أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-6-2017
3710
التاريخ: 28-5-2017
3304
التاريخ: 1-6-2017
2933
التاريخ: 2-7-2017
3316
|
1 - حاخامات اليهود في زمن النبي « صلى الله عليه وآله »
يتشابه زعماء بطون قريش مع أقاربهم اليهود إلى حد كبير ، في عدائهم للنبي وعنادهم ! فقد كذَّبوه وآذوه ، وحاولوا قتله طول ثلاث عشرة سنة ، وبعدها !
ثم هاجر ( صلى الله عليه وآله ) عنهم وطلب منهم أن يتركوه والعرب ويقفوا على الحياد ، فلم يفعلوا ، وأصروا على حربه ، فحاربوه في بدر وانهزموا ، ولم يأخذوا العبرة . ثم أحُد والخندق ، ولم يأخذوا العبرة . وابتلاهم الله بالقحط والسنوات العجاف فكانوا كما قال الله عنهم : وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يتَضَرَّعُونَ . وباغتهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مكة ففتحها وأجبرهم على خلع سلاحهم فلم يعتبروا !
وكذلك اليهود في إصرارهم على عداوته ( صلى الله عليه وآله ) وحماقتهم وفتح الحروب عليه ! فقد جاؤوا بعد المسيح ( عليه السلام ) إلى جزيرة العرب ، وسكنوا في تيماء وأم القرى وخيبر والمدينة ومكة ، ينتظرون النبي الموعود ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانوا يتوعدون به العرب وأنه سيأتي ويكونون معه ، وبذلك هيؤوا أهل المدينة للإيمان به ! ولما بعثه الله تعالى كفروا به ، لأنه من أولاد إسماعيل ( عليه السلام ) وليس من أولاد إسحاق ( عليه السلام ) ! وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ . بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيا أَنْ ينَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ . البقرة : 89 - 90 .
وكان اليهود مجموعات قبلية يرأسهم حاخاماتهم . وقد جاؤوا لهدف ديني هو انتظار بعثة النبي الموعود ومعهم كتبهم ، وتحالفوا في المدينة مع الأوس والخزرج واشتغلوا بالزراعة والتجارة والصياغة .
وكان لهم في كل منطقة مدرستان : المدراس لتدريس التوراة وتسمى الفهر ، « لسان العرب : 5 / 66 » والمشناة ، التي لتدريس التلمود أو الشريعة .
وكان أسوأ حاخاماتهم : كعب بن الأشرف رئيس بنى النضير ، وخليفته حيى بن أخطب ، فقد أفرطا في عداء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتحريك قريش والعرب ضده !
وذكر ابن هشام : 2 / 358 أسماء اليهود الذين نصبوا العداء للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان ابن إسحاق خبيراً بهم ، قال : « ونصبت عند ذلك أحبار يهود لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) العداوة بغياً وحسداً وضغناً . . وكانت أحبار يهودهم الذي يسألون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويتعنتونه ويأتونه باللبس ليلبسوا الحق بالباطل ، فكان القرآن ينزل فيهم وفيما يسألون عنه . . منهم : يحيى بن أخطب ، وأخواه أبو ياسر بن أخطب ، وجدى بن أخطب ، وسلام بن مشكم ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وسلام بن أبي الحقيق ، وأخوه سلام بن الربيع . . والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق ، وعمرو بن جحاش ، وكعب بن الأشرف ، وهو من طيئ ، ثم أحد بنى نبهان ، وأمه من بنى النضير ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف ، وكردم ابن قيس ، حليف كعب بن الأشرف ، فهؤلاء من بنى النضير .
ومن بنى ثعلبة بن الفطيون : عبد الله بن صوريا الأعور ، ولم يكن بالحجاز في زمانه أعلم بالتوراة منه ، وابن صلوبا ، ومخيريق ، وكان حبرهم ، أسلم .
ومن بنى قينقاع : زيد بن اللصيت . . وسعد بن حنيف ، ومحمود بن سيحان ، وعزيز بن أبي عزيز ، وعبد الله بن صيف . قال ابن إسحاق : وسويد بن الحارث ، ورفاعة بن قيس ، وفنحاص ، وأشيع ، ونعمان بن أضا ، وبحري بن عمرو ، وشاس بن عدي ، وشاس بن قيس ، وزيد بن الحارث ، ونعمان بن عمرو ، وسكين بن أبي سكين ، وعدى بن زيد ، ونعمان بن أبي أوفي ، أبو أنس ، ومحمود بن دحية ، ومالك بن صيف . . وكعب بن راشد ، وعازر ، ورافع بن أبي رافع ، وخالد ، وإزار بن أبي إزار . . ورافع بن حارثة ، ورافع بن حريملة ، ورافع بن خارجة ، ومالك بن عوف ، ورفاعة بن زيد بن التابوت ، وعبد الله بن سلام بن الحارث ، وكان حبرهم وأعلمهم ، وكان اسمه الحصين ، فلما أسلم سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عبد الله ، فهؤلاء من بنى قينقاع .
ومن بني قريظة : الزبير بن باطا بن وهب ، وعزال بن شمويل ، وكعب بن أسد ، وهو صاحب عقد بني قريظة الذي نقضه عام الأحزاب ، وشمويل بن زيد ، وجبل بن عمرو بن سكينة ، والنحام بن زيد ، وقردم بن كعب ، ووهب بن زيد ، ونافع بن أبي نافع ، وأبو نافع ، وعدى بن زيد ، والحارث بن عوف ، وكردم بن زيد ، وأسامة بن حبيب ، ورافع بن رميلة ، وجبل بن أبي قشير ، ووهب بن يهوذا ، فهؤلاء من بني قريظة .
ومن يهود بنى زريق : لبيد بن أعصم ، وهو الذي أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن نسائه . ومن يهود بنى حارثة : كنانة بن صورياء . ومن يهود بنى عمرو بن عوف : قردم بن عمرو . ومن يهود بنى النجار : سلسلة بن برهام .
فهؤلاء أحبار اليهود ، وأهل الشرور والعداوة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه » .
ومعنى قوله عن لبيد بن الأعصم بأنه أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن نسائه ، أنه سحر النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما زعمت عائشة فصار يتصور أنه قاربها ولم يقاربها ! وهذا عندنا من المكذوبات على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما بينا في محله .
قال في الصحيح : 6 / 21 : « اليهود شعب عنصرى مؤمن بتفوق عنصره على البشر كافة ! والناس عندهم لا قيمة لهم ولا اعتبار ، وإنما خلقوا لخدمة الإسرائيليين وحسب ! فكل الناس إذن يجب أن يكونوا في خدمتهم وتحت سلطتهم كما يقول لهم تلمودهم . فقد جاء في التلمود ما ملخصه : إن الإسرائيلى معتبر عند الله أكثر من الملائكة ، وإن اليهودي جزء من الله ، ومن ضرب يهودياً فكأنه ضرب العزة الإلهية ، والشعب المختار هم اليهود فقط ، وأما باقي الشعوب فهم حيوانات . ويعتبر اليهود غير اليهود أعداء لهم ولا يجيز التلمود أن يشفق اليهود على أعدائهم . ويلزم التلمود الإسرائيليين بأن يكونوا دنسين مع الدنسين ، ويمنع من تحية غير اليهودي إلا أن يخشوا ضررهم ، ولا يجيزون الصدقة على غير اليهودي ويجوز لهم سرقة ماله وغشه . كما أن على الأمميين أن يعملوا ولليهود أن يأخذوا نتاج هذا العمل . ويجيز التلمود التعدي على عرض الأجنبي لأن المرأة إن لم تكن يهودية فهي كالبهيمة . ولليهودى الحق في اغتصاب غير اليهوديات . ويحرم على اليهودي أن ينجى غيره . إلى آخر ما هنالك » .
ولم يسلم منهم إلا النادر مثل الحاخام مخيريق ، وكان صادقاً ، واستشهد مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أحُد ، ورووا أن عبد الله بن سلام أسلم ، ولا أظنه صادقاً !
2 . كعب بن الأشرف رئيس بنى النضير
في المناقب : 1 / 48 : « قال كعب بن الأشرف ومالك بن الضيف ووهب بن يهودا وفنحاص بن عازورا : يا محمد إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَينَا في التوراة أَلاّنُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ، فإن زعمت أن الله بعثك الينا فجئنا به نصدقك ، فنزلت : وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ . بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيا أَنْ ينَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ . البقرة : 89 - 90 .
وقوله : قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِى بِالْبَينَاتِ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . أراد زكريا ويحيى وجميع من قتلهم اليهود » .
وفى مجمع البيان : 3 / 347 أن كعباً جاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند هجرته وطلب منه معجزة فأراه ، فاستكبر ولم يؤمن ! وسألوه عندما خرج من عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « أهو نبي ؟ فقال : هو هو ! فقيل : ماله عندك ؟ فقال : العداوة إلى الموت » !
وفى تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 92 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما قدم المدينة وظهرت آثار صدقه وآيات حقه ، وبينات نبوته ، كادته اليهود أشد كيد ، وقصدوه أقبح قصد ، يقصدون أنواره ليطمسوها ، وحججه ليبطلوها ! فكان ممن قصده للرد عليه وتكذيبه : مالك بن الصيف ، وكعب بن الأشرف ، ويحيى بن أخطب ، وجدى بن أخطب ، وأبو ياسر بن أخطب ، وأبو لبابة بن عبد المنذر ، وشعبة . فقال مالك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا محمد تزعم أنك رسول الله ؟
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كذلك قال الله خالق الخلق أجمعين .
قال : يا محمد لن نؤمن لك أنك رسول الله حتى يؤمن لك هذا البساط الذي تحتنا ! ولن نشهد أنك عن الله جئتنا حتى يشهد لك هذا البساط . وقال أبو لبابة بن عبد المنذر : لن نؤمن لك يا محمد أنك رسول الله ، ولا نشهد لك به حتى يؤمن ويشهد لك هذا السوط الذي في يدي . وقال كعب بن الأشرف : لن نؤمن لك أنك رسول الله ولن نصدقك به حتى يؤمن لك هذا الحمار الذي أركبه !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنه ليس للعباد الاقتراح على الله تعالى ، بل عليهم التَّسْليم لله والانقياد لأمره والاكتفاء بما جعله كافياً . أما كفاكم أنه أنطق التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم بنبوتي ودل على صدقي ؟ وبين لكم فيها ذكر أخي ووصيي وخليفتي وخير من أتركه على الخلائق من بعدى علي بن أبي طالب ، وأنزل على هذا القرآن الباهر للخلق أجمعين ، المعجز لهم عن أن يأتوا بمثله وأن يتكلفوا شبهه . وأما هذا الذي اقترحتموه فلست أقترحه على ربي عز وجل ، بل أقول إنما أعطاني ربى تعالى من دلالة هو حسبي وحسبكم ، فإن فعل عز وجل ما اقترحتموه فذاك زائد في تطوله علينا وعليكم ، وإن منعنا ذلك فلعلمه بأن الذي فعله كاف فيما أراده منا . قال : فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كلامه هذا أنطق الله البساط فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً صمداً حياً قيوماً أبداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، ولم يشرك في حكمه أحداً ، وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله ، أرسلك بالهدى ودين الحق ليظهرك على الدين كله ولو كره المشركون . وأشهد أن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف أخوك ووصيك ، وخليفتك في أمتك . . فعجب القوم وقال بعضهم لبعض : ما هذا إلا سحر مبين ! فاضطرب البساط وارتفع . . وأنطق الله سوط أبى لبابة ، ثم أنطق حمار كعب بن الأشرف ، فقال : هذا سحر ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا كعب بن الأشرف حمارك خير منك ! فلما انصرف القوم من عند رسول الله ولم يؤمنوا أنزل الله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ . . » .
وكان كعب يقود الحاخامات ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويتصلون بالمؤمنين من الأنصار ويلقون عليهم الشبهات ليكفروا ، ونزلت فيهم آيات كقوله تعالي : الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَينَا أَلاّنُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِى بِالْبَينَاتِ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . آل عمران : 183 .
وقد وقع اليهود بطوائفهم الثلاث : قينقاع والنضير وقريظة ، معاهدات تعايش مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكنهم كانوا يتعاونون خفيةً مع قريش ، وعندما انهزمت في بدر أصابهم الذهول ، وقصد كعب وابن أخطب مكة يحرضانهم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
وفى شرح النهج : 14 / 196 عن الواقدي ، قال : « وفرق الله عز وجل ببدر بين الكفر والإيمان ، وأذل رقاب المشركين والمنافقين واليهود ، ولم يبق بالمدينة يهودي ولا منافق إلا خضعت عنقه ! وقال قوم من المنافقين ليتنا خرجنا معه حتى نصيب غنيمة ! وقالت يهود فيما بينها : هو الذي نجد نعته في كتبنا والله لاترفع له راية بعد اليوم إلا ظهرت ! وقال كعب بن الأشرف : بطن الأرض اليوم خير من ظهرها ! هؤلاء أشراف الناس وساداتهم وملوك العرب وأهل الحرم والأمن قد أصيبوا ! وخرج إلى مكة فنزل على أبى وداعة بن ضبيرة ، وجعل يرسل هجاء المسلمين ، ورثى قتلى بدر من المشركين فقال :
طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر يستهل ويدمع
قتلت سراة الناس حول حياضهم * لا تبعدوا ، إن الملوك تُصرَّع
نبئت أن الحارث بن هشامهم * في الناس يبنى الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما * يسعى على الحسب القديم الأروع
قال الواقدي . . فلما أرسل كعب هذه الأبيات أخذها الناس بمكة عنه وأظهروا المراثي ، وقد كانوا حرَّموها كيلا يشمت المسلمون بهم ! وجعل الصبيان والجواري ينشدونها بمكة ، فناحت بها قريش على قتلاها شهراً ، ولم تبق دار بمكة إلا فيها النوح ، وجَزَّ النساء شعورهن ، وكان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه فتوقف بين أظهرهم فينوحون حولها ! وخرجن إلى السكك وضربن الستور في الأزقة ، فخرجن إليها ينحن » ! ورواه ابن هشام بنحوه : 2 / 564 والمقريزي في الإمتاع : 12 / 179 باثني عشر بيتاً .
وفى أسباب النزول / 62 : « وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه ، فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا : لتكونن كلمتنا واحدة ، ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله فيهم هذه الآية : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ . . » .
3 . غزوة النبي « صلى الله عليه وآله » ليهود بنى قينقاع بضاحية المدينة
كان بنو قينقاع صاغة يعملون بالذهب ، وليس عندهم بساتين ، ولهم سوق الذهب المعروف قرب المدينة . وكان بنو النضير أصحاب زراعة وبساتين ، ويشبههم بنو قريظة . وعددهم جميعاً بضعة آلاف نسمة .
قال في إعلام الوري : 1 / 157 : « قال علي بن إبراهيم بن هاشم : جاءته اليهود قريظة والنضير والقينقاع « كل يهود المدينة » فقالوا : يا محمد إلى مَ تدعو ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ، وإني الذي تجدوني مكتوباً في التوراة ، والذي أخبركم به علماؤكم أن مخرجى بمكة ومهاجرى في هذه الحرة ، وأخبركم عالم منكم جاءكم من الشام . فقال : تركت الخمر والخمير وجئت إلى البؤس والتمور ، لنبي يبعث في هذه الحرة ، مخرجه بمكة ومهاجره هاهنا ، وهو آخر الأنبياء وأفضلهم ، يركب الحمار ، ويلبس الشملة ، ويجتزئ بالكسرة ، في عينيه حمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، ويضع سيفه على عاتقه ، لا يبالي من لاقي ، وهو الضحوك القتال ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر .
فقالوا له : قد سمعنا ما تقول ، وقد جئناك لنطلب منك الهدنة ، على أن لا نكون لك ولا عليك ولا نعين عليك أحداً ، ولا نتعرض لأحد من أصحابك ، ولا تتعرض لنا ولا لأحد من أصحابنا ، حتى ننظر إلى ما يصير أمرك وأمر قومك !
فأجابهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى ذلك وكتب بينهم كتاباً : أن لا يعينوا على رسول الله ولا على أحد من أصحابه ، بلسان ولايد ولا بسلاح ولا بكراع في السر والعلانية لا بليل ولا بنهار ، والله بذلك عليهم شهيد . فإن فعلوا فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حل من سفك دمائهم ، وسبى ذراريهم ونسائهم ، وأخذ أموالهم !
وكتب لكل قبيلة منهم كتاباً على حدة ، وكان الذي تولى أمر بنى النضير حيى بن أخطب . فلما رجع إلى منزله قال له أخواه جدى بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب : ما عندك ؟ قال : هو الذي نجده في التوراة ، والذي بشرنا به علماؤنا ، ولا أزال له عدواً ، لأن النبوة خرجت من ولد إسحاق وصارت في ولد إسماعيل ، ولا نكون تبعاً لولد إسماعيل أبداً !
وكان الذي ولى أمر قريظة كعب بن أسد ، والذي تولى أمر بنى قينقاع مخيريق وكان أكثرهم مالاً وحدائق ، فقال لقومه : تعلمون أنه النبي المبعوث فهلمَّ نؤمن به ونكون قد أدركنا الكتابين ! فلم تجبه قينقاع إلى ذلك » .
قال الشافعي في الأم : 4 / 181 : « ولم تخرج « اليهود » إلى شئ من عداوته ( صلى الله عليه وآله ) بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعة بدر ، فكلم بعضها بعضاً بعداوته والتحريض عليه » . لكن في الصحيح : 6 / 36 : « بدأ اليهود قبل بدر بالتحريض على الرسول والمسلمين والتعرض لهم بمختلف أنواع الأذي ، فكان أبو عفك اليهودي يحرض على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقول فيه الشعر ، فنذر سالم بن عمير أن يقتله أو يموت دونه ، فذهب إليه فقتله . . ثم كانت حرب بدر ونتائجها المذهلة ، فزاد ذلك من مخاوف اليهود والمشركين والمنافقين على حد سواء ، فصعَّدوا من نشاطاتهم » . وعدَّد أنشطتهم ضد المسلمين فقال : 6 / 30 :
« 1 - قد أشار الجاحظ إلى أنهم شبَّهوا على العوام واستمالوا الضعفة ، ومالؤوا الأعداء والحسدة ، ثم جاوزوا الطعن وإدخال الشبهة . الخ . . .
2 - طرح الأسئلة الإمتحانية على النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهدف تعجيزه ! ويلاحظ أن هذه المحاولات كانت تبذل من قبل مختلف قبائل اليهود .
3 - ولما فشلوا في محاولاتهم محاربة الإسلام على صعيد الفكر ، اتجهوا نحو أسلوب الضغط الاقتصادي على المسلمين فيذكرون أن رجالاً من أهل الجاهلية باعوا يهوداً بضاعة ثم أسلموا وطلبوا من اليهود دفع الثمن فقالوا : ليس علينا أمانة ، ولا قضاء عندنا ، لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه ! وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم ! فجاء في الآية المباركة الرد عليهم : وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يؤَدِّهِ إِلَيكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يؤَدِّهِ إِلَيكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيسَ عَلَينَا فِى الآمِّيينَ سَبِيلٌ وَيقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يعْلَمُونَ .
4 - ممالأة أعداء الإسلام ومساعدتهم بكل ما أمكنهم ، ولو بالتجسس .
5 - محاربة الإسلام أيضاً عن طريق إثارة الفتن بين المسلمين ، ولا سيما بين الأوس والخزرج ، ونذكر على سبيل المثال قضية شاس بن قيس .
6 - تآمرهم على حياة النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) وتحريضهم الناس عليه .
7 - محاولات إثارة البلبلة وتشويش الأوضاع ، بإشاعة الأكاذيب وتخويف ضعاف النفوس من المسلمين .
8 - تآمرهم مع المنافقين على الإسلام ، وممالأتهم قريشاً على حرب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
9 - تآمرهم لمنع المسلمين من الخروج للحرب ، وكانوا يجتمعون في بيت سويلم اليهودي لأجل تثبيط الناس عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . وقد صبر الرسول عليهم ، تفادياً لحرب أهلية في مقره الجديد . . حتى طفح الكيل وبلغ السيل الزبي » .
أقول : من طريف أخبار اليهود أن بني قريظة والنضير كانوا حلفاء الأوس ، وبنى قينقاع حلفاء الخزرج ، وكان بين الأوس والخزرج حرب ، فكانت كل فئة من اليهود تحارب مع حلفائها فتقاتل إخوانها وتقتل منهم ! فوبخهم الله تعالى وقال لهم : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاتُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ . ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيهِمْ بِالآثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ ياتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُمُ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْى فِى الْحَياةِ الدُّنْيا وَيوْمَ الْقِيامَةِ يرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .
البقرة : 84 - 85 .
4 . سارع بنو قينقاع بعد بدر إلى نقض عهدهم
كانت هزيمة قريش في بدر صاعقة على اليهود ، فأسرع الحاخام كعب بن الأشرف إلى مكة لتقوية قلوب القرشيين ، ونشط في عداء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهجائه حتى أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بقتله ! كما أعلن بنو قينقاع نقض عهدهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأخذوا يستعدون لحربه ، وكانوا صاغة اليهود وأكثرهم ثروة ، ولهم سوق الذهب في ضاحية المدينة ، المعروف باسم : سوق بنى قينقاع . الحموي : 4 / 424 .
وكان رئيس بنى قينقاع الحاخام مخيريق رضي الله عنه ، ورأَّسوه عليهم لأنه من بنى النضير وهم وقريظة من ذرية هارون ( عليه السلام ) ، لكنهم لم يطيعوه لما دعاهم إلى الإيمان بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونصحهم بعدم نقض عهدهم معه .
وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج وطرف حلفهم عبادة بن الصامت ، وكان من النقباء وخيار الصحابة ، وعبد الله بن سلول ، وكان رأس المنافقين من أهل المدينة ومن الذين في قلوبهم مرض ، أي الطبقة السياسية في المنافقين .
وكانت قريش تراسل ابن سلول وبنى قينقاع قبل بدر ، تحثهم على حرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومما كتبته إليهم : « إنكم آويتم صاحبنا ، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لتخرجنه ، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم » !
فلما بلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) لقيهم فقال : لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم ، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ! فلما سمعوا ذلك من النبي ( صلى الله عليه وآله ) تفرقوا . فبلغ ذلك كفار قريش فكتبوا إلى اليهود بعد وقعة بدر : إنكم أهل الحلقة والحصون ، وإنكم لتقاتلن صاحبنا ، أو لنفعلن كذا وكذا . أبو داود : 2 / 33 .
هنا سارع بنو قينقاع فنقضوا عهدهم وأخذوا يستعدون للحرب ، فنزل قوله تعالي : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ . قَدْ كَانَ لَكُمْ آيةٌ فِى فِئَتَينِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ رَأى الْعَينِ وَاللهُ يؤَيدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يشَاءُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِى الأَبْصَارِ .
وفى تفسير القمي : 1 / 97 : « لما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من بدرأتى بنى قينقاع وهو يناديهم ، وكان بها سوق يسمى سوق النبط ، فأتاهم رسول الله فقال : يا معشر اليهود قد علمتم ما نزل بقريش ، وهم أكثر عدداً وسلاحاً وكراعاً منكم ، فأدخلوا في الإسلام فقالوا : يا محمد أإنك تحسب حربنا مثل حرب قومك ؟ ! والله لو لقيتنا للقيت رجالاً ! فنزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ » . ونحوه ابن إسحاق : 3 / 294 .
وفى إعلام الوري : 1 / 175 : « كانت غزوة بنى قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهراً من الهجرة . وروى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حاصرهم ستة أيام حتى نزلوا على حكمه . . خرجوا من المدينة ، ونزلوا أذرعات » .
فكانت غزوتهم بعد بضعة وعشرين يوماً من رجوع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من معركة بدر .
وفى سيرة ابن إسحاق : 3 / 295 : « كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله وحاربوا فيما بين بدر وأحد ، فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه ، فقام اليه عبد الله بن أبي بن سلول حين أمكنه الله منهم فقال : يا محمد أحسن في موالي ، وكانوا حلفاء الخزرج ، فأبطأ عنه رسول الله فقال : يا محمد أحسن ، فأعرض عنه رسول الله ، فأدخل يده في جيب درع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له رسول الله وغضب رسول الله ثم قال : ويحك أرسلني ، فقال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي ، أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع ، منعوني من الأحمر والأسود وتحصدهم في غداة واحدة ! إني والله امرؤ أخشى الدوائر ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هم لك » !
وفى الطبري : 2 / 173 : « فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم ، فأرسلوهم ، ثم أمر بإجلائهم وغَنَّمَ الله عز وجل رسوله والمسلمين ما كان لهم من مال ، ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لهم سلاحاً كثيراً وآلة صياغتهم ، وكان الذي ولى إخراجهم من المدينة بذراريهم عبادة بن الصامت فمضى بهم حتى بلغ بهم ذباب وهو يقول : الأقصى فالأقصي » .
ونحوه الطبقات : 2 / 29 ، وفيه : « وجدوا في حصنهم سلاحاً كثيراً وآلة الصياغة ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صفيه والخمس ، وفض أربعة أخماس على أصحابه ، فكان أول خمسٍ خُمِّسَ بعد بدر » .
5 . رئيس بنى قينقاع خير بنى يهود
كان الحاخام مخيريق « رحمه الله » أغنى اليهود ، وقد وفقه الله للإسلام فقصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند وصوله إلى قباء وأسلم على يده ، ودعا قومه إلى الإسلام وأن ينصروه في أحد فأبوا ، فذهب إلى أحد بعد أن أوصى للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بكل أمواله وكانت بساتين كبيرة وقاتل واستشهد في أحد رضي الله عنه .
قال في المناقب : 1 / 146 : « وكان مخرنق أحد بنى النضير حبراً عالماً أسلم وقاتل مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأوصى بماله لرسول الله وهو سبع حوائط وهي : المينب ، والصايفة ، والحسني ، ويرقد ، والعواف ، والكلاء ، ومشربة أم إبراهيم » .
وفى الإصابة : 6 / 46 : « كان عالماً وكان أوصى بأمواله للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهى سبع حوائط . . . وشهد أحداً فقتل بها فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : مخيريق سابق يهود ، وسلمان سابق فارس ، وبلال سابق الحبشة . . . فلما خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى أحُد قال لليهود : ألا تنصرون محمداً ؟ والله إنكم لتعلمون أن نصرته حق عليكم ! فقالوا : اليوم يوم السبت ! فقال : لا سبت لكم ! وأخذ سيفه ومضى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقاتل حتى أثبتته الجراحة ، فلما حضره الموت قال : أموالي إلى محمد يضعها حيث شاء . . » .
وفى سيرة ابن هشام : 2 / 362 : « قال : لا سبت لكم ، ثم أخذ سلاحه فخرج حتى أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأحد ، وعهد إلى من وراءه من قومه : إن قتلت هذا اليوم فأموالى لمحمد يصنع فيها ما أراه الله . وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمواله فعامة صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالمدينة منها » .
وقد أرى الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يوقف أموال مخيريق ، ويجعل ولايتها لابنته فاطمة الزهراء وذريتها « عليها السلام » ، وكذا نخل بنى النضير الذي أفاءه الله على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ولم يوجف عليه بخيل ولاركاب .
قال في فتح الباري : 6 / 140 : « فكان نخل بنى النضير لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة أعطاه الله إياها وخصه بها . . . وبقى منها صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) التي في أيدي
بنى فاطمة رضي الله عنها » . لكن أبا بكر وعمر صادرا ه من الزهراء « عليها السلام » وصادرا فدكاً ، بحجة أنهما وليا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقالا إنهما يعطيان المأكل والمشرب لعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) !
6 . غزوة بنى النضير
لم يكتف بنو النضير وسيدهم كعب بخيانة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل حاولوا اغتياله ! فأمره الله تعالى أن يقتل كعباً وبعض شرارهم لينذرهم بذلك ، ثم يغزوهم .
« أجمعت بنو النضير بالغدر ، فأرسلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك ، وليخرج منا ثلاثون حبراً ، حتى نلتقى بمكان المنصف فيسمعوا منك ، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك ، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالكتائب فحصرهم فقال لهم : إنكم والله لا تأمنون عندي ، إلا بعهد تعاهدوني عليه » . سنن أبي داود : 2 / 33 .
وفى الصحيح : 6 / 58 : « فبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوقهم ، فجلست عند صائغ منهم لأجل حلى لها ، فأرادوها على كشف وجهها فأبت ، فعمد الصائغ أو رجل آخر إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها وهى لا تشعر ! فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها ، فصاحت فوثب مسلم على من فعل ذلك فقتله ، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستنصر أهل المسلم بالمسلمين فغضب المسلمون ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ماعلى هذا أقررناهم ! فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم ، وقال : يا رسول الله أتولى الله ورسوله وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار » .
7 . حاصر النبي « صلى الله عليه وآله » بنى النضير وانتصرعليهم بعلي « عليه السلام »
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 92 ونحوه المناقب : 2 / 332 : « لما توجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى بنى النضير عمل على حصارهم ، فضرب قبته في أقصى بنى خطمة من البطحاء فلما أقبل الليل رماه رجل من بنى النضير بسهم فأصاب القبة ، فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن تحول قبته إلى السفح ، وأحاط به المهاجرون والأنصار . فلما اختلط الظلام فقدوا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال الناس : يا رسول الله لا نرى علياً ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أراه في بعض ما يصلح شأنكم ! فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان يقال له عزورا ، فطرحه بين يدي النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : كيف صنعت ؟ فقال : إني رأيت هذا الخبيث جريئاً شجاعاً ، فكمنت له وقلت ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام يطلب منا غِرة ، فأقبل مصلتاً سيفه في تسعة نفر من أصحابه اليهود ، فشددت عليه فقتلته ، وأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريباً ، فابعث معي نفراً فإني أرجو أن أظفر بهم !
فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) معه عشرة فيهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأمر أن تطرح في بعض آبار بنى حطمة ، وكان ذلك سبب فتح حصون بنى النضير . وفى تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف . . « غير كعب المعروف » .
وفيما كان من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في هذه الغزاة وقتله اليهودي ، ومجيئه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) برؤوس التسعة النفر ، يقول حسان :
لله أي كريهة أبليتَها * ببنى قريظة والنفوس تطلَّعُ
أردى رئيسهم وآبَ بتسعة * طوراً يشلهم وطوراً يدفع »
وفى الصحيح : 8 / 92 تحت عنوان : الفتح على يد على ( عليه السلام ) : ما حاصله :
« كان لهذه الضربة تأثير كبير على معنويات بنى النضير ، وضج الرعب في قلوبهم فإن تصدى رجل واحد من المسلمين لعشرة منهم ، ثم قتل العشرة جميعاً ، يؤذن بأن المسلمين قادرون على إبادتهم ، واستئصال شأفتهم بسهولة ويسر !
ويلاحظ أن شعر حسان ذكر أن هذه القضية وقعت في بني قريظة ، لكن الرواية تنص على حدوث ذلك في بنى النضير ، فيكون الخلل في الرواية لشعر حسان » .
8 . غرور بنى النضير عند جلائهم !
حكم النبي ( صلى الله عليه وآله ) على بنى النضير بالجلاء عن المدينة بسبب خيانتهم وحربهم ، فهاجروا إلى درعا ، وتعمدوا أن يخرجوا بمظاهر الزينة والإحتفال !
قال في الصحيح ، ملخصاً : 8 / 174 : « فخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير تجلداً . . ثم شقوا سوق المدينة والنساء في الهوادج ، عليهن الحرير والديباج ، وقطف الخز الخضر والحمر ، قد صف لهم الناس فجعلوا يمرون قطاراً في إثر قطار ، فحملوا على ست مائة بعير . ومروا يضربون بالدفوف ويزمرون بالمزامير . ونادى أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ورفع مسك الجمل : إن هذا المسك مملوء من الحلي . . نعده لخفض الأرض ورفعها ، فإن يكن النخل تركناه فإنا نقدم على نخل بخيبر .
فقد كان بنو النضير أهل جبروت وقسوة وبغى وعنجهية واعتداد بالنفس ، حتى إنهم ليظلمون إخوانهم من بني قريظة ، وهم أيضاً من بنى هارون ظلماً فاحشاً ، ومخالفاً لأحكام التوراة الصريحة ، وحتى لأحكام أهل الجاهلية ! واستقبلهم يهود خيبر بالنساء والأبناء والأموال ، معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر ، مارؤى مثله من حي من الناس في زمانهم » . وفى الصحيح : 8 / 142 : « تنص الروايات على أن الرجل من بنى النضير كان يهدم بيته عن نجاف بابه ، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به » !
9 . بداية حشر اليهود بإجلاء بنى النضير
في تفسير القمي : 2 / 358 : « سورة الحشر مدنية آياتها أربع وعشرون : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . سَبَّحَ للهِ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأرض وَهُوَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يخْرُجُوا . . .
سبب نزول ذلك أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود : بنو النضير وقريظة وقينقاع ، وكان بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عهد ومدة فنقضوا عهدهم ، وكان سبب ذلك من بنى النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة ، يعنى يستقرض ، وكان قصد كعب بن الأشرف فلما دخل على كعب قال : مرحباً يا أبا القاسم وأهلاً ! وقام كأنه يضع له الطعام وحدث نفسه أن يقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويتبع أصحابه ، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك ، فرجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة وقال لمحمد بن مسلمة الأنصاري : إذهب إلى بنى النضير فأخبرهم أن الله عز وجل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر ، فإما أن تخرجوا من بلدنا وإما أن تأذنوا بحرب !
فقالوا : نخرج من بلادك . فبعث إليهم عبد الله بن أبي ألا تخرجوا وتقيموا وتنابذوا محمداً الحرب ، فإني أنصركم أنا وقومي وحلفاي ، فإن خرجتم خرجت معكم وإن قاتلتم قاتلت معكم . فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيؤوا للقتال ، وبعثوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع . فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكبر وكبر أصحابه ، وقال لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : تقدم إلى بنى النضير ، فأخذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الراية وتقدم ، وجاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأحاط بحصنهم . وغدر بهم عبد الله بن أبي ! وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا ظهر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم وخربوا ما يليه ، وكان الرجل منهم ممن كان له بيت حسن خربه ، وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك ، وقالوا يا محمد : إن الله يأمرك بالفساد ؟ إن كان لك هذا فخذه وإن كان لنا فلا تقطعه .
فلما كان بعد ذلك قالوا : يا محمد نخرج من بلادك وأعطنا ما لنا . فقال : لا ، ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل ، فلم يقبلوا ذلك فبقوا أياماً ، ثم قالوا : نخرج ولنا ما حملت الإبل ، فقال : لا ، ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئاً فمن وجدنا معه شيئاً من ذلك قتلناه ، فخرجوا على ذلك ، ووقع قوم منهم إلى فدك ووادى القري ، وخرج منهم قوم إلى الشام ، فأنزل الله فيهم : هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيارِهِمْ لأَوَلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يحْتَسِبُوا . . إلى قوله : شديد العقاب .
وأنزل الله عليه فيما عابوه من قطع النخل : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيخْزِى الْفَاسِقِينَ . . إلى قوله : رَبَّنَا إِنَّكَ رُءُوفٌ رَحِيمٌ .
وأنزل الله عليه في عبد الله بن أبي وأصحابه : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يقُولُونَ لآخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ . . إلى قوله : ثُمَّ لا ينْصَرُونَ . ثم قال : مَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، يعنى بنى قينقاع ، قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . ثم ضرب في عبد الله بن أبي وبنى النضير مثلاً ، فقال : كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِئٌ مِنْكَ إِنِّى أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِى النَّارِ خَالِدَينِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ . . .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للأنصار : « إن شئتم دفعت إليكم فَيء المهاجرين منها ، وإن شئتم قسمتها بينكم وبينهم وتركتهم معكم ؟ قالوا : قد شئنا أن تقسمها فيهم ، فقسمها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين ودفعها عن الأنصار ، ولم يعط من الأنصار إلا رجلين : سهيل بن حنيف وأبو دجانة ، فإنهما ذكرا حاجة » .
وتقدم أن بنى النضير أخذوا ما حملت الإبل ، فلا بد أن يكون هؤلاء بنو قريظة .
وفى هذا الموضوع أربع مسائل :
المسألة الأولي : معنى حشر اليهود وهو موضوع السورة :
فقد سماه الله تعالى الحشر الأول ، ولا تجد في كلام المفسرين ما يقنعك بحشرهم الأول والثاني ! وغاية ما ذكروه أن الحشر الأول إجلاؤهم من الحجاز إلى الشام والثاني حشرهم في الآخرة من بلاد الشام أيضاً أو من عدن ! ورتبوا عليهما ما رووه من أن الشام أرض المحشر والمنشر ، وأن الناس يحشرون من عدن بنار تسوقهم إلى الشام أرض المحشر .
لكن يردُّه أن سورة الحشر نزلت في حشر بنى النضير ، وقد بدأ حشر اليهود ببنى قينقاع الذين أجلاهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبلهم ؟ وأجابوا بأن بنى النضير أول من حشروا إلى الشام ، ولا يصح ذلك لأن بنى قينقاع ذهبوا إلى أذرعات الشام ، وهى المعروفة اليوم بدرعا ، بينما ذهب أكثر بنى النضير إلى خيبر وقليل منهم إلى الشام !
والجواب المقنع : أن حشر اليهود الثاني يكون عند ظهور الإمام المهدى ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ، ويعبر عنه بيوم الرجعة ، أي رجعة أهل البيت « عليهم السلام » . التفسير الأصفي : 2 / 1281 .
ويرتبط حشرهم بآيات إفسادهم في الأرض مرتين ، وقد كان إفسادهم الأول قبل الإسلام وانتهى بهزيمتهم وحشرهم الأول على يد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم كان إفسادهم الثاني بعد الإسلام وينتهى بحشرهم الثاني الذي قال عنه الله تعالى : وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِى إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا . الإسراء : 104 .
أما لماذا جعل الله تعالى إجلاء بنى النضير أول حشر اليهود وليس بنى قينقاع ؟ فقد يكون السبب أن بنى النضير كانت لهم أراض وبساتين فأجلاهم منها ، بينما كان بنو قينقاع صاغة وتجار ذهب ، وأن بنى النضير من ذرية هارون دون بنى قينقاع . فقد يكون للأرض ، أو لقادة بني إسرائيل ، دخلاً في بدء الإجلاء .
والجواب الأقوى : أن إجلاء اليهود وحشرهم بدأ ببنى قينقاع وتواصل ببقيتهم لكن الحكمة اقتضت تأخير نزول السورة التي ذكرت حشرهم إلى ما بعد إجلاء بنى النضير ، كما أجمع المفسرون ، أو بعد إجلاء بني قريظة كما هو محتمل ، ولعلها لو نزلت بعد إجلاء بنى قينقاع ، لأضر ذلك بخطة إجلاء الباقين .
المسألة الثانية : هل قطع النبي « صلى الله عليه وآله » نخل بنى النضير أو أحرقه ؟
ذكرت مصادر الجميع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر بقطع بعض النخلات من بساتين بنى النضير ، وقد تكون نخلات ملتفة تقع بين معسكره وحصونهم ، كانوا يتخذونها مخبأ لعمليات ليلية ، فقطع منها أو من سعفها الملتف بقدر الضرورة ، ويؤيده أنهم سموها البويرة أي الأرض الصغيرة التي كانت بوراً غير مغروسة ثم غرست .
لاحظ قول ابن شهرآشوب في المناقب : 1 / 170 : « ثم حاصرهم نيفاً وعشرين يوماً وأمر بقطع نخلات ، قوله : مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ ، وهى البويرة في قول حسان » .
فالمقطوع هو نخلات قطعها المسلمون بإجازة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لغرض مشروع ! لكن رواة السلطة بالغوا في المسألة وصوروا الأمر كأنه إبادة منطقة نخيل واسعة ، وغرضهم أن يبرروا ما ارتكبه بعضهم في الفتوحات أو الحروب الداخلية من إحراق أشجار وبيوت ! لاحظ تضخيم البخاري : 5 / 23 : « حرق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) نخل بنى النضير وقطعه ، وهى البويرة ، فنزل : مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ » . وغرضه إثبات منقبة لبعض الصحابة كانوا بزعمه أعقل من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأرحم فنهوه عن ذلك !
قال السرخسي في المبسوط : 10 / 32 : « وأمر بقطع النخيل بخيبر حتى أتاه عمر فقال : أليس أن الله تعالى وعدك خيبر ؟ فقال : نعم . فقال : إذاً تقطع نخيلك ونخيل أصحابك ! فأمر بالكف عن ذلك ! ولما حاصر ثقيفاً أمر بقطع النخيل والكروم ، حتى شق ذلك عليهم » !
وفى السير الكبير : 1 / 55 : « قال الراوي : فأخبرني رجال رأوا السيوف في نخيل النطاة وقيل لهم : هذا مما قطع رسول الله ! والنطاة اسم حصن من حصون خيبر » !
وفى دلائل النبوة للبيهقي : 5 / 157 وسننه : 9 / 90 : « وزاد عروة في روايته قال : وأمر رسول الله المسلمين حين حاصروا ثقيفاً أن يقطع كل رجل من المسلمين خمس نخلات أو حبلات من كرومهم ! فأتاه عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله إنها عفاء لم تؤكل ثمارها ! فأمرهم أن يقطعوا ما أكلت ثماره الأول فالأول » !
كما رووا أن أبا بكر كان أعقل من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً فأوصى بأن لا يقطع الشجر ! فهي روايات موظفة لمدح عمر وأبى بكر ولو بالطعن بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ! تعويضاً لهما عن عدم مشاركتهما في قتال ! وهذا كافٍ لإسقاط الرواية .
المسألة الثالثة : لماذا جعل الله أرض بني النضير ملكاً خاصاً للنبي « صلى الله عليه وآله » ؟
نص القرآن على أن البلاد التي تفتح بدون قتال تكون ملكاً خاصاً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، قال تعالي : وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيهِ مِنْ خَيلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ . الحشر : 6 .
وفى المقنعة للمفيد / 278 : « الأنفال لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة في حياته ، وهى للإمام القائم مقامه من بعده خالصة ، كما كانت له عليه وآله السلام في حياته ، قال الله عز وجل : يسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ . وما كان للرسول من ذلك فهو لخليفته القائم في الأمة مقامه من بعده . والأنفال كل أرض فتحت من غيرأن يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، والأرضون الموات ، وتركات من لا وارث له من الأهل والقرابات ، والآجام ، والبحار ، والمفاوز ، والمعادن ، وقطايع الملوك . روى عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : نحن قوم فرض الله تعالى طاعتنا في القرآن ، لنا الأنفال ، ولنا صفو الأموال . يعنى بصفوها ما أحب الإمام من الغنائم واصطفاه لنفسه قبل القسمة ، من الجارية الحسناء والفرس الفارِهِ والثوب الحسن ، وما أشبه ذلك من رقيق أو متاع ، على ما جاء به الأثر من هذا التفسير عن السادة « عليهم السلام » » . وجواهر الكلام : 16 / 7 ، 117 ، 137 و 21 / 169 .
وقد اتفق المسلمون على أن أراضي بنى النضير خاصة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) دون غيره . ففي سنن أبي داود : 2 / 33 ، تاريخ المدينة : 1 / 173 وفتح الباري : 6 / 140 : « فكان نخل بنى النضير لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة أعطاه الله إياها وخصه بها . . وبقى منها صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) التي في أيدي بنى فاطمة رضي الله عنها » .
وقال المفيد في الإرشاد : 1 / 92 ونحوه المناقب : 2 / 332 : « واصطفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أموال بنى النضير ، فكانت أول صافية قسمها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين الأولين ، وأمر علياً ( عليه السلام ) فحاز ما لرسول الله منها فجعله صدقة ، فكان في يده أيام حياته ، ثم في يد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعده ، وهو في ولد فاطمة « عليها السلام » حتى اليوم » .
أقول : يضاف إلى ما أجمع عليه فقهاؤنا ما روته مصادرنا : أن الله تعالى مَلَّكَ الأرض كلها لنبيه ( صلى الله عليه وآله ) وبعده للإمام من أهل بيته « عليهم السلام » كقول الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « قال رسول الله : خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لآدم فلرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد « عليهم السلام » » . الكافي : 1 / 409 .
وفى الكافي : 1 / 407 ، عن أبي خالد الكابلي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « وجدنا في كتاب علي ( عليه السلام ) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها . فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها ، يؤدى خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء ، جائز له ذلك من الله » . الكافي : 1 / 408 .
وقد صادروها بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم ردها عمر ، ثم صادروها وادعوا أنهم
أولى بها . . الخ .
وقال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه الخطط السياسية / 311 :
1 - ترك رسول الله الحوائط السبعة اللاتي وهبهن له مخيريق .
2 - ما وهبه الأنصار إياه ، وهو كل ما ارتفع من أراضيهم الزراعية .
3 - أراضي بنى النضير الزراعية ونخيلها .
4 - ثمانية أسهم من مجموع : 36 سهماً من أراضي خيبر .
5 - أراضي وادى القرى الزراعية .
وبعد وفاة الرسول استولى عليها أبو بكر . جاء في مجمع الزوائد : 9 / 39 عن عمر ، أنه « لما قبض رسول الله جئت أنا وأبو بكر إلى علي فقلنا : ما تقول فيما ترك رسول الله ؟ قال : نحن أحق الناس برسول الله ! قال فقلت : والذي بخيبر ؟ قال : والذي بخيبر . قلت : والذي بفدك ؟ قال : والذي بفدك . فقلت : أما والله حتى تحزوا رقابنا بالمناشير !
قرارات اقتصادية لا بد منها : لإجبار الآل الكرام على الاحتكام للسلطة ، بغض النظر عن طبيعة القرارات التي ستصدر عنها .
1 - تجريد الآل الكرام من سلاح خطير وهو المال ، فإذا استعمله الآل الكرام ، فقد يؤلفون به قلوب المسلمين ويستميلونهم لصالح قضيتهم .
2 - ربط الآل الكرام بالسلطة الحاكمة ، وجعل رغيفهم بيد هذه السلطة ، لتضمن السيطرة الكاملة عليهم وتحييدهم وإلغاء دورهم كقيادة سياسية شرعية .
3 - عزل الآل الكرام شعبياً حتى تميل عنهم أعين الناس .
4 - الحيلولة العملية بين الآل الكرام والمطالبة بالجمع بين النبوة والخلافة .
تحقيق هذه الأهداف :
فقد فاوض الآل الكرام واحتكموا إلى السلطة ، فحكمت السلطة بتنفيذ قراراتها الاقتصادية ، وحرمانهم من التركة ومن المنح ومن سهم ذوى القربى ! وبموت فاطمة انصرف الناس عن علي فشق بنفسه طريق المصالحة وبايع هو وبنو هاشم وسلموا بالأمر الواقع ! فعساه أن يتمكن يوماً من اطلاع الأمة على الحقيقة المرة وأن يبصر الناس بالتقاطيع الأساسية للمنظومة السياسية الإلهية فيقارنوا بينها وبين ما حدث في التاريخ » !
من أين يأكلون بحق السماء ؟ !
قال في الخطط السياسية / 321 ، تحت هذا العنوان : مشكلة الآل الكرام الحقيقية أنه محظور عليهم أن يأخذوا الصدقة فهي محرمة عليهم ، لذلك خصهم الله تعالى بسهم ذوى القربى لتغطية هذه الناحية . هل يعيش الآل الكرام وأهل البيت عيش السوقة ؟ هل يتسولون الناس ؟ من أين يأكلون ؟
عن أنس بن مالك أن أبا بكر قال لفاطمة عندما سألته عن سهم ذوى القربى : أفَلَكِ هو ولأقربائك ؟ قالت نعم ، قال : لا ، أنفق عليكم منه . وقال مرة : السهم لكم في حال حياة النبي ، وبعد موته ليس لكم . و « في سنن الترمذي : 7 / 111 » أن أبا بكر قال : إني أعول من كان يعول رسول الله ، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه !
فالدولة إذاً هي تنفق على أهل بيت محمد بدليل قول أبى بكر : إن رسول الله قال لا نورث ما تركناه فهو صدقة ، أن يأكل آل محمد من هذا المال ، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل . فالحاكم يقدم لهم المأكل ولا يزيدون على المأكل ! فطوال التاريخ يجب على أهل البيت أن يرتبطوا بالحاكم الذي يقدم لهم المأكل ، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من يطعمه » ! راجع البخاري : 2 / 200 ،
أبا داود : 2 / 49 والنسائي : 2 / 179 .
المسألة الرابعة : مسجد الفضيخ وتحريم الخمر
قال في الصحيح : 8 / 186 ما حاصله : « قال اليعقوبي وغيره : في هذه الغزوة شرب المسلمون الخمر فسكروا فنزل تحريم الخمر . . قال في الروضة : إن غزوة بنى النضير سنة ثلاث : وإن تحريم الخمر بعد غزوة أحد . وروى القمي أنه لما نزل تحريم الخمر خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المسجد فقعد فيه ، ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينتبذون فيها فأكفأها كلها وقال : هذه كلها خمر وقد حرمها الله . وكان أكثر شى أكفئ يومئذ من الأشربة الفضيخ فلذلك سمى المسجد بمسجد الفضيخ .
وأكثر من ذلك كله جرأة على الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ما رووه عن ابن عمر : أن النبي أتى بجرة فضيخ فلذلك سمى مسجد الفضيخ ! والفضيخ : عصير العنب وشراب يتخذ من التمر . ومسجد الفضيخ هو المعروف بمسجد رد الشمس .
ونقول : إن تحريم الخمر كان في مكة ، فإن صح شئ من هذه الرواية فلابد أن يكون الصحابة خالفوا حكم الله فيها وارتكبوا الحرام فنهاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . وقد يكون أتى به فرفضه ونهى عنه » .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|