x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

التاريخ : العصور الحجرية : العصور القديمة في مصر :

ذكر ملوك مصر قبل الطوفان

المؤلف:  المسعودي

المصدر:  أخبار الزمان

الجزء والصفحة:  ص 135-180

11-1-2017

8879

ذكر ملوك مصر قبل الطوفان وكان أول من ملك مصر قبل الطوفان بقراويس (1) وذلك أن بني آدم لما بغى بعضهم على بعض وتحاسدوا، وتغلب عليهم بنو قابيل ابن آدم تحول (2) بقراويس الجبار بن مصرايم بن مواكيل بن داويل بن عرباق بن آدم عليه السلام في نيف وسبعين راكبا من بني عرباق جبابرة، كلهم يطلبون موضعا ينقطعون فيه عن بني آدم، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل فأطالوا المشي عليه، فما رأوا سعة البلد وحسنه أعجبهم، وقالوا: هذا بلد زرع وعمارة، فأقاموا فيه استوطنوه، وبنوا الابنية والمصانع المحكمة.

وبنى بقراويس مصر، وسماها باسم أبيه مصرايم (3) تبركا به وكان بقراويس جبارا له قوة زائدة وبطش وكان مع ذلك عالما له رئي من الجن، فملك بني أبيه، ولم يزل مطاعا في أمره، وقد كان وقع إليه من العلوم التي علمها درابيل لآدم عليه السلام، فقهر بها الجبابرة الذين كانوا معه.

وهم الملوك الذين بنوا الاعلام، واقاموا الاساطين العظام، وبنو المصانع الغريبة، ووضعوا الطلسمات العجيبة، واستخرجوا المعادن، وقهروا من ناوأهم من ملوك الارض، ولم يطمع فيهم طامع، وكل علم جليل هو في أيدي المصريين، إنما كان من علوم أولئك، كانت مزبورة على الحجارة.

فيقال إن فيلمون الكاهن الذي ركب مع نوح عليه السلام في السفينة هو الذي فسرها لهم، وعلمهم كتبها.

ثم أمرهم بقراويس حين ملك ببناء سموها أمسوسا (4) وأقاموا لها أعلاما طوالا طول كل علم منها مائة ذراع، وزرعوا وعمروا الارض، وأمرهم ببناء المدائن، والقرى، وأسكن أهل كل بيت ناحية من أرض مصر.

وهم الذين حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم، ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري، وإنما كان ينبطح ويتفرق في الارض، فوجه إلى النوبة جماعة حتى هندسوه، وشقوا منه أنهارا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها.

وشقوا منها نهرا إلى مدينة أمسوس يجري في وسطها وغرسوا فيها عليه الغروس وكثر خيرهم وعمرت أرضهم، وتجبر بقراويس لما ملك قومه، وكان عظيمهم.

وبعد عشرين ومائة سنة خلت من ملكه أمر بأقامة الاساطين، وزبروا عليها علومهم.

ذكر دخولهم البلدة، وكيف خرجوا إليها ونزلوا بها وحروبهم لمن حاربهم من الملوك ثم أمر ببناء قبة على أساطين مثبتة بالرصاص، طولها مائة ذراع، وجعل عليها مرآة زبرجد أخضر، قدرها سبعة أشبار ترى خضرتها على أمد بعيد.

وفي مصاحف المصريين أنه سأل الربئ الذي كان معه أن يعرفه فخرج [ إلى شاطئ ] النيل، فحمله حتى أجلسه على خلف خط الاستواء على البحر الاسود الزفتي [ والنيل يخرج ] مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر، ثم يخرج إلى بطائح هناك.

ويقال إنه بنى بيت التماثيل هناك، وعمل هيكل الشمس، ورجع إلى أمسوس وقسم البلد بين بنيه، فجعل لبقراوس الجانب الغربي، ولسوريد الجانب الشرقي، ولابنه الاصغر وهو مصرام مدينة سماها ير بيان، وأسكنه فيها، وأقام أساطين كثيرة، وشق إليها نهرا وغرس فيها غروسا.

وعمل بأمسوس عجائب كثيرة، منها طائر يصفر كل يوم عند طلوع الشمس مرتين وعند غروبها مرتين، تصفيرا مختلفا، يستدلون به على ما يكون من الحوادث، فيتأهبون لذلك، وأجرى لهم الماء على مجرى ينقسم منه على ثمانية وعشرين قسما.

وعمل في وسط المدينة صنمين حجرا أسود، إذا قدم المدينة سارق لم يمكنه أن يزول عنها حتى يهلك بينهما (5) فإذا دخل بينهما انطبقا عليه، ولهذين الصنمين أعمال عجيبة غير هذا.

وعمل بربيا صورة من نحاس مذهب على منار عال، لا يزال عليها السحاب يطلع، فمن استمطرها أمطرت عليه ما يشاء، فهلكت هذه الصورة في الطوفان.

وعمل على حدود بلدهم أصناما من نحاس مجوفة، وملاها كبريتا، ووكل بها روحانية النار، إذا قصدهم قاصد بسوء أرسلت تلك الاصنام من أفواهها نارا فأحرقته.

وكان حد بلدهم إلى ناحية الغرب مسافة أيام كثيرة عامرة بالقصور والبساتين، وكذلك في البحر، ومن الصعيد إلى بلاد علوة.

وعمل فوق جبل بطرس منارا يفور بالماء ويسقي ما حوله وما تحته من المزارع وملكهم مائة وثمانين سنة.

فلما مات لطخوا جسده بالأدوية الممسكة، وجعلوه في تابوت من ذهب وعملوا له ناووسا مصفحا بالذهب، وجعلوه فيه وجعلوا معه كنوزا لا تحصى كثرة ولا تحصر قيمة.

ومن الانواع النفيسة [ من ] الجوهر وتماثيل الزبرجد، وكثيرا من أكسير الصنعة المعمول المفروغ منه، ومن الذهب والاواني المعمولة من الذهب ما لا يحصى كثرة، ولا تعلم قيمته.

وزبروا على البيوت تاريخ الوقت الذي مات فيه ملكهم، ثم جعلوا على ذلك كله طلسمات تدفع عنه الهوام والحشرات المفسدة، وصور كل طالب من الانس والجن.

ثم ملك بعده ابنه براوس (6) الملك فتجبر وعتا وعلا أمره وبنى مدينة يقال لها جلجلة وجعل فيها جنة، وصفح حيطانها بصفائح الذهب والحجارة الملونة، وغرس فيها أصناف الفواكه والغروس تحفها الانهار.

وأمر بأقامة أساطين جعلها معالم، وكتب عليها جميع العلوم. وصور أصناف العقاقير بها، وزبروا عليها أسماءها ومنافعها.

وكان له شيطان يعمل له التماثيل العجيبة فهو أول من عمل بمصر هيكلا، وصور فيه صور الكواكب السبعة، وكتب على رأسه تجاربها.

وما عملت من المنافع والمضار، وألبسها الثياب، وأقام للهيكل كاهنا وسدنة.

وخرج مغربا حتى بلغ البحر المحيط، وعمل عليه أعمالا، وبنى أساطين جعل على رؤوسها أصناما تسرج عيونها كالمصابيح في الليل، ورجع على بلاد السودان إلى النيل.

وأمر ببناء حائط على جانب النيل. وجعل على شرفها حجارة ملونة شفافة.

وجعل في مدينة منها خزائن للحكمة، وهي أول عجائب الارض وأغربها، ففي إحدى هذه المدن صنم للشمس، الذي هو أعظم أصنامهم.

وهي معلقة عليه في بيت شرفها وهو صورة إنسان جسده جسد طائر من ذهب أزرق مدبر وعيناه جوهرتان صفراوان، وهو جالس على سرير مغنطيس. وفي يده مصحف من العلوم.

وفيها صنم آخر رأسه رأس إنسان وجسده جسد طائر، ومعه صورة امرأة جالسة من زئبق معقود لها ذؤابتان، وفي يدها مرآة، وعلى رأسها صورة كوكب وهي رافعة يدها بالمرآة إلى وجهها ومظهرة فيها سبعة ألوان من الماء السائل لا تختلط ولا يؤذي بعضها لون بعض ولا يغيره، وفيها شيخ جالس من الفيروزج بين يديه صبية جلوس كلهم من أصناف العقيق والجوهر.

وفي الخزانة الثانية صورة هرمس وهو مكب ينظر إلى مائدة به يديه من نشادر على قوائم كبريت أحمر، وفي وسطها مثل الصحفة من جوهر أحمر فيها شئ من الصنعة وفيها صورة عقاب من زمرد أخضر، عيناه من ياقوت أحمر، وبين يدية حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه، ورفعت رأسها كأنها تريد أن تنفخ عليه، وفي ناحية منها صفة المريخ راكب على فرس بيده سيف مسلول من حديد أخضر، وفيها عمود من جوهر أخضر عليه قبة من ذهب فيها صورة المشتري وفيها قبة من اللازورد على أربعة أعمدة من جذع أزرق، وفي سقفها صورة الشمس والقمر يتحدثان في صورتي رجل وامرأة، وقبة من كبريت احمر فيها صورة الزهرة على صورة امرأة ممسكه بضفيرتها وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم، كأنه يقرروه عليها.

وجعل في كل خزانة من بقية الخزائن من الاموال والجواهر والكنوز والحلى ما لا يعد ولا يقدر قدره.

وجعل على باب كل مدينة طلسما، يمنع دخولها في صور مختلفة، لا يشبه بعضها بعضا.

وملا كل مدينة بالجوهر النفيس والزبرجد الخطير والذهب والفضة، والكبريت الاحمر، واكسير الصنعة، وصنوف الادوية المؤلفة، والسموم الفاتكة، وعلم كل باب منها بعلامة تعرف بها.

وانفذ إليها خازنا تحت الارض وجعلها من تحت جلجلة، وهي مدينته التي عمل فيها الجنة. وبين كل مدينة من تلك المدن الثلاث عشرون ميلا، وبين الثلاث سبعة أميال.

وكان له من مدينته إلى هذه المدائن اسراب تحت الارض يصل منها إليها، وكذلك من بعضها إلى بعض.

وصفات هذه المدائن وعجائبها في كل قرية بمصر على تلك الحجارة، وفي جميع مصاحفهم القديمة، وأكثر ذكرها في هياكل الكواكب خاصة، وقرئ في مصحف لبعض الكهان القدماء ذكر بقراوش الملك بكل ما ذكرناه، وأنه عمل مع ما ذكرناه عجائب كثيرة أزالتها الطوفان وركب هذه الرمال لزوال طلسماتها، فأقام بقراوش ملكا مائة سنة وسبع سنين، ثم مات فعمل له ناووس، وجعل معه من العجائب ما يطول ذكره.

وولى بعده ابنه مصرام الملك بن بقراوس، فبنى للشمس هيكلا من المرمر وموهه بالذهب، وجعل في وسط الهيكل كالفرس من جوهر أزرق عليه صورة الشمس من ذهب أحمر، وأرخي عليه وعليها حلل الحرير الملون، وأمر أن يوقد عليها بطيب الريحان، وجعل في الهيكل قنديلا من الزجاج الصافي، وجعل فيه حجرا مدبرا يضئ اكثر مما يضئ السراج، وأقام له سدنة، وعمل أربعة أعياد في السنة.

وقيل إن مصر سميت به، وسمى به مصريم بن حام بعد الطوفان، لانه وجد اسمه مزبورا على الحجارة.

وكان افليمون الكاهن يخبرهم بأخبار هؤلاء الملوك، وكان مصرام هذا قد ذلل الاسد في وقته، وكان يركبه، وصحبه الجني الذي كان مع أبيه، لما رأى من حرصه على لزوم الهياكل، والقيام بأمر الكواكب.

وأمره أن يحتجب عن الناس، وألقى على وجهه [ من سحره ] (7) نورا شديدا لا يقدر أحد على النظر إليه.

وادعاه إلها، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة، واستخلف عليهم رجلا من ولد عرباق، وكان كاهنا.

ويقال إن مصرام لما ركب في عرشه، وحملته الشياطين حتى انتهى إلى وسط البحر، فجعل له فيه القلعة البيضاء، وجعل عليها صنما للشمس، وزبر عليه اسمه وصفة ملكه.

وعمل (8) صنما من نحاس وزبر عليه " انا مصرام الجبار، كاشف الاسرار، الغالب القهار، وضعت الطلسمات الصادقة، وأقمت الصور الناطقة، ونصبت الاعلام الهائلة، على البحار السائلة، ليعلم من بعدي انه لا يملك أحد ملكي ".

وكل ذلك في أوقات السعادة، وقد كان عمل في جنته شجرة مولدة، تؤكل منها جميع الثمار.

وعمل فيها قبة من زجاج احمر على رأسها صنم يدور مع الشمس، ووكل بها الشياطين إذا اختلط الظلام أن لا يخرج احد من ملكه إلا هلك.

وهو اول من عمل الحمام، وأحب اهل مصر ان يروه فسألوا خليفته ذلك، فأمرهم أن يجتمعوا في مجلس عال كان له، فاجتمعوا وجلسوا عنده، فظهر لهم في صورة هالتهم، ملات قلوبهم رعبا، فخروا له على وجوههم دعوا له فأمر بإحضار الطعام والشراب فأكلوا وشربوا ورجعوا إلى مواضعهم، ثم لم يروه بعد ذلك وبلغ في كهانته إلى ما لم يبلغه أحد من آبائه وأجداده.

وملك بعده عيقام الكاهن، فعدل فيهم، وعمل مدينة عجيبة قرب العريش وجعلها لهم حرما، وعمل لهم طلاسم عجيبة وعجائب كثيرة، وقيل ان ادريس عليه السلام رفع في وقته ولم يطل عمره.

وملك بعده ابنه عرباق بن عيقام فتجبر واقبل على صيد السباع والوحش وعمل عجائب.

منها أنه عمل شجرة من حديد ذات أغصان، ولطخها بدواء مدبر، فكانت تجلب كل صنف من السباع والوحش إليها، فيتمكن من صيدها كيف شاء.

وفي كتب المصريين أن هاروت وماروت كانا في وقته بمصر، فعلما أهل مصر أصنافا من السحر، فنقلا بعد الطوفان إلى أرض بابل وتعلم عرباق من علمها.

فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فسمته فهلك وبقي مدة لا يعرف خبره، وكان رسمه إذا خلا بالنساء لا يقربه أحد.

فلما تأخر خبره عن الناس هجم عليه فتى من بني بقراوس يقال له لوحيم (9) ومعه نفر من أهله، فوجدوه ملقى على فراشه جيفة، فأمر أن توقد له نار يحرق فيها فأحرقه، ثم جمع النسوة اللاتي كن في الجنة، فمن كانت من نسائه أحرقها معه، ومن كانت من المغصوبات، سرحها إلى أهلها، ففرح الناس لما نزل بهم.

وملكهم لوحيم الملك فخرج ولبس تاج أبيه، وجلس على سرير الملك، وأمر بجمع الناس.

فلما اجتمعوا قام فيهم خطيبا.

وذكر ما كان عليه عرباق الاثيم من سوء السيرة واغتصاب النساء وسفك الدماء.

ورفض الهياكل والاستخفاف بالكهنة، وأنه لميراث أبيه وجده وأحق به من غيره وضمن للناس العدل والاحسان والقيام بأمرهم، ودفع كل أذى عنهم فرضي الناس منه بذلك، وقالوا له: أنت أحق بالملك، فلا زلت دائم السعادة، طويل العمر، وانصرفوا مسرورين.

فأمر بتجديد الهياكل وتعظيمها، وقرب كثيرا من الكهان، وأكرم جميعهم، وسار في الناس بالعدل.

وكانت الغربان والغرانيق (10) قد كثرت في وقته فأهلكت الزرع، فعمل اربع منارات من نحاس في جوانب أمسوس، وجعل في كل منارة صورة غراب فيه حية قد التوت عليه فلم يقربهم شئ من تلك الطيور إلى أن كان الطوفان، فأزال تلك المنارة.

ومن ملوكهم حصليم، وكانت له أخت حكيمة، وكانت في جواريها جارية فائقة العقل والجمال، فعشقها الملك، وسأل أخته أن تهبها له، فأبت فألح عليها في طلبها، فغضبت واعتزلت، وبنت هيكلا وتعبدت فيه للزهرة مدة ثم إنها رأت الزهرة تناجيها وتكلمها، وتأمرها أن تسلم الجارية إلى أخيها، وتنهاها أن تمنعه من ذلك، ففعلت ذلك.

ولما صارت الجارية عند الملك حظيت عنده، وفضلها على سائر نسائه فحسدنها وولدت من الملك ولدا ذكرا لم يكن له ولد غيره، فزاد حسدهن لها، وجعلن يطلبن أذاها، ويطلبن الغوائل لها.

وكان أجل وزراء الملك لما يعلم من محبة الملك لها يأتيها في كل يوم فيقضي ما عرض لها من حوائجها، إجلالا لها، فلما قصدن ضراتها (11) [ إذايتها ] لم يجدن أنجع من أن يرمينها بذلك الوزير، وكان ذلك حسدا وبغيا، فحققن الامر عند الملك بما أمكنهن من الحيل، فلما وقف الملك على ذلك أمر بقتلها وقتل الوزير، ولم يشاور في ذلك أخته ولا احدا من الحكماء.

فلما نفذ أمره بذلك بادر من وقف على ذلك إلى أخته فأعلمها فأسرعت إلى الذي امر بقتلهما تأمر باستبقائهما، حتى يرى الملك في امرهما.

ودخلت على الملك فقالت له ما هذا الذي أمرت به في وزيرك وجاريتك ؟ فقال اتصل بي عنهما كذا وكذا، قالت أتحدث حدثا عظيما من القتل على ما لم تتحققه، وعن غير مشورة لأهل الحكمة والثقات من اهل المملكة ؟ قال لم أملك صبري، قالت إن الملوك ليس لها ان تعجل حتى يتبين لهم الامر ! فامر باستبقائهما، وبحث عن أمرهما، فوقف على الكذب فيه، فأمر بكل من سعى فيه من ضراتها فأخرجن من القصر.

وحصليم هذا هو أول من عمل مقياسا لزيادة النيل، وذلك أنه جمع اصحاب العلوم والهندسة، فعملوا بيتا من زجاج على حافة النيل وجعل في وسطه بركة من نحاس صغيرة فيها ماء موزون، وعلى حافة البركة عقابان (12) من نحاس ذكر وأنثى.

فإذا كان في أول الشهر الذي يزيد فيه الماء، وفتح البيت وحضر الكهان بين يدي الملك، وتكلم امير الكهان بكلام حتى يصفر أحد العقابين، فان صفر الذكر كان الماء تاما زائدا وإن صفرت الانثى كان الماء ناقصا، ثم يعبرون الماء، وكل أصبع تزيد في تلك البركة فهو زيادة ذراع في النيل، فإذا عملوا ذلك حفروا للزرع وأصلحوا الجسور وعمل على النيل القنطرة التي ببلادد النوبة اليوم، وكان يسمى ابنه هو صال اي خادم الزهرة للرؤيا التي رأتها اخته، وكفلت الغلام عمته وادبته احسن التأديب، وزوجته عشرين امرأة من بنات الملوك العظام.

وبنت له مدينة وجعلت فيها عجائب كثيرة احتفلت فيها، وزينتها بأحسن النقش والزينة والعمارة، وعملت فيها حماما على أساطين يرتفع الماء فيها إليه حارا من غير وقيد.

وهلك حصليم (13) فدفن في ناووسه، وملك بعده ابنه هو صال الملك، وتحول هو صال إلى السرب فسكنه، وبنى مدينة هي إحدى المدائن ذوات العجائب، وعمل في وسطها صنما للشمس يدور معها، ويبيت مغربا ويصبح مشرقا.

ويقال إنه أول من اتخذ تحت النيل سربا، وهو أول من عمل ذلك، وخرج منه متنكرا يشق الارض والامم إلى أن بلغ بابل، ورأى ما عمله الملوك من الاعاجيب، وعلم حال ملكها في الوقت وسيرته، ومجاري أموره.

ويقال إن نوحا عليه السلام ولد في وقته، وولد لهوصال عشرون ولدا، وجعل مع كل واحد منهم قاطرا (14) وهو رأس الكهنة.

وتقول القبط أنه من بعد مائة وسبع وعشرين سنة من ملكهم لزم الهيكل الذي كان أقطعه أبوه لا يشركه فيه غيره، وأمور الناس جارية على سداد، فأقاموا كذلك سبع سنين، ثم وقع بين الاخوة تشاجر واختلاف، فأجمع رؤوس الكهنة على أن يجعلوا أحدهم ملكا، ويقيم كل واحد منهم في قسمته، واجتمعوا لذلك في دار المملكة.

وقام رأس الكهان فتكلم، وذكر هو صال وفضائله وسعادتهم في أيامه وما شملهم معه من الخير، وأخبر بما رأته الجماعة من تقليد أحدهم، فان كان هو صال حيا ورجع إليهم لم ينكر ما فعلوه، لانهم لم يريدوا إلا حفظ ملكه، ورفع المكاره عنه، وإن لم يرجع كان الامر على ما سلف ملك بعد ملك فاستحسن الناس ذلك القول ورضوا به رأيا، وعملوا به.

فعقدوا الملك على أكبر ولده سنا وهو فدرشان (15) الملك فسار سيرة أبيه فحمد الناس أمره فعمل في أيامه قصرا من خشب ونقشه بأحسن النقوش وصور فيه الكواكب، وبجله بالفروش وحمله على الماء، وكان يتنزه فيه.

فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح عظيمة، وزاد النيل زيادة كبيرة فانكسر القصر وغرق الملك، وهلك وقد كان نفى إخوته إلى المدائن الداخلة. واقتصر على امرأة واحدة من بنات عمه، فولدت ولدا ولم يكن له ولد غيره، وكانت ساحرة فسحرته حتى هام بها وانفرد بحبها واستخلف بعض وزرائه على الملك، واقبل على لذاته ولهوه معها.

فلما كان من أمره ما كان من هلاكه كتمته امرأته، وكان أمره ونهيه يخرج إلى الوزير عنه، فأقام الناس على طاعته تسع سنين لا يعلمون بأمره.

فلما رأى إخوته طول غيبته جمعوا [ عليها ] جموعا عظيمة وقدموا على أنفسهم أحدهم وهو نمرود الجبار.

وساروا إلى أمسوس وبلغ ذلك الساحرة امرأة قدرشان، فأمرت الوزير على أمر الملك على عادتها بالخروج إليهم وبمحاربتهم، ففعل فهزموه وقتلوه وقتلوا كثيرا ممن كان معه.

ودخلوا مدينة أمسوس وأتوا دار الملك فلم يروا له خبرا، فأيقنوا بموته، وكانت الحيلة وقعت من امرأته الساحرة.

فجلس على سرير الملك نمرود (16) بن هو صال أخوه وملك الناس ووعدهم بحسن السيرة فيهم وتقييد ما كانوا ينكرونه، من أفعال أخيه واستولى على أمواله وخزائنه ففرقها على اخوته واقطعهم جميع ما كان أخوه ادخره لنفسه.

وطلب امرأته الساحرة وابنها ليقتلهما فلم يقع لهما على خبر لان أمه ذهبت به إلى مدينة أهلها بالصعيد وكانوا كلهم سحرة وكهانا.

فامتنعت بهم وداخلت الناس واعلمتهم أن ابنها هو الملك بعد أبيه لان أباه قلده الملك وأمرها أن تدبر الناس، وأعلمتهم فصدقوها وأجابوها وقالوا ان الغلام مغلوب على ملكه وان النمرود متغلب غاصب فاجتمع من حمايتها ونصرتها بشر كثير.

وزحف ابن الساحرة إلى نمرود بجموع كثيرة وقد عمل له السحرة أصنافا من التماثيل المهلكة والنيران المحرقة فخرج إليه نمرود واخوته فيمن معهم من الاجناد والاتباع فانهزم الملك واخوته وتعلقوا ببعض الجبال.

ونزل ابن الساحرة بدار الملك وجلس على سريره ولبس تاج ابيه وطافت به بطارقته وكان اسمه توسدون (17) ملك وهو حدث وكانت أمه تدبر أمره فقتل كل من كان صحب النمرود وجد في طلب ومحاربته حتى ظفر به وسيق إليه أسيرا واجتمع الناس لينظروا إليه فشدت رأسه برأس اسطوانة قائمة وشدت رجله (18) بأسطوانة اخرى، وكان طوله فيما تذكره القبط عشرين ذراعا واودعته بيتا ووكلت به رجالا من حرسها لتقتله يوم عيدها وكان قويا فصاح في الليل صيحة مات منها بعض الحرس وهرب الباقون، فلما بلغها ذلك أمرت بإنزاله واحضرته وامرت بنار توقد فأوقدت وجعلت تأمر فيقطع منه عضو بعد عضو فيلقى في النار حتى فرغ منه.

وكبر ابنها فخرج كاهنا منجما ساحرا، فعملت له الشياطين قبة من زجاج كرية (19) مدبرة دائرة على دوران الفلك وصوروا عليها صور الكواكب، وكانوا يعرفون بها أسرار الطبائع، وعلوم العالم بطلوعها وأفولها.

وبعد ستين سنة من ملكه ماتت أمه الساحرة، وأوصت أن يجعل جسدها تحت صنم القمر بعد أن يطلى بما يدفع عنه النتن، وكانت وهي ميتة تخبرهم بالعجائب وتجاوبهم على كل ما يسألون، فهاب الناس لابنها وفزعوا له، وكان يتصور لهم في صور كثيرة وملكهم مائة سنة، ولما حضرته الوفاة أمر أن يعمل له شكل صنم من زجاج، يكون شفيفا (20) ويطلى جسده بالأدوية الممسكة له، ويدخل في تلك الصورة التي من الزجاج، ويلحد ما بين الشفتين وينام في هيكل الاصنام ويعمل له في كل سنة عيد تقرب فيه القرابين، وتدفن تحته كنوزه، ففعل ذلك كما أمر.

وملك بعد، ابنه سرباق (21) الملك فعمل بسيرة ابيه وجدته، واجتمع عليه، وزحف رجل من بني طربيس بن آدم من ناحية العراق فتغلب على الشام.

وأراد أن يزحف إلى مصر فعرف أنه لا يصل إليها لسحر أهلها، فأراد أن يدخلها متنكرا ليعرف أهلها، ويقف على سحر بعض أهلها، فخرج ومعه نفر حتى وصلوا إلى حصن من أول حدود مصر، فسألهم الموكلون به عن أمورهم فعرفوهم أنهم تجار يقصدون بلدا يسكنونها، ومعهم اموالهم ليحترفوا كيف ظهر لهم بها، فحبسوهم وأرسلوا إلى الملك بخبرهم.

وقد كان رأى الملك في منامه كأنه كان قائما على منار لهم عال، وكأن

طائرا عظيما قد انقض عليه ليختطفه فحاد عنه حتى كاد (22) أن يسقط عن المنار، فجاوزه الطائر ولم يضره فانتبه مذعورا، وبعث إلى رأس الكهنة، فقص عليه رؤياه فعرفه أن ملكا يطلب ملكه، فلا يصل إليه. فنظر في علمه فرأى ذلك الملك الذي يطلب ملكه قد دخل بلده ووافق ذلك دخول الرسل من ذلك الحصن يذكر القوم، فعلم الملك أنه فيهم فوجه بجماعة من أصحابه معه، فاستوثقوا منهم وحملوهم إليه.

وقد كان الملك أمرهم أن يطوفوا بهم على أعمال مصر (23) كلها، ليروا ما فيها من الطلسمات والاصنام والعجائب والمعجزات فبلغوا بهم إلى الاسكندرية، ثم ساروا بهم إلى أمسوس، فأوقفوهم على عجائبها ثم ساروا بهم إلى الجنة التي عملها مصرام وأمر السحرة بأظهار التماثيل فجعلوا يتعجبون مما يرون حتى وصلوا إلى سرباق الملك، والكهنة حوله قد أظهروا صنوف العجائب، وجعلوا بين يديه نارا لا يصل إليها إلا من كان من خاصته.

ولا تضر الا من أضمر للملك غائلة وامر فشقوها واحدا بعد واحد فلم تضر منهم أحدا وكان ذلك الملك آخر من دخلها منهم.

فلما دنا من النار أخذته فولى هاربا فأتى به سرباق فسأله عن أمره وتوعده فأقر فأمر بقتله، وحمله إلى الحصن الذي أخذ به فصلب هناك من جهة الشأم على اسطوانة عظيمة من حجر وزبر عليها هذا فلان بن فلان المتغلب على الشأم أضمر غائلة للملك وطلب ما لم يصل إليه تعديا منه عليه وظلما له فعوقب بهذا.

وأمر بأطلاق الباقين.

وقيل لهم قد وجب عليكم القتل، لصحبتكم لمن أراد الفساد في الارض. ولكن الملك بفضله عفا عنكم وأمر أن تخرجوا من بلاده، ولا تعدوا إليها ابدا فخرجوا هاربين مسرورين بالسلامة فكانوا لا يمرون بأحد إلا حدثوه بما رأوا من العجائب فانقطعت أطماع الملوك في الوصول إلى مصر والتعرض لها.

وعملت في وقت سرباق عجائب كثيرة, منها أنه عمل عرباق في مدينته بطة من نحاس قائمة على اسطوانة، فإذا دخل الغريب من ناحية من النواحي أو باب من الابواب صفقت بجناحيها، وصرخت فيؤخذ [ الداخل ] ويكشف عن أمره ومقصده، وشق إلى مدائن الغرب نهرا من النيل، وبنى على عبريه منازل وأعلاما، وغرس فيها غروسا يتنزه عليها، وملكهم مائة سنة وثلاثين سنة.

وملكهم بعده ابنه سهلون بن سرياق، وكان سهلون عالما منجما كاهنا، فأفاض العدل وقسم ماء النيل قسما موزونا، صرف إلى كل ناحية قسطا، ورتب الدولة وجعلها على سبع طبقات.

(الطبقة الاولى) الملك وولده وأهل بيته ومن يلي عدله، ورأس الكهان، والوزير الاكبر، وصاحب خاتم الملك، وصاحب خزائنه.

(والطبقة الثانية) مراتب العمال والمتولين لجباية الاموال، والاشراف على النفقات في أمر المملكة، ومصالح البلاد والعمارات، وقسمة المياه.

(والطبقة الثالثة) الكهان وأصحاب الهياكل وخدمتها، ومتولي الفراش والمشرف على ما يقرب من بوادر الفاكهة والرياحين وصغار البقر والغنم والفراريج الذكور، وما يعرف من مثل ذلك في طعام الملك وخوابي الشراب، وغير ذلك مما يشبهه.

(والطبقة الرابعة) المنجمون، والاطباء، والفلاسفة، ونحوهم.

(والطبقة الخامسة) أصحاب عمارة الارض، والمتولون أمر الزراعة، والغرس.

(والطبقة السادسة) أصحاب الصناعات والمؤن، والمشيدون في كل سنة في كل فن، والمشرفون على أعمالهم، ونقل نما يستحسن من أعمالهم إلى خزائن الملك.

(الطبقة السابعة) أصحاب الصيد من السباع والوحش والطير والهوام، والمشرفون على أخذ دمائها ومرارتها وشحومها، وحملها إلى الاطباء لإصلاح العقاقير، وتأليف الادوية.

وتقدم إليهم ألا يدخل أهل صناعة في دلسة ولا مهنة في غير ما هو فيه، ومن قصر في عمله عوقب، ومن أحسن في عمله جوزي.

وكانت رتبة أهل الملاهي والالحان في قسمة الملك.

وتقدم في بناء المدائن ونصب الاعلام والمنارات، وابتدع ما يستغرب من الصناعات، وإجراء المياه، وتوليد غرائب الاشجار.

وأقام على أعالي الجبال سحرة يقسمون الريح، ويمنعون من أراد بلدهم بأذى، وكذلك يمنعون كل طائر وسبع ووحش وهوام، وجرى في الناس على السداد والاعتدال.

وجعل لكل صنف من الناس صنفا من الكهنة يعلمونهم الدين، ودينهم يومئذ الصابئة الاولى ويرفع كل صنف منهم ما يجري من جميع ما يقولونه إلى الملك في كل يوم، وعمل البيت ذي القباب النورية، وأوقد فيها النار الدائمة تعظيما للنور.

والقبط تزعم أنه أول من عمل بيتا لتعظيم النار، وقيل إن حمير (24) الفارسي بنى بيتا للنار، وهو أول من عمل ذلك للفرس اقتداء بسهلون الملك بمصر.

وكان السبب لعمل سهلون أنه رأى في منامه كأن أباه أتاه، فقال له انطلق إلى جبل كذا من جبال مصر، فان فيه كوة من صفتها كذا، فانك واجد على باب الكوة أفعى لها رأسان، فأنها إذا رأتك كثرت في وجهك، فليكن معك طائران صغيران ذكر (25) وأنثى، فإذا رأيت الافعى فاذبح لها الطائرين وألقهما اليهما فإنها تأخذ برأسيهما، وتنحاش بهما إلى سرب قريب من الكوة فتدخل فإذا غابت عنك فادخل الكوة تنتهي في آخرها امرأة عظيمة من نور حار يابس، فسوف يسطع لك وجهها وتحمى بحرارتها، فلا تدنو إليها فتحترق، وقف حذاءها، وسلم عليها، فآنها تخاطبك، واسكن إلى خطابها، وانظر ما تقوله لك فاعمل به فانك تتشرف به. وهي حافظة كنوز جدك مصرام التي رفعها تحت مدائن العجائب المعلقة وهي تدلك عليها، وتنال مع ذلك شرفا وطاعة من قومك ورعيتك، ثم مضى وتركه.

فانتبه سهلون، وجعل يتفكر فيما رأى وتعجب منه وعزم أن ينفذ ما أمره به، فمشى إلى الجبل وحمل الطائرين معه وامتثل ما أمره به أبوه إلى أن وقف حذاء المرأة فسلم عليها، فقالت له أتعرفني ؟ قال لا، لأني ما رأيتك قبل وقتي هذا، قالت له: أنا صورة النار المعبودة في الامم الخالية، وقد أردت أن تحيي ذكري، وتتخذ لي بيتا وتوقد لي فيه نارا دائمة، بقدر واحدة، وتتخذ لي عيدا في كل سنة تحضره أنت وقومك، فانك تتخذ بذلك عندي أنلك بها شرفا إلى شرفك، وملكا إلى ملكك، وامنع عنك وعن قومك من يطلبك ويعمل الحيلة عليك، وأدلك على كنوز جدك مصرام.

فضمن لها أن يفعل ذلك فدلته على الكنوز التي كنزها جده تحت المدائن المعلقة وكيف يصير إليها، وكيف يمتنع من الارواح الموكلة بها وما ينجيه منها.

فلما فرغ مما أراده من ذلك، قال لها فكيف لي بأن أراك في الاوقات التي أريد وأحتاج أن أسألك عما يطرأ من الامور فأسير اليك ؟ قالت له اما هذا المكان فلا تقربه بعد وقتك هذا، ولكن إذا احببت ان تراني فدخن في الوقت الذي علمته لك بكذا وكذا، اشياء ذكرتها له: منها عظام ما يقربه من القرابين والذبائح، وصموغ الاشجار.

فاني اتخيل لك واخبرك بكل حق وباطل يكون في بلدك.

فلما سمع ذلك منها سر به سرورا عظيما، وغابت الصور، وظهرت الافعى، وخرج هاربا، فلما نجا جعل على الكوة سدا ولم يؤخر ما فعلته به.... .

وملك بعد ابنه سوريد بن سهلون الملك، وحزن عليه هو واهل مملكته ورعيته، حزنا عظيما لم يحزن على ملك قبله، وكان ملكه مائة وتسعا وتسعين سنة.

وأقام دولته ورعيته عند ناووسه شهرا ينوحون ويبكون، وأقاموا في ناووسه خدمة يخدمون أموره وسدنة يحفظون ما يجب حفظه منه، وجلس ابنه على سرير الملك، واقتفى سيرة أبيه في العدل والصلاح وعمارة الارض، وسياسة الناس والانصاف بينهم، والاخذ لهم من نفسه وأهل بيته.

وهو أول من جبى الخراج بمصر، وألزم أهل الصناعات على أقدارهم، وأول من أمر بالإنفاق على المرضى والزمنى من خزائنه وبنى المنارات، ونصب الاعلام والطلسمات والهياكل، وحسن عمارتها على أحسن ما تقدم لسواه، فأحبه الناس وحمدوا أمره، وعمل مرآة من أخلاط كثيرة، كان ينظر إليها فيرى الاقاليم، وما أخصب منها وما أجدب، وكلما يحدث فيها.

وكانت على منارة من نحاس في وسط مدينة أمسوس.

وتقول القبط إنه عملها لمصر خاصة، وكان يرى فيها جميع من يقصدها من كل ناحية، ويعلم بذلك جميع من يقصدها (26) فكان يأخذ أهبته لذلك، وهو أول من عمل صحيفة في كل يوم يكتب فيها جميع ما يكون في يومه، وما يعمل فيه ثم ترفع إليه وتودع في خزائنه يوما فيوما، فإذا مضى الشهر نقلت صحائف أيامه إلى مصحف الملك وختم بخاتمه، وخلد في خزائنه وما صلح منه أن يزبره في الحجارة زبره.

وكذلك ما عمل من الصنائع وما أحدث منها، وكان يعطي الرغائب على الصناعات العجيبة والحكم الغريبة.

وعمل وسط المدينة صورة امرأة جالسة في حجرها صبي كأنها ترضعه، فكل امرأة أصابتها علة في جسمها مست من جسد تلك الصورة الممثلة، فيزول عنها ما تجده على ما كان.

وكذلك إن قل لبنها، مسحت ثديها فكثر، وكذلك إن أحبت أن تعطف عليها زوجها مسحت وجهها بدهن طيب، وقالت لها افعلي كذا وكذا وإن قلت حيضتها وفرقت منه مسحت تحت ركبها، وان اصاب ولدها شئ فعلت بالصبي كذلك فيبرأ، وإن عسرت ولادتها مسحت رأسي الصبي سهل، وكذلك البكر يسهل عليها افتضاضها، وإذا وضعت الزانية يدها عليها ارتعدت حتى تكف عن فجورها، وما كان من أعمال الليل يحدث ليلا، وما كان من النهار يحدث نهارا، وكانت تعمل اعمالا كثيرة إلى ان ازالها الطوفان.

وفي بعض كتب القبط انها وجدت بعد الطوفان، وانهم استعملوها وعبدوها، وصورتها في جميع برابي مصر مصورة برسمها ملونة، والذي دلهم عليها كانوا قرابات فيلمون الكاهن، ودلوهم على جميع اعمال مصر، وسنذكر خبرهم في هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

وعمل ايضا سوريد في وقته غرائب كثيرة منها الصنم الذي يقال له بكوس المعمول من الاخلاط الكثيرة في الطب، وكان يعمل اعمالا كثيرة في دفع الاسقام والعلل عن اهلها، ويعرفون به من يبرأ منهم فيعالجونه فيعيش، و [ يعرفون من يموت ] بعلامات تظهر منه، فيقصرون عن علاجه، وكان يزيل الاوصاب بأن يغسل الموضع بأزاء أصحاب العلل منه، ويسقى ذلك الماء الذي يغسل به لصاحب الداء فيزول عنه، وكثير من هذه الاعمال, وهو أول من عمل الابرقات الايرونيات، وزبر عليها جميع العلوم, وهو الذي بنى الهرمين العظيمين المنسوبين إلى شداد بن عاد، والقبط تنكر أن تكون العادية دخلت بلدهم، والعمالقة تقول سحرهم ومنعهم من ارادتهم بشر ما يريدونه بهم، وبذلك يقول الحرانيون، وقد نقل ذلك أبو معشر في كتاب الالوف.... .

وكان سبب بناء سوريد للهرمين انه رأى رؤيا أثبتها في موضعها، فأحضر كهنته ومنجميه، وقص عليهم من نزول المرآة في صورة امرأة وانقلاب الارض بأهلها، وانكساف الشمس بأسرها، وهي الرؤيا بعد، فأخبروه خبر الطوفان أنه يكون على الصورة التي كان، وذلك مذكور في كتاب تاريخ يرويه المقربون عن آخرين من القبط وجد في بعض ذراريهم على صدر ميت، وذكر أنها من ولد رجل من اهل مصر الاوائل ممن نجا من الطوفان وركب مع نوح عليه السلام في السفينة، وكان ممن آمن به وحمل ابنيه وقيل بن مصرام بن حام وكان أبدع الناس فهما في العلوم.

وكان في الكتاب أن الملك سوريد بنى في الصعيد ثلاث مدائن وعمل فيها عجائب كثيرة, وكان في الكتاب أن الملك سوريد بن سهلون ملك مصر لما رأى في منامه ما رأى، أخبر فيلمون رأس الكهنة بما رآه من الامور، أمرهم ان ينظروا فيما تدل عليه الكواكب من أحداث في العالم، فتصيب اكثره، فأقاموا لها في وقت مسألته اياهم مسألة امعنوا فيها النظر، فدلت على آية تنزل من السماء، وتخرج من الارض فتعم اكثر الارض، وهو طوفان عظيم لا يبقى به شئ.

قال فانظروا هل ينجز ذلك ويعود أم يبقى هو معمولا دائما ؟ فنظروا فظهر أنه يعود العمران والملك، وكل شئ كما كان وعرفوه بذلك، فأمر حينئذ ببناء بربي وأعلام عظام له ولأهل بيته، تحفظ أجسادهم، وما أو دعوه بها من أموالهم وزبروا فيها وفي سقوفها وفي حيطانها واسطواناتها، جميع العلوم الغامضة، التي يدعيها أهل مصر بين جميع الامم، وصور فيها صور الكواكب العظام منها وصور الصغار منها، ورسم ذلك بعلامات تعلم بها..... .

وحكى بعض القبط أن سوريد الملك لما أخبره منجموه بما أخبروه قال انظروا بلدنا هذا هل تلحقه آفة ؟ فنظروا وقالوا يلحقه طوفان يأتي على أكثره، ويلحقه خراب يقيم فيه عدة سنين، ثم يغلب عليها العمران.

قال وكيف يكون خرابها ؟ قال يقصدها ملك يقتل أهلها ويغنم مالها، قال ثم ماذا ؟ قالوا يكون عمارتها [ على يد ] من قتله قال ثم ماذا ؟ قالوا يقصدها قوم مشوهون من ناحية النيل فيملكون أكثرها قال ثم ماذا ؟ قالوا انقطع نيلها وتخلو من أهلها، فأمر أن يكتب ذلك ويزبر على الاهرام والاسطوانات والحجارة العظيمة.

وذكر رجل من أهل المغرب ممن يختلف إلى الواحات، ويحمل الاسماك إلى الواحات على جمل له أنه بات قرب الهرم، فما زال يسمع الضوضاء والغطغطة فهاله ذلك، وتباعد عن الهرم بجمله ذلك، فكان يرى حول الهرم شبه النيران تتألق، فلم يزل مذعورا إلى أن غلبته عيناه فنام، فلما أصبح في الموضع الذي فيه السمك رأى سماكا آخر بحياله موضوعا فعجب من ذلك وشد سمكه على جمله وكر راجعا إلى الفسطاط، وحلف أن لا يقرب من الهرم بعد ذلك.

وأما البرابي فلها أخبار يطول ذكرها وشرحها، وتحكي القبط في أمور الروحانيين الغالبين على الاهرام والبرابي.

فذكروا أن روحاني الهرم الجنوبي في صورة امرأة عريانة مكشوفة الفرج حسناء لها ذؤابتان فإذا أردات أن تستهوي الانسان ضحكت في وجهه واجتلبته إلى نفسها فيدنو إليها فتستهويه ويزول عقله ويهيم.

وقد رأى جماعة هذه المرأة تدور حول الهرم وقت القائلة، وعند غروب الشمس.

وروحاني الهرم الآخر غلام أمرد أصفر عريان له ذؤابتان، وقد رأوه أيضا [ بعد المغرب ] (27) مرارا يطوف حوله.

وروحاني الهرم الملون في صورة شيخ نوتي عليه قرطلة (28)، وفي يديه مجمر من مجامر الطاس وهو يبخره وكذلك في جميع الابرونيات.

وأما بربا أخميم فمعروف عند أهلها ان روحانيها غلام أسود عريان.

وروحاني بربا سميرا هو في صورة شيخ أدم طوال أشيب صغير اللحية.

وأما بربا قفط فروحانيته في صورة جارية سوداء، تحمل صبيا أسود صغيرا.

وأما بربا دنونية فروحانيته في صورة إنسان رأسه رأس أسد وله قرنان.

وأما بربا بوصير فهو في صورة شيخ أبيض عليه زي الرهبان، ومعه مصحف يحمله.

وأما بربا عدنا فروحانيته في صورة راع عليه كساء ومعه عصا.

ولأهرام دهشور روحانيون يراهم من قرب منها من نواحيها، على طول الايام، ولكلها قرابين وبخور يظهر بها كنوزها، وتؤلف بين الناس وبين الروحانيين الذين بها.

فأقام سوريد مائة سنة وسبع سنين، وقد كان كهانه عرفوه الوقت الذي يموت فيه، فأوصى إلى ابنه هو جيف (29) وعرفه بما احتاج إليه وأمره أن يدخل جسده الهرم ويجعله في الجرن الذي قد اعده لنفسه ويغشيه بكافور، ويحمل معه ما اعد من فاخر المتاع ومن السلاح والآلات، فامتثل هوجيت (30) جميع ما امره به.

وتولى أمر الملك بعده أبنه هوجيت الملك فسار سيرة أبيه في العمارة والعدل والرقة والرأفة بالناس فأحبوه.

وبنى الهرم الاول من أهرام دهشور، وحمل إليه كثيرا من الاموال والجوهر، وكان غرضه جمع المال وعمل الكيمياء وإخراج المعادن ودفن كل ما تهيأ له من الكنوز في كل سنة.

وكانت له قصة مع بعض جواريه (31) فنفاها إلى ناحية الغرب، وأمر فبنيت لها هناك مدينة وأمر أن يقام فيها علم ويزبر عليها اسمها وقصتها، وأسكن معها كل امرأة مسنة من أهل بيته.

وشج في أيامه رجل رجلا فأمر بقطع أصابعه، وسرق سارق مالا لرجل فملك رقه للذي سرق منه.

وعمل منارات ومصانع وطلسمات، وملكهم تسعا وتسعين سنة ومات.

وملك عليهم ابنه مناوس الملك، وكان جبارا عظيما وعذابا أليما (32) فآذى الناس، وسفك الدماء، واغتصب النساء، واستخرج كنوز بابل، وبنى قصورا بذهب وفضة، وفجر فيها الانهار، وجعل حباءها من صنوف الجواهر وتمخرق في الهبات على غير ما يجب، وأغفل العمارات, وأباح أصحابه غصب نساء العامة، وكان هو يفتض النساء قبل أزواجهن، وأطاف به أهل الشر من كل ناحية، فأبغضه الناس وكرهوا أيامه.

وامتنع عليه قوم في شئ أمرهم به فأحرقهم بالنار، وسلط رجلا من الجبارين يقال له قرناس من ولد إدريس بن آدم على محاربة الامم القريبة في الماء فقتل منهم عالما كثيرا وحده.

وكان أشجع اهل زمانه، ثم هلك فاغتم عليه الملك، وأمر أن يدفن مع الملوك في الهرم، ويقال بل عمل له وأقام عنده أعلاما، وزبر عليه اسمه وما عمل في وقته من الحروب.

وأقام مناوس ملكا ثلاثا وسبعين سنة، ومات وجعل في الهرم مع أجداده في حوض من صوان أبيض مصفح بالذهب والجوهر، وجعل معه كثير (33) من ذخائره وأمواله وعجائبه.

وملك عليهم ابنه افراوس (34) الملك، وكان عالما محنكا فخالف أباه في فعله، وعدل في الناس ورد النساء اللاتي غصبهن أبوه إلى أزواجهن.

وعمل في وقته قبة طولها خمسون ذراعا وعرضها مائة ذراع، وركب في جوانبها أطيارا تصفر بأصناف الاصوات المطربة لا تفتر، وعمل في وسط المدينة منارا من صفر عليه صورة رأس إنسان من صفر كلما مضت ساعة من الليل والنهار صاح ذلك الرأس فيعلم بصياحه دخول ساعة ويعرف من كل سمعه عدة الساعات.

وجعل منارا آخر وجعل فيه قبة من صفر مذهب ولطخه بلطوخات، فإذا غربت الشمس اشتعلت تلك القبة نورا فيضئ لها كثيرا من المدينة مشبها بالنار لا تطفيها الرياح، ولا الامطار، فإذا كان النهار قل ضوؤها لنور الشمس.

ويقال إنه أهدى إلى الدرمشيل الملك ببابل مدهنة من زبرجد قدر خمسة أشبار، وكان استهداه ذلك ليجعلها في بيت القربان.

ويقال انها وجدت بعد الطوفان، ويقال إنه عمل في الجبل الشرقي صنما عظيما قائما على قاعدة مصبوغا بلطوخ أصفر مموه بالذهب وجهه إلى الشمس يدور معها إلى ان تغرب في الغرب ثم يدور ليلا حتى يحاذي الشمس مع الصبح.

ويقال إن أفروسا كان يطلب الولد في وقته فنكح ثلاثمائة امرأة يبتغي أن يولد له منهن فلم يكن ذلك.

ويقال إن في وقته عقمت أرحام النساء والبهائم، ووقع الموت لما كان الله عزوجل قدره من هلاك العالم بالطوفان.

وقيل إن الاسد كثرت في وقته حتى كادت ان تدخل البيوت، فاحتالوا لها بالطلسمات المانعة والحيل المضرة بها، وكانت تغيب شيئا وتعود، فرفعوا

ذلك إلى الملك وقالوا هذه علامة مكروهة، فأمر أن يعمل لها أخاديد وتملا نارا وجلبوا إليها الاسد بالدخن التي تجذب روحانيتها إليها، وألقوها على النيران فاحترقت.

وبنى في وقته مدائن في ناحية الغرب تلفت في الطوفان مع أكثر مدنهم، وارتفعث الامطار عنهم، وقل الماء في النيل فأجدبوا وهلكت الزروع بالحر والريح الحارة وغير ذلك، فأضر ذلك بهم فاحتالوا لدفع النار بطلسماتهم، وكانت تذهب ثم تعود.

وقيل ان الذي فعل ذلك بهم ساحر من سحرتهم كان مناوس قد غصب امرأته فأعمل الحيلة قليلا قليلا في افساد طلسماتهم، لان لكل طلسم شيئا يقوي روحانيته وشيئا آخر يفسدها.

ولهذه العلة دخل بخت نصر الفارسي مصر، وكانت ممتنعة من جميع الملوك فلما أفسد الساحر طلسماتهم سلط عليهم تلك الآفات وأفسد طلسم التماسيح فهاجت عليهم ومنعتهم الماء، وعذبتهم عذابا كثيرا إلى أن فطنوا به من قبل تلاميذه.

وذلك أن بعض تلاميذه لامه على ما يفعل من المضرة بقومه، فانتهره ونفخ في وجهه، فأظلم عليه بصره فرفع التلميذ أمره إلى وزير الملك، فعرف الوزير الملك بالامر، فأمر الملك بإدخال التلميذ إليه، فدخل وعرفه بصورة الحال، فأنفذ الملك إلى الساحر جيشا ليأتوه به، فلما نظر الساحر إلى القوم مقبلين إليه دخن بدخنة أغشت أبصارهم، وارتفعت منها عجاجة صارت نارا مضرمة حالت بينهم وبين الساحر، فهالهم أمره وخافوا على أنفسهم منه فرجعوا إلى ملكهم، وعرفوه بما جرى، فأمر الملك بإحضار جميع السحرة.

وكان رسم السحرة عندهم أن يعاهدوا ملوكهم على أن يكونوا أبدا معهم ولا يخالفوهم ولا يقصدوهم بمكروه ولا يبغونهم الغوائل، فمن فعل ذلك منهم سلب منزلته وما يملكه، وكان للملك أن يسفك دمه ودم أهل بيته، وكانوا مع الملوك على هذه الحالة، وكانوا مع ذلك يوفون بعهدهم ولا ينقضون شيئا من عهدهم.

فلما اجتمع السحرة عند الملك أخبرهم خبر الساحر، وكان يقال له أجناس وما فعله من الفساد ونقضه للعهد، وقال لهم إن لم تحضروه أهلكت جميعكم، فسألوه النظر في الامر، فأخذ أولادهم ونساءهم رهائن بذلك وأنظرهم.

فلما خرجوا من عنده تكلموا بينهم وقالوا إنكم تعلمون كثره علم أجناس وشدة سحرة، وانا ما لنا به طاقة، ومناوس الملك هو الذي نقض عهده، وتعدى عليه وغصبه امرأته، فينبغي لنا أن نخلص أنفسنا منه، فأجمعوا أمرهم على أن ينصرفوا إلى الملك واستأذنوه في الذهاب إليه ومداراته وتوبيخه والرفق به حتى يأتوا به الملك بأمان يأخذونه له منه، فيجدد العهد بينه وبين الملك، ففعلوا ذلك وأجابهم الملك إلى ما سألوه من ذلك، ثم مضوا إلى أجناس ولطفوا به، وقالوا له إنا ما نجهل حقك وعظم أمرك وإنا بقدرك وكثرة علمك عارفون، ولم يكن في قدر الجناية التي جنت عليك قدر ما فعلته من الاضرار بأهل بلدك الذي أنت منهم، ولا في الواجب أن تهلك عالما كثيرا من الناس لجناية جناها عليك مناوس، ولا يجب على ملكنا وملك اليوم الذي عهده لازم لنا ولك من فعل أبيه بك وبسواك عقوبة.

ولسنا نأمن أن تسلب علمك وتصير إلى أقبح عملك، فتهلك مذموما وتمضي غير مفقود، فلم يزالوا به حتى أجابهم إلى ما أرادوه، وكتبوا بذلك إلى الملك فكتب له أمانا وجدد له عهدا ورجع إلى ما كان من طاعة الملك وحسن رأيه فيه.

وردت إليه امرأته فأكرمها وردها إلى قصر الملك وعرفهم أنه لا يرى في دينه أن يلامس امرأة لامسها الملك على حال من الاحوال، لما كانوا يرعون من طاعة الملوك ويعظمون من حقوقهم، فسر الناس بذلك وعجبوا من عقله وحكمه وصلح الملك والناس وعمل لهم أجناس هذا عجائب وطلسمات كثيرة.

وملكهم افراؤس أربعا وستين سنة، وهلك وليس له ولد ولا أخ، فدفن في الهرم وجعلت معه أمواله وذخائره وجوهره والصنائع التي عملت في وقته.

واجتمع الناس على تمليك رجل من أهل المملكة يقال له ارمافيوس (35) فلما ملك أمر بجمع الناس إليه، فلما اجتمعوا بين بديه قال لهم: إني أرى من حولكم من الامم مسارعة إليكم وغالبة على عداوتكم وأنا مانع بلدكم منهم وحام دياركم ودماءكم وقد تطرفت نواحيكم ويوشك أن تسير إليكم وأنا أريد منعهم بعدوهم وأقصدهم في بلادهم وتخويلكم إياهم، فأحتاج إلى معرفة حكمائكم بالاعمال الهائلة والتماثيل العجيبة فشكروه ودعوا له بالتوفيق والسعادة الكاملة، وقالت الحكماء: نحن نخرج مع الملك ونبلغه محابه فيما يريده من أعدائه، ونحن نخدم الجيش مكانه، ونبذل أنفسنا دونه، فشرع في ذلك.

وخرج في جيش عظيم، وحارب تلك الامم، فنكاهم نكاية شديدة، ورجع غانما، وخلف في وجوهها جيشا، فتألفت تلك الامم على ذلك الجيش من كل جانب فهزمته، ورجع أصحابه مغلوبين فغاظه ذلك.

وقد كان أصابته علة في سفره من تغير الاهوية وتبديل الماء، فأنفذ ابن عم له يقال له فرعان بن ميسون، وكان أحد الجبابرة الذين لا يطاقون وهو أول فرعون تسمى بهذا الاسم، وتسمى به بعده من تشبه به.

وقال أصحاب التاريخ من أهل مصر، إن أول من تسمى بفرعون غلام الوليد ابن دمع العماليقي، يقال له فرعون كان قد هرب من مولاه لما رجع من طلب النيل، وبنى المدينة التي يقال لها مدينة العقاب وتحصن بها، فقيل له فرعون وسنذكر خبره في موضعه.

فانفذ الملك ابن عمه فرعان في جيش عظيم، فأجلى تلك الامم ونفاها إلى أطراف البحر وكر راجعا ومعه رؤوس كثيرة وخلق كثير أسارى, فأمر الملك بنصب الرؤس حول المدينة، وقتل من صلح للقتل، وكان فيهم كاهن منهم فأمر أن ينشر بمنشار، وهو أول من فعل ذلك.

وأعظم الملك ابن عمه فرعان وأكرمه وألبسه حللا منظومة بالجوهر، وأمر أن يطاف به ويذكر فضله، ثم أنزله في بعض قصوره.

وأن امرأة من نساء الملك عزيزة عليه عشقت فرعان، فأرسلت إليه تدعوه إلى نفسها فامتنع من ذلك خوفا من الملك، ولان التخطي كان عندهم إلى نساء الملك عظيما.

فلما طال عليها شوقها إليه أحضرت امرأة ساحرة من نساء الكهنة ولا طفتها حتى أنست بها، فذكرت أمر فرعان وما تجده من سببه وامتناعه عليها، فضمنت لها بلوغ محبتها منه، فسحرته بدخن كان عندها عملته له حتى اهتاج إليها وقدم على ودها وسهل عليه ما صعب من أمره، ودست إليه فأجابها واجتمع بها وتمكن حب كل واحد منهما من صاحبه، ودام الامر بينهما وتمادى الانس إلى أن ذاكرته أمر الملك وأنها لا تأمن أن يصل خبرهما به فيهلكا، وقالت له اعمل الحيلة في قتله، وأنت ابن عمه فيكون [ لك ] الملك من بعده ونأمن على أنفسنا، فلشدة حبه لها استحسن ذلك واستدعى بسم فدفعه إليها، فدسته في شراب الملك فمات لوقته، ودفن في الهرم مع الملوك.

وجلس فرعان الملك على سرير الملك، ولبس التاج ولم ينازعه أحد، وفرح الناس بمكانه لما كان عليه من الشدة والجرأة.

وأن فرعان علا في الارض وتجبر، وهو الذي كان الطوفان في وقته، وغصب الناس أموالهم وعمل في طريق الظلم ما لم يعمله أحد، وأسرف في القتل وامتثل أصحابه فعله، فهابته الملوك، وأقروا له، وهو الذي كتب إلى الدرمشيل بن يمحويل ملك بابل يشير عليه بقتل نوح عليه السلام.

وذلك أن الدرمشيل كتب إلى الآفاق يستعلم أهلها هل يعرفون آلهة غير الاصنام ؟ ويذكر قصة نوح عليه السلام، وأنه يريد تغيير ما هم عليه من عبادة الاصنام، ويزعم أن له إلها غيرها لا يرى فكل أنكر ذلك.

ولما أخذ نوح عليه السلام في عمل السفينة كتب فرعان يأمره بقتل نوح وحرقها فأشار عليه بعض وزرائه أن لا يفعل وأن يدعها فان كان ما ذكره نوح حقا ركبها الملك وأهل بيته فقبل رأيه وتركها وهم بقتل نوح فمنعه الله منه.

وكان عند أهل مصر علم الطوفان، ولم يقدروا كثرته ولا طول مقامه على وجه الارض، فاتخذوا السراديب تحت الارض وصفحوها بالزجاج وحبسوا الريح فيها بتدبيرهم، واتخذ الملك فيلمون رأس الكهنة مع نفسه، عدة له ولأهل بيته.

وقد كان فرعان أقصى الكهان وباعدهم، فرأى فيلمون الكاهن ليلة في منامه كأن مدينة أمسوس قد انقلبت (36) بأهلها وكأن الاصنام قد انقلبت (37) على وجوهها وكأن ناسا من السماء ينزلون ومعهم مقامع يضربون بها الناس، وكأنه تعلق بأحدهم، وقال لهم: لاي شئ تفعلون بالناس ولا ترحمونهم ؟ قال: لانهم كفروا بإلههم بالذي خلقهم، قال: أما لهم خلاص ؟ قال: نعم من أراد الخلاص فعليه بصاحب السفينة, فانتبه مرعوبا وقام حيرانا لا يدري ما يصنع، وكان له امرأة وولدان ذكر واثنى وسبع تلاميذ فأجمع على أن يلحق بنوح عليه السلام.

ثم نام أيضا فرأى في نومه كأنه في روضة خضراء، وكأن فيها طيورا بيضاء يفوح منها رياح المسك، وكأنه كان يعجب من حسنها، إذ تكلم بعض الطيور فقال سيروا بنا لعلنا ننجو مع المؤمنين، فقال له ومن هم المؤمنون ؟ قال أصحاب السفينة.

فانتبه مرعوبا وأخبر أهله وتلاميذه بذلك واستكتمهم إياه ثم نظر في تخفيف اثقاله، وفي بيع ما يجب بيعه مستترا بذلك كله.

فلما فرغ مما أراده دخل على الملك وقال له إن رأى الملك أن ينفذني إلى الدرمشيل لأرى هذا الرجل الذي عمل السفينة وأناظره وأجادله على ما جاء به من هذا الدين الذي يظهره، وأتبين حقيقة أمره فليفعل، فعسى أن يكون سبب هلاكه ودفعه عما يدعيه، فأعجب الملك منه وأمره بالخروج، وكتب معه إلى الدرمشيل.

فسار فيلمون بأهله وولده ومضى معه تلاميذه حتى انتهوا إلى أرض بابل فقصد نوحا فأخبره بما قصده، وسأله أن يشرح له دينه ففعل نوح عليه السلام ذلك، فآمن به فيلمون وجميع من معه، ولم يقصد فيلمون إلى الدرمشيل ولم يدفع إليه كتاب فرعان ولا رآه.

فقال نوح عليه السلام " من أراد الله به خيرا لم يصرف عنه ذلك " فلم يزل الكاهن مع نوح عليه السلام يخدمه هو وتلاميذه وولده إلى ان ركبوا السفينة.

وأقام فرعان الملك متمكنا في ضلاله وظلمه، مدمنا على لهوه وقد استخف بالهياكل، فضاقت أرضهم بها، وكثر الظلم والهرج وفسدت الزروع وأجدبت الارض من كل ناحية، وظلم الناس بعضهم بعضا، ولم ينكر ذلك عليهم، وسدت الهياكل والبرابي وطبقت أبوابها، فجاءهم الطوفان وأقبل عليهم المطر في اربع وعشرين من الشهر.

وكان فرعان سكرانا فلم يقم إلا والماء قد عظم، فوثب مبادرا يريد الهرم فتخلخلت الارض به، وسبق يريد الابواب فخانته رجلاه وسقط على وجهه، وجعل يخور كما يخور الثور إلى أن أهلكه الطوفان ومن دخل منهم الاسراب مات بغمها ولحق الماء من [ أعلى ] الاهرام إلى حد التربيع، وأثره ظاهر عليه إلى الآن.

قد ذكر أن مواضع سلمت من الطوفان يذكر ذلك الفرس، وتزعم أنها لا تعرف الطوفان، وكذلك الهند تزعم أنها لا تعرفه وليس بين أهل التاريخ اختلاف في عموم الطوفان لجميع الارض.

__________

1) في تاريخ القرماني: نقراوش الجبار بن مصرايم بن مركاييل بن رواييل بن عرياب بن آدم عليه السلام.

2) في ب: تحمل، والتصحيح عن القرماني.

3) في ب: مصريم.

4) في القرماني: أسوس.

5) في القرماني ان يزول عنهما.

6) تقدم اسمه بقراوس، وفي كتاب القرماني: نقاوش.

7) زيادة عن ق.

8) في ب: وجعل، وهذه رواية القرماني.

9) في ق: لوجيم بالمعجمة.

10) في ب: والغرائب. والتصحيح عن ق.

11) في ب ضراتها: فتاها.

12) في ب: عقربان.

وقد كتبناها عقابان لما يذكره بعد ثلاثة أسطر.

13) في ب: خصليم، وقد تقدم بالحاء، وفي ق بالجيم.

14) في ب: ناظرا.

15) في ق: تدرسان.

16) في ق: شمرود.

17) في ق: توميدون.

18) في ق: رجليه.

19) في ب: كورية.

20) في ق: من زجاج على شقين فلعل الصواب اذن: شقيا.

21) في ق: شرياق.

22) في ب: كان.

23) في ب: الجمال بمصر.

24) لعل الصواب جمشيد.

25) في ب: ذكرا.

26) هكذا في الاصول مع هذا التكرار.

27) عن ق.

28) هكذا في الاصول.

29) في ق: هرجيب

30) في ق: وكانت له بنت أفسدت مع بعض خدامه فنفاها.

31) في ق: وكان جبارا أثيما، شيطانا رجيما.

32) في ب: كثيرا.

33) في ق: أقروش.

34) في ق: أرمالينوس.

35) في ب: أقبلت.

36) هكذا في الاصول، وفي ق: ولعل الصواب بفمها، أي قبل أن يصل إليها.

37) زيادة عن ق.