أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-23
![]()
التاريخ: 2024-06-27
![]()
التاريخ: 2024-12-24
![]()
التاريخ: 2025-01-25
![]() |
لقد هال رجال البلاط والقائمين على شئون المملكة في عهد «توت عنخ آمون» ما انزلقت إليه البلاد من الضعف والفساد في أيام سلفه؛ فصحت نيتهم على إنهاض البلاد من كبوتها في الخارج وإنقاذ مرافقها في الداخل، فعملوا على أن يعيدوا إليها مجرى الحياة الطبعية الذي كان قبل عهد «إخناتون» الزائغ عن دينه في نظرهم، فأعادوا عبادة الآلهة القدامى، وأنقذوا البلاد من الفوضى الدينية المحزنة التي وقعت فيها، ولذلك يقول «توت عنخ آمون» في لوحة تذكارية «بالكرنك» يصف حالة البلاد عندما تولى أمرها ويتحدث بمجهوده في إصلاحها وتعميرها:
لقد وجدت المعابد قاعًا صفصفًا، والجيوش المصرية منهزمة في فينيقية، والآلهة قد ولَّت ظهورها للأهلين في طول البلاد وعرضها، فلا تسمع نداءهم ولا تستجيب دعاءهم، ولكنني أصلحت الحال؛ لأن الإله نفسه قد صوَّرني، وأرواح «عين شمس» مجتمعة قد سوَّتني، وإنني ملك رصين مخلد، وحاكم يعمل لسعادة آبائه الآلهة، ويسيطر على أرض «حور» (مصر)، وتنحني أمامي البلاد الأجنبية وغيرها إجلالًا، وقد أعدت بناء ما هدمته الأزمان الغابرة، وقضيت على الكذب ودعمت الصدق. ولقد رسم «توت عنخ آمون» هذه الخطة لنفسه في جلسة ملكية في قصر «تحتمس الأول» بطيبة مقر حكمه الجديد؛ ولذلك كان أول عمل قام به أنه عظم شأن الإلهين «آمون طيبة» و«بتاح منف»، ولم يثنه ذلك عن التفكير في الآلهة الآخرين؛ فقد أرجع عبادتهم في معابدهم، ورصد لهم دخلًا عظيمًا، وبنى لهم سفن الآلهة التي كانت تُقام في عرض النيل لتستعمل في المحافل، وعند زيارة إله لآخر، ونصب لخدمتهم كهانًا وخدمًا من بين عظماء مدنهم، ممن صح نسبهم، وثبتت عراقتهم، بخلاف أولئك الذين رقَّاهم «إخناتون» وقلَّدهم هذه الوظائف وهم من سوقة الناس وعامتهم، كما وهب خزائن هؤلاء الآلهة مالًا وفيرًا، ورصد للمعابد من غنائم الحرب القينات والعبيد، وخصص لها المغنيات والراقصات لينهضن بالشعائر الدينية التي كان لهن دور كبير فيها. ولم ينسَ «توت عنخ آمون» أن يعيد مظاهر الدين القديم إلى معبد «الأقصر»؛ فأرجع اسم الإله «آمون» الذي أزاله «إخناتون» وصوره التي محاها من هذا المعبد ومن غيره، ثم أخذ في إتمام بنائه بعد الجزء الذي كان والده قد أتم تشييده، ودوَّن اسمه على الجزء الذي بناه، وزيَّن جدران قاعة العمد بالمناظر والنقوش التي تصور الحفل بعيد رأس السنة الذي كان يُقام لآلهة «طيبة»، وبخاصة لثالوث «طيبة» المؤلف من الإله «آمون» وهو الأب، والإلهة «موت» وهي الأم، والإله «خنسو» وهو الابن (راجع “Ancient Egypt”, 1924, Part. III, p. 69). ولقد أمر «توت عنخ آمون» كذلك بقطع تماثيل ضخمة لنفسه من حجر الكوارتسيت (1)، تبدو فيها نفس القسمات البادية في وجوه تماثيله التي نصبها لنفسه في معبد الكرنك، وفي غطاء الوجه الذي وُجد في قبره. والظاهر أنه قطع هذه التماثيل الضخمة تحتل مكانها في معبده الجنازي (وهو معبد كان يقيمه كل فرعون من فراعنة الأسرة الثامنة عشرة على الضفة اليمنى للنيل في «طيبة» قريبًا من مكان دفنه؛ لتُقام فيه المراسيم الدينية، وتُقدم القربان فيه). ومن الجائز أنه قد وُضع تصميم هذا المعبد في مدينة «هابو»، ولكن مما يُؤسف له أن هذه التماثيل (2) قد اغتصبها لنفسه خلفه الملك «آي« (3) الذي كان من أكبر أعوانه مدة حياته، غير أن ربك بالمرصاد، فسقاه من الكأس التي شرب منها «توت عنخ آمون»، فاغتصبها منه بدوره خلفه «حور محب» كما اغتصب كل شيء أقامه سلفاه. ومن المحقق أن ملكًا مثل «توت عنخ آمون» يحكم تسعة أعوام طوال، ويشيد جانبًا كبيرًا من معبد الأقصر الهائل، ويجمع لنفسه أثاثًا نفيسًا وُجد في قبره؛ لخليق بأن يبني لنفسه مقبرة فاخرة تتفق مع جلاله وغناه، تشابه على الأقل تلك التي بناها غيره من الملوك الذين حكموا مدة تعادل مدته أو تقل عنها، ولكنا وجدناه في مقبرة صغيرة حقيرة لا تتناسب مع الدفين الذي ضمته، ولا مع ما احتوته من فاخر الأثاث، وقناطير الذهب؛ مما يدل على أن هذه المقبرة ليست له، وإنما دُفن فيها بدافع الضرورة الملجئة، والموت الفجائي، ومما يعزز هذا الرأي أن بعض الأثاث الذي دُفن معه كان ضخمًا، وكان من العسير أن تتسع له فتحة الباب، فقاموا بتوسيعها ليسمح بدخول القطع الضخمة من الأثاث أمثال أجزاء المحاريب الكبرى التي وُجدت في هذا القبر، ولقد كان من نتائج هذا الإجراء أن بدا ترتيب المقبرة معكوسًا، فعُكست لذلك المحاريب (4)، واختلفت اتجاهاتها مع الشعائر الدينية، والمعتقدات المعروفة. ويعتقد العالم «لوكاس» أن هذا القبر كان في الأصل للكاهن «آي» صاحب الكلمة العليا في «طيبة» من عهد «توت عنخ آمون»، وليس معنى هذا أن «توت عنخ آمون» لم يفكر في بناء مثوًى له يضم رفاته بعد مماته، ولم يتخذ العدة لنحت قبر يتفق مع مكانة صاحبه وجلاله، بل تدل شواهد الأحوال على أنه قد أخذ فعلًا في نحت مقبرة له في وادي الملوك، وهو تلك التي وُجد عليها اسم «آي» ممحوًّا، ولكنه ما كان يتعجل الأمر، وهو لا يزال غض الشباب طري الإهاب، فقد تولى ملكه في العاشرة أو الحادية عشرة من عمره فما الذي يتعجله وهو ما برح في مقتبل السن، ينتظره العمر الطويل، والحياة الحافلة، وما دام قد أعدَّ كل أثاثه الجنازي فأي داع يضطره إلى الإسراع في بناء القبر، والشقة بينهما طويلة الأجل! ولكن الموت كان على قيد خطوة منه، فاهتصر عوده اللدن وهو في ميعة الشباب، ودالة الصبا، فمات بعد حكم تسع سنوات حافلات، ولا ندري أي ميتة لاقاها؟ أمات حتف أنفه على فراشه أم انتزعت حياته بفعل وغد أثيم؟ ولكن الذي ندريه أن التاريخ قد أسدل ستارًا كثيفًا على هذه المأساة، وقد يتبدد هذا الستار بفضل كشف جديد في «وادي الملوك» أو بردية مطوية في جوف الأرض توقفنا إلى ملاقاتها الأقدار. والآن نضع هنا أمام القارئ ترجمة حرفية للوحة «توت عنخ آمون» وهي تصف لنا أحوال البلاد التي كانت عليها قبل توليه الملك، والأعمال التي قام بها، وقد اغتصبها «حور محب» عند توليته العرش؛ لاعتقاده أنه هو الذي قام بكل ما جاء عليها من أعمال عظيمة.
............................................
1- راجع: Legrain, “Statues et Statuettes de Rois et Particuliers, I, Cat. Gen. Musee du Caire” Pls. LVII; A. S., Vol. XXXVIII, p. 24.
2- راجع: Holscher, “Madinet Habu (Morgenland) Vol. XXIV, Pl. 14, fig. 33.
3- راجع: Holscher, “The University of Chicago Oriental Institute” (ed. Breasted) I, Pl. 33.
4- راجع: A. S., Vol. XL, Pls. XXI, XXII.
|
|
ليس التفاح.. أطباء يكشفون فاكهة تبقيك بعيدا عن الاكتئاب
|
|
|
|
|
إيلون ماسك يعلن تعرض منصة "إكس" لهجوم سيبراني "ضخم"
|
|
|
|
|
مركز الثقافة الأسرية ينظم أمسية رمضانية ثقافية لعدد من العوائل المتعففة
|
|
|