام) في ما يقرأه الإنسان في سجوده يقول : «وَاتَوَكَّلُ عَلَيْكَ تَوَكُّلَ مَنْ يَعْلَمُ انَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ» ([53]).

وممّا يجدر ذكره أنّ الأشخاص الّذين يعيشون الخوف والجبن ليسوا من أهل التوكل ، لأن التوكل على الله يُزيل من روح الإنسان ونفسه ظلمة الخوف والجبن ويمنحه الشجاعة والشهامة في التصدي لمعالجة الظروف الصعبة.

عند ما نتأمل جيداً في هذه المسألة يتضح لنا دور اليقين والإيمان بصورة أكبر في منح الإنسان عنصر التوكل وتطهير نفسه من شوائب الخوف والجبن ، لأنّه كلّما كان إيمان الفرد أقوى وأشد ابتعد عنه الخوف والجبن مسافات أكبر.

ولا ينبغي إهمال هذه الملاحظة ، وهي أنّ مطالعة معطيات التوكل والتدبر في آثاره الإيجابية وقراءة حالات المتوكلين على الله وتاريخ حياتهم بإمكانه أن يورث الإنسان روح التوكل على الله ويقوي في وجوده وقلبه هذه الشجرة الطيبة المثمرة.

4 ـ درجات التوكل

رأينا ممّا تقدّم من البحوث السابقة السبب الّذي يدفع بعض الناس لأن يعيشوا التوكل في مرتبته الشديدة والبعض الآخر في مرتبة أدنى ، حيث تبين لنا أنّ التوكل هو وليد الإيمان ، وكلّما اشتد إيمان الفرد بالله تعالى وصفاته واسمائه الحسنى فإنّ ذلك من شأنه أن يزيد من نسبة توكله بهذا المقدار ، فالتوكل الّذي كان يعيشه إبراهيم كان وليد إيمانه الراسخ ، وكذلك التوكل العجيب لأمير المؤمنين (عليه‌ السلام) الّذي تجلّى في (ليلة المبيت) (الليلة الّتي نام فيها أمير المؤمنين (عليه‌ السلام) في فراش النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) وهاجر فيها النبي إلى المدينة). كذلك وليد إيمانه القوي والراسخ ، وهذه الحالات من التوكل نجدها لدى المؤمنين في مراتب متوسطة أو أقل من ذلك بنسبة إيمانهم بالله تعالى.

وقد سأل شخص الإمام علي بن موسى الرضا (عليه‌ السلام) عن مفهوم هذه الآية : «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ»

فقال له الإمام (عليه‌ السلام) : «لِلتّوَكُّلِ دَرَجَاتٌ» ثمّ أضاف : «مِنْهَا انْ تَثِقَ بِهِ فِي امْرِكَ كُلِّهِ فِي مَا فَعَلَ بِكَ فَمَا فَعَلَ بِكَ كُنْتَ رَاضِياً وَتَعْلَمَ انَّهُ لَمْ يَأْلُكَ خَيْراً وَنَظَراً ، وَتَعْلَمَ انَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ لَهُ ، فَتَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ بِتَفْويِضِ ذَلِكَ الِيْهِ» ([54]).

وقد ذكر بعض علماء الأخلاق للتوكل ثلاث مراتب :

الاولى : أن يعيش الإنسان الاعتماد والاطمئنان والثقة بالله تعالى كما يطمئن الإنسان ويثق بوكيله عند ما يجده لائقاً ومخلصاً فيفوض اموره إليه (دون أن يفقد اصالته واستقلاله بهذا الاعتماد والثقة) وهذه هي أضعف مراتب التوكل.

الثانية : أن يكون حاله في اعتماده على الله وثقته بنفسه كحال الطفل بالنسبة لُامّه ، فالطفل في بداية الأمر لا يرى شيئاً سوى امّه ولا يعتمد على غيرها إطلاقاً ، فما أن يراها حتّى يتعلق بها ، وعند ما يجد نفسه لوحده فإنه بمجرد أن يصيبه شيء أو حادثة فإنه يطلب امّه فوراً ويبكي أيضاً في طلبها.

ولا شكّ أنّ هذه المرتبة من التوكل أعلى من السابقة ، لأن الإنسان في هذه الحالة يجد نفسه غارقاً في تجليات الحقّ ولا يرى أحداً غيره ولا يطلب من أيّ أحد حلّ مشكلاته إلّا من الله تعالى.

المرتبة الثالثة : وهي بدورها أعلى من المرتبة الثانية في سُلّم الكمال المعنوي ، وهي أن يجد الإنسان نفسه عديم الإرادة والاختيار ، فكلّما أراد منه الله شيئاً ورضي به كان رضاه بذلك الشيء وتعلّقت إرادته بذلك الشيء أيضاً ، وكلّما عَلِم أنّ الله لا يريد ذلك الشيء فإنه لا يُريده أيضاً.

بعض العلماء يرى أن توكل إبراهيم (عليه‌ السلام) كان يحكي عن هذه المرتبة الثالثة ، عند ما وضعوه في المنجنيق وأرادوا قذفه في النار المهيبة ، ولكنه مع ذلك لم يطلب شيئاً من الملائكة على مستوى انقاذه من الهلكة ، وعند ما قالت له الملائكة : هل لك حاجة؟ قال : لي حاجة ولكن ليست إليكم ، وعند ما قيل له : اطلب حاجتك من الله لينقذك من هذه النار المحرقة ، فقال : «حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي» ([55]).

وهذه الدرجة العالية من التوكل يندر وجودها بين الناس ، وهي من خواص مقام الصديقين الّذين يعيشون الذوبان والعشق للذات المقدسة والغرق في صفات جماله وجلاله.

5 ـ طرق تحصيل التوكل

لقد ذكر علماء الأخلاق طرقاً للتوصل إلى حالة التوكل وكلّ منها بمثابة عامل مؤثر لاكتساب هذه الفضيلة الأخلاقية الكبيرة ، ومن ذلك : التوجه إلى حالة (التوحيد الأفعالي) وأن يعلم الإنسان يقيناً بأن كلّ شيء في عالم الوجود متصلاً بذاته المقدسة ومرتبط بها وأنّ الله تعالى هو مصدر عالم الوجود والعلّة التامة لوجوده ووجود الكائنات وانه مسبّب الأسباب ، فلا مؤثر في الوجود إلّا بأمره وكلّ المخلوقات إنما تقتات من صفات مائدة فضله ورحمته وكرمه.

فبعد التأمل والتدبر في هذه الامور يعود ينظر إلى حالاته الذاتية ليرى كيف أنّ الله تعالى اخرجه من صقع العدم والظلمة إلى نور الوجود وألبسه رداء الوجود ومنحه كلّ تلك القوى والمواهب الكثيرة المادية والمعنوية ورعاه عند ما كان في رحم امّه في (ظلمات ثلاث) حيث لم تكن تصل إليه يد إنسان ، ومع ذلك فإنه كان يتقلب في نعمة الله وفضله ولم يحتج إلى شيء إلّا وأنعم الله به عليه.

وبعد أن خرج من عالم الرحم إلى فضاء هذه الدنيا فإنّ الله تعالى وهب له كلّما يحتاجه من شرائط الحياة وما يفتقر إليه في بقائه وسلامته ، من لبن الامّ إلى محبتها ورعايتها والسهر عليه ودفع الخطر عنه وأمثال ذلك.

لقد وهب له الله تعالى معرفة كيف يرتضع من صدر امّه وهداه إلى معرفة الطريق إلى تفعيل عواطفها وتسيير محبتها وحنانها تجاهه بحيث جعلها تخدمه ليل نهار في حين انها لا تجد في نفسها التعب من ذلك بل تحسّ باللّذة وتشعر بالرضا بهذه الخدمة الشاقة والمتواصلة.

وعند ما بلغ به العمر سنّ الرشد تواترت عليه نعم الله ومواهبه المختلفة من السماء والأرض واغرقته في ألطافه وعناياته اللامتناهية.

أجل عند ما يتفكر الإنسان بكلّ هذه الامور يتبين له جيداً أنّ كلّ شيء في عالم الوجود خاضع ومطيع لله تعالى ، وينبغي عليه أن يفوض جميع اموره إلى الذات المقدسة ويتوكل عليه كما هو مضمون الآية الشريفة : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)([56]).

إن الإيمان الراسخ بهذه الحقائق بإمكانه أن يوصل الإنسان إلى مرتبة (التوكل) ويصعد به في هذه الصفة الكمالية إلى مراتب اخرَى ويجعله في زمرة المتوكلين الحقيقيين.


[1] سورة يونس ، الآية 71.

[2] سورة هود ، الآية 56.

[3] سورة إبراهيم ، الآية 37.

[4] سورة هود ، الآية 88.

[5] سورة يوسف ، الآية 67.

[6] سورة يونس ، الآية 84 و 85.

[7] سورة البقرة ، الآية 250.

[8] سورة التوبة ، الآية 129.

[9] سورة إبراهيم ، الآية 12.

[10] سورة الطلاق ، الآية 3.

[11] سورة يونس ، الآية 71.

[12] سورة هود ، الآية 54 ـ 56.

[13] سورة هود ، الآية 56.

[14] سورة إبراهيم ، الآية 37.

[15] سورة هود ، الآية 88.

[16] سورة يوسف ، الآية 67.

[17] سورة يوسف ، الآية 67.

[18] سورة يوسف ، الآية 84.

[19] سورة يونس ، الآية 85.

[20] المصدر السابق.

[21] سورة البقرة ، الآية 250.

[22] سورة التوبة ، الآية 129.

[23] سورة إبراهيم ، الآية 12.

[24] سورة الطلاق ، الآية 3.

[25] كنز العمال ، ج 3 ، ص 101 ، ح 5686.

[26] غرر الحكم ، ح 3853.

[27] تفسير علي بن سورة إبراهيم ، الآية ص 72 و 73 (مع التلخيص).

[28] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 65.

[29] ميزان الحكمة ، ج 4 ، ح 22547.

[30] غرر الحكم ، ح 9028.

[31] غرر الحكم ، ح 8985.

[32] بحار الأنوار ، ج 55 ، ص 265.

[33] بحار الأنوار ، ج 78 ، ص 183.

[34] ميزان الحكمة ، ج 4 ، ح 22661.

[35] أخلاق شبّر ، ص 275 مع التلخيص.

[36] المحجة البيضاء ، ج 7 ، ص 273.

[37] بحار الأنوار ، ج 68 ، ص 138 ، ح 23.

[38] بحار الأنوار ، ج 68 ، ص 143 ، ح 42.

[39] المحجّة البيضاء ، ج 7 ، ص 426 ، كنز العمّال ، ح 5687 و 5689.

[40] سورة الأنفال ، الآية 60.

[41] سورة النساء ، الآية 102.

[42] اصول الكافي ، ج 1 ، ص 183 ، ح 7.

[43] المحجّة البيضاء ، ج 7 ، ص 432.

[44] بحار الأنوار ، ج 91 ، ص 229.

[45] ميزان الحكمة ، ج 4 ، ص 3659 ، ح 22547.

[46] بحار الأنوار ، ج 68 ، ص 126.

[47] سورة الطلاق ، الآية 3.

[48] بحار الأنوار ، ج 87 ، ص 14.

[49] شرح غرر الحكم ، ج 5 ، ص 72 ، ح 7451.

[50] شرح غرر الحكم ، ج 5 ، ص 414 ، ح 8985.

[51] غرر الحكم ، ح 699.

[52] غرر الحكم ، ح 3150.

[53] بحار الأنوار ، ج 83 ، ص 227.

[54] بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 336.

[55] اقتباس من معراج السعادة ، ص 786.

[56] سورة يونس ، الآية 107.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.