أقرأ أيضاً
التاريخ: 11/12/2022
1279
التاريخ: 16/11/2022
1273
التاريخ: 2023-10-10
1184
التاريخ: 2023-05-06
1034
|
نحن بصدد كشف برنامج لحياة وعبادة أفضل. ولابد لهذا البرنامج أن يكون كفوء كما لابد أن يكون عمليا وأن يكون مؤثرا ومفيدا في نفس الوقت وبالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتصف بشمولية وأن يكون شاملا لجميع الناس لا المؤمنين فقط دون غيرهم. فإن كان البرنامج برنامجا عمليا صحيحا لتحقيق حياة وعبادة أفضل، لابد أن يكون مشتركا بين الصالحين وغير الصالحين من الناس. ونحن نصبو إلى كشف برنامج جاد وعميق وصائب ليحسن حياتنا لا عبادتنا فقط، فإن تحسين الحياة مقدمة لتحسين العبادة.
ما هي مواصفات البرنامج الجيد؟
من مواصفاته هي أن يكون ذا محور واحد. فإن البرنامج التي يجعل الإنسان أمام مئة محور وعمل لا يؤدي إلى نتيجة؛ من قبيل ما لو كان البرنامج عبارة عن مجموعة من الأعمال والوصايا المتناثرة في ضرورة الصبر ووجوب الصدق وحسن التواضع وكراهية البخل وقبح الحسد وحرمة الحرص وأهمية العبادة وضرورة صلة الرحم وحرمة أكل الحرام إلى غيرها من الحسنات والسيئات. فإن هذا ليس ببرنامج، بل مجموعة من الأوامر والنواهي غير المنتظمة وغير المبرمجة. بيد أن هذه الوصايا لها نظام وهيكلية لابد من كشفها وإعطائها للناس لكي تكون حياتهم على أساس برنامج منتظم.
من مواصفاته الأخرى هي أن يكون مستوحى من القرآن والروايات، وأن يكون منسجما مع أحاديث أهل البيت (عليه السلام)، فلا يمكن أن نبدع برنامجا من جيبنا. ومن جانب آخر يجب أن يكون متناسبا مع وجود الإنسان، وحقائق حياة الإنسان. فلا يمكن أن يكون البرنامج بلا علاقة مع الإنسان وهويته وماهيته.
لقد خلق الإنسان من أجل جهاد داخلي روحي، أي مجاهدة الأميال والرغائب.
على رأس الخصائص التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تعريف الإنسان هي: (أن الإنسان قد خلق بأميال ونزعات مختلفة ومتضاربة، وبمقتضى هذه النزعات المختلفة غالبا ما يقف أمام طريقين أو أكثر في مراحل حياته، ولهذا قد منح الإنسان حق الاختيار وأصبحت اختياراته الصائبة ذات قيمة). وأما باقي خصائص الإنسان من قبيل قدرته على تحصيل العلم فهي قد منحت له لكي تمكنه من الاختيار الصائب.
فعندما يقف الإنسان في مقام اختيار إحدى رغباته من بين مختلف الرغائب، لابد له من أن يضحي ببعض هذه الرغبات في سبيل بعض أخر. ومن هنا يبدأ موضوع جهاد النفس. ولهذا ندعي أن عنصر (جهاد النفس) يمثل أحد عناصر تعريف الإنسان.
يعني أن الإنسان هو كائن خلق من أجل جهاد داخلي وروحي، أي مجاهدة رغائبه. وقد قامت هذه المعركة بسبب وجود نزعات وأميال مختلفة في داخل الإنسان، ولو لا هذا الاختلاف والتعارض لكان الإنسان ملكا أو حيوانا.
لقد أودع الله في قلب الإنسان نوعين من الرغائب: 1ـ الرغائب السطحية والرخيصة، ولكنها جلية 2ـ الرغائب العميقة والقيّمة ولكنها خفيّة.
وفي سبيل أن يتحقق جهاد الإنسان لأهوائه بشكل صحيح، قد أودع الله في قلب الإنسان نوعين من الرغائب إحداها هي الرغائب العميقة والقيمة ولكنها خفية، والأخرى هي الرغائب السطحية والرخيصة ولكنها جلية. إن هذين النوعين من الرغائب ليست سواء، بل إن الرغائب الجيدة والقيمة أقوى من الرغائب الرخيصة أو التي لا قيمة لها، ولكن بسبب خفائها لابد للإنسان أن يعبر من رغباته السطحية والرخيصة ويضحي بها في سبيل الوصول إلى الرغائب العميقة والقيمة.
فلو كانت الرغائب الجيدة والعميقة ظاهرة في داخل الإنسان، لكان الناس جميعهم قد اختاروا هذا النوع من الرغائب لقوتها في قلب الإنسان، ولما حصل جهاد النفس قط. ولهذا فقد أخفى الله هذه الرغائب الشديدة في أعماق قلب الإنسان، وأظهر الرغائب الضعيفة لكي تتوفر أرضية جهاد النفس.
في السنين السبع الأولى من عمر الإنسان تتبلور الرغبات السطحية، وتلك المرحلة هي وقت تجربة هذه الرغائب، فقد أوصانا الإسلام أن نجعل الطفل أميرا في البيت وندعه وشأنه يفعل ما يشاء، لتتبلور رغباته السطحية، فلابد أن يجرب هذه الرغبات ويذوق طعمها قدر المستطاع ليعرف الطعم الحلو ويذوق الراحة ويأنس بالمحبة والحنان. كما تتبلور في وجوده الأنانية ويظهر في السنة الثالثة من عمره الحسد أيضا. ثم بعد سنتين يحاول أن يقلد الكبار ويلبس ملابسهم لتكون علامة على بوادر حب العظمة وحب الكبر وحب المقام.
يزعم البعض أن رغباتهم الرخيصة والسطحية أشدّ من غيرها وإن مخالفتها صعب جدا، إن هذه الرغبات التي يتعرف عليها الطفل في السنين السبع الأولى من حياته ليست برغبات سامية بل هي رغائب سطحية يميل إليها الإنسان كما يميل إليها الحيوان وجميع الحيوانات يدركون هذه الرغبات ويتحركون على أساسها وليس لهم شأن سواها ولا يفهمون شيئا وراءها. إن هذه الرغائب السطحية تظهر نفسها كرغائب شديدة ولكنها ليست بشديدة فإن هذه الرغائب السطحية التي تجربها وتعيشها لا تقدر على إمتاعك كثيرا إذ أنها سطحية ولم تمتدّ بجذورها إلى أعماق قلبك.
يزعم البعض أن رغباتهم الرخيصة والسطحية أشد من غيرها في وجودهم وإن مخالفة هذه الرغائب عمل عسير جدا. بينما إن يبدأوا بجهاد هذه الرغائب، سوف يلتذون بهذا الجهاد شيئا فشيئا وسوف لا يعيرون قيمة لهذه الرغبات السيئة والسطحية. لقد خفي تحت محيط وجود الإنسان سلسلة جبال مرتفعة جدا ولكنها غير ظاهرة، فهناك محل استقرار رغباتك الثقيلة جدا ولا سبيل لكشفها إلا بالغوص والغور في أعماق هذا المحيط.
ما هو الطريق للوصول إلى الرغبات الأعمق؟ هل الطريق هو أن يعمد الإنسان إلى عشق الله في أول خطوة؟ كلا. الخطوة الأولى هي أن تذبح رغباتك السطحية. فحاول أحيانا أن لا تأكل الطعام المحبذ لك، بل كل خبزا مع لبن. فابدأ بمنازعة نفسك ومخالفتها في رغباتها السطحية. تمرن على جهاد النفس حتى تموت سبعين مرة في اليوم من شدة الجهاد. ولا تنطق بكل ما رماه هواك إلى لسانك فكف عن الكلام بكثير مما يحلو لك التحدث به، حتى إن كان ظاهر الكلام جيدا أو كان بصيغة نصح الآخرين أو إرشادهم، إذ أحيانا تلبي شهوتنا في الكلام عبر ما يسمى بالكلام اللطيف والنصائح النافعة.
إن أهل جهاد النفس يجدون لذة في حياتهم لا يجدها أهل الفسق والفجور.
إن مخالفة النفس أمر صعب في الظاهر، إذ تريد أن تخالف رغبة ونزعة ظاهرة، ولأنها ظاهرة تشعر بأنها رغبة شديدة، وهذا ما يجعلك تعتبر مخالفة هذه الأهواء أمرا عسيرا. ولكن هذه المخالفة في الواقع هي من أجل الوصول إلى الرغائب الخفية التي هي أعمق وأمتع وألصق بالفؤاد. ولهذا عندما نبدأ في هذا الجهاد ونخطو بعض الخطوات إلى الإمام ونذوق شيئا من رغائبنا العميقة، عند ذلك ندرك أن هذه المخالفة ليست بصعبة أبدا.
إن ماهية العسر والألم هو أن يكون الشيء مخالفا لهوانا وإنّ ماهية اللذة والسرور هو أن يكون الشيء موافقا لهوانا. إذن فعندما يقوم أحد بمخالفة أهوائه السيئة ويصحي رغباته الجيدة ويلبي نزعاته العميقة والقيمة، يشعر بلذة لم يذقها أهل الفسق والعصيان في حياتهم قط.
إن عبادة الله يمثل نزعة عميقة وممتعة جدا في وجود الإنسان. وإنه أقوى وأمتع بكثير من الميل إلى الشهوات، ولكنه أخفى من حب الشهوات. فمن هذا المنطلق إن من يلبي رغبته في عبادة الله ويرضي ربه، يتمتع بلذة لن يجدها من يقوم بإرضاء هوى نفسه أبدا. فعلى سبيل المثال، من الذي يشعر بلذة أقوى؛ هذا الذي يسب ويشتم إرضاء لهواه، أم الذي يسيطر على لسانه إرضاء لربه؟ فلا شك في أن لا قياس باللذة التي يجدها الثاني تجاه لذة الأول. وأيهما أشد لذة؛ من يقابل السوء بالسوء والانتقام إرضاء لهوى نفسه، أم من يعفو عن الناس إرضاء لربه؟
كل من تزداد لذته بعلاقته بالله، يزداد بالمقابل أجرا من الله.
واللطيف هو أن الذي يحظى بمزيد من اللذة وأقواها بسبب إرضاء الله في حياته، يُفترض أن يزداد دينا لله بسبب زيادة اللذة التي عاشها في حياته، ولكن الله يزيده أجرا ويرفع درجاته في الجنان. إن من لطف الله وكرمه هو أن كلما ازداد الإنسان انتفاعا من الله، يزداد نصيبه من الله في الجنة. يعني كل من عاش لذة أشد وأقوى في ظلّ علاقته مع الله في هذه الدنيا، يزداد أجرا منه سبحانه وتعالى. غير رؤيتك عن الله، فإن الله لم يرد منك أن تضحي برغباتك ولذاتك في سبيله، بل أراد أن تضحي بلذاتك السطحية والقليلة في سبيل لذاتك العميقة والشديدة!
عندما تطبخ أم لولدها طعاما، كلما التذ الولد بطعام والدته وأكل من الطعام أكثر، تزداد الأم فرحا ولا شك في أن الله الذي خلق الأمهات، هو أرحم بعباده منهن جميعا.
الإنسان الذي يجاهد نفسه لم ينجز شيئا
لا ينبغي للإنسان الذي يجاهد نفسه، أن يعتبر نفسه قد أنجز شيئا خارقا وقام بعمل شاق، إذ أن اللذة التي يجدها في خضم جهاد نفسه، لن يجدها الفسقة وشاربوا الخمر أبدا. فهو لم يكن يطلب الله شيئا بهذا الجهاد، بل يزداد دينا له، إذ قد لبى رغبات قلبه العميقة وحظي بمزيد من اللذة، وقد نال ما يميل إليه ويرغب فيه واقعا، وبعد كل هذا سيثيبه الله بالجنة لكونه قد لبى رغباته الحقيقية وهذا من لطف الله، فلا ينبغي أن نتوهم بأننا قد أنجزنا شيئا كبيرا.
إن الذين يجاهدون أنفسهم يلتذون في حياتهم أكثر من أهل الفسوق والفجور إن مخالفة النفس إرضاء للنفس في الواقع إن أهل الفسق والفجور لا يعيشون لذة أولئك الذين يقومون بتلبية رغباتهم العميقة والفطرية والخفية ولا يشعرون بسرورهم، إذ أن مخالفة النفس هي إرضاء للنفس في الواقع، وهي عبارة عن العبور من أميال النفس السطحية لتلبية الرغائب العميقة والجيدة في النفس.
سألني أحد الإخوة وقال: (ألا يتعقد الإنسان نفسيا فيما إذا جاهد نفسه ليل نهار وحرمها عن لذاتها؟). قلت له: بالتأكيد فإن أدمن الإنسان على مخالفة نفسه وهواه يتعقد نفسيا ويبتلى بمرض في أعصابه وتضعف قواه وقد يحقد على الناس ويصاب بستين مرض آخر! ولكن إن مخالفة النفس، ليست مخالفة جميع أبعاد النفس، بل إنما هي مخالفة الجانب السطحي والرخيص منها، وفي نفس الوقت الذي تجاهد فيه هذا البعد من النفس تلبي رغبة رائعة وعميقة جدا في نفسك.
يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (النَّظَرُ سَهُمْ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ فَمَنْ تَرَكَهَا خَوْفاً مِنَ اللَّهِ أَعْطَاهُ إِيمَانًا يَجِدُ حَلَاوَتَهُ فِي قَلْبِهِ) (جامع الأخبار، ص 145). وقال (صلى الله عليه وآله): (النظر إلى محاسن النساء سهم من سهام إبليس فمن تركه أذاقه الله طعم عبادة تسرّه) (مستدرك الوسائل، ج 14، ص 271). فإن غض أحد النظر وترك اللذة ولم يجد تلك اللذة العميقة وطعم العبادة فليعلم أن لم يكن غضه البصر في سبيل الله وإلا لوجد هذه اللذة.
في سبيل كشف رغائبنا العميقة والكامنة ولا سيما رغبتنا في عبادة الله، لابد لنا أن نضحي بأهوائنا ورغائبنا السطحية في سبيل أن نكشف رغبتنا العميقة والكامنة المتمثلة بحب عبادة الله، لابد أن نجاهد رغائبنا السطحية والتافهة وأن نضحي بها في سبيل الرغائب العميقة، أي لابد أن نقف أمام شهواتنا وأهوائنا. وعليه فلابد أن نخاطب ربنا في سجادة الصلاة ونقول له: (إلهي! أنا الآن أسير بيد رغباتي السطحية ولا أدرك لذة عبادتك، ولكني سمعت أن هناك حقائق وراء هذه الظواهر فصدقت نبيك، وأنا الآن أصلي بين يديك بلا أن أشعر بلذة الصلاة...).
الصلاة هي جهاد للنفس أساسا، إذ ليس فيها جاذبية في بداية الأمر، وعادة ما نحاول أن نصلي ونتم الصلاة تأدية للواجب وحسب، ولكن من أجل أن نرغم أنف نفسنا ونحارب أهواءنا، ينبغي أن نصلي باطمئنان وهدوء وبدون استعجال. فكلما أردت أن تستعجل في صلاتك وتكملها بسرعة أبطئ في صلاتك وكرّر أذكارك لتلوي عنق نفسك وتقعدها في مكانها.
أتذكر في زمن كنا نصلي خلف آية الله الشيخ الأراكي (رضوان الله عليه) حيث كان يصلي في مسجد صغير جدا في جوار ضريح السيدة المعصومة (عليه السلام)، ولكن كانت صلاته طويلة جدا ولا تقاس بصلاة الشيخ بهجت من حيث طولها. فكانت صلاته ترغم أنف النفس. فمن كان يريد أن يلوي عنق نفسه، كان يصلي خلفه. فإذا وجدتم إماما يصلي صلاة طويلة، اقصدوه بعض الأيام وصلوا خلفه لتخالفوا بتلك الصلاة نفوسكم وترغموا أنفها.
أحيانا يصبح جهاد النفس في سبيل النفس
ليكن بعلمك أخي أن بعض الناس يجاهدون أنفسهم من أجل النفس، فلا تخرب جهادك. من قبيل من يمسك نفسه عن السب والشتم حفاظا على سمعته أو من يترك حب الغضب تلبية لحب المقام في نفسه. فعلامة هذا الإنسان هي أنه مهما تأدب وحسن أخلاقه وجاهد نفسه، لا يرغب في الصلاة إذ لم يكن جهاد نفسه في سبيل الله.
إن جهاد النفس في الواقع هو مراعاة النفس ومخالفة اللذات هو نيل اللذات في الواقع، ولكن لذة عميقة وغزيرة عندما يتجه الإنسان نحو الحسنات ورغباته العميقة، ويجاهد أهواءه السطحية في هذا المسار سيذوق لذة هذا الجهاد بلا ريب، وإن الله يذيقنا هذه اللذة بسرعة. أساسا إن جهاد النفس هو مراعاة النفس في الواقع، ومخالفة اللذات هو نيل اللذات في الواقع، ولكن لذة عميقة وغزيرة لا سطحية وقليلة. ولهذا إن بعض الناس يحرصون على العبادة، فتراهم يجلسون في المسجد منتظرين وقت الصلاة، فهم يجاهدون أنفسهم ويعيشون لذة حقيقية في حياتهم.
إن حقيقة حياة الإنسان هي اختيار خير الرغائب مما هي أدنى عن طريق (العقل) العقل قوة لاختيار خير الرغائب
إذن هكذا يمكن أن نعرف حياة الإنسان: (اختيار الرغائب الأفضل من الرغائب الأدنى)، ويتم هذا الاختيار عبر قوة في وجود الإنسان باسم العقل. لما خلق الله العقل أعطاه زمام الإنسان إذ به يعبد. (الْعَقْلُ مَا عُبِدَ بِهِ الرَّحْمَنُ واكْتُسِبَ بِهِ الجنان) (هداية الأمة، ج 1، ص 4).
يختلف العقل عن العلم، ولهذا عندما يسيء الإنسان في اختيار رغائبه ويختار الخيار الأدنى يقال له: أنت عديم العقل، وعندما يصيب الاختيار ويختار الخيار الأفضل يقال له: أنت إنسان عاقل.
لقد خلق الإنسان ليختار من مجموع الخيارات ولولا ذلك لما استطاع أن ينتج قيمة مضافة. ولابد للاختيار أن يكون من بين نوعين من الرغائب؛ رغبة أشد ولكنها كامنة، ورغبة أضعف ولكنها ظاهرة. وإن الرغائب الضعيفة والظاهرة يعني هذه الأهواء والشهوات هي التي تحجز الإنسان عن كشف رغباته العميقة والكامنة. لذلك ينبغي للإنسان أن يدمن على محاربة أهوائه النفسانية ورغائبه السطحية والواضحة ويضحي بها ليصل إلى رغباته العميقة والفطرية. وإنّما يستطيع الإنسان أن ينجز هذا الإنجاز بالعقل العقل هو الذي يحذرنا من الاغترار بالرغبات الظاهرية، وهو الذي يشجعنا على الاهتمام بالرغبات العميقة فإنها أكثر لذة. ويقول لنا: دع هذه النزعات السطحية لتكشف رغباتك العميقة.
لماذا لا يتضرع المذنبون إلى الله؟
لماذا لا يتضرع المذنبون إلى الله؟ لأنهم يخافون من الله بشدة، ويتصورون أن الله بصدد الانتقام منهم. إنهم قد تنكروا لله وظنوا أن الله قد تنكر لهم أيضا.
ما هو انطباعكم عن الله وأنتم تتوبون إليه من ذنوبكم وتخافون منه؟ لماذا يضيق صدركم وتتوبون من ذنوبكم؟ هل تعتذرون إلى الله لأنكم لم تمتثلوا كلامه والآن تخافون أن يعاقبكم عقابا عسيرا؟ وهل أنكم تتوبون إليه مخافة سوطه؟ وهل تنظرون إلى الله كخصم قوي لا يمكن منافسته؟ في حين أن الله قد أراد أن تلتذوا أكثر في حياتكم، وأراد أن تفعلوا رغباتكم الفطرية، ولهذا ولأنكم قد أضررتم بأنفسكم وحرمتم أنفسكم من اللذة الكبرى لم يرض عنكم وغضب عليكم، فإنه لم يرض عنا لشدة حبه لنا. والآن فهو لا يريد أن يجلدكم بل يريد أن ترجعوا إليه.
يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى أَشَدُّ فرحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ وزَادَهُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ فَوَجَدَهَا فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ حِينَ وَجَدَهَا).
(الكافي، ج 2، ص 435) فلابد أن نرجع ونعيد بناءنا المعرفي بالله وبالإنسان والحياة من جديد.
إلهنا سبحانك أن تكون محتاجا إلينا فلماذا تفرح بهذه الشدة عند توبتنا؟! إلهنا أنت الذي قال في وصفك الإمام السجاد (عليه السلام): (الحمد لله الذي تحبب إلي وهو غني عني) فلماذا تفرح بتوبتنا إلى هذا الحد؟ إنه أراد أن نزداد لذة في الدنيا لنزداد قابلية للتنعم في يوم القيامة وعند لقاء الله. إنه أراد بهذه الأحكام أن نتعطش إلى اختيار الخيار الأفضل ولتكون الدنيا مقدمة للتمتع والالتذاذ بلقاء الله بعد الموت وفي يوم القيامة وفي جنات الخلد. فكان البرنامج الإلهي لنا هو أن ننتعش بذكر الله وجمال الله في الدنيا، ثم يدعونا إليه، لنتمتع باللذة الكاملة عند لقائه.
صلى الله عليك يا أبا عبد الله
إن جهاد النفس يتخذ منحى آخر في مراحله المتقدمة، فكلما كان يشتد الأمر بالحسين (عليه السلام) ويقدم الأضحية واحدا بعد الآخر كان يشرق لونه وتهدأ جوارحه وتسكن نفسه، فيقف الإنسان حائرا أمام قلب الحسين (عليه السلام) عاجزا عن فهمه ووصفه.
أنا أريد أن أخاطب الحسين (عليه السلام) وأقول له: يا أبا عبد الله عندما ودعت علي الأكبر، أما قدمته أضحية لله سبحانه؟ ونحن نعلم كم أنت تحب أن تقدم ضحايا في سبيل الله. فما هذا البكاء عليه أمام الأعداء حتى أوشكت بالموت حين وضعت خدك على خده؟!
اسمحوا لي أن أجيب بكلمة واحدة. ألا تحترق أكبادكم إذا جاء أحد ومزق أمامكم صورة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟! كان علي الأكبر أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإذا به راه مقطعا بسيوف القوم... ألا لعنة الله على القوم الظالمين.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|