بطليموس الثامن يوباتور
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 358 ــ 361
2025-12-17
36
لم يثبت مما لدينا من وثائق أن هذا الأمير قد حكم أرض الكنانة منفردًا. وقد ورد ذكره في جملة نقوش هيروغليفية وإغريقية وديموطيقية، غير أنه على الرغم من كثرة المعلومات التي تمدنا بها هذه النقوش فإنها مع الأسف لا تساعدنا على تبسيط تاريخه بصورة واضحة جلية، وعلى ذلك فإن التفسيرات المختلفة التي أمكن الوصول إليها من هذه المعلومات يجب أن توضع هنا أمام الباحثين الذين يريدون معرفة شيء عن حياة هذا الملك الغامض الذي تضاربت فيه الأقوال.
كان أول من وضع يده على أول خيط من خيوط تاريخ هذا الأمير هو الأثري «لبسيوس» وذلك في عام 1821 ميلادية عندما عثر على بردية كُتِبَتْ بالإغريقية في متحف «ليدين»؛ حيث دُوِّنَ فيها قائمة بملوك بطالمة مؤلهين بعد موتهم، ومن أجل ذلك كانت تُقام لهم عبادة بوصفهم آلهة (1). وهذه البردية نشرها العالم «بوك» عام 1821، ثم نشرها ثانية «ليمان» عام 1843 ميلادية.
يأتي بعد ذلك نشر ورقة إغريقية محفوظة في باريس تُدعى ورقة «كاساتي» رقم 5 (2) حيث نجد هذا الأمير قد ذُكِرَ باسم «الإله يوباتور» Deos Eupator وقد وُضِعَ من حيث الترتيب بين «بطليموس إبيفانس» و«بطليموس فيلومتور». وقد استنبط «لبسيوس» من هذا الوضع منذ عام 1852 ميلادية أن «يوباتور» كان الابن الأكبر للملك «إبيفانس»، في حين أن «فيلومتور» لم يكن إلا الابن الأصغر لنفس «إبيفانس»، ومن أجل ذلك سماه «بطليموس السادس» في سلسلة ملوك البطالمة، وجعل «فيلومتور» «بطليموس السابع».(3) هذا وتوجد عدة برديات تؤكد هذا النظام بذكر «بطليموس» الإله «يوباتور» بين «إبيفانس» و«فيلومتور»(4).يضاف إلى ذلك أن المؤرخ «مهفي» قد قبل الترتيب الذي وضعه «لبسيوس»(5)، وقد نهج على منهاجه كل من «بركش»(6) و«بدج».(7) ومن الغريب أن «بدج» قد ذهب إلى التأكيد بأن هذا الأمير كان مشتركًا مع والده في حكم البلاد لبضع سنين قبل موت «إبيفانس» غير أنه لم يقدم لنا دليلًا واحدًا على صحة ما قال، ثم أضاف أنه بعد ذلك قد حكم بعد موت والده بضعة أشهر أو على الأقل بضعة أسابيع.
ومع ذلك فإنه كانت توجد عقبة كأداء تقف في وجه هذه النظرية؛ وذلك أن النقش الإغريقي الذي عُثِرَ عليه في خرائب معبد للإله «أبوللو» (في جزيرة قبرص) يقول صراحة إن الملك «بطليموس» الإله «يوباتور» قد أنجبه الملك «بطليموس» والملكة «كليوباترا» (الثانية) الإلهان المحبان لوالدتهما (8). يُضاف إلى ذلك أن المؤرخ «ستراك» يضع — في عام 1897 ميلادية بحق — «يوباتور» بعد والده «فيلومتور» ويقول عنه إنه «بطليموس السابع»، في حين أن «فيلومتور» يُعْتَبَرُ «بطليموس السادس»(9)، غير أنه يُلحظ فيما ذكره «ستراك» بعض عدم التثبت في موضوع تاريخ اختفاء «يوباتور» من الحكم؛ فنراه بعد أن أكد على حسب عملة «بافوس» بأنه كان مشتركًا في الملك مع والده في عام 36 من حكم الأخير (145ق.م) وعلى حسب ما جاء في فقرة في المؤرخ «جوستن»(10) بأنه دون أي شك حكم بضعة أيام بعد والده «فيلومتور»؛ يعلن في مكان آخر من كتابه أن «يوباتور» لم يحكم بعد وفاة «فيلومتور»، ولكن كان حكمه في نفس الوقت الذي كان عائشًا فيه كل من والديه «فيلومتور» و«كليوباترا الثانية»(11). ويقول «جوتييه» إن هذا التفسير الأخير هو الصواب، وهذا ما ستؤكده لنا الآثار المؤرخة بحكم «فيلومتور»؛ حيث نجد بوضوح أن «يوباتور» قد كان مشتركًا في عرش الملك مع والده. غير أن هذه الآثار لا ترجع قبل عام 29 من حكم والده (152ق.م). ولما كان الأخ الأصغر ﻟ «بطليموس فيلومتور» وهو «بطليموس إيرجيتيس الثاني» قد أصبح ملكًا للمرة الأولى في عام 170ق.م أي قبل «يوباتور» بثمانية عشر عامًا، وقد عد دائمًا سني حكمه من أول عام 170ق.م؛ فإنه يجب — على ذلك في الواقع — أن يُسَمَّى «بطليموس السابع»، وعلى ذلك يجب علينا أن نمنح ابن أخيه لقب «بطليموس الثامن» في سلسلة ملوك البطالمة، وهذه كانت من قبل فكرة المؤرخ «وادنجتون» Wadington، وقد أخذ المؤرخ الكبير «بوشيه لكلرك» بهذا الرأي، وعززه بالبرهان القاطع؛ حيث استعرض كل وجوه المسألة (12) .
ولكن «جوتييه» يرى أن المؤرخ «لكلرك» قد غالى في حديثه في هذا الصدد عندما أراد أن يعتبر أن «بطليموس الثامن يوباتور» كان فعلًا قد نُصب نائب ملك أو ملكًا في حياة والده «فيلومتور» وبوصفه الخلف المباشر لهذا الملك الأخير على عرش مصر، وأنه كان قد حكم بكل الحق الشرعي في الإسكندرية لمدة بضعة أيام على الأقل، ثم ذبحه بعد ذلك عمه «إيرجيتيس الثاني»؛ وعلى أثر عودته من «سرنيقا» تزوج والدته، وبدأ عهد حكمه الثاني (13). والظاهر أن موت ابن «بطليموس فيلومتور» ووريثه على العرش كان قد بقي على أية حال سرًّا خفيًّا في هذه الأحوال حتى لا يشك أهل الإسكندرية في أن الملك الجديد كان هو المحرض على ارتكاب الجريمة. هذا هو رأي المؤرخ «بوشيه لكلرك»، في حين نجد أن «جوتييه» ينحاز إلى رأي كل من «جرنفل» (14) والأستاذ «جرفث» الذي تحدثنا عنه فيما سبق (15)، وذلك على الرغم من المعارضات التي أقامها «بوشيه لكلرك» في وجه هذا الرأي القائل أن «يوباتور» قد مات وهو لا يزال أخضر العود في خلال حكم والده؛ أي إنه بعد العام الواحد والثلاثين من عهد «فيلومتور» لم يظهر «يوباتور» في الوثائق الرسمية بأنه حي يُرْزَق، بل ظهر بأنه مؤلَّه (أي مات وأصبح مؤلَّهًا)، وقد حُشر فعلًا قبل موت أبيه في المكان الطبيعي الذي يجب أن يحتله في سلسلة ملوك البطالمة المؤلَّهين؛ أي إنه وُضِعَ بين الملك «بطليموس الخامس إبيفانس» و«بطليموس السادس فيلومتور».
..............................................
1- راجع: Gauthier L.R. IV. p. 335 note 2.
2- راجع: Ibid. p. 835.
3- راجع: Gf. Abhandlungen der Konigl. Preuss. Akad. der Wiss., 1852, p. 458 et seq.
4- راجع: British Museum Papyrus 20 Greek Pap. By Grenfell.
5- راجع: The Empire of the Ptolemics (1895) P. 329.
6- راجع: Thesauros, P. 863-4.
7- راجع: A History of Egypt. VII, P. 23.
8- راجع: Ph. Le Bas, Voyage Archéologique en Gréce et en Aaie Mineure. T. III p. 642, No. 2809, Strack. Die Dynastie der Ptolemaer. p. 198 n. 101
9- راجع: Ibid 37-8.
10- راجع: Justin. XXXVIII, 8, 3.
11- راجع: Strack Ibid. P. 188.
12- راجع: Histoire des lagides tome II. p. 56 note 2.
13- راجع: Ibid., II, p. 56 et 62-63.
14- راجع: The Tebtunis Papyri, Vol. I. P. 554.
15- راجع: Catalogue of the demotic Papyri in the J. Rylands Library Vol, III. p. 140–142
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة