أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-08
126
التاريخ: 2024-09-21
66
التاريخ: 2024-10-01
96
التاريخ: 2024-08-08
290
|
فصل من مسائل الجواب بالفاء
يَقول: هَلْ يقوم زيدٌ فتكرمُهُ، يجوزُ الرفع والنصب، النصب على الجواب والرفعُ على العطف, وقال الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ} (1) يقرأ بالرفع والنصب، وتقول: ما أنَتَ الذي تقومُ فتقومَ إليهِ, الرفع والنصب فالرفعُ على النسق والنصبُ على الجواب، وتقول: مَنْ ذا الذي يقوم فيقومُ إليهِ زيدٌ، الرفع والنصب, وقوم يجيزون توسط الفاء في الجزاء فيقولون: هَلْ تضربْ فيأتيكَ زيدٌ, وهو عندي في الجزاء كما قالوا؛ لأنَّ ما بعد الفاء إذا نُصِبَ فهو مع ما قبله من جملةٍ واحدةٍ، والجزاء وجوابه جملتان تنفصلُ كلُّ واحدة منهما عن صاحبتها فلا يجوز أن يختلطا, فإن قالَ قائلٌ: ينبغي أن يكون غيرَ جائز على مذهبكم من قبل أن التقدير عندكم: هَلْ يقع ضَربٌ زيدًا فإتيانك, فلو أجزت "زيدًا" في هذه المسألة لم يجزْ؛ لأنه في صلة "ضَربٌ" فلا يجوز أن تفصل بين الصلة الموصول بشيءٍ فالجواب في ذلك أنك إذا قلت: هل تضربُ فيأتيكَ زيدًا, فإنما العطفُ على مصدرٍ يدل عليه "يضربُ" فأغنى عنه, وعلى ذلك فينبغي أن لا يجري على التقديم والتأخير في مثل هذا إلا أن يسمع نحوه من العرب؛ لأنه قد خُولفَ به الكلام للمعنى الحادث, وإذا أزيلَ الكلام عن جهته لمعنى فحقه أن لا يزال بضده، ولا يتصرف فيه التصرف الذي له في الأصل إلا أن يقول العرب شيئًا فتقوله، والفراء يقول: إنما نصبوا الجواب بالفاء؛ لأن المعنى كان جوابًا بالجواب, فلما لم يؤتِ بالجزاء فينسق على غير شكله فنصب مثل قولكَ: هل تقومَ فأقومَ، ومَا قمتُ فأقوم إنما التأويلُ لو قمت لقمتُ, وشبههُ بقولهم: لو تركت والأسدَ لأكلك. وتقول: لا يسعني شيء ويضيقَ عنكَ، لم يحسن التكريرُ فنصبتَ، وقال بعضهم: إنما نصب الجواب بالفاء، وإنْ لا تلي إلا المستقبلَ فشبه "بأنْ" والفاء في الجزاء تلي كل شيءٍ فبطلتْ, والذين يجيزون توسط الجواب يقولون: ما زيدٌ فنأتيَهُ بمذنبٍ, يجيزونَ النصب ولا يجيزون الرفع، ولا يجوز أن تقول: ما زيدٌ نأتيهِ إلا أن تريد الاستفهامَ.
واعلم: أنه لا يجوز أن تلي الفاء "ما" ولا شيءٌ مما يكون جوابًا، وفي كتاب سيبويه في هذا الباب مسألةٌ مشكلةٌ, وأنا ذاكرٌ لفظَهُ وما يجب فيها من السؤال والجواب عنه. قال سيبويه: لا تدنُ من الأسدِ يأكُلكَ قبيحٌ إن جزمت وليس وجه كلام الناس؛ لأنك لا تريد أن تجعل تباعدهُ مِنَ الأسد سببًا لأكله, فإن رفعت فالكلام حسنٌ، فإن أدخلت الفاء فحسنٌ وذلك قولك: لا تدنُ منهُ فيأكلُكَ, وليس كل موضعٍ تدخل فيه الفاءُ يحسنُ فيه الجزاء, ألا ترى أنه يقول: ما أتيتنا فتحدثنا, والجزاء ههنا محال, وإنما قَبُحَ الجزم في هذا لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء(2) فمما يسأل عنه في هذا أن يقال: لِمَ حَسُنَ مع الفاءِ النصبُ وقبح في الجزم ولمْ يفصل بينهما سيبويه بشيءٍ قَبحه؟ فالجواب في ذلك أن الفرق بين المنصوب والمجرور أنك إذا جزمت إنما تقدر مع حرف الجزاء الفعل الذي ظهر, وإن كان أمرًا قدرت فِعلًا موجبًا, وإن كان نهيًا قدرت فِعلًا منفيًّا, ألا ترى أنك إذا قلت: قُم أعطكَ فالتأويلُ: إنْ تَقم أعطِكَ, وإذا قلتَ: لا تقمْ أعطكَ, فالتأويل: إلاّ تقمْ أعطكَ, فالإِيجابُ نظيرُ الأمرِ والنفي نظيرُ النهي؛ لأنَّ النهيَ نفيٌ فهذا الجزاء على أنه لم ينقل فيه فِعلٌ إلى اسمٍ, ولا يستدل فيه بفعل على اسم ثم عطف عليه, وإن قال: ما تأتيني فتحدثني, فما بعد الفاء في تقدير اسم قد عطف على اسم دل عليه "تأتيني" لأن الأفعال تدل على مصادرها, وكذلك إذا قال: لا تفعلْ فأضربكَ، فالتأويل على ما قال سيبويه أن المنصوب معطوفٌ على اسم، كأنه إذا قال: ليس تأتيني فتحدثَني. قال: ليسَ إتيانٌ فحديثٌ(3)، وإذا قال: لا تفعلْ فتضربْ, قد قال: لا يكنْ فِعلٌ فتضربَ، وهذا تمثيلٌ, وقد فَسرهُ وقواهُ, ودل على أن الثاني المنصوب من الجملة الأولى, وإن كانت الأولى مسألة.
قال: اعلم: أن ما ينتصب على باب الفاء ينتصب على غير معنى واحدٍ وكل ذلك على إضمار "أنْ" إلا أن المعاني مختلفة, كما أن قولك: "يعلمُ اللَّهُ" يرتفع كما يرتفعُ: يذهبُ زيدٌ، وعَلِمَ اللَّهُ, يُفتحُ كما يُفتح: ذَهَب زيدٌ وفيها معنى اليمينِ, قال: فالنصب هنا كأنك قلت: لم يكنْ إتيانٌ فإن تحدثَ والمعنى غير ذلك كما أن معنى: عَلِمَ اللَّهُ لأفعلن غير معنى: رَزقَ اللَّهُ, فإن "تحدث" في اللفظ فمرفوعة "بيكن" لأن المعنى: لم يكن إتيانٌ فيكون حديثٌ(4)، فقوله: مرفوعةٌ يدل على أن الفاءَ عاطفةٌ عطفت اسمًا على اسمٍ والكلامُ جملةٌ واحدةٌ، ومن شأن العرب إذا أزالوا الكلام عن أصله إلى شيءٍ آخر غيروا لفظه وحذفوا منه شيئًا, وألزموه موضعًا واحدًا إذا لم يأتوا بحرف يدلُّ على ذلك المعنى, ولم يصرفوه وجعلوه كالمثل ليكون ذلك دليلًا لهم على أنهم خالفوا به أصل الكلام, فقد دل ما قال سيبويه: على أن النفي والنهي إنما وقعا على المصدرين اللذين دل عليهما الفعلان, ويقوي أن الفاء للعطف إذا نصبت ما بعدها, الواو, إن قصتها في النصب وهما للعطف, فإن قال قائلٌ: فَلِمَ جاءوا بالفعلِ بعدَ الفاء وهم يريدون الاسمَ؟ قيل: لأن الظاهر الذي عُطِفَ عليهِ فعلٌ, فكانَ الأحسن أن يعطفَ فعلٌ على فعل ويغير اللفظُ, فيكون ذلكَ التغيير دليلًا على المصدرين ألا تراهم في النفي كما قالوا: لا أبا لكَ فأضافوا إلى المعرفة، أقحموا اللام ليشبه النكرة والمعطوف بالفاء والواو وغيرهما على ما قبله, يجوز أن يكون ما قبله سببًا لَهُ، ويجوز أن لا يكون سببًا لهُ, إذا كان لفظهُ كلفظهِ نحو قولك: يقومُ زيدٌ فيضربُ ويقومُ ويضربُ, وزيدٌ يقوم فيقعد عمرٌو،
فيجوز أن يكون القيامُ سببًا للضرب, ويجوز أن لا يكونَ إلا أن الفاء معناه إتباعُ الثاني الأولَ بلا مهلةٍ, فإذا أرادوا أن يجعلوا الفعل سببًا للثاني جاءوا به في الجزاء وفيما ضارعَ الجزاء, وجميع هذه المواضع يصلح فيها المعنى الذي فيها من الإتباع, ألا ترى أن الشاعر إذا اضطر فعطف على الفعل الواجب الذي على غير شرطٍ بالفاءِ, وكان الأول سببًا للثاني نصب, كما قال:
سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيمٍ ... وألْحَقَ بالحِجَازِ فأَسْتَرِيحَا(5)
جعل لحاقَهُ بالحجاز سببًا لاستراحته, فتقديرهُ لما نصب كأنه قال: يكونُ لحاقٌ فاستراحةٌ, وقد جاء مثله في الشعر أبياتٌ لقوم فصحاءَ، إلاّ أنهُ قبيحٌ أن تنصب وتعطف على الواجبِ الذي على غير شِعْرٍ, وأَلحق بالحجاز فإذا لحقتَ استرحتَ وإنْ أَلحقْ أسترح, ومع ذلك فإن الإِيجاب على غير الشرط أصلُ الكلامِ, وإزالةُ اللفظ عن جهتهِ في الفروعِ أحسنُ منها في الأَصولِ لأنها أَدَلُّ على المعاني(6)، ألا ترى أنهم جازوا بحرف الاستفهامِ, والاستفهام, وإنما جازوا بالأخبارِ لأفعالِ المستفهمِ عنها, فقالَ: أَينَ بيتُكَ؟ يُرادُ به أعلمني, والعطفُ بالفاء مضارعٌ للجزاءِ لأنَّ الأولَ سببٌ للثاني وهو مخالف له من قبل عقدَهُ عَقدَ جملةٍ واحدةٍ, ألا ترى أنهم مثلوا: ما تأتينا فتحدثَنا في بعض وجوهها, بما يأتينا محدثنا، فإن قلت: لا تعصِ فتدخل النار فالنهي هُو النفي، كما عرفتُكَ فصارَ بمنزلةِ قولك: ما تعصي فتدخلُ النارَ، فقد نفيتَ العصيانَ الذي يتبعُه دخولُ النارِ، وكذلك قد نهيتَ عنه. فالنهي قد اشتمل على الجميع إلا أن فيه من المعنى في النصب ما ذكرنا، فإن قلت: قُمْ فأعطيكَ, فالمعنى: ليكن منكَ قيامٌ يوجبُ عَطيتي, وكذلك اقعدْ فتستريحُ، أي: ليكن منكَ قعودٌ تتبعهُ راحةٌ فيقرب معناه من الجزاء إذا قلتَ: قم أعطكَ أي: إن تقم أعطك، وإذا دخلت الفاء في جواب الجزاء فهي غيرُ عاطفةٍ إلاّ أنَّ معناها الذاتي يخصها, تفارقهُ, إنها يتبع ما بعدها ما قبلها في كُلِّ موضعٍ, وقالَ الشاعرُ في جواب الأمر:
يَا نَاقُ سِيرِي عَنقًا فَسِيحَا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَريحَا(7)
فقد جعل سير ناقته سببًا لراحتِه، فكأنه قال: ليكن منك سيرٌ يوجبُ راحتَنا, وهذا مضارعٌ لقولهِ: إنْ تسيري نستريحْ؛ ولذلكَ سمى النحويون ما عُطفَ بالفاء ونُصِبَ جوابًا لشبهه بجواب الجزاءِ، وكذلك إذا قالَ: ادنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ فهو مضارعٌ لقولهِ: ادنُ مِنَ الأسد فيأكلكَ لأن معنى ذاكَ: إنْ تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ, ومعنى هذا: ليكن مِنك دنو مِنَ الأسدِ يوجبُ أكلكَ أو يتبعهُ أَكلُكَ، إلاّ أنّ هذا مما لا يؤمر بهِ؛ لأنَّ مِنْ شأنِ الناس النهي عَن مثلِ ذلكَ لا الأمر به، فإنْ أردتَ ذاك جازَ، فإذا قلت: لا تدن مِنَ الأسد يأكلْكَ، لَم يجزْ لأن المعنى أنكَ: تدنُ مِنَ الأسدِ يأكلُكَ, لم يكنْ إلاّ على المجازِ وإن السامعَ يعلمُ ما تعني؛ لأنَّ المعنى: إلاّ تدن مِن الأسدِ يأكلْكَ, وهذا محالٌ لأن البعدَ لا يوجبُ الأكلَ, فإذا قلتَ: لا تدن من الأسدِ فيأكلُكَ جاز؛ لأنَّ النهي مشتملٌ في المعنى على الجميع، كأنه قال: لا يكنْ منكَ دنو مِنَ الأسدِ يوجبُ أكلكَ أو يتبعه أكلُكَ، وكذلك قوله: ما تدنو من الأسدِ فيأكلُكَ، هو مثل لا تدن, لا فرقَ بينهما, وفي الجزاء قد جعل نفي الدنو موجبًا للأكلِ.
واعلَمْ: أنَّ كل نفي في معنى تحقيق للإِيجاب بالفاء نحو: ما زال، ولَم يزلْ, لا تقول: ما زالَ زيدٌ قائمًا فأعطيكَ, وإنما صار النفي في معنى الإِيجاب من أجلِ أنَّ قولهم: زالَ بغير ذكر ما في معنى النفي؛ لأنك تريدُ عدم الخبرِ فكأنكَ لو قلت: زالَ زيدٌ قائمًا لكان المعنى زالَ قيامُه, فهو ضد كان زيدٌ قائمًا وكانَ وأَخواتُها إنما الفائدة في أخبارها والإِيجابُ والنفي يقع على الأخبار, فلما كان زالَ بمعنى: ما كانَ ثم أدخلتْ "ما" صار إيجابًا؛ لأنَّ نفيَ النفي إيجابٌ؛ فلذلك لم يجزْ أن يجابَ بالفاءِ, وقوم يجيزونَ: أنت غيرُ قائمٍ فَتأتيكَ, قال أبو بكر: وهذا عندي لا يجوز؛ لأنَّا إنما نَعطف المنصوب على مصدر يدلُّ عليه الفعلُ، فيكون حرف النفي منفصلًا وغير اسمٍ مضافٍ وليست بحرفٍ فتقول: ما قامَ زيدٌ فيحسنْ إلاّ حُمِدَ وما قامَ فيأكل إلا طعامَهُ، قال الشاعر:
ومَا قَام مِنَّا قَائمٌ في نَدِيِّنَا ... فَيَنْطِقَ إلا بالَّتِي هِىَ أَعْرَفُ(8)
تقول: ألا سيفٌ فأكونَ أَولَ مقاتلٍ، وليتَ لي مالًا فأعينَك. وقوله: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} (9)، كانَ حمزةُ(10) ينصبُ؛ لأنه اعتبر قراءة ابن مسعود
الذي كانَ يقرأُ بالفاء وينصبُ. والفراءُ يختار في الواو والفاء الرفع؛ لأن المعنى: يا ليتنا نرد ولسنا نكذبُ استأنفَ, ومن مسائلهم: لعلِّي سأَحجُّ فأزورَكَ, ولعلكَ تشتمنا فأقومَ إليكَ, ويقولون "لعل" تُجاب إذا كانت استفهامًا أو شكًّا, وأصحابنا لا يعرفون الاستفهامَ بلعلَ, وتقول: إنَّما هي ضربةٌ مِنَ الأسدِ فتحطم ظهرهُ كأنه قال: إنَّما هي ضربةٌ فحطمهُ فأضمر "أنْ" ليعطفَ مصدرًا على مصدر, وقالوا: الأمرُ مَنْ ينصبُ الجوابُ فيه والنهي يُجابُ بالفاءِ؛ لأنهُ بمنزلةِ النفي ويجوزُ النسق. وقالوا: العَربُ تذهبُ بالأمر إلى الاستهزاء والنهي فتنصب الجواب, فيقولون: استأذنْ فيؤذنَ لكَ أي: لا تستأذنْ وتحركْ فأصبنكَ, قالوا: والعربُ تحذفُ الفعلَ الأول مع الاستفهام للجواب ومعرفة الكلام, فيقولون: متى فأَسيرُ معكَ وأجازوا: متى فآتيكَ تخرجْ ولَم فأسيرَ تسرْ, وقالوا: كأنَّ ينصب الجواب معها وليس بالوجه, وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه, نحو قولك: كأنَّكَ والٍ علينَا فتشتمنَا، والمعنى لست واليًا علينا فتشتمنا, وتقول: أريد أن آتيك فأستشيرك؛ لأنك تريد إتيانه ومشورته جميعًا. فلذلك عطفت على "أن" فإن قلت: أريد أن آتيك فيمنعني الشغل, رفعت لأنك لا تريد منع الشغلِ، فإنْ أردت ذلك نصبت وقالوا: "لولا" إذا وليتْ فعلًا فهي بمنزلةِ هَلاّ، ولَو ما, تكون استفهامًا وتجاب بالفاء, وإذا وليت الأسماء لم ينسق عليها بلا ولَم تجب بالفاء، وكانت خبرًا نحو قوله: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (11) و لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ(12) وقالوا: الاختيارُ في الواجبِ منها الرفعُ، وقد نصبَ منها الجوابُ, قال الشاعر:
ولَو نُبِشَ المَقَابِرُ عَن كُلَيْبٍ ... فَيَعْلَمَ بالذَّنائبِ أَيُّ زِيرِ(13)
ذهب بِه مذهب "ليتَ" والكلام الرفع في قولهِ عز وجل: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (14).
واعلم: أن الأسماء التي سمي بها الأمر وسائر الألفاظ التي أقيمت مقام فعلِ الأمر وليست بفعل لا يجوز أن تجاب بالفاء نحو قولك: تراكَها ونَزالِ ودونَك زيدًا وعليك زيدًا, لا يجابُ لأنه لا ينهى به. وكذلك إليك لا يجابُ بالفاءِ؛ لأنه لم يظهر فعلٌ, ومَه وصه كذلك. قالوا: الدعاءُ أيضًا لا يجابُ نحو قولك: ليغفرُ اللَّهُ وغفرَ اللَّهُ لَك، والكسائي يجيزُ الجواب في ذلك كله وأما الفراء فقال في الدعاء: إنَّما يكون مع الشروط: غَفر الله لكَ إنْ اسلمتَ, وإنْ قلتَ: غَفَر اللَّهُ لكَ فيدخلُك الجنةَ جازَ، وهو عندي في الدعاء جائزٌ إذا كان في لفظ الأمر, لا فرق بينهما ولا يكونُ للفاء جواب ثانٍ ولا لشيءٍ جَوابانِ، وأما قولهُ عزَّ وجلَّ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} (15) إنما هُوَ: ولا تطردِ الذين يدعونَ ربهم فتكون من الظالمينَ ما عليك من حسابهم من شيءٍ فتطردَهم فتكونَ جَوابُ "لا" وقولهُ: فتطردهم جَوابُ "مَا" وتقول: ما قاَم أَحدٌ إلا زيدٌ فتحسنَ إليهِ، إنْ كانتِ الهاءُ لأحدٍ فجائز؛ لأن التقدير ما قام أَحدٌ فيحسنَ إليه وإنْ كانت الفاءُ لزيدٍ فَخطأٌ لأن الموجبَ لا يكون له جوابٌ والاستثناء إذا جاء بعد النفي فالمستثنى موجبٌ. وكذلك إنْ قلت: ما قامَ إلاّ زيدٌ فتحسنَ إليه، محالٌ لأن التحقيق لا جوابَ لَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الحديد: 11.
2- انظر الكتاب 1/ 451.
3- انظر الكتاب 1/ 419.
4- انظر الكتاب 1/ 419.
5- من شواهد الكتاب 1/ 423 على نصب "فأستريحا" وهو خبر واجب ضرورة بإضمار "أن" ويروى لأستريحا، ولا ضرورة فيه على هذا. والبيت لم ينسبه أحد ممن شرحوا أبيات سيبويه، ونسبه العيني وتبعه السيوطي في شرح شواهد المغني إلى المغيرة بن حنباء التميمي، ولم يوجد في ديوانه الذي لا يتعدى بضع وريقات. وانظر: المقتضب 2/ 24, وشرح السيرافي 3/ 209, وأمالي ابن الشجري 1/ 279, وارتشاف الضرب/ 255، والأبيات المشكلة للفارقي/ 110, والمغني 1/ 190.
6- شرح البيت نقله البغدادي 3/ 600 حرفيا من أصول ابن السراج.
7- من شواهد الكتاب 1/ 421، على نصب الفعل بأنْ مضمرة بعد فاء السببية الواقعة في جواب الأمر، والعنق: ضرب من السير, والفسيح: الواسع. والبيت لأبي النجم العجلي، وأراد سليمان بن عبد الملك.
وانظر: معاني القرآن 1/ 478, والمقتضب 2/ 14، وشرح السيرافي 3/ 29، وسر صناعة الإعراب 1/ 272, وشرح ديوان المتنبي 4/ 24، واللسان "عنق"، والهمع 2/ 10.
8- من شواهد سيبويه 1/ 420، على نصب "ينطق" ما بعد الفاء على الجواب مع دخول إلا بعده للإيجاب؛ لأنها عرضت بعد اتصال الجواب بالنفي ونصبه على ما يجب له فلم يغيره, والندى: المجلس، أي: إذا نطق منا ناطق في مجلس جماعة عرف, وصوابه قوله فلم ترد مقالته، والبيت للفرزدق.
وانظر: شرح الحماسة 2/ 535، والخزانة 3/ 607، وشواهد الألفية للعاملي/ 387، والديوان/ 561.
9- الأنعام: 27 والآية: {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} . وانظر النشر 2/ 257, والتيسير/ 102.
10- حمزة: هو حمزة بن حبيب أحد قراء الكوفة الثلاثة, هو والكسائي وعاصم.
11- سبأ: 31.
12- المنافقون: 10.
13- الشاهد فيه على أن "لو" المصدرية أغنت من فعل التمني, والشاهد لمهلهل بن أبي ربيعة في رثاء أخيه كليب, والذنائب: اسم فيه قبر كليب. وانظر الكامل 351 والجمهرة لابن دريد 1/ 253, والارتشاف 298, والمغني 1/ 97, واللسان 1/ 378, والسيوطي 654.
14- القلم: 9.
15- الأنعام: 52.
|
|
دور النظارات المطلية في حماية العين
|
|
|
|
|
العلماء يفسرون أخيرا السبب وراء ارتفاع جبل إيفرست القياسي
|
|
|
|
|
شعبة الخطابة النسوية تطلق فعّاليات النسخة السادسة من رابطة خطيبات المنبر الحسيني
|
|
|