المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16652 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


آياتُ الله في خلقِ الظِّلال‏  
  
4029   05:09 مساءاً   التاريخ: 13-11-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 235- 24.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-04-2015 1228
التاريخ: 17-5-2016 1566
التاريخ: 17-4-2016 1476
التاريخ: 12-4-2016 5532

هل أنّ الظِّلَّ شى‏ءٌ يمكنُ من خلاله أن تستدل على خالق العالَم؟ نعم .. فقد تمّت الإشارة في آيات القرآن الكريم إلى‏ هذه المسألة التي تبدو عاديةً أثناء وصف نِعَمِ الخالق جلَّ وعلا والتعريف بالذات الإلهيّة المقدّسة ، فهو تعالى‏ يريدُ بيانَ هذه الحقيقة ، وهي أينما يقع بصرُكَ في هذا العالم الملي‏ء بالعجائب والأسرار فانَّ عظمَتهُ تتجلى‏ فيه ، وبراهينُ حكمته وقدرته مكتوبةٌ في جبين كل الموجودات صغيرها وكبيرها.

بعد هذا التمهيد نتأمل خاشعين في الآيات الآتية :

1- {أَلَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيْلًا* ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِليْنَا قَبْضَاً يَسيْراً}. (الفرقان/ 45- 46)

2- {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجِبَالِ أَكْنَاناً وجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيْلَ تَقيْكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}. (النحل/ 81)

3- {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلىَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَىٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِيْنِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِّلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}. (النحل/ 48)

4- {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِى السَّموَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلَالُهُمْ بِالْغدُوِّ وَالآصَالِ}. (الرعد/ 15)

شرح المفردات :

«ظِلال» : جمع‏ «ظِلّ» إلّا أنّ العالِم والمفسرَ المعروف‏ «الراغب» يقول في كتاب‏ «المفردات» : أيُّ مكانٍ لا تشرق فيه الشمس يُعتبر ظِلًا سواء أشرقت عليه سابقاً أم لا ، ولكن‏ «الفي‏ء» على‏ وزن‏ (شي‏ء) ، يقالُ للمكان الذي أشرقت عليه الشمس سابقاً ثم غطّاه الظل.

في حين أنّ بعض أرباب اللغة اتخذَ الاثنين بمعنىً واحد ، وقال البعض إنَ‏ «الظل» هي الظلال التي تنزل أثناء الصباح ، و«الفي‏ء» يُطلقُ على‏ الظلال التي تنزلُ عصراً ، إلّا أنّ المعنى‏ الأول يتناسب كثيراً مع حالات استعمال هذين اللفظين.

ويطلق لفظ «الظل» كنايةً في مورد العزّةِ والمَنعةِ والرفاه والراحة لأنَّ من المعروف أنَّ هذه الأحوال تحصل في الظل‏ «1».

هل إنَّ الظِّلَّ نعمةٌ عظيمة ؟

إنَّ الحديث في هذه الآيات عن الظلال ، والمسألة تبدو وكأنّها عاديَة لكنَّ التفحُصَ فيها يمكنُ أن يُقربَنا ويُعرفَنا أكثر بخالقِ هذا العالم.

ففي الآية الاولى‏ يخاطبُ النبيَّ صلى الله عليه وآله قائلًا : {أَلَمْ تَرَ الىَ ربِّكَ كَيْفَ مَدَّ الْظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً}.

ويضيف في نهاية الآية قائلًا : {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيْلًا} ، ويضيف في الآية التي تليها : {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلْينا قَبْضَاً يَسيراً}.

وهنا ما المقصود بهذا الظِّل الذي يمُّدهُ الباري تعالى‏ ثم يجمعه تدريجياً ؟ قال بعض المفسرين : المقصود هو ظلُّ الليل حيث ينبسطُ على‏ جميع سطح الأرض وينقبض بنحوٍ متناوب ، ويعتبر وجود الشمس دليلًا وإشارة عليه ، إذ «تُعرفُ الاشيَاءُ بأضدادها».

ويعتبره البعض إشارةً إلى‏ الظلِّ الذي يمتدُّ بين الطلوعين (بين طلوع الصبح وطلوع‏ الشمس) ، فيغطي وجه الأرض وهو افضل الظلال والساعات.

واعتبره البعض بمعنى‏ الظلال التي تحصل أثناء النهار بسبب اصطدام ضوء الشمس بالجبال والأشجار وبقية الاجسام ، ثم ينتقل تدريجياً.

من هنا حيث لا تتعارض هذه التفاسير الثلاثة ، وبما أنّ تعبير الآية مُطلق وجامع ، فيمكن أن يكون إشارة إليها كلها إذ إنَّ كلًا منها نعمةٌ ثمينة.

إننا نعلمُ أنّ اللَّيلَ في الواقع هو ظل نصف الكرة الأرضية الذي يقع أَزاء الشمس ، الظلُّ المخروطي الشكل الذي يمتد في الفضاء في الجهة المقابلة ويتحرك باستمرار ، ولولا ظلُّ اللَّيل لاحترقت كافة الكائنات الحية بفعل ضوء الشمس والحرارة الناتجة عنه ، وهلكَ النسل البشري بسرعة.

وكذلك لولا وجود سائر أنواع الظلال ، ولو كان الإنسان مجبوراً على‏ قضاء النَّهار تحت الشمس لوقَعَ في حَرَجٍ بالغٍ ، ولأصبحت الحياةُ شاقةً بالنسبة له لاسيما في فصل الصيف ، إنَّ اللَّهَ تعالى‏ فتحَ الظل للإنسان كي ينالَ الراحة والاستقرار هو ومن يتعلق به.

وبتعبيرٍ آخر فانَّ بعض الأشياء خُلقت‏ «معتمة» ، والبعض خُلق‏ «شفافاً» بحيث يعبرُ النور من خلاله ، فلو كانت كل الأشياء شفافةً فلا وجود للظلِّ اطلاقاً وستتبدلُ حياة الإنسان مقابل ضوء الشمس المستمر إلى‏ جهنم محرقة ، وإذا تفكَّرَ الإنسان قليلًا في هذا المجال فسيتعرف على‏ عظمة وأهميّة هذه النعمة ويتمكن من خلال ذلك الوصول إلى‏ الخالق الحكيم.

ولعلَّ التصريح ب «النظام التدريجي للظِّل» في الآيةِ أعلاه إشارة إلى‏ هذه الحقيقة وهي لو أنَّ الظِّلال تحصل أو تزول فجأة لأدّت إلى‏ اضرار جسيمة ، إذ لا يخفى‏ على‏ أحد الاضرار الناتجة عن الانتقال المفاجي‏ء من النور إلى‏ الظلام وبالعكس ، أو من الحر إلى‏ البرد وبالعكس.

ولكنَ‏ «الظِّل» بما له من بركاتٍ ولطفٍ ، مضرٌ أيضاً فيما إذا دام وخَلُدَ لأنَّه يحرم الإنسان من نعمة النور ، لهذا يقول في الآية أعلاه : {وَلَو شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً} ، (ولكنه للطفه وكرمه لم يفعل ذلك كي يَنَعُمَ العباد بنعمة النور والظِّل على‏ السواء).

ويقول في الآية الثانية التي تمَّ بيانها ضمن آيات التوحيد في سورة النحل ، بعد تعداد بعض آيات الآفاق ونِعَمِ الخالق جلَّ وعلا : {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَق ظِلَالًا}.

قال بعض المفسّرين‏ : إنَّ المقصود هنا الأشياء التي تتسبب في ايجاد الظّلال ، كالجبال والأشجار ، والغيوم ، والسقوف والجدران‏ «2».

وممّا لا شكَّ فيه لو كانت جميع الاشياء- كما المحنا سابقاً- شفافةً ومضيئة كالبلور ، ولا وجود للظلِّ في العالم لكانت الحياة غير ممكنة بالنسبة للإنسان.

ويشير سياق الآية إلى‏ سائر النِّعم التي هي في الواقع مكملةً لوجود الظلِّ ، كالملاجى‏ء المستحدثة في الجبال على‏ هيئةِ مغاراتٍ وكهوف ، والتي تقي الإنسان من حرارةِ الشمس المحرقة ، كالدرع حينَ يَصُدُّ طعنات العدو في ساحة الحرب : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبَالِ أَكنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابيْلَ تَقِيْكُمْ بَأسَكُمْ} «3».

وهنا لماذا أشار في الآية الآنفة إلى‏ اللباس كوقاءٍ للحفظ من الحَرِّ فقط ، من دون الإشارة إلى‏ البرد؟ يقول بعض المفسِّرين : لأنَّ المناطق التي نزلت فيها هذه الآيات ، المتداول فيها مسألة الحر بكثرة ، أو لكثرة وزياده اخطار الحرارة والاحتراق عند مواجهة الشمس ، في حين تتزايد طرق وقاية الإنسان لمواجهة البرد.

ولكن لا يجب نسيان أنّ في آداب العرب حينما يريدون التلميح إلى‏ ضدّين فهم يحذفون أحدَهُما في أغلب الموارد ويذكرون واحداً فقط ، وهذا الأثر له قرائن كثيرة.

والجدير بالاهتمام أنّه يقول في نهاية هذه الآية بعد ذكر هذه النِّعم الثلاث (الظلال ، والمساكن ، والملابس) : {كَذلِكَ يُتِمٌّ نِعْمَتَهُ عَلَيِكُم لَعَلَكُمْ تُسْلِمُونَ}.

نعم .. فالتأمل بهذه النِّعَمِ وأسرارها المختلفة يعرِّفُ الإنسان بعلمِ وقدرة اللَّه تعالى‏ من ناحيةٍ ، ومن ناحيةٍ اخرى‏ يدفعُ إلى‏ التسليم إلى‏ أوامر الخالق جلَّ وعلا ذي اللطف والرحمة ، من خلال تحريك الشعور بالشُّكر له.

وفي الآية الثالثة يوجه اللوم والتوبيخ للمشركين في آيات التوحيد فيقول :

{أَوَلَمْ يَرَوْا الىَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَى‏ءٍ يَتَفَيَّؤا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِيْنِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} «4».

أيٌ تعبيرٍ لطيفٍ هذا؟ فقد خضعت الظلالُ بأسرها وسجدت أمام ذاته المقدّسة ، لأنّها مُسَلِّمةٌ لأمرِهِ وهذا التسليم والخضوع أمام قوانين الخالق هو سجودها لحضرته تعالى‏.

فكيف يتضاءل الإنسان أمام الظلال ، ويسجدُ للأصنام ، ولا يسجدُ للخالق جلَّ وعلا ؟ !

إنَّ سجودَ الظِّلالِ جزءٌ من سجود كافة الكائنات في السماء والأرض ، ولهذا فقد أشار في سياق هذه الآية إلى‏ هذا السجودِ العام ، فقال : {وللَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّمواتِ ومَا فِى الأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ}.

وهنا سُتطرحُ بحوثٌ مفصلّة خلال بحث السجود العام لموجودات العالم أمام الباري عزّوجل ، على‏ أيّةِ حالٍ ففي هذه الآيةِ إشارة لطيفة إلى‏ أهميّة الظلال وآثارها حيث تصلح كمصدرٍ لإلهام التوحيد.

وفي الآية الرابعة يضع الظّلال في جُملة موجودات السماء والأرض التي تخضع وتسجدُ للَّه ‏تعالى‏ ، فيقول : {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والآصَالِ}.

وربّما يكون التعبير بـ {طَوْعاً وَكَرْهاً} إشارة إلى‏ تسليم الموجودات العاقلة وذات الاحساس رغبةً وطوعاً ، وإلى‏ تسليم الموجودات غير العاقلة كالظلال للأوامر الإلهيّة فتسجد قوانين الخلق الاجبارية.

أو إلى‏ أنّ المؤمنين يسجدون رغبةً وطوعاً ، وغيرُ المؤمنين الذين ليس لديهم الاستعداد للسجود طوعاً فإنّ جميعَ ذرات وجودهم مسلِّمة للَّه‏ تعالى‏ بحكم قوانين الخلق الاجبارية ، وقد جبلوا على السجود التكويني أمام ذاته المقّدسة.

أو أنّ المؤمنين يُمَرِّغون جباهَهُمْ بالتراب أزاءه في كل الأحوال (في الراحة وعند حلول المشكلات ، مطمئنين كانوا أم مضطربين) ، إلّا أنّ الكافرين لا يتوجهون نحوه إلّا حينما تباغتهم المشاكل.

وممّا لا شك فيه أنّه ليس هنالك تعارضٌ بين هذه التفاسير الثلاثة ، ويمكنُ جمعُها في مفهومٍ واحدٍ.

والتعبير ب «مَنْ» في الآية أعلاه مع أنّه يختص بأصحاب العقول حسب الظاهر ، إلّا أنَّ من المحتمل أن يكون له مفهومٌ عامٌّ فيشمل كافة الموجودات العاقلة وغير العاقلة ، فيصبح التعبير ب «مَنْ» من باب التغليب.

وأمّا تعبير «الغدو» و«الآصال» (الصباح والمساء) فلعلّه كان بسبب إمكانية زوال الظلال وسط النهار ، أو كونها ضئيلة جدّاً ومحدودة ، في حين أنّها ليست كذلك في الصباح والمساء ، وفضلًا عن ذلك ، فإنّ هذا التعبير جاء في الكثير من الحالات لبيان الديمومة والتعميم ، فمثلًا تقول : إنّ الشخص الفلاني يدرس صباحاً ومساءً ، أو إنّه يؤذي شخصاً آخر ، أي إنّه كذلك على‏ الدوام.

يُستفاد من مجموع هذه الآيات أنَّ القرآن الكريم يولي اهتماماً خاصاً حتى‏ للظلال ، ويعتبرها من آيات عظمة اللَّه ، والتعبير ب «السجود» الذي هو غايةُ الخضوع إشارةٌ إلى‏ هذا المعنى‏.

توضيح‏

لو لم تكن هناك الظلال ...؟!

من أجل ادراك أهميةِ أيّ موجودٍ لابدّ من احتمالِ زواله تماماً في لحظةٍ أو يومٍ أو شهرٍ ما ، ثم الالتفات إلى‏ آثاره.

والأمر كذلك في مسألة الظلال التي تبدو موضوعاً عادياً وغير مهم للوهلة الاولى ، ولكن افرضوا أنّ كل أنواع الظلِّ والمظلات رُفعت عن الكرة الأرضية لمدّة اسبوعٍ ، فلا جبال ، ولا أشجار ، ولا حائط بيتٍ ولا سقف ، ولا حتى‏ ظلَّ نصف الكرة الأرضية الذي يُغطي النصف الآخر وهو الليل ، واختفت كلّها بصورة مفاجئة ، وتبدلت جميع الأجسام في هذا العالم إلى حالةٍ كالبلور ونفذ ضوء الشمس من خلالها ، فكم ستصبح الحياة صعبةً وغير قابلة للتحمل؟ إذ يشعُ ضوء الشمس باستمرار ، ويتعرض له كل شى‏ء ، ويسلبُ كل أشكال الاستقرار والاطمئنان والراحة من الإنسان وسائر الموجودات ، ولو حدثت مثل هذه الفرضية في فصل الصيف فسوف تهلك جميع الكائنات الحية خلال فترة قصيرة.

بناءً على‏ ذلك يمكن القول أنّ لوجود الظلال دوراً مؤثراً جدّاً في حياة الإنسان للأسباب الآتية :

1- إنّ وجودَ الظلال ضروريٌّ للغاية من أجل تخفيف ضوء وحرارة الشمس ، لأنَّ الأشعة الحياتية للشمس لو لم تُخفَّف بالظهور المتناوب للظلال ستُفني كل شى‏ء وتحرقه خلال فترة قصيرة.

يقول الفخر الرازي في تفسيره : «إنّ الظل هو الأمر المتوسط بين الضوء الخالص وبين الظلمة الخالصة ، وهو ما بين ظهور الفجر إلى‏ طلوع الشمس ، وكذا الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأفنية الجدران ، وهذه الحالة أطيب الأحوال ، لأنّ الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس ، وأمّا الضوء الخالص وهو الكيفية الفائضة من الشمس فهي لقوتها تبهر الحس البصري وتفيد السخونة القوية وهي مؤذية ، فإذن أطيب الأحوال هو الظل ، ولذلك وصف تعالى‏ الجنّة به فقال : {وظِلٌ مَمْدُودٌ} «5».

2- يبدو أنَّ دور الظلال لاسيما الظلال المتحركة حيويٌ جدّاً بالنسبة للمسافرين وقاطعي الصحراء ، فهؤلاء يستطيعون الاستعانة بالخيام ووسائط النقل المسَقَّفة من وقاية انفسهم أزاء أخطار أشعة الشمس المباشرة.

3- والمسألة الاخرى‏ الجديرة بالاهتمام ، هي أنّه خلافاً للتصور العام فانَّ النور لا يكفي لوحده لرؤية الأشياء ، بل يجب أن يكون متزامناً مع «الظلال» كي تتوفر إمكانية رؤية الأشياء ، وبعبارة أكثر جلاءً :

لو أنّ النورَ يشعُ على‏ موجودٍ ما من أربعة جهات بحيث لا يوجد أيُّ شكلٍّ للظل أو بعضه ، فلا يمكن رؤية ذلك الشي‏ء الذي يغرقُ في النور المتساوي من جميع الجهات ، اذن فكما لا يستطيع الإنسان رؤية الأشياء في الظلام المطلق ف هو غير قادرٍ على‏ رؤية الأشياء في النور المطلق أيضاً ، بل يجب أن يتظافرا معاً كي تتيسر رؤية الأشياء (فتأمل جيداً).

فالخالقُ الذي أناطَ هذه الأدوار المهمّة والحيوية لموجودٍ عاديٍّ بهذا المستوى‏ ، جديرٌ بالعبودية والخضوع والسجود.

نختتم هذا الحديث بعبارةٍ لأحد المفسّرين ، إذ يقول لمن غَفَلَ عن السجود للَّه ‏تعالى‏ :

«أمّا ظلك فسجد لربك وأمّا أنت فلا تسجد له بئسما صنعت» «6».

_____________________
(1) لسان العرب؛ ومفردات الراغب.

(2) تفسير روح المعاني ، ج 14 ، ص 186؛ وتفسير القرطبي ، ج 6 ، ص 3775.

(3) «سرابيل» جمع «سربال» (على‏ وزن مثقال) وقد فسَّرها البعض بكل أنواع الملابس ، واعتبرها البعض بمعنى‏ الرداء (حيث يرتدون الدرع كالرداء) إلّا أنّ المعنى‏ الأول اكثرُ تناسباً هنا.

(4) «يَتَفَيَؤا» من مادة «في‏ء» وتعني العودة والرجوع ، ويحصرها بعض أرباب اللغة بمعنى‏ ظلال الأشياء حين عودة الشمس عصراً ، واطلاقها على‏ غنائم الحرب يعود إمّا بسبب رجوع المسلمين بها ، أو زوالها أو فنائها النهائي كالظلال ، و«داخر» تعني المتواضع.

(5) تفسير الكبير ، ج 24 ، ص 88.

(6) التفسير الكبير ، ج 20 ، ص 43.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .