أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1570
التاريخ: 18-11-2014
1710
التاريخ: 18-11-2014
1543
التاريخ: 2024-08-27
317
|
قراءة مادة صراط
اتفقت كلمة أَئمّة اللغُّة على أَنّ مادة « صرط » غير موضوعة في اللغة العربية لمعنى أَصلًا وإِنما الموضوع هو « السراط » بالسين ، وأَنّ الصراط بالصاد من مواضع إِبدال حرف أصلي بحرف غيره لمناسبة ومن المقرَّر عندهم جواز إِبدال السين بالصاد من زائد مواضع إِبدال الحرف الأصلي إذا كان بعدها غين أو خاء أو صاد نحو : أصبغ وصلخ في مسلخ ومس صقر في قوله تعالى : {مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 48] وصراط في سراط من غير فرق بين ما إذا كانت هذه الحروف بعد السين بلا فصل ، أو مع الفصل بحرف ، أو حرفين ، أو ثلاثة ، وعللّوه بأَنّ هذه الحروف مجهورة مستعلية ، والسين مهموس مستغل فكرهوا الخروج منه إلى هذه الحروف لثقل الانتقال من التسفّل إلى التصعّد ورأوا أَنّ الصاد توافق هذه الحروف في الإِستعلاء كما أَنّها توافق السين أَيضا بالهمس والصفير فارتكبوا الإِبدال جوازاً لا وجوباً وهذا العمل عندهم شبيه بالإِمالة في تقريب الصوت بعضه من بعض فإِنْ تقدمت هذه الحروف الأربعة على السين لم يجوّزوا الإِبدال بالصاد ، لأَنّها إذا تأَخّرت كان المتكلم منحدراً بالصوت من عالٍ ولا يثقل ذلك ثقل التصعد من منخفض ، فلا تقول في قست : قصت ، وليعلم أَيضاً أَنّ أغلب القُرّاء أبدلوا السين في « السراط » فقرؤا : صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ ، وحمزة بإِشمام الصاد في بعض الروايات ، والكسائي بإِشمام السين ، وقرأ آبن كثير وهو قارئ مكة حسبما روى عنه روايهِ المعروف وهو قُنْبل كما في الكشّاف والبيضاوي وغيرهما ، وكذا يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو أحد القُرّاء العشرة قرئا بالسين الخالصة على الأصل ، وقد تقدّم سابقاً أَنّ المصاحف العثمانية كتب فيها لفظ بسطة في سورة البقرة في قوله تعالى : {قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247] بالسين والقُرّاء اتفقوا على قراءتها بالسين وكتب فيها لفظ بسطة في سورة البقرة في قوله تعالى : « وزادكم في الخلق بصطة » بالصاد والقُرّاء اختلفوا فيها فبعضهم راعى الأصل ، وبعضهم راعى الرسم .
إذا عرفت هذه الأمور فنقول بعد المساعدة : على أَنّ التلفُّظ بمثل القسم والسقم بفتحتين متفاوت عند أَهل اللسان وسهولة الأول عليهم ، وصعوبة الثاني ، أَمثال هذه الأمور تجوَّز إِبدال الحروف الأصلية بغيرها أَنهُ كانت كراهة الانتقال من التسفّل إلى التصعّد سبباً داعياً لإِبدال الحرف الأصلي فليت شعري كيف التزموا بما يكرهون في بسطة البقرة ، وفي مثل باسط ذراعيه ، ومثل لئن بسطت يدك إليَّ لتقتلني ما أناْ بباسط ، ونظائره مع ما رأوا من كتابة بسطة الأعراف بالصاد ومع اتصال الحرف المتسفّل بالمستعلى من غير فصل بينهما كما في لفظ « الصراط » ، والتعليل بأَنّ القراءة بالصاد في هذه المواضع عدول عن الأصل والرسم ، فلذا لم يجوَّزوه عليل فإنّ كراهة الانتقال من التسفّل إلى التصعّد إذا كان مسوغاً لإِبدال ، فمجرّد الرسم لا يمنع منه قطعاً فإِنهُ لم يرسم إلا ما هو الأصل ، وأَمّا أنَّ هذا الأصل يجوز إِبداله بتلك العلّة أولا يجوز فلا دلالة لمجرَّد الرسم عليه بَلْ في رسمه « بصطة » الأعراف بالصاد دلالة على جواز الإِبدال ، بل على حسنه كما أَنَّ رسمه بالصاد في « صراط » ليس لخصوصية في المادة بالضرورة حسب اعتراف الكلّ ، بل إِنمّا هو تعقيب الطاء للسين ، وهو جارٍ في تعقّبهِ له من غير فصل بالأولوية.
بل يبقى السؤال في أنهم كيف لم يكرهوا الانتقال في مثل نسلخ منه النهار ومس سقر وسخّرنا وسخروا وسخط وسقفا وسقوا وسقيت وسقى وسقيم وسلطان المتكرر اثنين وعشرين مرة في القران وساقطاً وساقيها وسائغ وسائغا وسرق وسوق إلى غير ذلك مما لا يحصى من الألفاظ المتكررة في القرآن مما تعقب فيها الطاء أو القاف أو الخاء للسين ؟
فلم يبقَ إلا أَنهم كرهوا مخالفة رسم خطّ المصحف العثماني حيث كتب « صراط » بالصاد مع اليقين بأَنهُ كتب على خلاف ما هو الأصل الموضوع في اللغة ، وقد تقدمت الرواية التي رواها العياشي عن محمد بن علي بن الحلبي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه كان يقرأ : « اهدنا السراط المستقيم » « 1 ».
ويظهر من الدرّ المنثور : ثبوت هذه القراءة برواية أَعاظم أَهل السنّة عن آبن عباس قال « 2 » : أَخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه ، وآبن الأنباري عن آبن عباس أَنه قرأ : « اهدنا السراط » بالسين .
ثم أَنّ قراءة آبن كثير وهو أَحد القُرّاء السبعة الذين أَجمعوا على جواز اتباع قراءتهم كافية في جواز اختيار هذه القراءة فضلًا عن انضمام قراءة الكسائي إليها وإِن كانت بالإِشمام ، بل يكفي في المقام قراءة مثل يعقوب الذي نقلوا عنه القراءة بالسين الخالصة فإنهُ من أعاظم القُرّاء ، بل ذكر آبن خلكان أنهُ أقرأ القُرّاء قال يعقوب بن إسحاق الحضرمي بالولاء البصري المقريً المشهور وهو أَحد القُرّاء العشرة وله في القراءات رواية مشهورة منقولة عنه وهو من أَهل بيت العلم بالقراءات والعربية وكلام العرب والرواية الكثيرة للحروف والفقه ، وكان من أقرأ القُرّاء ، وأخذ عنه عامّة حروف القران مسند وغير مسنداً من قراءة الحرمين والعراقيين وأهل الشام وغيرهم على سلام بن سليمان الطويل ، وقرأ سلام على عاصم بن أبي النجود وقرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي ، وقرأ أبو عبد الرحمن على علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقرأ علي ( عليه السلام ) على رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ).
وقال أَبو حاتم السجستاني « 3 » : كان يعقوب الحضرمي أَعلم من أَدركنا ورأَينا بالحروف والاختلاف في القران الكريم وتعليله ومذاهب النحو في القران الكريم ، وله كتاب سماه الجامع جمع فيه عامّة وجوه اختلاف القراءات ونسب كل حرف إلى من قرأ .
وبالجملة فإنه كان إِمام أهل البصرة في عصره إنتهى ملخّصاً ، وفي القاموس : في مادة « سرط » بالسين أَنّ السراط بالكسر السبيل الواضح لأنَّ الذاهب فيه يغيب غيبة الطعام المسترط والصاد أعلى للمضارعة والسين الأصل « 4 » ، إنتهى .
وقيل « 5 » : لأنهُ كان يسترط المارّة لكثرة سلوكهم لا حبه ، وفي مجمع البيان « 6 » : الأصل في الصراط السين لأَنهُ مشتقّ من السرط ومسترط الطعام ممره ومنه قولهم سرطراط والأصل سريط ، فمن قرأ بالسين راعي الأصل إلى غير ذلك من الكلمات المتقاربة .
وبعد هذا كلّه أَقول : فانظر يا أخي فقد أريتك النهج القويم ، وهديتك السراط ، المستقيم ودللتك على السبيل ، وأوضحت لك الدليل ، فآرضَ لصلواتك مما يفضل ويعلو ، واختر لنفسك ما يحلو ، فإنْ شئت راعيت الأصل الموضوع فاللُّغة كما ترى في سلطان وبسطة وسخط مع الاتصال ووجود حرفين من المجهورة المستعلية ، ووافقت القراءة المروية عن إِمامك الذي تعتقد فيه العصمة ، وعن آبن عباس الآخذ عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وإنْ شئت راعيت صورة رسم زيد بن ثابت كاتب عثمان وواليه على بيت المال في خلافته الذي ذَكَرَ آبن عبد البر في الاستيعاب وآبن الأثير في أُسْد الغابة : أنهُ كان عثمانياً لم يشهد مع علي شيئاً من حروبه ومشاهده ، وأنّهُ كان على بيت المال لعثمان فدخل يوما فسمع مولى زيد يغني فقال : عثمان من هذا فقال زيد مولاي وهيب ففرض له عثمان ألفاً .
وروى الشيخ في التهذيب « 7 » : عن أَبي بصير عن أَبي جعفر ( عليه السلام ) : أَشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية .
وروى علم الهدى ( رحمه الله ) في الشافي « 8 » : عن الأعمش قال : قال آبن مسعود : لقد أَخذت من في رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) سبعين سورة وأنّ زيد بن ثابت لغلام يهودي في الكتاب له ذؤابة ، أو راعيت صورة خطّ مروان بن الحكم وزياد بن سميّة وكانا كاتبيه يومئذ أَنْ يكتبا هذا المصحف مما أَلّفه من تأليف المصحف ، ودعا زيد بن ثابت فأمره أن يجعل له قراءة يحمل الناس عليها .
____________
( 1 ) تفسير العياشي : ج 1 ، ص 22 و 24 .
( 2 ) الدر المنثور : ج 1 ، ص 14 .
( 3 ) وفيات الأعيان لابن خلكان : ج 6 ، ص 391 .
( 4 ) القاموس المحيط : ج 2 ، ص 364 .
( 5 ) القول لابن منظور : لسان العرب : ج 7 ، ص 314 .
( 6 ) تفسير مجمع البيان : ج 1 ، ص 65 .
( 7 ) تهذيب الأحكام : ج 6 ، ص 218 .
( 8 ) الشافي في الإمامة : ج 4 ، ص 284 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|