أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-04-25
891
التاريخ: 2023-07-08
1509
التاريخ: 2024-03-08
1051
التاريخ: 2024-07-08
515
|
يجد المؤرخ صعابًا كبيرة تعترضه عندما يريد أن يكتب شيئًا عن الحياة الاجتماعية في مصر القديمة، وبخاصة عندما نعلم أن كل ما وصل إلينا من هؤلاء القوم جاء عن طريق مقابرهم وما كانت تحتويه من أثاث جنازي، وما تركوه لنا من مناظر، وما دوَّنه الملوك على معابدهم التي شيدوها لأنفسهم ولآلهتهم، ولكن مع ذلك فإن ما عُثر عليه في هذه المقابر والمعابد يسهل علينا أحيانًا معرفة أحوال أولئك وحياتهم وما كانوا عليه من نعيم وشقاء وبخاصة في العهد الذي بدأ فيه عامة الشعب يدونون أعمالهم في الجبانات الملكية على قطع الاستراكا، وتكثر فيه الأوراق البردية التي تحتوي ما كان يجري من أمور في أنحاء البلاد. وقد وصل إلينا عدة أوراق وآلاف من الاستراكا كشفت لنا الغطاء إلى حد لا بأس به عن كثير مما كان يجري في قصور الفراعنة وأكواخ العامة.
لعبت جبانة «طيبة» دورًا هامًّا في الأوراق البردية التي كُشف عنها في عهد الأسرة العشرين، وهي الخاصة بأحوال معيشة الشعب وما كان يرتكبه القوم من جرائم سرقة، ويدبرونه من إضرابات، وعن سير الأعمال والمعتقدات الدينية الشعبية. والواقع أننا إذا تحدثنا عن جبانة «طيبة» في هذا الوقت فإنما نصف أهم ناحية في الحياة المصرية في ذلك العصر لأنها كانت تحتوي قبور الملوك والعظماء، والقرى التي كان يسكن فيها العمال الذين يقومون بالعمل في هذه الجبانة التي تُعد في نظر القوم جزءًا لا يتجزأ من العاصمة، كان يسكن فيها الملوك والكهنة في المعابد الجنازية التي أقاموها هناك، وشيدوا لأنفسهم فيها البيوت الفاخرة، والقصور الشامخة كما يدل على ذلك ما جاء في ورقة «هاريس» الكبرى، وآثارهم الباقية فعلًا.
واسم هذه الجبانة في المتون المصرية هو «الجبانة العظيمة النبيلة لملايين السنين للفرعون في غربي طيبة». وهذا الاسم الذي كانت تُصدَّر به الأوراق الرسمية كان مطوَّلًا؛ لذلك نجده قد اختُصر إلى «جبانة الفرعون». والعبارة الدالة على كلمة جبانة «باخر» في الأوراق البردية الخاصة بهذا العصر كانت تشمل الجبانة الملكية، ومقابر وجهاء القوم الهامة المقامة في غربي «طيبة» وعلى الضفة اليمنى من النيل، وذلك لا يشمل سلسلة المقابر الملكية الخاصة بالأسرتين الحادية عشرة والسابعة عشرة الواقعة عند سفح تلال «ذراع أبو النجا» وحسب، بل يشمل كذلك مقابر «وادي الملوك» ومقابر الملكات والأمراء الواقعة في «وادي الملكات». ولا بد أنه كان لكل من أجزاء هذه الجبانة البعيدة اسم خاص يُميز به. فمثلًا كانت مقابر الملكات تُدعى «مثوى الجمال»، وهو المكان المعروف الآن باسم «وادي الملكات «(Pap. Abott, 4, II ff). ويؤكد صحة هذه التسمية عبارة جاءت في يوميات ورقة «تورين» حيث أُرسلت لجنة لفحص مقبرة الملكة «إزيس» — ويحتمل أنها الملكة التي أُشير إليها في ورقة «آبوت»: «وقد ذهبت إلى «مثوى الجمال».» ويتضح على ما يظهر من ورقة «آبوت» كذلك أن نفس هذا المكان كان يُسمى «الوادي العظيم« (Ibid, 5, 5).
والمستغرب فيما جاء في الأوراق البردية التي وصلت إلينا حتى الآن أنه لم يذكر لنا اسم «وادي الملوك» بالمصرية. والواقع أننا لا نعرف لهذا المكان اسمًا غير اسم «الوادي» وقد وُجد على استراكا عُثر عليها هناك فعلًا، غير أن ذلك لا يعني أنه يدل على اسمه الكامل.
ولدينا اسم آخر يدل على جزء خاص من جبانة «طيبة». وهو «مكان الصدق» أو «المكان الحق» وقد قال عنه «مسبرو»: «إنه الجزء الشمالي من الجبانة العامة الواقع حول معبد «القرنة» و«ذراع أبو النجا».» أما «شرني» فإنه يعتقد أن عبارة «خدَّام بيت الصدق» موحدة بأهل الجبانة دون تخصيصها بمكان؛ وذلك لأن العبارة المذكورة لا تكاد توجد إلا على الآثار التي عُثر عليها في جبانة «دير المدينة» حيث دُفن العمال (Ibid P. 160)
وقد وجدنا في ورقتين (Br. Museum, 10053 No. 7, 8 aud No. 10052,8, (7) شخصين كل منهما يُدعى صانع مكان الصدق.
ويقول «إرك بيت»: إذا كان هذا الاسم يُطلق على كل الجبانة فإنه من المدهش ألا نجد بين الألقاب التي في هذه الأوراق البردية إلا اسمين خُصصا بمكان الصدق. وفضلًا عن ذلك فإنه وُجد على ظهر ورقة مصور مناجم الذهب المحفوظة الآن بمتحف «تورين» متن مهشم جاء فيه أن الفرعون أرسل الشريف العظيم ليحضر … … من محاجر حمامات … … إلى مصر. وقد وضعوها — أي الأحجار — في مكان الصدق بالقرب من معبد «رعمسيس الثاني«.
ولا نعرف على وجه التأكيد في أي تاريخ بالضبط أصبحت هذه الجبانة مؤسسة حكومية. وتدل شواهد الأحوال على أنه منذ أن بدأ ملوك الأسرة الحادية عشرة يدفنون فراعينهم في غربي «طيبة» كانت تكلف طائفة من الناس بحراسة هذه المدافن، والسهر على العناية بها، وما تحتاج إليه من خدمات. وفي عهد الأسرة السابعة عشرة نجد أن الجبانة الملكية أخذت تشغل مساحة عظيمة.
ولا بدَّ أن اختيار «تحتمس الأول» ﻟ «وادي الملوك» ليكون مقرًّا لجثمانه — هذا بالإضافة إلى زيادة حجم المقابر وفخامتها وعظم النفائس التي كانت تُوضع داخلها — قد اضطر الملوك إلى إيجاد نظام دقيق لتجهيز هذه المقابر، والمحافظة عليها بدرجة كبيرة، نظام يحوطه الكتمام أحيانًا، حتى يخيل إلى الإنسان أنه لا يقترب من المقابر إلا نفر خاص.
هذا وقد ذُكر في مكان آخر (راجع مصر القديمة الجزء الرابع) ما كان للملكة «نفرتاري» زوج «أحمس الأوَّل» وابنها «أمنحتب الأول» من مكانة مقدسة خاصة بين عمال الجبانة، وأن تمثاليهما كانا يقومان بالفصل في المخاصمات بين طوائف العمال، وبين العامل وأخيه في كل المنازعات بوساطة الوحي الذي كان يوحيه التمثال. ولا نزاع في أن ذلك يعني أن هذين الشخصين كان لهما فضل كبير في وضع نظم الجبانة على أسس رسمية متينة؛ ولذلك أصبحا إلهين في عين الشعب.
وقد لاحظ «بروبير» في كتاباته عن هذه الجبانة أن كثيرًا من لبناتها التي استعملت في بناء قرية العمال في هذه الجهة كانت تحمل طغراء «تحتمس الأول»، فكل ذلك يؤكد لنا إقامة نظم الجبانة في باكورة الأسرة الثامنة عشرة على أسس متينة، وقد ظلت تسير في سبل التقدم من خلال هذه الأسرة ثم الأسر التي تلتها حتى نهاية الأسرة العشرين. ومنذ ذلك الوقت أخذت المادة الأثرية التي تحدثنا عن سير العمل في هذه الجبانة تتلاشى، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الملوك قد أعرضوا عن دفن جثثهم في جبانة «طيبة»، ولا بد أن هذا العمل كان ضربه قاصمة لسلطان «طيبة»، وبخاصة إذا علمنا أنه منذ الأسرة التاسعة عشرة كان قد أخذ سلطانها يضعف من الناحية السياسية بنقل عاصمة الملك السياسية إلى «بررعمسيس» — قنتيرا الحالية، هذا ولا يدل نقل الموميات الفرعونية وغيرها التي لم تهشم — من مقابرها الأصلية إلى مكان خفي بالقرب من «الدير البحري» في أوائل الأسرة الواحدة والعشرين، على أن الغرض من ذلك المحافظة عليها من عبث العابثين بها وحسب، بل يظهر لنا جليًّا تخلي الحكومة كلية عن العمل في المحافظة على صيانة الجبانة العظيمة الفاخرة التي كانت مقرًّا لأعظم الملوك.
وقد أظهر كل من الأستاذين «شرني» و«برويير» في كتاباته في مواضع كثيرة، ومناسبات عدَّة أن المكان الذي كان يسكن فيه عمال الجبانة فعلًا هو القرية التي كُشف عنها في السنين الأخيرة، وهي التي تقع جبانتها في التلال المشرفة عليها. ولا نزاع في أن هذه القرية كانت تُعد مكانًا مناسبًا وطبيعيًّا للعمال الذين كانوا يشتغلون في جبانة «وادي الملكات» وهي مسافة معقولة من معبد «رعمسيس الثالث» الجنازي الذي كان يُعد مركزًا فعليًّا لإدارة الجبانة في عهد الأسرة العشرين، كما تشير إلى ذلك الوثائق الخاصة بهذه الجبانة، وكما تشير كل المؤسسات الدينية التي أقامها «رعمسيس الثالث» كما أوضحنا ذلك في مكانه، على أن هذه القرية لم تكن كذلك بعيدة بالنسبة للعمال الذين كانوا يعملون في «وادي الملوك»؛ لأن العامل كان لا يقطع إلا نصف ميل على التلال ليصل إلى أبواب الملوك.
|
|
"علاج بالدماغ" قد يخلص مرضى الشلل من الكرسي المتحرك
|
|
|
|
|
تقنية يابانية مبتكرة لإنتاج الهيدروجين
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يطلق مشروع (حفظة الذكر) في قضاء الهندية
|
|
|