أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-26
1040
التاريخ: 2024-05-09
655
التاريخ: 2024-05-27
753
التاريخ: 2024-03-24
784
|
والنقش العظيم الذي تركه لنا «مرنبتاح» على جدران معبد الكرنك يضع أمامنا صورة عن الخطر الذي كان يتهدد البلاد، كما يصف لنا الاستعدادات التي اتخذها «مرنبتاح» لصدِّ أعداء البلاد المغيرين بصورة لا بأس بها.
وتدل ما لدينا من معلومات على أنه قد ظهر مع قومي «مشوش» و«قهق« (1) للمرَّة الأولى قوم «اللوبيين» الذين تحالفوا مع قوم البحار لاقتحام أرض الكنانة، وقد كان عدد جنود قوم «قهق» بالنسبة «للوبيين» و«المشوش» قليلًا، إذ قد انسحبوا من بينهم على ما يظهر غير أننا نجد أنهم كانوا لا بد يؤلفون جزءًا لا يُستهان به من الجنود المرتزقة في الجيش المصري ولعبوا فيه دورًا هامًّا، ولا أدل على ذلك من أنه في ورقة «أنسطاسي» الأولى التي من عهد «رعمسيس الثاني» نسمع عن جيش يتألف من خمسة آلاف مقاتل منها 1900 من المصريين، و520 من جنود «شردانا» و880 من «السود» ومائة من «المشوش» و1600 من جنود «قهق» (راجع Pap Anast I, 17, 4)، وكذلك جاء ذكر جنود «شردانا» وجنود «قهق» في ورقة «هاريس» الكبرى مرتين وأنهم يسكنون في مصر بكثرة، ولا نعلم غير ذلك عن هؤلاء القوم شيئًا.
وقد تألف بقيادة الأمير اللوبي المسمى «مريي بن دد» حلف معادٍ لمصر في السنة الخامسة من عهد الملك «مرنبتاح» في بلاد «تحنو»، ثم زحف على مصر، وتؤكد العبارة التي جاءت في متن «الكرنك» الكبير في السطر الثاني والعشرين وهي: «وقد أتوا إلى مصر ليبحثوا عن طعام بطونهم.» أن الغرض من هجومهم هو البحث عن مواطن جديدة، ووسائل للحياة التي نضب معينها في بلادهم.
والواقع أن لدينا هنا كتلًا بشرية كانت منذ مائة سنة في حركة مستمرة لا يستقرُّ بها مكان، مما لا يسمح لنا عند التحدُّث عنها القول بأنه كانت توجد للأقوام التي تتألف منها حكومة أو مملكة مستقرَّة في «لوبيا». وقد كان الفرعون «مرنبتاح» قد ذهب إلى الجنوب الشرقي من الدلتا ليحصن الجهات الواقعة في منطقة «تل بسطة» — لا «بلبيس» — كما برهن على ذلك الأستاذ «جاردنر»، وكذلك أقام تحصينات في «هليوبوليس» على ما يظهر، لمقاومة زحف البدو من الصحراء، وهناك وصلت إليه الأخبار بالخطر الداهم من تقدُّم «اللوبيين» نحو بلاده، وقد فهم بحق الأستاذ «إدوردمير» أن التصريح الذي جاء في السطر السادس من نقوش «الكرنك» وهو:
إنه قد وصل إلى «هليوبوليس» بلدة الإله «تاتنن» ليحفظها وليقيها الشر عند المكان المسمى «ترعة إتي» … لأنهم كانوا قد ضربوا خيامهم أمام «بوبسطة» واتخذوا مساكنهم في أرض «إتي».
لا يمكن أن يكون ذا علاقة بموضوع الحرب مع «اللوبيين»، بل إن تاريخ هجوم هؤلاء القوم يبتدئ في هذا المتن بالسطر الثالث عشر وما بعده، وفضلًا عن عدم صحة الرأي القائل بأن «اللوبيين» لم يكن لديهم عائق عن الإيغال بعيدًا في داخل مصر، فإن نقوش السطر التاسع عشر تدل بصراحة على أنهم وصلوا فقط حتى النهر الكبير، أي إنهم وصلوا حتى فرع النيل «الكانوبي»، وهذا هو المكان الذي وقف عنده الهجوم اللوبي الذي حدث فيما بعد، وفي السطر الثلاثين حُكي عن الجيش المصري:
إن مشاته وفرسانه قد عسكروا هناك في عدد عظيم، وكان أمامهم على الشاطئ بالقرب من المكان المسمى «برإر».
ومن ذلك نفهم أن جيش لوبيا المعادي لم يقتحم قط أرض الدلتا.
وقد قام «مرنبتاح» على جناح السرعة بالاستعداد للقيام بهجوم مضادٍّ للعدو في مدة لا تتجاوز أربعة عشر يومًا. وفي اليوم الثالث من الشهر الثالث من فصل الفيضان صمم الفرعون على منازلة العدوِّ في مكان يقع بين «برإر» وجبل «وب تا»، وقد شجعه على ذلك — كما يحدثنا الملك — حلمٌ رأى فيه الإله «بتاح» يقدِّم له سيفًا، وقد كانت أقوى فرقة مهاجمة من جنود
العدو هي فرقة قوم «إقوش» ثم يليها فرقة «الترشا» ثم «الشكلش» و«الشردانا» في حين أن قوم «لوكا» (ليسيا) كان لا يمثلهم في هذه الحرب إلا عدد قليل. أما «اللوبيون» أنفسهم فكان معظم الجيش منهم، وقد انضم إليهم عربات «المشوش» ثم قلة لا تُذكر من قوم «قهق»، وأما تعداد الجيش فإن ما ذكره «مرنبتاح» في نقوشه عن مقدار قتلى الموقعة يعطينا فكرة تقريبية عنه، فيذكر أن من صُرع في ساحة القتال من اللوبيين يبلغ 6111 — وفي رواية أخرى 6200 رجلًا. أما أقوام البحر فبلغ عدد قتلاهم 2370 رجلًا، وكان مجموع عدد الأسرى نحو 9367 رجلًا وامرأة، وعلى ذلك يكون قوام الجيش اللوبي وحلفائه حوالي ثلاثين ألف مقاتل، وهذا يدل على أن غزوة «اللوبيين» لمصر لم تكن للسلب والنهب — كما كانت حال الهجمات التي قاموا بها من قبل — بل كان جيشًا له قيادته العليا، ولا شك في أن غرضه الأول كان استيطان مصر واحتلالها.
وقد شجع «مرنبتاح» رؤياه التي رآها في منامه فقام بالهجوم على العدو فعلًا، واستمرَّت الواقعة ست ساعات حمي خلالها وطيس الحرب وانكشفت عن اندحار العدو اندحارًا مشينًا، وما بقي منهم أرخى لساقيه العنان مع قائدهم وأميرهم «مريي»، وقد وصف لنا «مرنبتاح» هذه الهزيمة وصفًا شيقًا في قصيدة النصر التي ذكرناها من قبل. وهكذا أمكن «مرنبتاح» أن يعود إلى عاصمة ملكه مظفرًا بعد أن حفظ مصر من خطرٍ كان يهدد كيانها لم تكن قد رأت مثيله منذ حوالي خمسمائة سنة، أي عندما غزا «الهكسوس» أرض الكنانة.
وتدل البحوث الأخيرة على أن «برإر» على الأرجح تقع في المقاطعة الثانية من مقاطعات الوجه البحري (راجع Hölscher Ibid p. 63) أما المكان الذي أطلق عليه هنا جبل «وب تا» فلا يمكن تحديد موقعه على وجه التحقيق.
.....................................
1- »قهق» أو «جهج»: والكتابة الأولى لهذه الكلمة هي المتفق عليها (راجع Gauth. Dic. Geogr. V, 160 f). وقد أصبح من المعلوم أن بلاد «كهك» التي أحضر منها «أحمس بنخبت» غنيمة في عهد «أمنحتب الأول» (راجع Urk IV, 36, 4) تُعد أرضًا أخرى يحتمل أنها في بلاد النوبة، وعلى ذلك فإن ما جاء في ورقة «أنسطاسي» الأولى (Anst. 1, 17, 4) من ذكر «الشردانا» و«القهق» و«المشوش» و«النحسيو» (النوبيون) بوصفهم فرقًا في الجيش المصري يُعد أقدم إشارة لهؤلاء القوم. وفي متون الفرعون «مرنبتاح» التي نحن بصددها الآن قد جاء ذكر «القهق» مع اللوبيين بوصفهم أسرى (راجع Muller. Eg. Research, I pl. 28 I. 57). وفي ورقة «هاريس» (78,5) نجد أنهم قد ذُكروا مع «الشردانا» بوصفهم محاربين في الجيش المصري، وهذان الطرازان من الجنود الأجانب قد جاء ذكرهما في نفس الورقة (Ibid 78–10) بأنهم يعيشون في أمان في بلاد ملكهم، ومما يلفت النظر أن «القهق» لم يُذكروا ضمن قائمة أقوام «لوبيا» الذين اقتحموا الدلتا وغزوها قبل عهد «رعمسيس الثالث« (Ibid 77, 3) وعلى ذلك فإنه خلافًا لذكرهم في عهد «مرنبتاح» ليس لدينا من يبرر الرأي القائل بأنهم من اللوبيين. وفي «متحف تورين» بعض متون يُقال إنها كُتبت بلغة «القهق» في متن سحري (راجع Plyte and Rossi pap. Turin, 138, 2).
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|