أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-08
198
التاريخ: 2024-10-19
536
التاريخ: 2024-10-19
270
التاريخ: 2024-10-19
144
|
السؤال : الوهّابية يستدلّون بهذا القول علينا في المنتديات الحوارية ، بما ورد في « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد ، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري البغدادي ، أنّه قال : جاء أبو سفيان إلى علي عليه السلام فقال : ولّيتم على هذا الأمر أذلّ بيت في قريش ... على أبي فضيل خيلاً ورجالاً ، فقال علي عليه السلام : « طالما غششت الإسلام وأهله ، فما ضررتهم شيئاً ، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجالك ، لولا أنّا رأينا أبا بكر لها أهلاً ما تركناه » (1) ، سأستشيركم قبل الردّ عليهم الأفكار التي لدي حالياً ، هي :
1 ـ رغم أنّ كتاب شرح النهج هو حجّة عليهم أكثر منّا ، لأنّ شارحه وهو ابن أبي الحديد معتزلي وليس شيعياً ، ولكنّهم غير مقتنعين.
2 ـ راجعت كتاب السقيفة وفدك للجوهري البغدادي ، وأطلعت على ما ذكره المحقّق هادي الأميني ، من أنّ كلّ ما ذكره ابن أبي الحديد هو من كتب أهل السنّة ، وليس من كتبنا.
3 ـ ذكر المحقّق بأنّ النصّ المذكور موجود في تاريخ الطبري 3 / 202 ، عن محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي ، وقد قال عنه أبو حاتم كما في ميزان الاعتدال 3 / 641 : منكر الحديث.
4 ـ أنّا حالياً لم أطلع على ما جاء في « تاريخ الطبري » ، ولكن يوجد اسمان متشابهان عندي ، وأنّا وقعت في حيرة من أمري والاسمان هما :
أ ـ محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف القرشي الجمحي المكّي.
ب ـ محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي أبو عبد الله ، وقيل أبو صفوان البصري.
فلو تلاحظ سيّدي هناك ابن صفوان ، وابن أبي صفوان ، وهذا هو الثقفي ابن صفوان ، هو من قيل عنه : منكر الحديث ، ابن أبي صفوان هو ثقة وثّقه ابن أبي حاتم الذي شغل انتباهي هو الثقفي ، فهل هو ابن أبي صفوان ، فقد جاء في كتاب السقيفة وفدك بأنّه الثقفي.
5 ـ أنا إلى الآن لم أرد عليهم ، فأنّا أنتظر سماحتكم في الردّ عليهم ، وأنا بمشيئة الله تعالى سأبحث عن ما هو الاسم بالضبط من خلال الاطلاع على كتاب « تاريخ الطبري » من خلال المكتبات.
6 ـ الإمام علي عليه السلام لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر ، وقول ابن أبي سفيان هو قبل ذلك ، هذا في اعتقادي ولم آتي بدليل على ذلك! وأشكركم على الإنصات لي ، والله الموفّق.
الجواب : إنّ البيعة بمعناها المصافقة والالتزام والتعهّد ، لم تصدر من الإمام علي عليه السلام ، إنّما الذي ثبت هو هدنته معهم ، وإشاعتهم وتلقيهم ذلك منه بمنزلة البيعة ، وهذا لم يحصل إلاّ بعد ستة أشهر ، كما روى ذلك البخاري والطبري وغيرهما ، ويكفي البخاري ، لأنّ كتابه أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى عندهم.
فقد روى البخاري بسنده إلى عائشة : « أنّ فاطمة عليها السلام بنت النبيّ صلى الله عليه وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ممّا أفاء عليه بالمدينة وفدك ، وما بقى من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « لا نورّث ما تركناه صدقة ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال » ، وإنّي والله لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله.
فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ستة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفّيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، والله لآتينهم ، فدخل عليه أبو بكر ... » (2).
من أنّ علياً لم يبايع إلاّ بعد وفاة فاطمة عليها السلام (3) ، بل وفي الحديث ورد : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه علي.
وهناك مصادر أُخرى نحن في غنى عن ذكرها بعد رواية البخاري ومسلم وغيرهما لها ، لأنّها تدلّ على صحّة هذه الرواية ، وأنّ علياً لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر ، فكان رافضاً للأمر وغير راضٍ به أصلاً.
فهذه شهادة صريحة بعدّة أُمور :
1 ـ إنّ علياً عليه السلام كان رافضاً وغير راضٍ بها ، وكان سنده في هذا الرفض فاطمة عليها السلام ، فلمّا توفّيت حاك القوم الحبائل للإيقاع به ، فلذلك اضطرّ إلى البيعة.
2 ـ إنّ علياً عليه السلام يكره عمر بن الخطّاب ، ويكره حضوره.
3 ـ إنّ علياً عليه السلام استدعى أبا بكر إلى بيته ، وقال : ننظر في الأمر ، فالبيعة غير معلومة أصلاً.
4 ـ إنّ العداوة واضحة بين الإمام علي عليه السلام وبين الخلفاء ، فلذلك ترى عمر يرفض بشدّة ذهاب أبي بكر إلى بيت علي وحده!! وهذا من الغرائب ، لأنّ بيت علي وفاطمة هو بيت الوصي ، فلماذا يخاف عمر ويرتاب؟ وخصوصاً قوله : فما عسى أن يفعلوا بي ، أي عمر يخاف منه ، فما سرّ هذا الخوف؟! وما هو السبب فيه؟!
إنّ ذلك واضح جدّاً ، حيث إنّ عمر وأبا بكر قد انقلبا على النبيّ صلى الله عليه وآله ، وغصبا حقّ فاطمة وهجما عليها.
والإمام علي عليه السلام إذا كان قد بايع فهو مضطرّ إلى البيعة ، لأنّه ذكر أنّ سبب بيعته أنّ راجعة الإسلام قد رجعت ، قال الإمام علي عليه السلام : « فما راعني إلاّ انثيال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم إليه ليبايعوه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمّد صلى الله عليه وآله في الناس ، ممّن تولّى الأمر من بعده ، فلبث بذلك ما شاء الله ، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محق دين الله ، وملّة محمّد صلى الله عليه وآله ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيّام قلائل ... » (4).
فهذه الخطبة تبيّن سبب مهادنته وإصلاح الوضع القائم ، بما يصبّ في مصلحة ذات الإسلام ، أمّا أنّه هل مدح خلافة أبي بكر؟ كما نقلتم في السؤال فلم تذكره هذه الخطبة الشريفة ، وإنّما بيّنت فقط سبب البيعة ، وأنّه لماذا بايع ، هذا أوّلاً.
وثانياً : ذكر ابن أبي الحديد ما هو خلاف ذلك ، حيث قال : « ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه السلام : وأعهدك أمس تحمل عقيلة بيتك ليلاً على حمار ، ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصدّيق ، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلاّ دعوتهم إلى نفسك ، ومشيت إليهم بامرأتك ، وأدليت إليهم بابنيك ... ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حرّكك وهيّجك : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ، فما يوم المسلمين منك بواحد ... » (5).
فهذا يدلّ على أنّ علياً عليه السلام أجاب خلاف ذلك الذي ذكرتموه ، والذي نقله الطبري ، فهذا صريح في أنّ الإمام علي عليه السلام كان رافضاً للبيعة ، وكأنّه لم يقم لعدم وجود الناصر ، ولم يؤيّد بيعة أبي بكر ، كما رواه الجوهري البغدادي.
وثالثاً : نقل ابن أبي الحديد قولاً آخر ، أجاب به علي عليه السلام أبا سفيان ، حيث قال : مرّ أبو سفيان بن حرب بالبيت الذي فيه علي بن أبي طالب عليه السلام فوقف وأنشد :
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم ولاسيّما تيم بن مرة أو عدي
فما الأمر إلاّ فيكم وإلـــــــــــيكم وليس لها إلاّ أبو الحسن علي
فقال علي لأبي سفيان : « إنّك تريد أمراً لسنا من أصحابه ، وقد عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله عهداً فإنّا عليه » (6).
فإذاً ، الإمام علي عليه السلام أجاب بجواب آخر غير ما نقله الجوهري كما ذكرتم وما نقله الطبري.
وأمّا رواية الجوهري التي ذكرتموها فهي ساقطة سنداً ، لأنّ الجوهري ومن يروي عنه غير موثّق في كتب الشيعة ، بل هو موثّق عند أهل السنّة ، لأنّه عالم ومؤرّخ سنّي وليس شيعياً ، وهو غير موثّق عند الشيعة.
قال السيّد الخوئي قدس سره بعد أن نقل عبارة ابن أبي الحديد : أنّه يعتمد في أخبار السيرة على غير نقول الشيعة ، قال : « أقول : صريح كلام ابن أبي الحديد أنّ الرجل من أهل السنّة ... وعلى كلّ حال فالرجل لم تثبت وثاقته ، إذ لا اعتداد بتوثيق ابن أبي الحديد ... » (7).
وصرّح السيّد شرف الدين قدس سره في كتابه : بأنّه من إثبات الجمهور وأعلامهم أي من أهل السنّة (8) ، وممّا يدلّ على أنّه شيء له روايات جمّة في كتب السنّة.
وهذا المزّي ينقل عن أبي أحمد العسكري في شرح التصحيف في حقّ أبي بكر الجوهري : « وكان ضابطاً صحيح العلم » (9).
وكذلك من يروي عنهم أبو بكر الجوهري ، فجميعهم من أعلام السنّة لا الشيعة ، فكيف يحتجّ علينا بما يرويه أهل السنّة؟! إذ لابدّ أن يكون الاحتجاج علينا بما يرويه الشيعة الإمامية لا غير.
وأمّا كون ابن أبي الحديد شيعي فهذه مغالطة ، لأنّ التشيّع تارة يراد به تقديم علي بن أبي طالب على الشيخين ، وتفضيله عليهما ، مع الاعتقاد بصحّة خلافتهما ، وبأنّهما من العدول المؤمنين ، وهذا يسمّى تشيّع عند الذهبي (10) ، وكذلك عند الألباني في « سلسلة الأحاديث الصحيحة ».
وتارة يراد بالتشيّع هو الإيمان بخلافة علي عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ، وأنّه الخليفة الشرعي ، وغيره باطلة خلافته ولا تصحّ ، وهذا يسمّى رفضاً عند جميع أهل الحديث من أهل السنّة ، وخصوصاً السلفية ، كابن حجر والذهبي والألباني والغماري ، وغيرهم.
وعندنا استعمال معاصر لمعنى التشيّع حصل نتيجة كثرة الاستعمال أو الوجود الخارجي ، وهو أن يكون الشيعي مساوي للإيمان بإمامة علي وولده المعصومين عليهم السلام ، والاعتقاد ببطلان خلافة غيرهم.
فهذه استعمالات ثلاثة ، فمن يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، إذ تشيّع ابن أبي الحديد باصطلاح المحدّثين بالمعنى الأوّل وهو من يقدّم علي على الشيخين حيث إنّ المعنى الأوّل عند المحدّثين للشيعي هو تقديم علي على الشيخين خلافاً لابن حجر العسقلاني حيث عنده تقديم علي على معاوية يعني التشيّع وأمّا تقديمه على الشيخين فهو الرفض الذي يذمّ صاحبه ذمّاً شديداً ، بحيث لا تصحّ روايته ، وهو مبتدع.
وأمّا من يقدّم علي على معاوية فغالباً مطعون فيه لأنّ ابن أبي الحديد يؤمن بأنّ علياً عليه السلام أفضل من أبي بكر وعمر ، إذ قال في أوّل خطبة نهج البلاغة :
« الحمد لله الذي تفرّد بالكمال ... وقدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، واختصّ الأفضل من جلائل المآثر بنفائس المفاخر ... ».
فباعتبار أنّه يؤمن بأنّ علياً أفضل من أبي بكر وعمر ، وأنّهما مفضولان ، فأصبح شيعياً باصطلاح المحدّثين ، لأنّ الأفضل هو المقدّم ، فعلي عليه السلام هو المقدّم ، كأنّه لم يقدّم لمصلحة كما يقول ابن أبي الحديد فعليه يكون ابن أبي الحديد شيعي باصطلاح المحدّثين الأوّل ، وهو من يقدّم علي عليه السلام على الشيخين.
لكن ابن أبي الحديد لا يكون شيعياً باصطلاح الثاني للمحدّثين وهو الإيمان بخلافة علي وبطلان خلافة غيره لأنّ ابن أبي الحديد من المؤمنين بصحّة خلافة الشيخين والداعمين لها ، وهذا ما يذكره من أوّل الشرح إلى آخره.
وكذلك لا يكون شيعي بهذا المعنى الحديث وهو الإيمان بالإمامة ، وأنّ علياً إماماً وولده أئمّة فإنّه بين هذه العقيدة وبين ما يؤمن كما هو واضح في شرح النهج بعد المشرقين.
فإذاً من يقول بأنّ ابن أبي الحديد شيعي يغالط في ذلك ، فتصوّر السامع أنّ ابن أبي الحديد شيعي إمامي أو زيدي ، كما ينصرف له هذا اللفظ عند السماع ، مع أنّ القائل يقصد مغالطة المعنى الذي يستخدمه المحدّثون ، وهو تفضيل علي عليه السلام على الشيخين ، فانتبه لهذا ، ولا تكن في غفلة عنه ، لأنّ هذا حتّى السلفية لم يفهموه بعد.
وأمّا الرواية التي وردت في « تاريخ الطبري » ، فهي أيضاً ساقطة سنداً ، لكن اشتبه محقّق الكتاب فقال : والحديث ليس بصحيح ، سنده محمّد بن عثمان بن صفوان ، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3 / 641 ، وقال : « قال أبو حاتم : منكر الحديث » (11).
وفي كلام محقّق الكتاب خطأ ، لأنّ هناك :
1 ـ محمّد بن عثمان بن صفوان بن أُمية بن خلف الجمحي الكوفي المكّي.
2 ـ محمّد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي.
أمّا الأوّل فهو الذي قال عنه أبو حاتم بأنّه منكر الحديث ، وكذلك قال الدار قطني عنه : « ليس بقوي » (12) ، وصرّح في « تقريب التهذيب » : أنّه ضعيف (13).
وهو لم يقع في سند رواية الطبري أصلاً ، وهنا وقع المحقّق هادي الأميني في خلل.
وأمّا الثاني فهو ابن أبي صفوان وهو ثقة ، كما قال عنه ذلك ابن حجر في « تقريب التهذيب » (14) ، ولعلّه هو المراد في رواية الطبري ، لأنّ الذي ورد عن الطبري محمّد بن عثمان بن صفوان الثقفي غير موجود ، وإنّما الموجود ابن أبي صفوان الثقفي وهو الثقة ، كما قال عنه ابن حجر.
نعم في سند رواية الطبري مالك بن المغول ، وهو متّهم بالميل عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقد روى ابن عدي في « الكامل » (15) في ترجمة عبد الله بن شريك ، قلت لشريك : هل لك من أخ تعوده؟
قال : من؟ قلت : مالك بن مغول.
قال : ليس لي بأخ من أزري على علي وعمّار بن ياسر.
إذاً ، في سند الرواية من هو متّهم بالميل عن علي عليه السلام فلا يمكن الأخذ بها.
مضافاً إلى أنّ رواتها كلّهم من أهل السنّة ، وليس لهم ذكر في كتب الشيعة وتراجمهم ، فلا يمكن الاعتماد عليها.
ثمّ لو تنزّلنا وقلنا : إنّ علياً عليه السلام قد ذكر هذا الكلام وبايع ، فإنّما ذكره ردّاً على أبي سفيان ، لأنّه رأس الطلقاء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر ، ويريدون محو الإسلام واستئصال جذوره من الأساس ، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يردّ ذلك على حساب الخلافة ، لأنّ الخلافة أمر واجب على الناس ، وليس على علي عليه السلام ، لأنّ هناك إمامة وخلافة ، والإمامة ينصّبها الله ، وعلي عليه السلام إمام بتنصيب الله تعالى ، ومن وظائف الإمامة الخلافة أي أنّ مقام الخلافة الأحق به الإمام وهذه الخلافة مشروطة بالنصرة ، وأن يبايع الناس علياً ، فيجب على الناس أن يعيّنوا علياً عليه السلام خليفة عليهم وأن ينصرونه ، فعندما خذلوه وعصوا الحكم الشرعي بوجوب نصبه خليفة ، ما كان على علي عليه السلام إلاّ المحافظة على بيضة الإسلام من أهل النفاق ، ومن الطلقاء ، ومن الأعراب الذين ارتدوا ، فلذلك كان علياً عليه السلام يهمّه الإسلام أكثر من الخلافة ، إذ الخلافة تجب على الناس أن يعطوها لعلي عليه السلام ، فلمّا عصوا فلم يبق أمام الإمام علي عليه السلام إلاّ نصر الدين والمحافظة عليه ، مادام الناس تراجعوا وتقهقروا عن واجبهم الشرعي وهو نصب من نصّبه الله فلذلك قال : « فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أُموركم ، التي هي إنّما متاع أيام قلائل ».
والشاهد على أنّ أبا سفيان كان يبغي ضرب الإسلام ما نقله ابن أبي الحديد في شرح النهج حيث قال : « لمّا اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان وهو يقول : أما والله إنّي لا أرى عجاجة لا يطفئها إلاّ الدم ، يا لعبد مناف فيم أبو بكر من أمركم! أين المستضعفان؟ أين الأذلاّن! يعني علياً والعباس ما بال هذا الأمر في أقلّ حيّ من قريش؟ ثمّ قال لعلي : أبسط يدك أبايعك ، فو الله إن شئت لأملأنها على أبي فضل يعني أبا بكر خيلاً ورجالاً » (16).
فانظر إلى خبث هذا الرجل ، فهو يريد أن يضرب المسلمين بعضهم ببعض ، حتّى يخلوا له الجوّ ، ويرجع إلى الجاهلية ، وأنظر إلى الخيل والرجال التي توعّد بها ، فما هي إلاّ الاتفاق بينه وبين المنافقين ، وبين من تقدّم من عندهم عندما قدم ووجد رسول الله صلى الله عليه وآله قد توفّي.
_____________________
1 ـ شرح نهج البلاغة 2 / 45.
2 ـ صحيح البخاري 5 / 82.
3 ـ صحيح مسلم 5 / 154 ، صحيح ابن حبّان 11 / 153 و 14 / 573 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، البداية والنهاية 5 / 307 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 568 ، شرح نهج البلاغة 2 / 22 ، الإمامة والسياسة 1 / 31.
4 ـ شرح نهج البلاغة 6 / 95 ، الإمامة والسياسة 1 / 175.
5 ـ شرح نهج البلاغة 2 / 47.
6 ـ المصدر السابق 6 / 17.
7 ـ معجم رجال الحديث 2 / 142.
8 ـ أبو هريرة : 139.
9 ـ تهذيب الكمال 11 / 318.
10 ـ ميزان الاعتدال 1 / 5 ترجمة أبان بن تغلب.
11 ـ السقيفة وفدك : 40.
12 ـ تهذيب التهذيب 9 / 300.
13 ـ تقريب التهذيب 2 / 112.
14 ـ نفس المصدر السابق.
15 ـ الكامل في التاريخ 4 / 10.
16 ـ شرح نهج البلاغة 1 / 221.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|