أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-04
1008
التاريخ: 2024-03-24
844
التاريخ: 2024-09-30
238
التاريخ: 2024-04-25
874
|
تحدثنا في الجزء الرابع عن توحيد مدينة «تانيس»، أو «قنتير» بمدينة «بررعمسيس» على حسب ما أدلى به كل من الأستاذين «جاردنر»، و«حمزة بك» من براهين تعزز نظريته، غير أنه على ما يظهر قد أصبحت كفة توحيد «بررعمسيس» «بقنتير» الحالية أرجح، وإن كان الموضوع لا يزال معلقًا كما قلنا، وقد تناول الأستاذ «جاردنر» هذا الموضوع حديثًا (1)،وسنورد ملخص ما قاله عن هذه المدينة، وكذلك ملخص ما قاله الأستاذ «حمزة بك»؛ ليقف القارئ على ما وصل إليه هذا الموضوع من البحث، وإن كانت الكفة الراجحة — كما قلنا — أصبحت في جانب الأستاذ «حمزة بك«. فيقول الأستاذ «جاردنر»: إن مدينة «بررعمسيس مري آمون» التي تذكر كثيرًا في النقوش بوصفها مقر الحكم في الدلتا في عهد «رعمسيس الثاني»، وأخلافه قد وحدها بعض المؤرخين بمدينة «تانيس»، ووحدها آخرون ببلدة «قنتير» التي تبعد عن «تانيس» نحو تسعة عشر كيلومترًا، ومن «فاقوس» نحو تسعة كيلومترات، والفقرات الخاصة بهذه المدينة قد جمعها «جاردنر«(2)أولًا، وقال عنها في بادئ الأمر: إنها تقع عند «الفرما»، ولكنه في مقال آخر(3) حدد موضعها في «تانيس» على حسب ما وصلت إليه نتائج أعمال الحفر الأخيرة، وبخاصة ما ذكره الأستاذ «مونتيه« (4) أخيرًا، وهو ما جاء على قطعة حجر من معبد «تانيس» الكبير، فيقول: «آمون» صاحب «بررعمسيس مري آمون» ذو الانتصارات العظيمة، وهذا النعت يذكر كثيرًا مع اسم «بررعمسيس» على الآثار المعاصرة لمؤسس المدينة، وبالاختصار ذكر في مقاله النهائي في هذا الصدد أن بلدة «أواريس» (حت وعرت) عاصمة الهكسوس، و«بررعمسيس» و«زعنتي» (تانيس) هي أسماء لمدينة واحدة سميت بها على التوالي في التاريخ، وقد وافقه على ذلك الأستاذ «يونكر»، وخالفه الأستاذ «فيل» في توحيدها مع «أواريس»، ويجد الأستاذ «جاردنر» عقبة في سبيل استنباطه توحيد «تانيس» مع «بررعمسيس»؛ إذ يقول: إن كلًّا من البلدين قد ذُكر منفردًا في قائمة أسماء «أمنمؤبي» التي هي موضوع كتابه الجديد، فيقول: لا يمكن أن ننكر — على أية حال — أن ذكر البلدين «بررعمسيس» و«تانيس» كل على حدة في البردية يُعد عقبة كأداء في توحيدهما، ولكن — مع ذلك — لا يجب علينا أن نعتقد في دقة ما جاء في هذه الورقة من كل الوجوه، ولهذا السبب وحده كان من المرغوب فيه أن نفحص بدقة أي رأي آخر، ولدينا الرأي الذي أبداه الأستاذ «حمزة» في مقاله عن الحفائر التي قام بها في بلدة «قنتير»، وهي التي يقترح فيها أن موقع «بررعمسيس» نفسها (5). والآن نذكر ملخص ما جاء في مقال الأستاذ «حمزة» أولًا، ثم نورد اعتراض الأستاذ «جاردنر» عليه، على الرغم من أنه اعترض على نفسه بوجود الاسمين كل منهما على حدة في قائمة جغرافية مصرية قديمة، وهاك ملخص كلام الأستاذ «حمزة «:
إن الأدلة الأثرية تعضد الرأي القائل بأن «قنتير» كانت على ما يظن مقر المُلك الشمالي للفراعنة منذ عهد «رعمسيس الثاني» حتى نهاية عصر «الرعامسة»، وكانت مقر الحكومة في الدلتا، والظاهر أن «سيتي الأول» كان أول من أقام فيها قصرًا ليجعله مكانًا لراحته بعد عودته من حروبه في «آسيا»، ولما جاء عهد «رعمسيس الثاني» رأى أنه تسهيلًا للقبض بيد من حديد على ممتلكاته في «آسيا»، وتخليص البلاد من غارات الساميين المتتالية أن يترك مقره في «طيبة»، ويجعله في الدلتا على مقربة من «فلسطين» ليقمع أي ثورة في مهدها؛ ولذلك يعد من الأمور الهامة في حكم «رعمسيس الثاني» انتخاب موقع «قنتير» ليكون مقره الملكي في الدلتا. والواقع أننا وجدنا في الحقول والبيوت عوارض أبواب، وعتب نقش عليها اسمه، هذا بالإضافة إلى مئات القراميد، والزهريات المصنوعة من الخزف، والأشكال التي كانت تؤلف جزءًا هامًّا في تزيين القصر وزخرفته، على أن وجود مئات القوالب من الفخار المطلي باسم «سيتي الأول»، و«رعمسيس الثاني»، و«مرنبتاح الأول»، و«سيتي الثاني»، و«رعمسيس الثالث»، و«رعمسيس السابع»، و«رعمسيس العاشر» لبرهان على أن هؤلاء الفراعنة كانوا يقطنون في هذا القصر الذي كان يحلى بمنتجات مصنع خاص؛ وذلك ليكونوا على اتصال بأملاكهم الأسيوية. وكما قلت من قبل: كان «سيتي الأول» هو مبتكر هذه السياسة الحكيمة المثمرة في أول عهده؛ لأنه وجد أن حدود بلاده الشرقية كانت مهددة بالساميين المغيرين الذين كان يطلق عليهم اسم «شاسو»، وكذلك كان في «قنتير» معابد للإله «آمون»، و«بتاح»، و«ست»؛ وهذا فضلًا عن محاريب لآلهة آخرين أقل أهمية، كما يشاهَد من قطع الجرانيت الضخمة التي لا تزال موجودة على سطح الأرض حتى الآن، وقد كان «آمون رع» هو الإله الرئيسي للمدينة بطبيعة الحال، وقد وجد اسمه وألقابه على كثير من الأشياء التي عُثر عليها في هذه البقعة، وكانت الضرائب تُجلب إلى «قنتير» حيث كانت الإدارات العامة للحكومة. وكان الموظفون طبعًا يبنون مساكنهم حول قصر الفرعون، إذ وجدنا آثارًا تحمل أسماء بعضهم مثل «ست حرخبشف» رئيس جيش «رعمسيس»، و«بتاح معي» رئيس كتبة المعبد المسمى «بيت ملايين السنين لرعمسيس الثاني في بيت رع»، والوزير «خعي» الذي كان مكلفًا بتنظيم الأعياد الثلاثينية في جنوبي البلاد وشماليها، وبعض القوالب كان عليها اسم حامل المروحة على يمين الملك، والكاتب الملكي، والمشرف على بيت رب الأرضين، كما نجد على غيرها الألقاب: حاجب الفرعون للعيد الثلاثيني الثالث للفرعون «رعمسيس الثاني» والحاجب الملكي للعيد الثلاثيني السادس للفرعون «رعمسيس الثاني». ومن المحتمل أن القصور والمساكن قد خربت في عهد الاضطرابات التي وقعت بين سقوط أسرة «الرعامسة»، وقيام أسرة «تل بسطة»، أما البقية الباقية فقد قضى عليها الأهلون الحاليون. ومن المحتمل جدًّا إذن أن «قنتير»، و«بررعمسيس مري آمون» مقر الرعامسة المعروف في الدلتا موحدتان — وبعد ذلك يفند الأستاذ حمزة رأي الأستاذ «جاردنر» في أن بلدة «بلوزيوم» هي موقع العاصمة «بررعمسيس»، وهو نقد صائب وافق عليه جاردنر — ثم يستمر الأستاذ حمزة قائلًا: وعلى ذلك تكون «قنتير» — على أغلب الظن — هي «بررعمسيس»؛ إذ فيها على ما يظهر اتخذ «رعمسيس» مقره الشمالي، ولم يكن ذلك لأجل أن يكون آمنًا من محاصرة الأسيويين له إذا قاموا بغزو البلاد المصرية فحسب، بل لأجل أن يكون كذلك على اتصال بشئون البلاد، والإشراف على كل أملاكه الشمالية (وقد ذكرنا أسبابًا أخرى لاتخاذ «رعمسيس» العاصمة في الشمال راجع ج4). وهكذا نعود إلى الفكرة الأولى التي ذكرها «نافيل»، وهي التي يقول فيها: إن «رعمسيس» أقام عاصمته الجديدة في مقاطعة العرب التي كانت عاصمتها «فكوسا» الإغريقية، وهي «فاقوس» الحالية، لا «صفط الحنا» كما زعم «نافيل «. وتدل أعمال الحفر على أن آلهة «قنتير»، وآلهة «بررعمسيس» موحدة وهم: «آمون»، و«ست»، و«بتاح»، و«رع»، ويحمل كثيرًا من القوالب المصنوعة من الفخار المطلي التي عثر عليها في «قنتير» اسم «رعمسيس الثاني» مصحوبًا باللقب «بانتر»؛ أي الإله، وأخرى تحمل طغراء نفس الملك مصحوبًا بالنعتين «شمس الأمراء»، و«حاكم الحكام «. ومثل هذه النقوش لا تبرهن على أن «رعمسيس» كان ملكًا فقط في «قنتير» بل كان يلقب كذلك بلقب «شمس الأمراء»، و«حاكم الحكام»، وفي ورقة «أنسطاس» الخامسة نجد فقرات هامة عن «بررعمسيس» ذكر فيها «رعمسيس الثاني» أنه إله في المدينة ووزير، ويلقب «شمس الأمراء»: «لقد بنى جلالته لنفسه قلعة اسمها عظيمة الانتصارات … «رعمسيس مري آمون» فيها بمثابة إله … والوزير شمس الأمراء.» وهذه الحقائق تحمل على الظن بتوحيد «قنتير» مع «بررعمسيس «. وكذلك «الاستراكا» الهيراطيقية التي عثر عليها في «قنتير»، وعليها اسم «بررعمسيس» تشير إلى إمكان وجود دنٍّ للنبيذ فيه أوانٍ مخزونة، لا لاستعمال المقر الملكي فحسب، بل كذلك لتموين الوجه القبلي بما يلزمه من النبيذ للمعابد؛ وهذا النبيذ على ما يظهر كان في حيازة موظف بالجيش يُدعى «وسر ماعت نخت»، كما تدل على ذلك النقوش الهيراطيقية. وأخيرًا لدينا نقطة أخرى لا بد من ذكرها مع التحفظ الشديد حتى يُفصل فيها بنتائج حفائر جديدة. فقد فسر لنا الأستاذ «جاردنر» بوضوح أن «ست»، أو «ستخ»، وهو أحد أعلام آلهة «بررعمسيس» كان كذلك الإله الرئيسي لبلدة «أواريس» عاصمة الهكسوس الحصينة، ولما كان اسم الإله «ست» يركب تركيبًا مزجيًّا مع بعض ملوك الأسرة التاسعة عشرة مثل «سيتي»، و«ستنخت»، وأنه كذلك من المحتمل كان يُعبد في عهد «رعمسيس الثاني»، وأخلافه في عهدي الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، فإن ذلك يجعل «بررعمسيس»، و«أواريس» مدينة موحدة، ولكن إذا كانت «قنتير» هي «بررعمسيس»، فإنه لا بد من البحث عن «أواريس» في مكان آخر بالقرب من «قنتير» إلخ. وقد وافق الأستاذ «حمزة» في رأيه الأستاذ الأثري «هايس «(6)، ووحد «قنتير» بمدينة «بررعمسيس»، وكذلك عضد «هايس» في رأيه الأستاذ «نيوبري «(7)، ويحتج «جاردنر» بأنه لم يعثر إلى الآن على معابد في «قنتير»، كما لم يكشف للآن عن قصر في هذه البقعة، وإن كان قد ذكر اسم قصر على جعران، وهو: «قصر رعمسيس محبوب آمون المحبوب مثل آتوم» في غربي ماء — «إتي«(8)، غير أن ذلك فيه شك؛ إذ يحتمل أن كلمة «إتي» هي اسم فرع للنيل، ثم يقول: وعلى أية حال لا بد أن يبقى حكمي النهائي معلقًا في هذا الموضوع. وأخيرًا نجد برهانًا آخر يعضد رأي الأستاذ حمزة بك، ويقضي نهائيًّا على نظرية «جاردنر» القائلة: إن «تانيس» كانت في عهد «رعمسيس الثاني» تُدعى «بررعمسيس»، وذلك أنه عثر على خنجر ملك الأستاذ «جردزلوف» جاء عليه: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري «وسر ماعت رع ستبن رع»، محبوب «حور» رب «زعنت» (تانيس «. ولذلك يقول «جاردنر»: إذا كان هذا الخنجر من عهد «رعمسيس الثاني» فإن كل نظريته عن أن «بررعمسيس» هي «تانيس» تنهار من أساسها، ولكنه يشك في أن هذا الخنجر من عصر هذا الفرعون (9). وهكذا يظهر من كل ما سبق أن رأي الأستاذ «حمزة» — على الرغم من عدم اتساع الحفائر التي قام بها في منطقة «قنتير» — أكثر احتمالًا من رأي الأستاذ «جاردنر» على الأقل لأمرين هامين، وهما؛ أولًا: أن المصري نفسه عندما كتب عن جغرافية مصر في قائمة أسماء «أمنمؤبي» قد فرَّق بين البلدين، وثانيًا: ما جاء على الخنجر من نقوش تثبت وجود اسم «تانيس» في عهد «رعمسيس» الثاني. ويغلب على الظن أن «تانيس» كانت العاصمة الدينية للوجه البحري، وبخاصة لأنها كانت مركز عبادة الإله «ست» الذي تنسب إليه الأسرة الحاكمة كما كانت «بررعمسيس» هي العاصمة السياسية، على أن ذلك لا يمنع من أن «طيبة» كانت لا تزال حافظة لمركزها الديني؛ لأنها مقر «آمون». وكما قلنا في الجزء الرابع من هذا الكتاب كان فراعنة الأسرة التاسعة عشرة يريدون الابتعاد عن نفوذ كهنتها الذين كانوا قد تسلطوا تسلطًا عظيمًا على كثير من مرافق البلاد (راجع الجزء الرابع). وقد وصل إلينا خطاب نموذجي من الخطابات التي كانت تُعلَّم في المدارس في تلك الفترة، كتبه معلم يُدعى «أمنمؤبي» لتلميذه «بيبيس». وهذه الرسالة تصف لنا عظمة هذه المدينة، ورغد العيش الذي كان يتمتع به أهلها، وسنوردها فيما بعد، هذا وقد ذُكرت هذه المدينة في لوحة بركات الإله «بتاح «. وتدل شواهد الأحوال على أن هذه المدينة كان قد بُدئ العمل فيها في العهد الذي اشترك فيه «رعمسيس» مع والده في الحكم، بل يحتمل أن «رعمسيس» قد اتخذها مركزًا له، ولما توفي والده وانفرد بالحكم نقل الحكومة إليها.
.............................................
1- راجع: Gardiner Onomastica II, p. 171, 199, 278 ff..
2- راجع: J. E. A. V, 127 ff; 179, 242 ff..
3- راجع: J. E. A. XIX, 122 ff..
4- راجع: Kemi IV, p. 199.
5- راجع: A. S., XXX, p. 31 ff..
6- راجع: W. C. Hayes, Papers of the Metropolitan Museum of New York No 3 (1937).
7- راجع: J. E. A., XXV.
8- راجع: Gardiner, Onomastica II, p. 174; J. E. A., V, p. 131.
9- Gardiner, Onomastica II, p. 279.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|