أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-30
1135
التاريخ: 2024-12-14
141
التاريخ: 2023-09-07
1014
التاريخ: 2024-11-19
345
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله فاتح الاغلاق، مانح الاعلاق، مسبغ العطاء، مسبل الغطاء، الذي خلق الانسان فأجزل عليه الاحسان، حيث أقام من نوعه أقوامًا فجعلهم لملّته قواماً وعلى أمّته قواماً، ثم قرن طاعتهم بطاعته تفضّلاً بمنّه الغمر، فقال عزّ من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ثم أوجب على من سواهم الاهتداء بمنارهم والاقتداء بمبارهم، فاستفز ذوي الهمم للرجوع في الاحكام إليهم والاعتماد في سلوك طريق الانذار عليهم، فقال جل ثناؤه: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] أحمده على من طوقه، وأمن وفقه، ويمن دفقه، وظن حققه، ونعمة أولاها ونقمة ألواها، ورحمة والاها.
وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، شهادة من صدع بالحق لسانه ونزع عن التقليد جنانه، شهادة يحظى بها الشاهد ويلظى بها الجاحد ويرغم بها المنافق ويعظم بها الخالق.
وأصلّي على سيّدنا محمد خاتم الأنبياء وحاتم الأسخياء، الذي أرسله بكتاب أحكمه وصواب ألزمه، وغمرات (1) الشرك حينئذ طافحة وجمرات الشك لافحة (2)، فلم يزل بزناد الإيمان قادحاً (3)، ولعبّاد الأوثان مكافحاً (4)، وبالحقوق طالباً، وعن الفسوق ناكباً (5)، حتّى شدّ من الحق قواعده، وهدّ من الباطل أوابده (6)، وأظهر من الدين حقائقه، وأنور من اليقين شوارقه، فأقام بإرساله الحجّة (7)، وقوّم بآله وأنساله المحجّة، فأنار بهم الهدى، وأبار الردى، وجعلهم الحجج على خلقه، والباب المؤدّي الى معرفة حقّه، ليدين بهداهم العباد، وتشرق بنورهم البلاد، وجعلهم حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للاسلام، بعد أن اختارهم من أرجح الخليقة ميزاناً، وأوضحها بياناً، وأفصحها لساناً، وأسمحها بناناً، وأعلاها مقاماً، وأحلاها كلاماً، وأوفاها ذماماً، وأبعدها همماً، وأظهرها شيماً، وأغزرها ديمًا (8)، فأوضحوا الحقيقة، ونصحوا الخليقة، وشهروا الإسلام، وكسروا الأصنام، وأضهروا الأحكام، وحظروا الحرام.
فعليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتمّ السلام، صلاة وسلاماً دائمين بدوام الليالي والأيام.
وبعد :فيقول فقير رحمة ربّه الغني (حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني) أصلح الله أعماله وبلّغه آمال: لمّا كان التفقّه في زماننا هذا واجبًا على كلّ المكلّفين، وبه تحصل السعادة في الدنيا والدين، وهو ميراث النبيّين وحلية الأولياء والمقرّبين، فقد روينا بطريقنا الآتي ذكره وغيره عن محمد بن يعقوب الكليني (رض) عن علي بن محمد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عن عثمان بن عيسى عن علي بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: عليكم بالتفقّه في دين الله، ولا تكونوا أعراباً، فإنّه من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً (9).
وروينا بالطريق المذكور عنه عن الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن الحسن بن علي الوشّاء عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أراد الله بعبد خيرًا فقّهه في الدين (10).
ولا ريب أنّ التفقّه موقوف على الأحاديث المطهّرة المرويّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة المعصومين (عليهم السلام)، إذ قد تواتر عنهم (عليهم السلام) ببطلان القياس النقل وحكم بذلك أيضاً صحيح العقل، فكان الفحص عن أحاديثهم الواردة عنهم (عليهم السلام) في المعارف والحلال والحرام من أعظم المهمّات وإهمال ذلك ـ خصوصًا في زماننا ـ من أكبر الملمّات.
ولقد روينا بطريقنا الآتي وغيره من الطرق عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنّ الانبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمَن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظًا وافرًا، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه، فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين (11).
وقد روينا بطريقنا عنه عن الحسين بن محمد عن احمد بن اسحاق عن سعدان بن مسلم عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل راوية لحديثكم يبثّ ذلك في الناس ويشدّده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ورجل عابد من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيّهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد (12).
وروينا أيضاً بطريقنا عنه عن محمد بن الحسن عن سهل بن زياد عن ابن سنان عن محمد بن مروان العجليّ عن علي بن حنظلة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا (13).
وروينا من غير طريق محمد بن يعقوب بسندنا المتّصل الى أمير المؤمنين وإمام المتّقين ويعسوب الدين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: رحم الله خلفائي. قيل: يا رسول الله ومَن خلفاؤك؟ قال: قوم يأتون من بعدي يروون آثاري وسنّتي يعلّمونها النّاس (14).
وروينا أيضاً من غير طريقه بسندنا المتصل الى جعفر بن محمد الصادق أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): سارعوا في طلب العلم فلحديث واحد صادق خير من الدنيا وما فيها (15).
وجب على كل ذي لب وحميّة في الدين صرف العناية الى البحث عن طرق أحاديثهم ورواتها وكيفيّة الاستدلال بها واصطلاح الفرقة الناجية فيها، وكنت ممّن منَّ الله عليه فصرف فيها جملة من زمانه ووجّه إليها عنان قلبه ويده ولسانه، ورأيت فن أصول الحديث قد اندرس فيما بيننا رسمه وانمحى اسمه، بل ذهب في زماننا هذا علمه وظنه ووهمه، ولم يزل سلفنا الماضون يعتنون بشأنه ويبتنون إفادة الأحاديث واستفادتها على قواعد بنيانه، فلقد كانت قواعده بينهم متداولة غنية عن التعريف وإن لم يفردوا لها كتابًا بالتأليف، لكنّهم ضمّنوا كتبهم الفقهيّة والأصوليّة وكتب الحديث والرجال كثيرًا من ذلك.
ولبعد ما بين مظانّها تتعسّر الإحاطة بها على مريد سلوك هذه المسالك، مع أنّهم تركوا كثيراً من قواعده لم يكتبوها وإن كانت متداولة بينهم يعرفها ذووها.
فجمعت من مظان ذلك شوارد يعسر جمعها، وقيّدت منه أوابد (16) يكثر نفعها فجاءت في الحقيقة أنور من نور الحديقة، وفي نظر العين أنضر من نظرة العين، قد اتضح بها علم أصول الحديث واستبان، وافتضح بها جهله واستكان، ولقد يصدق الناظر فيها المثل السائر (كم ترك الأول للآخر) وسمّيتها (وصول الأخيار إلى أصول الأخبار).
فدونك كلمات ينزر عددها ويغزر مددها، تكسيك حليّ الأولياء وتلبسك حلّة الأنبياء، وترشدك الى طريق النقل والتحصيل، وتخرج قوتك القريبة إلى الفعل الجميل.
وممّا حثّني على تأليف هذه الرسالة بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق، وأوجبه عليّ بعد اتّصالي بدولة الإيمان والوفاق، ما شاهدته من إقبال أهلها على اقتباس الفقه والحديث وحسن سلوكهم، وتحقّقت به صدق المثل السائر (النّاس على دين ملوكهم).
فيالله من دولة صافية المشارع، ضافية (17) المزارع، مايعة الظل، بحورها زاخرة(18)، وبدورها زاهرة.
دولة ملك ترجى الركائب الى حرمه، وتوحى الرغائب من كرمه، وتنزل المطالب بساحته، وتستنزل الراحة من راحته، قد بلغ نهاية الأطوار، وبلغ غاية الأطوار، فهو قبلة الصلات إن لم يكن قبلة الصلاة، وكعبة المحتاج إن لم يكن كعبة الحجّاج، ومشعر الكرام إن لم يكن مشعر الحرام، ومنى الضيف إن لم يكن منى الخيف، بابه غير مرتج(19) عن كلّ مرتج، ونوابه أيّ منهج لكلّ ذي منهج.
إذا غلقت أبواب قوم لعلّة *** فبابك مفتوح وليس بمرتج
وسيفك موقوف على طلب العلى *** وسيبك (20) موقوف على كل مرتجي
فهو للأرزاق في الخصب والجدب قاسم، وللأعمار بالحرب والضرب قاصم، فمنحه رغائب ومحنه غرائب، قد أصبح لحجم الكفر ماحياً ولحمى الإيمان حامياً، بهمته تعزل السماك الأعزل لسموها، وتجرّ على المجرّة ذيل علوها، همم لم يزل لسهام المعالي مقلا عراؤها لا ينام، ولقد أوطأتك ذروة مجد لا تسامى ورتبته لا تسام، وفصلت هذه المساعي غير القول فضلت في وصفها الأفهام.
وكيف لا يكون كذلك وهو ثمرة غصن شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء لدى العزيز الغفور، زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيئ ولو لم تمسسه نار نور على نور، فماذا عسى بمثلي أن يطري ويقول بعد مدح الله بهذه الشجرة والرسول، لكنّي أتبرّك فأقول اجمالاً واجلالاً وان استلزم للقصور اخلالاً: هي شجرة أصولها في التخوم وفروعها في النجوم، فهم غيوث غامات في الجدب وليوث غابات في الحرب، وصدور مجالس المعالي وبدور حنادس الليالي، وجنّة الخائف والجاني وجنّة الحارف والخاني، وسماء السمو والعلاء وسمام السماح والعطاء، أقوالهم أشهر من يوم بدر وأفعالهم أنور من ليلة القدر.
قد فتّشت أنسابكم مذ *** كان آدم في الوجود
فرجحتم كلّ الأنام *** بخصلتي فضل وجود
كيف لا وهم معدن جهود (21).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغمرة: الانهماك في الباطل والشدة، والجمع الغمرات. وغمرات الموت: شدائده والطافح: الممتلئ المرتفع.
(2) جمرة النار: القطعة الملتهبة منها. ولفحته النار: أصابت وجهه، الا أنّ النفح أعظم تأثيراً منه.
(3) الزند: الذي يقدح به النار، ويجمع على زناد، مثل سهم وسهام. والقادحة: مستخرج النار من الزند.
(4) المكافحة: المضاربة والمدافعة تلقاء الوجه.
(5) نكب عن الشيء: عدل وأعرض.
(6) الأبدة: الداهية تبقى على الأبد، والجمع الأوابد.
(7) في المطبوعة فأقام بإرسال الحجة.
(8) الديم كشيم جمع ديمة: مطر يكون مع سكون، وقيل المطر الذي يكون من غير رعد ولا برق، تدوم يومها.
(9) الكافي 1 / 31. وقد وقع خلط بين السند والمتن، فإنّ هذا السند للحديث السابق على هذا الحديث في المصدر، وسند هذا الحديث هكذا: الحسين بن محمد عن جعفر بن محمد عن القاسم بن الربيع عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ... وروى أيضاً في المحاسن: 177.
(10) الكافي 1 / 32.
(11) الكافي 1 / 32.
(12) الكافي 1 / 33.
(13) الكافي 1 / 50.
(14) في منية المريد ص 24 وعنه في البحار 2 / 25: رحم الله خلفائي. فقيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يحيون سنّتي ويعلّمونها عباد الله. وانظر أيضا كنز العمّال 10 / 229.
(15) بحار الأنوار 2 / 146 مع زيادة فيه.
(16) الأوابد جمع آبد، وهو بمعنى الوحش، والمؤنّث آبدة، سمّيت بذلك لبقائها على الأبد. قال الأصمعي: لم يمت وحشي حتف أنفه قط، إنّما موته عن آفة، وكذلك الحية على ما زعموا.
(17) الضفو: السعة والخير والكثرة، رجل ضافي الرأس: كثير شعر الرأس.
(18) زخر البحر: مدّ وكثر ماؤه وأرتفعت أمواجه.
(19) ارتجّت الباب ارتاجًا: أغلقته أغلاقًا وثيقًا.
(20) السيب العطاء.
(21) في المخطوطة وهم معدن عهدة، ولعلّه وهم معدن النبوة.. وفيها بعده: والله حسبي ونعم الوكيل.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|