شملت المعارف الاسلامية والعربية التي تزود بها الغرب الأوروبي وكانت اساساً للنهضة الأوروبية جميع الميادين الحضارية. فالطب عند العرب والمسلمين ارتقى الى اعلى مكانته في العصور الوسطى، بعد ان استوعبوا طب اليونان وعلومهم. وكانت تأليفات الرازي حول الجدري والحصبة وكتابيه الشهيرين والمعروفين بالمنصوري والحاوي يعدان من أحسن ما كتب في هذا الميدان. وقد ترجم الكتاب الاول جيرار الكريموني الى اللاتينية بينما ترجم الكتاب الثاني فرج بن سالم للملك شارل دانجو وطبع لأول مرة سنة 1486 واستمرت طباعته تتجدد حتى القرن الثامن عشر نظراً لرواج تدريسه في جامعات اوروبا (1). اما ابن سينا أشهر اطباء عصره فقد كتب: القانون في الطب وللدلالة على أهميته نشير هنا الى قول مايرهوف «انما هو تركيز لتراث المعارف الطبية اليونانية مضافاً اليها الزيادات العربية. فكان تأثيره على الطب عاماً وشاملاً. وهذا الكتاب يعتبر العمل الفريد وقمة المجد في تكوين المذاهب العربية. ترجمه جيرار الكريموني في القرن الثاني عشر الى اللاتينية وتوجد منه نسخ خطية لا حصر لها. ولقد طبع في الثلاثين سنة الأخيرة في القرن الخامس عشر ست عشرة طبعة. وهذه الطبعات لا تشتمل على ما طبع من اجزائه طبعات متفرقة او ما ألف في شرحه باللاتينية والعبرية واللغات الدارجة (الناشئة عن اللاتينية) فإنها سواء منسوخة أو مطبوعة لا يحصيها العد. واستمر العالم الاوروبي في طبع الكتاب وتدريسه حتى نهاية القرن السابع عشر. وربما لم يدرس كتاب في الطب على مر العصور كما درس هذا الكتاب. ولقد بلغ الطب الاسلامي عن طريق ابن سينا عميد الأطباء واميرهم اوج عظمته» (2). ومن الاطباء العرب الذين نبغوا في الاندلس واقتصرت دراساتهم على هذه المهنة فقط ابن زهر واهم كتبه «التيسير في المداواة والتدبير». كما يعتبر علي بن عيسى من اطباء العيون الشهيرين الذين بقيت كتبهم رائجة في اوروبا حتى القرن الثامن عشر. لم يقتصر نبوغ العرب والمسلمين في المجال الطبي على هذه الشواهد من الاطباء النابغين فقط. اذ ان تطور صناعة الطب المختلفة ارتبطت بازدهار علم الصيدلة وإقامة المؤسسات الطبية المجانية كما ارتبطت هذه المهنة ايضاً بوجوب الحصول على ترخيص من الدولة. وهكذا ساهم العرب والمسلمون في احياء علم الطب وتطويره ورفعه فوق مستوى الشعوذة والخرافات، وتسخيره في خدمة الانسانية. فكانت مساهمة عظيمة في حضارة العصور الوسطى وشمعة مضيئه في تراثهم الحضاري. ويرجع أكبر الفضل في بقاء الطب العلمي في بلاد الغرب اثناء العصور (المظلمة) الى الأطباء اليهود الذين نشروا المعلومات الطبية اليونانية - العربية في بلاد العالم المسيحي، وذلك عن طريق الثقافة البيزنطية التي انتشرت في جنوبي ايطالية وترجمة الرسائل الطبية اليونانية والعربية الى اللغة اللاتينية) (3). هذا ولم يكن نبوغ العرب والمسلمين في مجال العلوم يقل اهمية عما ابتدعوه في صناعة الطب. وقد تجلت مآثرهم العلمية في اختراعاتهم واكتشافاتهم وابحاثهم التي وضعوها في الحساب والجبر والهندسة والفلك وعلم البصريات التي اثبت العلم الحديث مدى صحتها. فكان استعمال الصفر والكسر العشري والارقام الهندية في العمليات الحسابية بمثابة ثورة حقيقية في تاريخ الحضارة. فالخوارزمي يعد من أبرز الشخصيات العلمية في العصور الوسطى الذين اشتغلوا في علم المثلثات والجبر كما اشتهر كل من ثابت بن قرة ونصير الدين الطوسي والفرغاني بمؤلفاتهم الفلكية والبتاني بعلم حساب المثلثات اذ كان خطأوه في طول السنة الشمسية لا يتعدى الدقيقتين. اما البيروني شيخ علماء عصره فلم يترك علماً من العلوم الا وكتب فيه. فتجلت بحوثه في الفلك والتنجيم والأرقام الهندية والاسطرلاب والكثافة النوعية. ويعتبر الحسن بن الهيثم من أعظم علماء الطبيعة الذين وضعوا اسس علم البصريات حيث «أرسى قواعد الفكرة في ان الضوء هو العامل أو المؤثر الخارجي الذي يحدث منه أحساس البصر، وهي فكرة لم تكن مقررة ولا معتمدة (4). ومما هو ثابت ايضاً ان العرب والمسلمين يعتبرون من واضعي اسس علم الكيمياء لما ادخلوه على هذا العلم من الدقة والملاحظة والتجارب (5). . ويكاد المسلمون يكونون هم الذين ابتدعوا الكيمياء بوصفها علماً من العلوم، ذلك ان المسلمين ادخلوا الملاحظة الدقيقة، والتجارب العلمية والعناية برصد نتائجها في الميدان الذي اقتصر فيه اليونان - على ما نعلم - على الخبرة الصناعية والفروض الغامضة. فقد اخترعوا الانبيق وسموه بهذا الاسم، وحللوا عدداً لا يحصى من المواد تحليلاً كيميائياً، ووضعوا مؤلفات في الحجارة وميزوا بين القلويات والاحماض، وفحصوا عن المواد التي تميل اليها، ودرسوا مئات من العقاقير الطبية، وركبوا مئات منها (6). كانت مساهمة العرب في تطوير علم الجغرافيا تسير جنباً الى جنب بقية العلوم. فكانت الجغرافيا الوصفية اهم منجزاتهم في هذا الحقل فنبغ منهم المسعودي في «مروج الذهب» وياقوت في (معجم البلدان)، والادريسي في نزهة المشتاق. ومما ينسب إليهم كذلك تصحيحاتهم للأخطاء التي وردت» في كتاب بطليموس الجغرافي ووضعهم لخطوط الطول والعرض. ويذكر ابو الفدا في تقويم البلدان ان السفر حول الأرض باتجاه الغرب ينقص يوماً وفي اتجاه الشرق يزيد يوماً مما يدل على ايمانهم العميق بكروية الارض التي كان يُرمى قائلها في اوروبا بالهرطقة ومخالفة نصوص الدين.

................................................

1- انظر جلال مظهر: مرجع مذكور ص242.

2- ول ديورانت قصة الحضارة الجزء (17) ص 188.

3- عبد الحليم منتصر : المجلة العربية السنة الثانية العدد الثاني 1977 مقالة عن اثر العرب والاسلام في النهضة الأوروبية.

4- جلال مظهر مرجع مذکور ص 295.

5- للمزيد راجع عمر فروخ: عبقرية العرب في العلم والفلسفة . منشورات المكتبة العصرية الطبعة الثانية 1969، ايضاً عبد الحليم منتصر: تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه، دار المعارف بمصر الطبعة الرابعة 1971.

6- ول ديورانت : قصة الحضارة الجزء (13) ص187