أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2016
2180
التاريخ: 28-6-2017
15204
التاريخ: 20-2-2022
1883
التاريخ: 28-6-2017
14679
|
قبل الحكم على ثقافة معينة بأن لها دوراً ما في هذا المجال أو ذاك، لا بد من التعرف عليها إجمالاً والوقوف على أنواعها ومبادئها، وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه في حركة المجتمع؛ لذا يجدر بنا التعرف على المراد من الثقافة العقلية ومفرداتها، لنرى بعد ذلك ما يمكن أن تؤديه في مشروع النهوض بالأمة وتنزيهها مما علق بها من شوائب وترسبات وتمكينها من تمييز ما يُسوّق إليها من شرق الأرض وغربها، وما ينفعها مما يضرها، وما يحفظ كرامتها وسيادتها، مما يجعلها خانعة تستجدي كل شيء من خارج حدودها.
وليكن تعريفنا وبياننا للثقافة العقلية ببساطة، بعيداً عن التعقيدات اللفظية والمعنوية، فإن الثقافة العقلية هي تلك الثقافة التي تبدأ بالعقل وتنطلق معه، ولا تحيد عنه، فتقف على العقل وما هو المراد به، وما هو عمله، وما هي وظيفته في حركة الإنسان؟ وما هي قوانينه؟
وعلى الثقافة العقلية أن تبين هذا من خلال عنصر من عناصرها، وعلم من علومها، وهو ما يسمى بعلم المنطق، وأهميته في بيانه لقوانين التفكير من أجل الحصول على نتائج ومعارف صحيحة.
كما تتضمن الثقافة العقلية مفردة أخرى تتكفل ببيان المناهج والطرق التي من خلالها يحصل الإنسان على العلوم والمعارف، ويتم فيها بيان صحة الطريق المعرفي أو عدم صحته، وهل يمكن الاعتماد عليه في كسب المعرفة؟ وإلى أي حد ومستوى يعتمد عليه؟ وهو علم المعرفة أو نظرية المعرفة (الأبستمولوجيا).
وهناك خطوة أو مفردة ثالثة من مفردات هذه الثقافة، وهي الرؤية الكونية، والمراد بها نوع من العلم يؤمن للإنسان نظرة شمولية حول ما يحيط به من هذا العالم المترامي الأطراف، من أين بدأ؟ ومن الذي أوجده؟ وإلى أين ينتهي؟ وما هو موقع الإنسان فيه؟
وهو ما يعبر عنه بعلم الفلسفة، فالفلسفة هي: علم يبحث عن الموجودات الحقيقية، وترابط بعضها مع البعض الآخر، وإثباتها بالدليل العقلي البرهاني، بعيداً عن النص وتأويلاته، وما فيها من هرمنوطيقيا النص وتعدد القراءات.
وبعبارة أخرى: إنَّ الثقافة العقلية هي: مجموعة علوم ومعارف تهدف إلى إيصال الإنسان إلى كماله وسعادته من خلال اتباعه للعقل؛ ولذا يمكن تقسيم هذه العلوم والمعارف إلى منظومة معرفية متكاملة، تبدأ بالتفكير وتنتهي بالسلوك. فقسم منها يتكفل بيان القوانين والقواعد التي تضبط حركة الفكر وكيفية التفكير، وعلم آخر يبين القنوات التي من خلالها ترتبط بالواقع المحيط بالإنسان وكيفية الاستفادة منها، ونوع ثالث یعنى بإثبات الحقائق المحيطة بالإنسان من هذا العالم وما فيه من موجودات وخالقه، وكيفية ارتباط بعضها بالبعض الآخر، وهو ما يسمى بالرؤية الكونية. كل ذلك بالبرهان العقلي القطعي.
وهذه العلوم الثلاثة تتكفل الجانب النظري الفكري للإنسان، وهناك قسم من معارف الثقافة العقلية تعنى بالجانب العملي للإنسان، فبعضها يسلط الأضواء على ترتيب المجتمع وإدارته وهو علم السياسة، وبعضها يسلط الأضواء على سلوك الإنسان كفرد وكيفية إدارته لسلوك وتصرفات نفسه وهو علم الأخلاق.
فالعلوم العقلية على خمسة أقسام: المنطق، ونظرية المعرفة، والفلسفة. (الرؤية الكونية)، والسياسة، والأخلاق.
نظرة حول الفلسفة
مما تقدم يعلم أن الفلسفة تتبنى جزءاً كبيراً من إثبات العقائد الصحيحة، إن لم نقل - كما هو نظر بعض المحققين - بل هي بجميعها علم أصول العقائد؛ ولذا تسمّى الفلسفة بالمعنى الأخص بعلم الإلهيات أو الربوبيات.
نعم، يقدمون لها مقدمة يُوضّح فيها بعض القواعد التي يحتاجها الباحث الفيلسوف في إثبات مسائل علمه الحقيقي. ويطلقون على هذه المقدمة اسم الفلسفة بالمعنى الأعم.
إلَّا أن مشكلة هذا العلم كغيره من العلوم العقلية، بقي الغموض والتعقيد يلف أبحاثه من حيث المضمون ومن حيث الألفاظ التي يراد لها أن تؤدي المضمون.
ونحن لا نمانع من وجود بعض البحوث المعمقة والمعقدة التي لا يمكن توضيحها إلا من قبل المتخصصين في حلقات درسهم.
ولكن هذا لا يعني أن مباحث هذا العلم الشريف لا يمكن تبسيطها على مراحل ومستويات، كما هو الحال في المواد العلمية الأخرى كالرياضيات، فإنه من أعقد العلوم قديماً وحديثاً، ولكن مع ذلك فهو يدرس لطلاب الصف الأول الابتدائي. ولم يكونوا ليقدموا لطلاب هذه المرحلة تلك النظريات المعقدة التي تعطى لطلاب الجامعات مثلاً، بل يدخل العلم ضمن منهجية معينة يقسم من خلالها إلى عدة مستويات بحيث تناسب المرحلة العمرية المخاطبة من حيث المضمون، وكمية المادة وأسلوب طرحها.
وليس هذا بالمستحيل، بل ممكن متى ما تضافرت الجهود وناصرها الحزم والإصرار.
وقد يطرأ على ذهن البعض، ويتساءل عن أثر الفلسفة بشكل خاص، وما هو دورها في حركة المجتمع الفكرية والاجتماعية؟
ويمكننا على عجالة أن نقسم آثار الفلسفة إلى قسمين: أحدهما عام والآخر خاص. والمراد من العام ما تشترك به مع سائر العلوم، والخاص هو ما تختص به من آثار دون سائر العلوم.
ولنتحدث عنهما بإيجاز
الأثر العام
الأثر العام هو: ما تشترك في تحقيقه الفلسفة مع كثير من العلوم، وهو أنها تساهم في بناء الإنسان فكرياً وثقافياً، كغيرها من العلوم فكل علم مهمته ملء فراغ معين في ثقافة الإنسان وفكره، وبذلك يحصل له كمال ما يُهيئه لكمال أكبر وأفضل، يقول الحكيم الكبير ابن سينا في (إلهيات الشفاء): (فقد علمت أن العلوم كلها تشترك في منفعة واحدة، وهي: تحصيل كمال النفس الإنسانية بالفعل مهيأة إياها للسعادة الأخروية) (1).
وقد علق الحكيم صدر الدين الشيرازي على هذه العبارة بقوله: (ما من علم إلا ويحصل به ضرب من الكمال للنفس، وبه تخرج النفس من القوة إلى ضرب من الفعل. كيف وهو لا محالة كيفية نفسانية وصورة كمالية ونور به ينكشف شيء من الأشياء؟! فيكون خيراً ومنفعة من هذه الجهة) (2).
فمن هذه جهة تكون الحكمة (الفلسفة) تكمل النفس الإنسانية بكمال ما تشترك مع سائر العلوم، إلا أن الفرق محفوظ بينها، فبعض العلوم أقرب من بعض في تحقيق هذه الغاية، كما أن بعض العلوم تكون أساساً للكمالات الأخروية بشكل مباشر، وبعضها بالواسطة.
الأثر الخاص
ومرادنا من الأثر الخاص هو الأثر الذي لا يحصل إلا بها. وقد ذكر لها آثار ومنافع خاصة كثيرة، منها:
الأول: معرفة حقائق الموجودات على ما هي عليه في الواقع ونفس الأمر، فإن الفلسفة هي العلم الباحث عن الموجود بما هو موجود، بمعنى أنها تبحث عن حقيقته، عن ذاته وذاتياته، وعن علله القريبة والبعيدة وعن لوازمه الذاتية.
وبالتالي فهي تعرّف الإنسان على حقائق الأشياء بحسب الواقع ونفس الأمر، وكفى بذلك كمالاً؛ فإنَّ كمال الإنسان في كون علومه قطعية من جهةٍ، ومطابقة للواقع من جهة أخرى. فهو يعلم الأشياء بنحو تكون مرتسمة في ذهنه ومرتبة فيه كترتبها في العالم الخارجي، وكما يقول الحكماء: (صيرورته عالماً علمياً مضاهياً للعالم العيني) (3).
وهذا هو هدف الفلسفة وغايتها، بأن تبين بالدليل القطعي البرهاني العالم الخارجي كما هو، من دون زيادة ولا نقصان. يقول الحكيم الشيرازي في أسفاره، حين تحدث عن غاية الفلسفة: (اعلم أن الفلسفة استكمال النفس الإنسانية بمعرفة حقائق الموجودات على ما هي عليها والحكم بوجودها تحقيقاً بالبراهين لا أخذاً بالظن والتقليد، بقدر الوسع الإنساني، وإن شئت قلت: نظم العالم نظماً عقلياً على حسب الطاقة البشرية ليحصل التشبه بالباري تعالى... فغايتها انتقاش النفس بصورة الوجود على نظامه بكماله وتمامه، وصيرورتها عالماً عقلياً مشابها للعالم العيني، لا في المادة، بل في صورته ورقشه وهيئته ونقشه) (4).
ويقول الحكيم الملا هادي السبزواري في حاشيته على الأسفار عند كلامه على كون الفلسفة هي أفضل علم بأفضل معلوم: (أما أنها أفضل العلوم، فلأنها علم يقيني لا تقليد فيه أصلاً، بخلاف الباقي... ولأن فضيلة العلم إما بفضيلة موضوعه أو بشرافة غايته أو بوثاقة مبادئه، والكل متحقق في هذا العلم. أما الموضوع، فهو الوجود المطلق الذي هو خير محض، وموضوعات مسائله هي الحق جل جلاله وصفاته وأفعاله وملائكته المقربون.... وأما غايته، فهي صيرورة الإنسان عالماً عقلياً مضاهياً للعالم العيني والفوز بالسعادات الحقيقية، وأما مبادئه، فهي البراهين المعطية لليقين الدائم. وأما أن معلومها أفضل المعلومات، فقد علمت أن المعلوم بها ما هو بخلاف معلومات غيرها، فإنها أعراض من سنخ الحركات أو الكميات والكيفيات أو ما يجرى مجراها) (5).
الثاني: إثبات أصول العقائد بأدلة برهانية ثابتة غير قابلة للنقض.
فإن علم الفلسفة يبحث عن إثبات الواجب وصفاته وأفعاله، وكيفية صدور العالم عنه، وما يترتب على ذلك من مباحث الشرور والقضاء والقدر وكيفية رجوع العالم إليه. وهو مبحث معاد النفوس إلى بارئها وكيفية حشرها بعد موتها، بل يُبحث في بعض كتب الفلسفة عن النبوة والإمامة باعتبارها من أفعاله تعالى (6). كما أن الكثير من الأسئلة المطروحة حول المعاد والكون ومبدئه ومنتهاه لا يوجد علم يتكفل حلها إلا علم الفلسفة (7).
الثالث: بناء رؤية كونية برهانية متكاملة.
يقصد بالرؤية الكونية ما يعتقده الإنسان حول الله تعالى والعالم والإنسان، فإن الإنسان يسير في حياته وأخلاقياته بحسب ما يحمله من رؤية كونية توحيدية أو مادية.
وهذا المقدار قد يكون مشتركاً بين الفلسفة وعلم الكلام أو غيره ولكن هذا العلم يفترق عن غيره بكونه يبحث عن الرؤية على وفق المنهج العقلي الرصين، حيث يقوم بإثبات هذه الرؤية الكونية بكل تفاصيلها بالبراهين العقلية المحكمة التي لا تقبل الزوال ولا البطلان؛ إذ إن من خصائص البرهان التي لا يحققها غيره هي تحصيله اليقين بالمعنى الأخص، والذي يُعنى به اليقين الثابت - الذي لا يزول - المطابق للواقع لأنه يثبت واقع الأشياء عن طريق أسبابها الذاتية الخاصة بها، بطريقة علمية، لا عن طريق الشهرة ومقالات الآخرين، والأعراف والتقاليد والاستحسانات الشخصية.
وعلم الفلسفة يقوم بإثبات الرؤية الكونية بالبرهان؛ ولذا قيل: (فضيلة العلم إما بفضيلة موضوعه، أو بشرافة غايته أو بوثاقة مبادئه والكل متحقق في هذا العلم. أما الموضوع، فهو الوجود المطلق الذي هو خير محض، وموضوعات مسائله هي الحق - جل جلاله - وصفاته وأفعاله وملائكته المقربون وغير ذلك من أعيان الموجودات، وأما غايته، فهي صيرورة الإنسان عالماً عقلياً مضاهياً للعالم العيني والفوز بالسعادات الحقيقية. وأما مبادئه، فهي البراهين المعطية لليقين الدائم) (8).
والنتيجة: إن الفلسفة تمكن الإنسان من بناء رؤية كونية يقينية تمكنه فيما بعد من بناء آيديولوجية سليمة يضبط بها سلوكه العملي يقول العلامة المظفّر: (هدف الفلسفة معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية) (9). ويقول الفياضي في شرحه لنهاية الحكمة عند قول العلامة (نعم هناك فوائد تترتب عليها): (وذلك كتمييز الوجودات الحقيقية عن غيرها، والحصول على رؤية كونية عامة متضمنة لمعرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته، وكإثبات موضوعات سائر العلوم، مما يحتاج إلى الإثبات ولا يكون بديهياً) (10).
وبعد هذه الإطلالة على فوائد الفلسفة، وما نقلناه من أقوال نزر قليل من كلمات أكابر أهل الفنّ، نستطيع أن نقول بأن الفلسفة من العلوم الضرورية للإنسان، والتي لا بُدَّ من دراستها على كل ذي لب؛ باعتبارها العلم الوحيد الذي يكشف الواقع كما هو بحسب نفس الأمر، والعلم الوحيد الذي يُمكن الإنسان من تحصيل اليقين بالرؤية الكونية والعقيدة الحقة؛ ولذا فلا بد من تضافر الجهود من أجل تبسيط مطالبها وتنزيلها لكافة شرائح المجتمع، كما فعل علماء الحساب والهندسة والفيزياء والحياة والطب و..... حيث نزّلوا علومهم إلى كافة مراحل البشر، ومنذ سنواته الأولى، فإن الطالب يدرس هذه العلوم من الصف الأول الابتدائي فلم لا تكون العلوم العقلية كذلك؛ مع ما لها من أهمية وفوائد لا تنكر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ ابن سينا، أبو علي، إلهيات الشفاء، ص 26.
2ـ الشيرازي، صدر الدين محمد، شرح وتعليق على إلهيات الشفاء، ج 1، ص 77.
3ـ انظر: السبزواري، ملا هادي شرح الأسماء الحسنى، ج 1، ص 134 و154، الطباطبائي، محمد حسین، نهاية الحكمة، ص 307.
4ـ الشيرازي، صدر الدين محمد، الحكمة المتعالية، ج 1، ص 47 - 48.
5ـ المصدر السابق، ج 3، هامش ص 51.
6ـ كما فعل الشيخ الرئيس في إلهيات الشفاء، المقالة العاشرة، وقد سرنا على نهجه في كتابنا مبادئ الرؤية الكونية.
7ـ انظر: الفياضي، غلام رضا، تعليقة على نهاية الحكمة، ج 1، ص 30.
8ـ الشيرازي، صدر الدين محمد، الحكمة المتعالية، ج 3، هامش ص 51.
9ـ المظفر، محمد رضا، الفلسفة الإسلامية، ص 77.
10ـ الفياضي، غلام رضا، تعليقة على نهاية الحكمة، ج 1، ص 30
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|